جاء في جزء بيان الفرقة الناجية من النار لأبي حامد أحمد بن محمد بن إبراهيم المقريء :”فليس يدعي أحد من فرق الأمة البراءة من الحديث ، ولا جعله مذهباً بل أجمعوا على تكفير من اعتقد ذلك واطلقه “
أقول : المقريء هذا توفي عام 364 وعليه فإنه أدرك ظهور الفرق كلها ينقل اتفاق كل المذاهب الشيعة بفرقها والخوارج بفرقها والمرجئة بفرقها والأشاعرة والمعتزلة والماتردية وأهل الحديث وأهل الرأي وأهل الظاهر وكل من ينتسب لملة الإسلام على تكفير من ينكر السنة مطلقاً
وحقاً هذا المذهب لم يظهر جلياً إلا في عصر ما بعد الاستعمار والسبب في أن الذين اختلفوا في الصفات والإيمان والقدر والسمعيات والصحابة والخلافة فضلا عن الفروع الفقهية لم يختلفوا في أصل ثبوت السنة النبوية وإن نازعوا في بعض المفردات هو أن ثبوت أن للنبي صلى الله عليه وسلم سنة متبعة يتبعها المسلمون ويفسرون بها القرآن أمر من أعظم الأمور ثبوتاً وقطعية
فإنكاره لا يقل هجنة عن إنكار أن يكون عنترة شاعراً أو فارساً مثلاً بل الهجنة في إنكار السنة أعظم
بل لو أنكر شخص وجود رجل اسمه أبو جعفر المنصور كان أول الخلفاء العباسيين وأسقط الخلافة الأموية لكان منكر وجود أصل السنة أشد هجنة
فالصحابة الذين افترقوا في الأمصار في العراق وبلاد فارس والحجاز والشام واليمن ومصر وغيرها من البلدان كلهم كان يروي سنن النبي صلى الله عليه وسلم وتلقاها أهل الأمصار عنهم واتفقوا على أمور كثيرة من ذلك واختلفوا في أمور بسبب خفاء بعض السنن على بعضهم أو اختلاف مسالكهم في الجمع بين النصوص
وأما أهل الأهواء فعامتهم ينكر بعض الأحاديث ثم يقول بما هو أضعف منها من ناحية القوة غير أن القوي خالف هواه أو فهمه المنحرف للمتشابهات أو خالف ما يسميه معقولاً وهو فلسفة معقدة تحتوي التناقض فرد هذه الأحاديث والأخرى قبلها
وكان أحظى الناس في هذا الباب أهل الحديث الذين قبلوا ما قبله جميع الناس وقبلوا ما هو أقوى منه مما رده بعض الناس وتناقضوا وجعلوا حديث رسول الله فاصلاً في النزاع وليس خصماً أو شاهداً من الشهود له معارض مكافيء
فكما يعرف المشتغلون بالأدب أن القصيدة الفلانية هي يقيناً لعنترة أو لحاتم ثم قد يختلفون في قصيدة أخرى وقد يجزم كل مختص منهم بأن القصيدة التي فشا في العامة أنها لعنترة أنها ليست له لتخصصهم في الأمر وإدراكهم لطريقة إقامة الأدلة في الباب
فأهل الحديث أعظم وأعظم فهماً ونظراً في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بذلوا في ذلك الجهود العظيمة من رحلة وجمع وتصنيف وسماع وامتحان للرجال وتنقيب عن أحوالهم ثم وضعوا الشروط الشديدة لقبول الأخبار
وعليه المشكك في سنة رآها المحدثون متواترة مثل الرجم أو نظائرها من الأحكام التي يستقبحها بعض الناس لداعي الاستسلام لفلسفات متناقضة سادت في هذا العصر هو المطالب بالبينات على دعواه وليس ثمة بينة تناقض اتفاق أهل الحديث على مر الأعصار بل وتجد معهم أهل الأهواء أيضاً
ولا يختلف عن منكر السنة بالكلية ذلك المتشهي الذي جعل هواه حاكماً على السنة فما وافق هواه قبله وما خالفه رده أو يفسر القرآن تفسيراً شاذاً ويجعل هذا التفسير حكما على حديث من نزل عليه القرآن ويمارس مغالطة التسوية بين فهمه للقرآن وهو فهم شاذ خالفه كل أهل التخصص ونفس القرآن فيقول : هذا الخبر مخالف للقرآن ! وهو يخالف فهمه الشاذ للقرآن