قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (5/ 275) :”أَبُو سَلَمَةَ المِنْقَرِيُّ:
حَدَّثَنَا أَبَانٌ العَطَّارُ، قَالَ:
ذُكِرَ يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ
عِنْدَ قَتَادَةَ، فَقَالَ: مَتَى كَانَ العِلْمُ فِي السَّمَّاكِيْنَ؟!
فَذُكِرَ قَتَادَةُ عِنْدَ يَحْيَى، فَقَالَ: لاَ يَزَالُ أَهْلُ البَصْرَةِ
بِشَرٍّ مَا كَانَ فِيْهِم قَتَادَةُ
قُلْتُ: كَلاَمُ الأَقْرَانِ يُطْوَى
وَلاَ يُرْوَى، فَإِنْ ذُكِرَ، تَأَمَّلَهُ المُحَدِّثُ، فَإِنْ وَجَدَ لَهُ مُتَابعاً،
وَإِلاَّ أَعرَضَ عَنْهُ”.
أقول : هذه الكلمة من الذهبي أخذها كثيرون مسلمةً ، والواقع أن الأمر خطير
فيحيى بن أبي كثير وقتادة من الستة الذين عليهم مدار الإسناد، فالكلام عنهم ينبغي أن
يكون بتحفظ:
فأولاً : هل فعلاً صح هذا الكلام ؟
وثانياً : هل هو كلام أقران داعيه الحسد والمنافسة ، أم له مقدمات شرعية
معتبرة ؟!
أما عن الصحة فلا يصح !
قال البغوي في الجعديات 884 : حدثنا محمد بن هارون الحربي ، نا موسى بن
إسماعيل ، نا أبان العطار قال : ذكر يحيى بن أبي كثير عند قتادة ، فقال : «متى كان
العلم في السماكين؟»
هذا إسناد ظاهره الصحة غير أن
محمد بن هارون الحربي قد خولف في السند.
قال البغوي في الجعديات 883 : حدثنا أحمد بن منصور ، نا أبو سلمة قال
: نا جبير بن دينار قال : سمعت ابن أبي كثير يقول : لا يزال أهل البصرة بشر ما أبقى
الله فيهم قتادة
وكان قتادة يقول : متى كان العلم
في السماكين ؟
قال أبو سلمة : يعرض بيحيى بن
أبي كثير . يعني كان أهل بيته سماكين.
وقال ابن أبي خيثمة في تاريخه 1257 : حَدَّثَنَا مُوسَى بْن إِسْمَاعِيلَ,
قَالَ: سَمِعْتُ جُبَيْر بن دينار, يقول: سَمِعْتُ قَتَادَة يَقُولُ: متى كَانَ العلم
فِي السَّمَّاكِين – يَعْنِي: يَحْيَى بْن أبي كثير
فالخبر خبر جبير بن دينار وليس خبر أبان العطار.
ومن هو جبير بن دينار ؟
الجواب : هو مجهول ليس له إلا هذا الخبر في الكتب ! ، فمثله لا يعتمد على
خبره ولا يبنى عليه تلك القصور والعوالي التي بناها كثيرون في مسألة كلام الأقران.
ثم إن داعي المنافسة يكاد يكون منتفياً بين قتادة ويحيى بن أبي كثير فإن
يحيى إمام أهل اليمامة ، وقتادة في البصرة والتباعد القطري مظنة اندفاع الحسد
وهما عالمان ورعان يبعد أن يتكلما
بكلام فيه هذه الجفوة بغير مقدمات شرعية.
فإن قلت : إن صح الخبر فما توجيهه ؟
فيقال : توجيهه أن قتادة بن دعامة اتهم بالقدر ، والذي يبدو أنه قال به
ثم نزع عنه ، لأن الموجود في تفسيره يدل على إثبات القدر
قال الطبري في تفسيره حدثنا ابن
عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة( الْجَبَّارُ ) قال: جَبَرَ خلقه
على ما يشاء.
وهذا تفسير يناقض قول القدرية ، ولا يعل بأن معمراً ضعيف الرواية عن قتادة
فإنه لم يكن يحفظ الأسانيد ، واما كلام قتادة فكأنما كان ينقش في صدره
وقال ابن بطة في الإبانة 1780 – حدثنا أبو بكر محمد بن بكر قال : حدثنا
أبو داود ، قال : حدثنا عبد الله بن الصباح العطار ، قال : حدثنا سعيد بن عامر ، عن
جويرية بن أسماء ، عن سعيد بن أبي عروبة أن رجلا جاء إلى قتادة ، فقال : يا أبا الخطاب
ما تقول في القدر ؟ فقال : رأي العرب أعجب
إليك أم رأي العجم ؟
قال : رأي العرب ، قال : إن العرب
لم تزل في جاهليتها وإسلامها تثبت القدر ، ثم أنشده بيتا من شعر.
وقال البيهقي في القضاء والقدر 488 : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا
أبو بكر بن إسحاق الفقيه ، أنا محمد بن يونس ، نا سعيد بن عامر ، أنا جويرية بن أسماء
، عن سعيد بن أبي عروبة ، قال : سألت قتادة عن القدر قال : «تسألني عن رأي العرب والعجم
، إن العرب في جاهليتها وإسلامها كانت تثبت القدر ، وأنشدني في ذلك بيت شعر : ما كان
قطعي هول كل تنوفة إلا كتاب قد خلا مسطور».
قال البخاري في خلق أفعال العباد 326- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ
، قال : حدثنا حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنِ ابن زَيْد النُّمَيْرِيِّ ، عَنِ الْحَسَنِ.
327- وَقَالَ هَمَّامٌ ، عَنْ قَتَادَةَ : كَانَتِ الْعَرَبُ تُثْبِتُ
الْقَدَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالإِسْلاَمِ.
وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده الصحيح عن قتادة قوله (وما يضل به إلا الفاسقين)
فسقوا فأضلهم الله على فسقهم، وصح من أوجه أخرى قوله بالقدر.
وقول القطان فيه شديد فإنه أظهر أنه كان رأساً ولا يتابع على ذلك ، بل
أثبت له القول بالقدر لم يذكره بالسيادة في القدرية ، والظاهر أنه قال به ثم رجع لوجود
إثبات القدر في تفسيره الذي رواه صغار تلاميذه وكبارهم.
فإذا كان الأمر كذلك فيكون قد صح عند يحيى بن أبي كثير أن قتادة قال بالقدر
، وقتادة عالم بالحديث والفقه والتفسير بل وأيام العرب ، فيتوسل بعلومه هذه إلى نشر
قول القدرية فقال يحيى بن أبي كثير كلمته تلك حمية على العقيدة وليس لداعي المنافسة
كما أظهر ابن عبد البر وتابعه الذهبي.
وقد نبه الذهبي تبيهاً مهماً غفل عنه عامة من يذكر كلامه هذا وهو قوله:
(فَإِنْ وَجَدَ لَهُ مُتَابعاً، وَإِلاَّ أَعرَضَ عَنْهُ)، فهو ينص على أن كلام الأقران
إذا وجد له متابع فإنه يقبل
والذهبي نفسه قد ذكر متابعاً ليحيى
بن أبي كثير فقد قال في ترجمة قتادة :”قَالَ حَنْظَلَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ:
كُنْتُ أَرَى طَاوُوْساً إِذَا أَتَاهُ قَتَادَةُ، يَفِرُّ، قَالَ: وَكَانَ قَتَادَةُ
يُتَهَّمُ بِالقَدَرِ”.
فالذي جعل طاوساً يفر هو الذي جعل يحيى يقول كلمته تلك إن صحت ، وأما كلام
قتادة فلا يستبعد أن يدافع الواقع في البدعة عن نفسه بالباطل ، وينتقص من يبين حاله
من أهل السنة، والحمد لله لم يصح الخبر ، وصح عن قتادة إثبات القدر.
والواقع أن ابن عبد البر والذهبي قد توسعاً جداً في مسألة كلام الأقران
وقد عقد ابن عبد البر لذلك فصلاً
في جامع بيان العلم وفضله ، وأساء حيث بدأه بكلام بعض الصحابة ببعض ! ، وعامة الفصل
فيه نظر، ولم يستفد منه إلا المفتونين من الروافض وأهل التميع ، وقد حمل كل كلمة قالها
إمام حمية على كلام الأقران الناشيء عن الحسد والمنافسة فما أحسن.
فمن ذلك ما روى ابن أبي خيثمة في تاريخه 2747- حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ
يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن أبي ذئب، عَنِ الزُّهْرِيّ، قَالَ: ما رأيت قوما أنقض
لعرى الإسلام من أهل مَكَّة، ولا رأيت قوما أشبه بالنصارى من السائبة – يعني: الرافضة.
حمل ابن عبد البر هذه الكلمة على كلام الأقران ، وتعقب الزهري بوجود علماء
أفاضل في أهل مكة، والحق أن كلمة الزهري لها توجيه حسن، وهو أن الزهري لما ذهب إلى
مكة رآهم يتعاملون بربا الفضل ( الصرف ) ، ومتعة النساء اتباعاً لفتيا ابن عباس التي
حكي تراجعه عنها.
فلما رآهم على ما يراه زناً ورباً ، ويتشبثون بزلة عالم قال فيهم تلك الكلمة
، لقوة فتنتهم للناس خصوصاً مع كونهم أهل الحرم والناس يفدون إليهم من كل الأقطار ،
فقال كلمته تلك حمية لله ولدينه ، لا لداعي الحسد والمنافسة غفرانك اللهم!
وقد قال ابن عبد البر نفسه في التمهيد (10/115) :” وقد كان العلماء
قديما وحديثا يحذرون الناس من مذهب المكيين أصحاب ابن عباس ومن سلك سبيلهم في المتعة
والصرف ويحذرون الناس من مذهب الكوفيين أصحاب ابن مسعود ومن سلك سبيلهم في النبيذ الشديدويحذرون
الناس من مذهب أهل المدينة في الغناء”.
فهل خرج الزهري عن سنن أهل العلم ؟!
وأما كون أهل مكة فيهم علماء فمعلوم أن نصوص المدح والذم لا تنزل على الأعيان
بل تنزل على الأغلب ، فمن ذلك فضائل اليمن والشام ، وما قيل في ذم أهل العراق
وهنا لفتة مهمة : لم يتهم أحد
الزهري بالغلو في الجرح ، مع قوله لتلك الكلمة الغليظة ، وذلك لكونهم يعلمون علم اليقين
أنه قالها ديانة ، وتأمل كيف أن الخلاف فقهي وهم متبعون لعالم ومع ذلك أغلظ فيهم القول
لما كانت الأدلة واضحة في المسألة.
و ابن عبد البر – ايضاً- ما أنصف أبا زكريا يحيى بن معين إمام الجرح والتعديل
، وتوسل إلى انتقاصه بشتى الوسائل، فاتهمه بالغلو في الجرح ناسباً له عدة أقوال لا
تصح عنه ، بل لم ينقلها أحد غيره:
منها قوله : “وقد كان ابن معين عفا الله عنه يطلق في أعراض الثقات
الأئمة لسانه بأشياء أنكرت عليه
منها قوله : كان عبد الملك بن
مروان أبخر الفم وكان رجل سوء
ومنها قوله : كان أبو عثمان النهدي
شرطيا
وفيها قوله في الزهري : إنه ولي الخراج لبعض بني أمية وإنه فقد مرة مالا
فاتهم به غلاما له فضربه فمات من ضربه ، وذكر كلاما خشنا في قتله على ذلك غلامه تركت
ذكره ؛ لأنه لا يليق بمثله
ومنها قوله في الأوزاعي : إنه كان من الجند ، وقال في موضع آخر من ذلك
الكتاب يكتب عن أحد من الجند ولا كرامة
وقال : حديث الأوزاعي عن الزهري
ويحيى بن أبي كثير ليس بثبت
ومنها قوله في طاوس : إنه كان
شيعيا ، ذكر هذا كله محمد بن الحسين الموصلي الحافظ في الأخبار التي في آخر كتابه في
الضعفاء عن الغلابي عن ابن معين ، وقد رواه مفترقا جماعة عن ابن معين منهم عباس الدوري
وغيره”.
أقول : محمد بن الحسين الموصلي الذي نقل كل هذا عن الغلابي عن يحيى بن
معين مجروح
قال الذهبي في ميزان الإعتدال
(5/ 437) : “محمد بن الحسين أبو الفتح بن يزيد الأزدي الموصلي الحافظ . حدث عن
أبي يعلى الموصلي والباغندي ، وطبقتهما . وجمع وصنف . وله كتاب كبير في الجرح والضعفاء
، عليه فيه مؤاخذات . حدث عنه أبو إسحاق البرمكى ، وجماعة . ضعفه البرقاني . وقال أبو
النجيب عبد الغفار الارموى : رأيت أهل الموصل يوهون أبا الفتح ، ولا يعدونه شيئا .
وقال الخطيب: في حديثه مناكير ، وكان حافظا ، ألف في علوم الحديث”.
ثم قال ابن عبد البر : ” وقد رواه مفترقا جماعة عن ابن معين منهم
عباس الدوري وغيره”.
وهذه تواريخ يحيى بن معين بيد أيدينا ليس فيها حرف مما ذكر ابن عبد البر
! ، ولا يعقل أن تكون كلها لم تصل إلينا كاملة ، ولا يعقل أيضاً أن يكون ابن عبد البر
وحده الذي وقف عليها فلم ينقل أحد هذا الكلام عن ابن معين إلا هذا الحافظ المغربي
!
بل إن بعض النقولات تخالف الوارد عن يحيى بن معين في بعض تواريخه فقد نقل
عن يحيى أنه قال في الأوزاعي :”إنه كان من الجند ، وقال في موضع آخر من ذلك الكتاب
يكتب عن أحد من الجند ولا كرامة حديث الأوزاعي عن الزهري ويحيى بن أبي كثير ليس بثبت”.
وَقَال الدوري عن ابن مَعِين : يقال إنه أخذ الكتاب من الزبيدي كتاب الزُّهْرِيّ
وسمعه من الزُّهْرِيّ (تاريخه : 2 / 353).
وَقَال الدوري أيضا عن يحيى : قد سمع الأَوزاعِيّ من الحكم بن عتيبة (تاريخه
: 2 / 354).
وَقَال أيضا عن يحيى : الاوازعي في العرض يقول : قرأت وقرئ ، وفي المناولة
يتدين به ولا يحدث به (تاريخه : 2 / 354).
وَقَال الدوري عَنه : ليس أحد
في يحيى بن أَبي كثير مثل هشام الدستوائي والأَوزاعِيّ ، وعلي بن المبارك بعد هؤلاء
(تاريخه : الترجمة 3825).
وجاء في تاريخ الدارمي ما يلي :” 22 – وسألته عن الأوزاعي ما حاله
في الزهري فقال ثقة “
وهذا خلاف المنقول هنا، ولو صح هذا فليس بضاره فإن الأئمة يضعفون في بعض
ما يروون والمرجع في ذلك لأئمة الجرح والتعديل وابن معين من أئمتهم
وأما عبد الملك بن مروان فقوله
:” أبخر الفم ” إن صح فلا يضره إذ لم يتفرد بذلك فقد قال العجلي هذه الكلمة
في ترتيب الثقات (2/ 23).
وقد ترجم الذهبي لعبد الملك بن مروان في الميزان وذكر في ثلبه ما ذكر فليس
الإمام ابن معين – إن صح عنه هذا – وحده في هذا الباب ، والذي قال ان عبد الملك في
فمه بخر هو العجلي صاحب الثقات.
وأما القول في الزهري وطاوس والنهدي فنريد الوقوف عليه بسندٍ صحيح عن الإمام
فأما الزهري فكان يوقره جداً وَقَال
عَباس الدُّورِيُّ عن يحيى بن مَعِين : هذه الاحاديث التي يرويها الزُّهْرِيّ عَن أبي
حميد ، رأيتها في كتاب ابن المبارك ، عن يونس ، عَن أبي حميد سمعها يونس من أبي حميد.
قلت ليحيى : فلعل الزُّهْرِيّ
سمعها من أبي حميد ؟ قال : لا وَقَال عنه ايضا : لم يسمع الزُّهْرِيّ من عُمَر بن سعد
شيئا. وَقَال عَنه : الزُّهْرِيّ أثبت في عروة من هشام بن عروة. (تاريخه : 2 / 538
– 539).
وَقَال الدارمي قلت له (يعنى يحيى بن مَعِين) : الزُّهْرِيّ أحب إليك في
سَعِيد بن المُسَيَّب أو قتادة ؟ فقال : كلاهما. قلت فهما أحب إليك أو يحيى بن سَعِيد
؟ فقال : كل ثقة (تاريخه ، الترجمتان 16 ، 17).
وَقَال : قلت ليحيى : هشام بن
عروة أحب إليك عَن أبيه ، أو الزُّهْرِيّ عنه ؟ فقال : كلاهما ولم يفضل. (تاريخه الترجمة
750).
وَقَال ابن طهمان عَنه : والزُّهْرِيّ
صحيح الحديث ثقة. (الترجمة 336).
وَقَال ابن الجنيد عَنه : منصور
عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة أحب إلي من هشام بن عروة ، عَن أبيه عن عائشة. قيل
له : فالزُّهْرِيّ ، عن عروة عن عائشة ؟
قال : هما سواء ومنصور أحب إلي
، لان الزُّهْرِيّ كان سلطانيا. (سؤالاته ، الترجمة 364).
وَقَال ابن محرز : سمعت يحيى وقيل له : أيما أحب إليك الزُّهْرِيّ عن الاعرج
، أو أبو الزناد عن الاعرج ؟
قال : الزُّهْرِيّ أحب إلي وأبو
الزناد ثقة وكم روى الزُّهْرِيّ عن الاعرج ، أو أبو الزناد عن الاعرج ؟
قال : الزُّهْرِيّ أحب إلي وأبو الزناد ثقة وكم روى الزُّهْرِيّ عن الاعرج.
(الترجمة 582).
أقول : وقول ابن معين في الزهري :” كان سلطانياً ” سائرٌ على
قواعد جماعة من أهل الزهد والنسك في كراهية مداخلة السلطان ، وقد كان الزهري شرطياً
عند بني أمية ، ويحيى بن معين ما ذكر هذا إلا في باب المقارنة
قال شيخ الإسلام في الإستقامة
ص202 :” هذا وابن شهاب كان فيه من مداخلة الملوك وقبول جوائزهم ما لا يحبه أهل
الزهد والنسك والله يختص كل قوم بما يختاره فأولئك النساك رووا هذا الأثر ليفرقوا بين
العمل المشروع المأمور به وما ليس بمشروع مأمور به”.
وأما طاووس؛ فقال المزي في تهذيب الكمال (13/ 362) :” وَقَال عثمان
بن سَعِيد الدارمي : قلت ليحيى بن مَعِين : طاووس أحب إليك ، أم سَعِيد بن جبير ؟ قال
: ثقات. ولم يخير”
وأين ما نقل عن يحيى من ثلبه؟
بل الذي قال في طاوس أنه شيعي هو سفيان الثوري كما روى ابن أبي خيثمة في
تاريخه ! واعتمده ابن قتية في عيون الأخبار ، وهذا يبين لك مبلغ ابن عبد البر من الإنصاف!
وأما أبو عثمان النهدي فإن قال فيه ابن معين :” كان شرطياً
” فليس جرحاً صريحاً ، بل هو حكاية حال
وما زلت أطلب التوثيق
وجاء في تاريخ الدوري ما يلي
(2/91) :” ثنا العباس قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا عبد السلام أبو طالب قال رأيت
أبا عثمان النهدي شرطيا”.
أقول : فابن معين لا ناقة له ولا جمل والذي ساق الخبر عباس الدوري تلميذه
من غير طريقه على عادة الأئمة في الزيادة على كتب شيوخهم كما فعل عبد الله بن أحمد
في مسند أبيه ، والربيع بن سليمان المرادي في كتاب الأم ، والخبر كما ترى حكاية بإسناد
لم يقلها من عند نفسه.
ثم من الذي أنكر على ابن معين هذه المقالات؟
ثم ابن عبد البر لم يكتف بالطعن في يحيى في أمر الجرح والتعديل حتى انتقل
إلى الفقه، فقال في جامع بيان العلم وفضله :
“صدق أحمد بن حنبل رحمه الله ، إن ابن معين كان لا يعرف ما يقول الشافعي
رحمه الله
وقد حكي عن ابن معين أنه سئل عن
مسألة من التيمم فلم يعرفها حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، نا قاسم بن أصبغ ، نا أحمد
بن زهير قال : سئل يحيى بن معين وأنا حاضر ، عن رجل خير امرأته فاختارت نفسها فقال
: سل عن هذا أهل العلم
ولقد أحسن أكثم بن صيفي في قوله : “ويل لعالم أمر من جاهله ، من جهل
شيئا عاداه ، ومن أحب شيئا استعبده”.
وهذا الكلام ظاهر جداً في الطعن في يحيى بن معين ، وما ذكره عنه منقبة
له فإذا كان جهل مسألة في التيمم فليس يضر العالم أن يجهل مسألة في الفقه ومن الذي
أحاط بالعلم كله.
قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله :” 623 – وذكر الحسين
بن سعيد في كتابه ( المغرب عن المغرب ) ، ثنا عبد الله بن سعيد بن محمد الحداد ، عن
أبيه قال : سمعت سحنون يقول : قال عبد الرحمن بن القاسم ، لمالك : ما أعلم أحدا أعلم
بالبيوع من أهل مصر فقال له مالك : « وبم ذلك ؟ » قال : بك ، فقال : « أنا لا أعرف
البيوع فكيف يعرفونها بي ؟ “
أقول : سبحان الله !
الإمام مالك يشهد على نفسه أنه لا يعرف كتاباً كاملاً في الفقه فيعتبر
ابن عبد البر ذلك منقبةً ، وابن معين يجهل مسألة ( لم يعينها ) في باب معين فيعتبرها
مثلبة!
وأما مسألة المرأة التي اختارت نفسه ، فما الضير على ابن معين إذا أحال
على أهل العلم وهذه سنة كان يتبعها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
قال الدارمي في مسنده 135 – أخبرنا
أبو نعيم ثنا سفيان عن عطاء بن السائب قال سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول : لقد
أدركت في هذا المسجد عشرين ومائة من الأنصار وما منهم من أحد يحدث بحديث إلا ود ان
أخاه كفاه الحديث ولا يسأل عن فتيا إلا ود ان أخاه كفاه الفتيا
وهذه المسألة المذكورة فيها للصحابة
ثلاثة أقوال!
فمنهم من يراها طلقة بائنة ، ومنهم يراها واحدة رجعية ، ومنهم من يراها
ثلاثاً
فما الضير على ابن معين إذا توقف
في هذه المسألة وأحال على غيره
و ابن عبد البر جهد في شرح أحاديث
السنة ، غير أنه تعرض لبعض الأئمة بما اضطرني اضطراراً إلى الجواب عنه،وعسى الله عز
وجا أن ييسر تتبع كلامه في مسألة كلام الأقران هو والذهبي ومناقشته تفصيلياً وفرز الصواب
عن الخطأ.
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم