حين قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم : إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. إنما كان يخاطب أناسا كانوا قادرين على الأمرين معا إيقاع العقوبة على الشريف وعلى الضعيف ويتركون الشريف محاباة ويوقعون العقوبة على الضعيف لذا لا يصلح تنزيل هذا النص على إنسان أوقع العقوبة على بعض من يستحقها ولَم يوقعها على آخرين استحقوها لعجزه ( عجزا شرعيا ) عنهم بمنعة امتنعوا بها فالأصل ( فاتقوا الله ما استطعتم ) وفِي الحديث الآخر : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان . وقد يجتمع للمرء أنه في مكان ما أو شخص ما يمكنه التغيير بيده ومع آخر لا يمكنه إلا بلسانه وفِي موقف ذلك ثالث يغير بقلبه وهكذا الشريعة جاءت بتحصيل المتاح من المصالح وتكثيرها وتقليل المفاسد قدر المستطاع ومخاطبة الناس بأنكم إما أن تكونوا على أكمل وجه أو لا تقوموا بشيء من الحق من أضر الأمور على أهل الإسلام ولَم يزل في التاريخ في عدد من الدول الإسلامية كان يقع من التقصير والعرج ما يقل أو يكثر ولكن اذا فعل الحق فرح به الجميع والنبي صلى الله عليه وسلم حين قال : اذا سرق فيهم الشريف تركوه . لم يكن في ذلك دعوة لترك الضعيف الذي استحق العقوبة وإنما سيق مساق المطالبة بتطبيق الحد على الشريف ولكن الناس الْيَوْم لا يسوقونه إلا في مساق المطالبة بإسقاط العقوبة عمن استحقها وهذا نظير صنيعهم اذا رأوْا شخصا ملتزما بالهدي الظاهر ووقع منه شيء من الزلل لا يقولون له : التزم التزاما يناسب هديك بل يأمرونه بالمنكر فيقولون : احلق لحيتك . ولو صدقوا مع أنفسهم لنصحوا له بمزيد التزام ثم عادوا إلى أنفسهم وقالوا : ينبغي علينا نحن أيضا أن نلتزم انتسابا يناسب إسلامنا نؤدي به شيئا من شكر هذه النعمة بل إن اليهود ما دخل عليهم ترك الرجم إلا بهذه الفلسفة اذ لما زنا شريفان لم يطبقوا عليهما حد الرجم وإنما عاقبوهما عقوبة دون ذلك ( مع قدرتهم على الرجم ) فلما زنا آخران وأرادوا تطبيق الرجم عليهم قيل لهم حتى تطبقوا هذا على صاحبيكم فاختاروا الخيار السوء وأسقطوا الرجم عن الجميع فعطل هذا الأمر حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم وأحياه وإن من أسوأ الأمور التي تقع عند بعض من يحارب ( الظلم ) سواء من بعض أصحاب الإسلامي أو الذين انتكسوا إلى لحقوقية المحضة الانسانوية اعتقادهم أن محاربة الظلم لا تكون إلا بإسقاط التبعات الأخلاقية عن المجتمع بحجة فساد السلطة وإذا كان الأمر كذلك كيف تريدون منهم يجابهوا الظلم سلميا أو بالقوة أو حتى يطالبوا بحقوقهم ما داموا أنهم بمجرد أن يكون هناك سلطة فاسدة يتحولون إلى دمى مسلوبة الإرادة لا يزجرها زاجر فإذا كانوا لا يغيرون في أنفسهم كيف يغيرون غيرهم فضلا عمن فوقهم نعم السلطة عامل مساعد مؤثر ولكن ذلك لا يعفي الفرد من المسئولية أمام الله عز وجل لقد قالوا : إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ولَم يقولوا لا وازع إلا السلطان أو من لم يزعه القرآن فهو معذور قال تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ ۚ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ ) قال تعالى : ( فبأي حديث بعده يؤمنون ) الطرح المشار إليه أعلاه لا يقل خطورة عن الدعوة الصريحة للعالمانية وإن كان كثير من طارحيه هم ضد المشروع العالماني بل ومنهم من جاهد هذا المشروع بقوة
تنزيل حديث انما اهلك الذين من قبلكم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
شارك هذا المقال: