تنبيه للأخوة المشتغلين بمتابعة مناظرات وحوارات الأجانب حول موضوع النقد الكتابي ( يعني الكتاب المقدس عند النصارى )

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

تنبيه للأخوة المشتغلين بمتابعة مناظرات وحوارات الأجانب حول موضوع النقد الكتابي ( يعني الكتاب المقدس عند النصارى )

في الواقع كثير من نقاشات القوم خارج نقطة الخلاف الإسلامي النصراني

وذلك أن خلافنا معهم حول حفظ كلمات المسيح وخطبه وأحكامه

إذ نزعم أنه قد لحق الأمر كتم وتحريف ،وأما معظم النزاع بين الناقدين والدفاعيين في الغرب حول الكتب التي نقلت أقوال المسيح وسيرته بعد وفاته بمدة

فهم مع اتفاقهم على أن أناجيل العهد الجديد وأعمال الرسل قد حرفت فهم مختلفون هل يمكن استعادة النص الأصلي أم لا

فمثلا هم متفقون على أن ما كتب لوقا نسخته الأصلية غير موجودة وليس عندنا إسناد إليه ولكن يبحثون هل يمكن استعادة نص لوقا الأصلي من خلال مخطوطات متضاربة ومتأخرة ومعظمها كتب بغير اللغة الأصلية للنص من خلال منهج معين

الناقدون يذهبون إلى استحالة هذا ويقيمون الدلائل على ذلك وأبرزهم بارت إيرمان والدفاعيون يزعمون إمكان ذلك وأبرزهم دانيال والاس مع اعتراف بوجود أخطاء كثيرة في المخطوطات

أما نحن الإسلاميون فحتى لو جمعوا النصوص الأصلية فلا زالت عندنا مشكلة فعامة كتبة الأناجيل لم يدركوا المسيح بل متى ولوقا أخذا كثيرا من مرقس ومرقس لا نعلم عدالته ولا هو أدرك المسيح فقد يكون مصدره يوحنا والذي لم يدرك المسيح عند العامة وقد يكون أخذ من عدة مصادر منها الموثوق ومنها غير ذلك

فالأناجيل منقطعة ومضطربة ( بينها اختلافات كثيرة بين الإنجيل والانجيل وفِي مخطوطات كل إنجيل على حدة اختلافات )

لهذا لا يصلح أن تقارن هذه الكتب مع القرآن أو الكتب الستة مثلا بل سيرة ابن إسحاق متفوقة عليها لأن النص الذي كتبه ابن إسحاق متطابق في عشرات المصادر

ثم ابن إسحاق منهجه دقيق فهو يذكر الإسناد ويبين رواية كل واحد من شيوخه ويفصل رواية هذا عن هذا فتارة يروي خبرا مرسلا وتارة موصولا وهذا لا يوجد في الأناجيل إذ تجدهم يسردون القصة عن المسيح سردا ولا يبينون مصادر كل مفردة من مفردات القصة

ولهذا على جهلة التنويريين أن يفهموا أن كتب الحديث لا تعامل معاملة الأناجيل لأنها مقسمة وتفصل رواية عّن الأخرى فكل رواية لها نقد خاص

فمثلا حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) نجده في البخاري وعشرات المصادر الحديثية الأخرى بنفس المتن تقريبا ونفس المدار الإسنادي فحين ننظر في مخطوطات هذه المصادر فنجد الحديث فيها كل على هذه الصفة فهذا بحسب مقاييس النقد الكتابي قد بلغ الذروة ولكن المحدثين لا يكتفون بهذا حتى يدققوا في شأن رواته لهذا إسقاط البخاري مثلا لا يحل محل إسقاط مرقس أو يوحنا لأنه لا يوجد حديث في البخاري إلا وله روايات في كتب الحديث الأخرى

لهذا من الخلل المنهجي الفاحش عند الطاعنين في السنة معاملة كتب الحديث المبنية على التقسيم بحيث كل حديث يذكر إسناده وتلقى عهدته على رواته معاملة الأناجيل التي ما فيها إلا راو واحد أصلي إذا سقط سقط كتابه كله معه وينبغي على طلبة العلم أن ينبهوا على هذا حتى أنهم يجعلون سقوط أي حديث سقوطا للسنة كلها مع أن أحاديث الصحيحة تتفاوت في قوتها فمنها ما يرويه واحد ومنها ما يرويه اثنان وثلاثة وأكثر مع قرائن أخرى تزيد ولو قل العدد