تنبيه ابن حجر على زيادة شاذة في صحيح مسلم يترتب عليها حكم فقهي مهم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال البخاري في صحيحه 1950 – حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ
أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ

استدل بهذا الحديث عدد من الفقهاء على جواز تأخير قضاء رمضان ، وأنه واجب
موسع

ونازعهم غيرهم وقالوا أن عائشة رضي الله عنها كانت مضطرةً لهذا التأخير

واستدلوا بالحديث في صحيح مسلم

قال مسلم 2657- [151-1146] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ
يُونُسَ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ
، قَالَ : سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، تَقُولُ : كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ
الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلاَّ فِي شَعْبَانَ
، الشُّغْلُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ بِرَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ولكن الزيادة التي اعتمدوا عليها ( الشُّغْلُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) قد نقدها ابن حجر وبين شذوذها في شرحه على البخاري

فقال (6/ 209) :” وَوَقَعَ فِي رِوَايَة مُسْلِم الْمَذْكُورَة مُدْرَجًا
لَمْ يَقُلْ فِيهِ قَالَ يَحْيَى فَصَارَ كَأَنَّهُ مِنْ كَلَام عَائِشَة أَوْ مَنْ
رَوَى عَنْهَا ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَة مِنْ وَجْه آخَر عَنْ زُهَيْر ،
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق سُلَيْمَان اِبْن بِلَال عَنْ يَحْيَى مُدْرَجًا
أَيْضًا وَلَفْظه ” وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ” وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى فَبَيَّنَ
إِدْرَاجَهُ وَلَفْظه ” فَظَنَنْت أَنَّ ذَلِكَ لِمَكَانِهَا مِنْ رَسُول اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” يَحْيَى يَقُولهُ ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
مِنْ طَرِيق مَالِك ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق يَحْيَى الْقَطَّان ، وَسَعِيد بْن
مَنْصُور عَنْ اِبْن شِهَاب وَسُفْيَان ، وَالْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق أَبِي خَالِد
كُلّهمْ عَنْ يَحْيَى بِدُونِ الزِّيَادَة ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق مُحَمَّد
بْن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي سَلِمَة بِدُونِ الزِّيَادَة لَكِنْ فِيهِ
مَا يُشْعِرُ بِهَا فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ مَا مَعْنَاهُ : فَمَا أَسْتَطِيع قَضَاءَهَا
مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد
بِالْمَعِيَّةِ الزَّمَان أَيْ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ خَاصًّا بِزَمَانِهِ . وَلِلتِّرْمِذِيِّ
وَابْن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه الْبَهِيِّ عَنْ عَائِشَة ” مَا قَضَيْت
شَيْئًا مِمَّا يَكُون عَلَيَّ مِنْ رَمَضَان إِلَّا فِي شَعْبَان حَتَّى قُبِضَ رَسُول
اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى ضَعْف الزِّيَادَة
أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْسِم لِنِسَائِهِ فَيَعْدِلُ وَكَانَ
يَدْنُو مِنْ الْمَرْأَة فِي غَيْر نَوْبَتهَا فَيُقَبِّل وَيَلْمِس مِنْ غَيْر جِمَاع
، فَلَيْسَ فِي شُغْلهَا بِشَيْءِ مِنْ ذَلِكَ مَا يَمْنَع الصَّوْم ، اللَّهُمَّ إِلَّا
أَنْ يُقَال إِنَّهَا كَانَتْ لَا تَصُوم إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَمْ يَكُنْ يَأْذَن
لِاحْتِمَالِ اِحْتِيَاجه إِلَيْهَا فَإِذَا ضَاقَ الْوَقْت أَذِنَ لَهَا ، وَكَانَ
هُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِر الصَّوْم فِي شَعْبَان كَمَا سَيَأْتِي
بَعْد أَبْوَابٍ فَلِذَلِكَ كَانَتْ لَا يَتَهَيَّأُ لَهَا الْقَضَاء إِلَّا فِي شَعْبَان
، وَفِي الْحَدِيث دَلَالَة عَلَى جَوَاز تَأْخِير قَضَاء رَمَضَان مُطْلَقًا سَوَاء
كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْر لِأَنَّ الزِّيَادَة كَمَا بَيَّنَّاهُ مُدْرَجَةٌ

وقد وافق الألباني ابن حجر فقال في إرواء الغليل (4/ 98)
:” وزاد مسلم : ( الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو برسول الله صلى الله
عليه وسلم ) وفى رواية له : ( وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . وهى عند
البخاري من قول يحيى بن سعيد فهى مدرجة ويؤيده رواية أخرى لمسلم بلفظ : . ( فظننت أن
ذلك لمكانها من النبي صلى الله عليه وسلم يحيى يقوله )”

وكذا وافقه في تمام المنة

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم