فقد راسلني أحد الأخوة سائلاً إياي عن شيء
ينشرونه في شبكة سحاب يدعون أن فيه دليلاً على أن الحنابلة الأوائل يعذرون بالجهل
في الشرك الأكبر
قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَالصَّحِيحُ
أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ كَفَّرْنَا فِيهَا الدَّاعِيَةَ فَإِنَّا نُفَسِّقُ
الْمُقَلِّدَ فِيهَا كَمَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ أَوْ أَنَّ أَلْفَاظَنَا
بِهِ مَخْلُوقَةٌ أَوْ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ أَوْ أَنَّ أَسْمَاءَهُ
مَخْلُوقَةٌ أَوْ أَنَّهُ لَا يَرَى فِي الْآخِرَةِ أو يسب الصَّحَابَةَ
تَدَيُّنًا أَوْ أَنَّ الْإِيمَانَ مُجَرَّدُ الِاعْتِقَادِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ
فَمَنْ كَانَ عَالِمًا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْبِدَعِ يَدْعُو إلَيْهِ
وَيُنَاظِرُ عَلَيْهِ فَهُوَ مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ نَصَّ أَحْمَدُ صَرِيحًا عَلَى
ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ قَالَ: وَاخْتَلَفَ عَنْهُ فِي تَكْفِيرِ الْقَدَرِيَّةِ
بِنَفْيِ خَلْقِ الْمَعَاصِي عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَلَهُ فِي الْخَوَارِجِ كَلَامٌ
يَقْتَضِي فِي تَكْفِيرِهِمْ رِوَايَتَيْنِ.
أقول : هذا النقل حجة عليهم من وجوه
أولها : أنه صرح بتبديع الواقع في البدعة
المكفرة وإن كان مقلداً والكلام هنا على الأعيان والقوم يرفضون تبديع الأشاعرة مثل
النووي وابن حجر وغيرهم وهم واقعون في نفي العلو وهي بدعة مكفرة
قال ابن تيمية في درء التعارض (7/27)
:” ولهذا كان السلف مطبقين على تكفير من أنكر ذلك، لأنه عندهم معلوم
بالاضطرار من الدين، والأمور المعلومة بالضرورة عند السلف والأئمة وعلماء الدين قد
لا تكون معلومة لبعض الناس: إما لإعراضه عن سماع ما في ذلك من المنقول، فيكون حين
انصرافه عن الاستماع والتدبر غير محصل لشرط العلم، بل يكون ذلك الامتناع مانعاً له
من حصول العلم بذلك، كما يعرض عن رؤية الهلال فلا يراه، مع أن رؤيته ممكنة لكل من
نظر إليه، وكما يحصل لمن لا يصغي إلى استماع كلام غيره وتدبره، لا سيما إذا قام
عنده اعتقاد إن الرسول لا يقول مثل ذلك، فيبقى قلبه غير متدبر ولا متأمل لما به
يحصل له هذا العلم الضروري”
وقول الأشاعرة في القرآن كفري ، وقولهم في
الإيمان كذلك وهذا شرحته في مقالات عديدة
والصواب في مسألة العلو أنها معلومة من
الدين بالاضطرار لا تدخل في إطلاق أبي البركات
فالإمام أحمد ومعه أبو حاتم وأبو زرعة
فرقوا بين الواقفي الجاهل والواقفي صاحب العلم بحديث أو كلام فبدعوا الأول وجهموا
الثاني يعني كفروه
قال ابن أبي حاتم في نقله لعقيدة الرازيين
:” وَمَنْ وَقَفَ فِي الْقُرْآنِ جَاهِلًا عُلِّمَ وَبُدِّعَ وَلَمْ
يُكَفَّرْ”
وهذا في صفة الكلام فكيف بمن نفى عامة
الصفات دون توقف وبشكل صريح ووقف المثبت بالتجسيم
ولم يقولا هذا الكلام في الجهمي الصريح
المخلوقي
ونفاة العلو شر من القائلين بخلق القرآن
كما قال ابن تيمية في الاستقامة
ثانيها : أنه صرح بتكفير الداعية ولم يفرق
بين داعية جاهل وداعية غير جاهل فالنص حجة عليهم والداعية يكون جاهلاً ويكون
متأولاً
قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى [ 10/
376] : وَكَذَلِكَ يَجُوزُ قِتَالُ ” الْبُغَاةِ ” : وَهُمْ
الْخَارِجُونَ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِ الْإِمَامِ بِتَأْوِيلِ سَائِغٍ مَعَ
كَوْنِهِمْ عُدُولًا وَمَعَ كَوْنِنَا نُنَفِّذُ أَحْكَامَ قَضَائِهِمْ
وَنُسَوِّغُ مَا قَبَضُوهُ . مِنْ جِزْيَةٍ أَوْ خَرَاجٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، إذْ
الصَّحَابَةُ لَا خِلَافَ فِي بَقَائِهِمْ عَلَى الْعَدَالَةِ وَذَلِكَ أَنَّ
التَّفْسِيقَ انْتَفَى لِلتَّأْوِيلِ السَّائِغِ، وَأَمَّا الْقِتَالُ : فَلِيُؤَدُّوا
مَا تَرَكُوهُ مِنْ الْوَاجِبِ وَيَنْتَهُوا عَمَّا ارْتَكَبُوهُ مِنْ
الْمُحَرَّمِ وَإِنْ كَانُوا مُتَأَوِّلِينَ ، وَكَذَلِكَ نُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى
مَنْ شَرِبَ النَّبِيذَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ وَإِنْ كَانُوا قَوْمًا صَالِحِينَ.
فَتَدَبَّرْ كَيْفَ عُوقِبَ أَقْوَامٌ فِي
الدُّنْيَا عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ بَيِّنٍ فِي الدِّينِ أَوْ
الدُّنْيَا وَإِنْ كَانُوا مَعْذُورِينَ فِيهِ لِدَفْعِ ضَرَرِ فِعْلِهِمْ فِي
الدُّنْيَا .
كَمَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ تَابَ
بَعْدَ رَفْعِهِ إلَى الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَابَ تَوْبَةً نَصُوحًا
وَكَمَا يَغْزُو هَذَا الْبَيْتَ جَيْشٌ مِنْ النَّاسِ فَبَيْنَمَا هُمْ
بِبَيْدَاءَ مِنْ الْأَرْضِ إذْ خُسِفَ بِهِمْ وَفِيهِمْ الْمُكْرَهُ
فَيُحْشَرُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ ، وَكَمَا يُقَاتِلُ جُيُوشُ الْكُفَّارِ
وَفِيهِمْ الْمُكْرَهُ كَأَهْلِ بَدْرٍ لَمَّا كَانَ فِيهِمْ الْعَبَّاسُ
وَغَيْرُهُ .
وَكَمَا لَوْ تَتَرَّسَ الْكُفَّارُ
بِمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَنْدَفِعْ ضَرَرُ الْكُفَّارِ إلَّا بِقِتَالِهِمْ
فَالْعُقُوبَاتُ الْمَشْرُوعَةُ وَ الْمَقْدُورَةُ قَدْ تَتَنَاوَلُ فِي
الدُّنْيَا مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا فِي الْآخِرَةِ وَتَكُونُ فِي حَقِّهِ مِنْ
جُمْلَةِ الْمَصَائِبِ، كَمَا قِيلَ فِي بَعْضِهِمْ : الْقَاتِلُ مُجَاهِدٌ
وَالْمَقْتُولُ شَهِيدٌ.
وَعَلَى هَذَا فَمَا أَمَرَ بِهِ آخِرُ
أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَنَّ دَاعِيَةَ أَهْلِ الْبِدَعِ يُهْجَرُ فَلَا
يُسْتَشْهَدُ وَلَا يُرْوَى عَنْهُ وَلَا يُسْتَفْتَى وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُ
قَدْ يَكُونُ مِنْ هَذَا الْبَابِ ؛ فَإِنَّ هَجْرَهُ تَعْزِيرٌ لَهُ وَعُقُوبَةٌ
لَهُ جَزَاءً لِمَنْعِ النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ الذَّنْبِ الَّذِي هُوَ بِدْعَةٌ أَوْ
غَيْرُهَا وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ تَائِبًا أَوْ مَعْذُورًا ؛ إذْ
الْهِجْرَةُ مَقْصُودُهَا أَحَدُ شَيْئَيْنِ : إمَّا تَرْكُ الذُّنُوبِ
الْمَهْجُورَةِ وَأَصْحَابِهَا وَإِمَّا عُقُوبَةُ فَاعِلِهَا وَنَكَالُهُ .اهـ
فانظر كيف صرح بوقوع العقوبة على داعية
البدع وإن كان في نفسه متأولاً مراعاةً للمصلحة العامة في ترك الناس لبدعته
فإذن الداعية قد يكون متأولاً أو جاهلاً
وداعية البدعة المكفرة يكفر مطلقاً في نص
أبي البركات
ومن الدعوة تصنيف الكتب في نصر بدعة مكفرة
قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل قريء على العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول: يوسف بن خالد السمى كذاب زنديق لا يكتب حديثه (5) نا عبد الرحمن قال [سمعت أبي وسألته – عن يوسف بن خالد السمتى فقال: انكرت قول يحيى بن معين فيه انه زنديق حتى حمل إلى كتاب قد وضعه في التجهم بابا بابا ينكر الميزان
في القيامة فعلمت ان يحيى بن معين لا يتكلم الاعلى بصيرة وفهم.
فكفره بالتصنيف في الكفر
قال سليمان بن سحمان: “فهذا الرجلُ المسمى الشهابَ الرمليَّ إن كان مِن المعروفين بالعلم – لأني لا أعرِف ما حالُه – فهو مِن جنْسِ السُّبْكِي وأضرابِه الغالينَ الذين يُصنِّفون في إباحة الشرك وجوازه زاعمين أن ذلك من تعظيم الرسول , وتعظيم الأنبياء والأولياء , وذلك لجهلهم , وعدم إدراكهم لحقائق الدين, ومدارك الأحكام, وليس لهم قدم صدق في العالمين, ولا كانوا من العلماء العاملين, فلا حجةَ في أقوالهم . { وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ } ثم لو كان الشهاب الرملي مِن أهل الفضل والعلم والعبادة وأكابرِ أهل الفقه والورع والزهادة لكان قد أخطأ فيما قاله وأراده , ودعا إلى عبادة غير الله , وهذا يوجِب كفرَه وارتدادَه ه. الصواعق المرسلة
وهذا جار على كلام المجد
ثالثها : أن أئمة الدعوة فهموا من هذا
النص تكفير الجاهل !
قال عبد الله أبو بطين في الانتصار :”
قال المجد رحمه الله: كل بدعة كفرنا فيها
الداعية, فإنا نفسق المقلد فيها, كمن يقول بخلق القرآن, أو أن علم الله مخلوق، أو
أن أسماءه مخلوقة, أو أنه لا يرى في الآخرة,
أو يسب الصحابة تدينا, أو أن الإيمان مجرد الاعتقاد، وما أشبه ذلك.
فمن كان عالما في شيء من هذه البدع: يدعو إليه ويناظر عليه، فهو
محكوم بكفره. نص أحمد على ذلك في مواضع. انتهى.
فانظروا
! كيف حكموا بكفرهم مع جهلهم”
وقال ابن عيسى في شرح النونية :” قَالَ
الشَّيْخ مجد الدّين ابْن تَيْمِية رَحمَه الله الصَّحِيح ان كل بِدعَة كفرنا
فِيهَا الداعية فانا نفسق الْمُقَلّد فِيهَا كمن يَقُول فِي خلق الْقُرْآن أَو ان
علم الله مَخْلُوق اَوْ ان اسماءه مخلوقة أَو أَنه لَا يرى فِي الْآخِرَة أَو يسب
الصَّحَابَة تدينا أَو يَقُول إِن الْإِيمَان مُجَرّد الِاعْتِقَاد وَمَا أشبه
ذَلِك فَمن كَانَ فِي شَيْء من هَذِه الْبدع يَدْعُو اليه ويناظر عَلَيْهِ فَهُوَ
مَحْكُوم بِكُفْرِهِ نَص احْمَد على ذَلِك فِي مَوَاضِع انْتهى
فَانْظُر كَيفَ حكمُوا بكفرهم مَعَ جهلهم”
ففرق بين فهم العلماء وفهم الصعافقة
وبقي وجه تفريق كثير من أئمة الدعوة بين
مسائل الصفات ومسائل الشرك الأكبر في توحيد الألوهية والحق أن بعض مسائل الصفات
كالعلو يستوي مع مسائل توحيد الألوهية بل كثير منها كذلك
والعجيب من هؤلاء القوم أنهم يثبتون
موضوعاً في أن من يسمونهم ب( الحدادية ) يثبتون على الشيخ محمد تهمة الغلو
بالتكفير
وغاية ما يثبته من يسميهم هؤلاء ب( الحدادية
) أن الشيخ لا يزيدون على إثبات أن الشيخ لا يعذر بالجهل في عبادة غير الله !
وهؤلاء القوم في كثير من أطروحاتهم يزعمون
أن المسألة خلافية
ثم تفلت منهم فالتة فيكون منهم هذا القول
الذي ظاهره اعتبار عدم العذر في عبادة غير الله غلواً وتسرعاً وهذه حقيقة قولهم
كما أن ظاهر كلامهم على من يأخذ بأثر
مجاهد ويكفر تارك الصلاة التبديع أو اعتبار ذلك غلواً
فعناوين ك( أحاديث الشفاعة تدحض قول
القطبية والحدادية ) توحي بالرد على قول بدعي يخالف الأحاديث مخالفة ظاهرة
فإذا بهذا القول تكفير تارك الصلاة !
ثم في ثنايا هذه المقالات يقال ( عدم
تكفير تارك الصلاة قول جمهور أهل السنة ) إذن البقية عندك يكفرون فهل هم مبتدعة
ضلال خالفوا أحاديث الشفاعة
أم أن الأوائل عذروا لأنهم لم يعرفوا
أحاديث الشفاعة !
ونحن المكفرون المعاصرون لا عذر لنا !
وكذا المكفرون المتأخرون كابن تيمية وابن
القيم وعامة أئمة الدعوة
ويا ليت شعري كيف يخفى هذا على مثل أحمد
وإسحاق وابن المبارك وابن المديني ؟
أم أن المسألة اجتهادية وليس من شأن
المسألة الاجتهادية أن تبحث بلغة كهذه وأن يدعى أن حديثاً مشهوراً كحديث الشفاعة
ينهي الخلاف فيها ويدحض كل حجة
وقد بحث كثيرون في هذه المسألة وكتبوا
الردود الجيدة غير أنني هنا أشير إلى مسلك متناقض هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم