تناقضات « الأشاعرة » في باب المتواتر والآحاد

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن متأخري الأشاعرة عامتهم على القول بأن أخبار الآحاد الصحيحة التي خلت
عن القرائن لا تصلح للاحتجاج في مسائل الاعتقاد ، وبعضهم يقول في مسائل أصول الاعتقاد
وهذا القول منهم متناقض تناقضاً شديداً مع عدد من أصولهم وإليك بيان ذلك من وجوه:

الأول: أن الأشاعرة مرجئة في باب الإيمان يرون أن الإيمان هو التصديق وأن
التصديق لا يتفاضل لأنه عرض من الأعراض والأعراض لا تتفاضل (هذا كلام الباقلاني).

وتقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد مبناها على تفاضل العلم في القلب بصدق
المخبر عنه بحسب عدد الرواة وصفاتهم ، وهذا يناقض أصلهم الإرجائي في عدم تفاضل الأعمال
القلبية ، وهذا الإلزام لا مناص لهم منه البتة.

الثاني: أن من أدلتهم على عدم جواز الاحتجاج بأخبار الآحاد في مسائل الاعتقاد
استدلالهم بقوله تعالى ﴿إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس وإن الظن لا يغني من الحق
شيئاً﴾.

قالوا : وأخبار الآحاد تفيد الظن فلا يجوز الاعتماد عليها ، وهم متناقضون
إذ أنهم يعتمدون عليها في الأحكام ، والظن المقصود هنا الشك لا الظن الغالب الذي يرادف
العلم في النصوص، غير أم مكمن التناقض هنا أنهم لم يستطيعوا أن يأتوا بضابط يقيني يفرقون
به بين أخبار الآحاد والأخبار المتواترة، فمن قائل ضابط المتواتر ما رواه أربعة قائساً
على الشهود في الزنا ، ويرد عليه بأن القتل وهو القتل يكتفى فيه بشاهدين، ومن قائل
ضابط المتواتر ما رواه خمسة قياساً على أيمان اللعان! وهذا قياس ظني لا يفيد شيئاً
خصوصاً أن أيمان اللعان إنما تصدر من شخص واحد، ومن قائل ضابط المتواتر أربعون قياساً
على العدد المجزي في الجمعة وكأن هذا العدد مسلم ومحل اتفاق بين الفقهاء، وهكذا إلى
أقول كثيرة لا تروي الغليل ولا تشفي العليل، فعادوا إلى الظن الذي هربوا منه.

الثالث: أن عامة الأشاعرة المصنفين في أسماء الله الحسنى (وهي من أصول
الاعتقاد) قد اعتمدوا على أخبار آحادية في إثبات الأسماء، فاسم الرفيق ذكره القرطبي
وابن العربي وعامة من صنف في الأسماء الحسنى ولا يثبت إلا في خبر آحادي.

قال مسلم في صحيحه 6693- [77-2593] حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى
التُّجِيبِيُّ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ ، حَدَّثَنِي
ابْنُ الْهَادِ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ ، عَنْ عَمْرَةَ يَعْنِي بِنْتَ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَا عَائِشَةُ إِنَّ
اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى
الْعُنْفِ ، وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ، وهذا الاسم لا يصح إثباته من جهة
الاشتقاق، بل كثير من الأشاعرة في جميع أنحاء الدنيا وكثير من علمائهم على مر التاريخ
قد اعتمدوا إحصاء الوليد بن مسلم مع ضعيف الحديث عند المحدثين فانتهى بهم الأمر إلى
قبول الأخبار الآحادية الضعيفة في باب الاعتقاد !

ولا سبيل إلى إكمال التسعة والتسعين إلا بإثبات أسماء بأخبار الآحاد وهذا
صنيع الأمة على مدى أربعة عشر قرناً فمن خالفه كان خارجاً عن الإجماع متبعاً لغير سبيل
المؤمنين، وتناقضات الأشاعرة كثيرة جداً فمن ذلك نفيهم الحكمة والتعليل ، ثم قولهم
بعد ذلك بالقياس المبني على إثبات العلة ، وقولهم بأن أفعال الله عز وجل لا تكون معللة
ثم اشتراطهم لصحة النبوة وجود المعجزة معللين ذلك بأنه لا يصدق إلا بمعجزة فعادوا إلى
إثبات التعليل في أفعال الله عز وجل، إلى تناقضات كثيرة يصعب حصرها.

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم