تقويم المعاصرين ( الحلقة الثانية )

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فهذه هي الحلقة الثانية من مقالات ( تقويم المعاصرين ) سائلاً المولى التوفيق والسداد وأن يفتح لي فتوح العارفين

وأنصح القاريء ألا يحمله استصغاره لقدر الكاتب في نفسه على إهمال الفائدة فهذه خلاصات أخذت مني سنين عدداً وإنما أنقل لك كلام الأئمة والعلماء ومن وافقهم

ولا زلنا في الباب الثاني وهو أخطاء المعاصرين في باب الصفات

الخطأ الحادي عشر : إنكار أثر مجاهد في المقام المحمود

فهذا الأثر أنكره من المعاصرين الألباني ومحمد أمان الجامي وسليمان العلوان وسعود العثمان وربيع المدخلي وعبد الرحمن دمشقية ومحمد علي فركوس وغيرهم

وكلام السلف لا يختلف في تثبيت هذا الأثر وعد من ينكره جهمياً وبعض من ينكره من المعاصرين لا يدفع متنه ولكن يظنه معارضاً لحديث الشفاعة ، غير أن منهم يستقبح متنه ويطلق فيه عبارات شديدة تشبه عبارات الجهمية بل بعضها تطابقها وهذا أمر شديد في الحقيقة

وهذا هو أثر مجاهد في أن المقام المحمود هو إجلاس رب العالمين نبيه إلى جنبه

واعتراضات المعاصرين ومن قبلهم تنحصر في عدة اعتراضات

الأول : أن هذا قول تابعي وقول التابعي لا يكون حجة

فيقال : أن هذا أثر تابعي في التفسير أقره عليه غيره وما عارضوه ومجاهد له خصوصية فقد عرض المصحف على ابن عباس ثلاث مرات حتى قال الثوري ( إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك )

وقالوا بالمتن لأن مجاهداً مختص بالتفسير وحمله عن ابن عباس وقد تكلم بهذا التفسير بين ظهراني الأخيار فلو كان فيه ما يستنكر لتكلموا بل لا مجال في تفسير مجاهد هذا للرأي ومجاهد في التفسير بالذات مراسيله قوية لشدة لزومه لابن عباس

لهذا تلقى السلف الأوائل هذا الخبر بالقبول فلما ظهر من ينكره احتجوا بتلقي السلف له بالقبول فلما أظهر شبهة الجهمية في دفعه جهموه

ولهذا يقول ابن القيم في الكافية الشافية

إن كان تجسيماً فإن مجاهداً *** هو شيخهم بل شيخه الفوقاني

وشاء الله أن يخزي الجهمية فعلى مجاهد عولوا في إنكار الرؤية فجاءتهم هذه الصاعقة من مجاهد

نعم التابعون أقوالهم ليست حجة بإطلاق ، ولكنها قد تصير حجة بالقرائن

قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم :” أنت ترى عامة كلام أحمد إنما يثبت الرخصة بالأثر عن عمر، أو بفعل خالد بن معدان  ليثبت بذلك أن ذلك كان يفعل على عهد السلف، ويقرون عليه، فيكون من هدي المسلمين، لا من هدي الأعاجم وأهل الكتاب، فهذا هو وجه الحجة، لا أن مجرد فعل خالد بن معدان حجة”

ومثل هذا يقال في أثر مجاهد مع ما ذكر من خصوصية مجاهد في التفسير

قال ابن القيم في إعلام الموقعين (4/ 485) :” وَالْأَكْثَرُونَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الصَّحَابِيِّ وَالتَّابِعِيِّ ، وَلَا يَخْفَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفُرُوقِ ، عَلَى أَنَّ فِي الِاحْتِجَاجِ بِتَفْسِيرِ التَّابِعِيِّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَتَيْنِ ، وَمَنْ تَأَمَّلَ كُتُبَ الْأَئِمَّةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَجَدَهَا مَشْحُونَةً بِالِاحْتِجَاجِ بِتَفْسِيرِ التَّابِعِيِّ “

وقال شيخ الإسلام في أجوبة الاعتراضات المصرية على الفتوى الحموية ص16 :” ثم نعلم أن الصحابة إذا كانوا حفظوا فالتابعون لهم بإحسانٍ الذين أخذوا عنهم وتَلقَّوا منهم لا يجوز أن يكونوا عَدَلوا في ذلك عما بلَّغَهم إيَّاه الصحابة، لا يجوز ذلك في العادة العامة، ولا في عادةِ القوم وما عُرِف من عقلهم ودينهم، مع ما علموه من وجوب ذلك عليهم في دينهم”

وقال الدارمي في الرد على المريسي ص594 :” وَاجْتَمَعَتِ الْكَلِمَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ سَمَّوْهُمُ التَّابِعِينَ، وَلَمْ يَزَالُوا يَأْثِرُونَ عَنْهُمْ بِالْأَسَانِيدِ كَمَا يَأْثِرُونَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَيَحْتَجُّونَ بِهِمْ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ وَيَرَوْنَ آرَاءَهُمْ أَلْزَمَ مِنْ آرَاءِ من بعدهمْ، للاسم تَابِعِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى لَقَدْ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: “وَلَا تُفْتِ النَّاسَ بِرَأْيِكَ” فَقَالَ: “رَأْيُنَا لَهُمْ خَيْرٌ مِنْ آرَائِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ”

ومثل هذا التفسير لا يقال بالرأي ويستحيل أن يكون إسرائيلية لذكر النبي صلى الله عليه وسلم صراحة فيه ومجاهد لا يأخذ عن بني إسرائيل ، وقد سكت عليه التابعون ولو كان منكراً ما تركوه

ثم إنه قد اعتضد بعواضد

أحدها : أثر عبد الله بن سلام

قال الخلال في السنة 236 – أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَصْرَمَ الْمُزَنِيُّ، قَالَ: ثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ جَعْفَرٍ وَكَانَ ثِقَةً، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ سَيْفٍ السَّدُوسِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: «إِنَّ مُحَمَّدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى كُرْسِيِّ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى»

وقد نقل الاتفاق على هذا الأثر

قال الخلال في السنة 267 – وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ، وَلَا فِي عَصْرِنَا هَذَا إِلَّا وَهُوَ مُنْكِرٌ لِمَا أَحْدَثَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رَدِّ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] قَالَ: «يُقْعِدُهُ عَلَى الْعَرْشِ» ، فَهُوَ عِنْدَنَا جَهْمِيُّ، يُهْجَرُ وَنَحْذِرُ عَنْهُ، فَقَدْ حَدَّثَنَا بِهِ هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ [ص:233]: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] قَالَ: «يُقْعِدُهُ عَلَى الْعَرْشِ» وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: «يُقْعِدُهُ عَلَى كُرْسِيِّ الرَّبِّ جَلَّ وَعَزَّ» ، فَقِيلَ لِلْجُرَيْرِيِّ: إِذَا كَانَ عَلَى كُرْسِيِّ الرَّبِّ فَهُوَ مَعَهُ، قَالَ: وَيْحَكُمْ، هَذَا أَقَرُّ لِعَيْنِي فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ أَتَى عَلَيَّ نَيِّفٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً مَا عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا رَدَّ حَدِيثَ مُجَاهِدٍ إِلَّا جَهْمِيُّ، وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ الْأَئِمَّةُ فِي الْأَمْصَارِ، وَتَلَقَّتْهُ الْعُلَمَاءُ بِالْقَبُولِ مُنْذُ نَيِّفٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ،

الثاني : أثر عبيد بن عمير

قال الخلال في السنة 320 – حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى} [ص: 25] قَالَ: «ذَكَرَ الدُّنُوَّ حَتَّى يَمَسَّ بَعْضَهُ»

ووجه الدلالة أن داود وهو دون نبينا يقرب هذا القرب فكيف بنبينا ، وعبيد بن عمير تابعي مخضرم كان ابن عمر يحضر مجالسه في الوعظ ويبكي من وعظه اتفقوا على جلالته

وما أحسن ما قال المعلمي في التنكيل :”  وروى ابن جرير في (تفسيره) ج15ص92- «عن مجاهد قال: يجلسه معه على عرشه» ثم قال «ما قاله مجاهد من أن الله يقعد محمداً – صلى الله عليه وسلم – على عرشه قول غير مدفوع صحته لا من جهة خبر ولا نظر..» وأطال في ذلك وأطاب، وقد أعطى الله ورسوله في ليلة الإسراء ما أعطى، وقال له {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى}”

الثالث : قال ابن وهب في تفسيره 191 – وأخبرني أيضا عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال أنه بلغه أن المقام المحمود الذي ذكر الله في كتابه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة يكون بين الجبار وبين جبريل فيغبطه بمقامه ذلك أهل الجمع.

وهذه إشارة إلى نحو مما قال مجاهد

الاعتراض الثاني : أن هذا الأثر ضعيف لأنه من رواية ليث بن أبي سليم عن مجاهد

والجواب : أن هذا الأثر تلقاه العلماء بالقبول والتلقي بالقبول يغني عن النظر في إسناده بل لو قال قائل أن رواية ليث عن مجاهد قوية واستدل بهذا لكان قوله وجيهاً

ثم يقال : بأن الآثار لا تعامل معاملة المرفوع بل يحتمل في الآثار رواية الضعيف عن شيخه المباشر إن لم يكن فيها ما يستنكر

فقد كان  أئمة العلل يرجحون أحياناً رواية الأقل إذا لم يسلك الجادة ، والموقوف والمقطوع ليس جادة في الغالب، جاء في ترجمة صدقة السمين من تهذيب الكمال: “قال عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه : ما كان من حديثه مرفوعا فهو منكر، وما كان من حديثه مرسلا عن مكحول فهو أسهل ، و هو ضعيف جدا”.

فتأمل قول أحمد قول (وما كان حديثه مرسلاً عن مكحول فهو أسهل) فهو يدل على التسامح في أمر الآثار، وجاء في ترجمة أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي وهو ضعيف من تهذيب الكمال: “وقال أحمد بن أبى يحيى : سمعت أحمد بن حنبل يقول : يكتب من حديث أبى معشر أحاديثه عن محمد بن كعب فى التفسير”.

وإنما احتمل حديثه عن محمد بن كعب القرظي في التفسير لأن محمداً شيخه ويروي عنه مباشرة فاحتمل ذلك منه، وقال البيهقي في دلائل النبوة (1/34) :” وضرب لا يكون روايه متهما بالوضع، غير أنه عرف بسوء الحفظ وكثرة الغلط، في رواياته، أو يكون مجهولا لم يثبت من عدالته وشرائط قبول خبره ما يوجب القبول.

فهذا الضرب من الأحاديث لا يكون مستعملا في الأحكام، كما لا تكون شهادة من هذه صفته مقبولة عند الحكّام. وقد يستعمل في الدعوات والترغيب والترهيب، والتفسير والمغازي فيما لا يتعلق به حكم.

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الحافظ، يقول: سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا: يَحْيَى بْنَ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيَّ، يَقُولُ: سمعت أبا الْحَسَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ يقول: كان أبي يحكي عَنْ «عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مهدي» أنه قال:إذا روينا في الثواب والعقاب وفضائل الأعمال، تساهلنا في الأسانيد، وتسامحنا في الرجال، وإذا روينا في الحلال والحرام والأحكام، تشدّدنا في الأسانيد وانتقدنا الرجال”.

فما بالك إذا كانت الرواية عن تابعي أو صحابي وليست عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان الضعف في الإسناد من جهة الراوي عنه مباشرة فمثل هذا يحتملونه إذا لم يكن في المتن نكارة، قال الذهبي في (( ديوان الضعفاء ))(ص374): “وأما المجهولون من الرواة ، فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه وتلقى بحسن الظن ، إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ”.

والسبب في ذلك والله أعلم أن أسانيدهم قصيرة واحتمل الوهم فيها بعيد فبقي النظر في المتن ، وكلام الذهبي في المرفوع فلا شك أنه ينطبق على الموقوف والمقطوع من باب أولى، قال ابن أبي حاتم في المراسيل 84 قال أبو زرعة في حديث رواه حفص بن غياث عن محمد بن قيس عن حبيب بن أبي ثابت قال كان عمر لا يجيز نكاحا في عام سنة يعني مجاعة قيل لأبي زرعة ما ترى في هذا قال هو مرسل ولكن عمر أهاب أن أراد قوله.

فهذا منقطع ومع ذلك جعله أبو زرعة محتجاً به وهاب مخالفته فما بالك بما كانت علته أهون من مثل هذا الانقطاع فتكون ضعف راو ضعفه محتمل أو جهالة حال.

وقال صالح بن الإمام أحمد في سيرة أبيه ص127 :” وَاجْتمعت عَلَيْهِ أوجاع الْحصْر وَغير ذَلِك وَلم يزل عقله ثَابتا وَهُوَ فِي خلال ذَلِك يَقُول كم الْيَوْم فِي الشَّهْر فَأخْبرهُ وَكنت أَنَام بِاللَّيْلِ إِلَى جنبه فَإِذا أَرَادَ حَاجَة حركني فأناوله وَقَالَ لي جئني بِالْكتاب الَّذِي فِيهِ حَدِيث ابْن إِدْرِيس عَن لَيْث عَن طَاوُوس أَنه كَانَ يكره الانين فَقَرَأته عَلَيْهِ فَلم يَئِن إِلَّا فِي اللَّيْلَة الَّتِي توفّي فِيهَا”.

وليث بن أبي سليم ضعيف ولكن الإمام أحمد احتمله في هذا لأنه إنما يروي عن شيخه قوله: وقال ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/259): “منها ما رواه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا قَالَ: قَالَ أَبُو عبيد الْقَاسِم بْن سلام زرت أَحْمَد بن حنبل فلما دخلت عليه بيته قام فاعتنقني وأجلسني فِي صدر مجلسه فقلت: يا أبا عَبْد اللَّه أليس يقال صاحب البيت أو المجلس أحق بصدر بيته أو مجلسه قَالَ: نعم يقعد ويقعد من يريد قال: فقلت: فِي نفسي خذ إليك أبا عبيد فائدة ثم قلت: يا أبا عَبْد اللَّه لو كنت آتيك عَلَى حق ما تستحق لأتيتك كل يوم فقال: لا تقل ذاك فإن لي إخوانا ما ألقاهم فِي كل سنة إلا مرة أنا أوثق فِي مودتهم ممن ألقى كل يوم قَالَ: قلت: هذه أخرى يا أبا عبيد فلما أردت القيام قام معي قلت: لا تفعل يا أبا عَبْد اللَّه قَالَ: فقال: قَالَ: الشعبي من تمام زيارة الزائر أن يمشي معه إلى باب الدار ويؤخذ بركابه قَالَ: قلت: يا أبا عَبْد اللَّه من عَنِ الشعبي قَالَ: ابن أبي زائدة عَنْ مجالد عَنِ الشعبي قَالَ: قلت: يا أبا عبيد هذه ثالثة”.

فهنا الإمام أحمد احتج برواية مجالد عن الشعبي مع أن مجالداً ضعيف ولكنه هنا يروي أمراً عن شيخه من قوله: وهذا يفسر لك احتمال الكثير من الأسانيد الضعيفة في التفسير ، ويفسر لك احتجاج الجمع الغفير من الأئمة بأثر ليث عن مجاهد في المقام المحمود مع ما قيل في ليث.

وقال الخلال في الوقوف والترجل 149- فَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ:أَرَى أَنْ يُدْفَنَ. كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَدْفِنُ شَعْرَهُ إِذَا حَلَقَهُ.

يقول أحمد هذا مع أن الأثر مروي عن ابن عمر من حديث عبد الله العمري عن نافع عنه، وعبد الله العمري المكبر ضعيف ولكنه يحتمل في الموقوف عن ابن عمر ، لذا روى عبد الرحمن بن مهدي مع انتقائه بعض الأخبار الموقوفة عن ابن عمر من طريق عبد الله العمري منها هذا الخبر.

وقال الألباني في مختصر العلو وهو يتكلم عن قصة قتل القسري للجعد ص134 :” قال المصنف: قرأت في “كتاب الرد على الجهمية” لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي صاحب التصانيف: حدثنا عيسى بن أبي عمران الرملي حدثنا أيوب بن سويد عن السري بن يحيى…

قلت: وهذا إسناد رجاله موثقون غير عيسى هذا فقال ابن أبي حاتم في “الجرح والتعديل” “3/ 1/ 284”.

“كتبت عنه بالرملة، فنظر أبي في حديثه، فقال: “يدل حديثه أنه غير صدوق” فتركت الرواية عنه”.

قلت: ولعل روايته عنه هذه القصة، لأنها ليست حديثا مرفوعا. والله أعلم”.

وما استظهره هو المتعين فالقصص شيء والأخبار المرفوعة شيء آخر غير أن الألباني نفسه ناقض هذا في مناسبات عديدة ، وهذا كله إذا لم يكن متن الخبر منكراً عن الشيخ فمثل هذا قد يغلط فيه حتى الثقات كما غلطوا حنبلاً في بعض مروياته عن أحمد وكان الخلال لا يعد انفراد حنبل رواية ، وكما غلطوا ابن عبد الحكم في روايته عن الشافعي تجويز إتيان المرأة في الدبر.

ثم إن عبد العزيز الطريفي قد أجاب على هذا بجواب حسن فقال بأن تفسير ليث عن مجاهد إنما أخذه من كتاب القاسم بن أبي بزة كما ذكر ابن حبان في الثقات فإنما هو كتاب لا أثر فيه للحفظ فهو يحتج به

الاعتراض الثالث : افتراضهم التعارض بين أثر مجاهد وحديث المقام المحمود الشفاعة

والجواب على هذا أنه لا تعارض

قال ابن حجر في شرح البخاري (2/416) :” قَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ : وَالْأَكْثَر عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْمَقَامِ الْمَحْمُود الشَّفَاعَة ، وَقِيلَ إِجْلَاسه عَلَى الْعَرْش ، وَقِيلَ عَلَى الْكُرْسِيّ ، وَحَكَى كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ عَنْ جَمَاعَة ، وَعَلَى تَقْدِير الصِّحَّة لَا يُنَافِي الْأَوَّل لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون الْإِجْلَاس عَلَامَة الْإِذْن فِي الشَّفَاعَة ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالْمَقَامِ الْمَحْمُود الشَّفَاعَة كَمَا هُوَ مَشْهُور وَأَنْ يَكُون الْإِجْلَاس هِيَ الْمَنْزِلَة الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْوَسِيلَةِ أَوْ الْفَضِيلَة . وَوَقَعَ فِي صَحِيح اِبْن حِبَّانَ مِنْ حَدِيث كَعْب بْن مَالِك مَرْفُوعًا ” يَبْعَث اللَّه النَّاس ، فَيَكْسُونِي رَبِّي حُلَّةً خَضْرَاءَ ، فَأَقُول مَا شَاءَ اللَّه أَنْ أَقُول ” فَذَلِكَ الْمَقَام الْمَحْمُود ، وَيَظْهَر أَنَّ الْمُرَاد بِالْقَوْلِ الْمَذْكُور هُوَ الثَّنَاء الَّذِي يُقَدِّمُهُ بَيْنَ يَدَيْ الشَّفَاعَة . وَيَظْهَر أَنَّ الْمَقَام الْمَحْمُود هُوَ مَجْمُوع مَا يَحْصُل لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَة ، وَيُشْعِرُ قَوْله فِي آخِرِ الْحَدِيثِ ” حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي ” بِأَنَّ الْأَمْر الْمَطْلُوب لَهُ الشَّفَاعَة ، وَاَللَّه أَعْلَم ” وظاهر هذا أن ابن حجر يقول بهذا الأثر ! وقد استظهر ذلك المعلقون على النونية في طبعة دار عالم الفوائد

بل له كلام آخر أوضح يدل على أخذه بالأثر

قال في شرح البخاري (18/403) :” وَيُمْكِن رَدُّ الْأَقْوَال كُلّهَا إِلَى الشَّفَاعَة الْعَامَّة ، فَإِنَّ إِعْطَاءَهُ لِوَاءَ الْحَمْد وَثَنَاءَهُ عَلَى رَبِّهِ وَكَلَامِهِ بَيْن يَدَيْهِ وَجُلُوسه عَلَى كُرْسِيِّهِ وَقِيَامه أَقْرَبِ مِنْ جِبْرِيل كُلّ ذَلِكَ صِفَات لِلْمَقَامِ الْمَحْمُود الَّذِي يَشْفَع فِيهِ لِيُقْضَى بَيْن الْخَلْق “

وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في فتاويه (2/ 136) :” المقام المحمود قيل الشفاعة العظمى وقيل إنه إجلاسه معه على العرش كما هو المشهور من قول أهل السنة والظاهر أنه لا منافاة بين القولين فيمكن الجمع بينهما بأن كلاهما من ذلك والإقعاد على العرش أبلغ “

فهؤلاء درأوا التعارض المزعوم وكذا درأه السخاوي الأشعري في كتابه القول البديع

ال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (4/ 374) :” رَوَى ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ فَضِيلٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ؛ فِي تَفْسِيرِ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} وَذَكَرَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى مَرْفُوعَةٍ وَغَيْرِ مَرْفُوعَةٍ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَهَذَا لَيْسَ مُنَاقِضًا لِمَا اسْتَفَاضَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ مِنْ أَنَّ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ هُوَ الشَّفَاعَةُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ مِنْ جَمِيعِ مَنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ وَيَدَّعِيه لَا يَقُولُ إنَّ إجْلَاسَهُ عَلَى الْعَرْشِ مُنْكَرًا – وَإِنَّمَا أَنْكَرَهُ بَعْضُ الْجَهْمِيَّة وَلَا ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ مُنْكَرٌ”

وقد أثبت هذا الأثر ابن العربي المالكي الأشعري المتعصب

وأثبته أيضاً عبد العزيز الغماري شيخ الطريقة الدرقاوية الشاذلية

الاعتراض الأخير : قولهم بأن السلف إنما رووا هذا الأثر مغايظة للجهمية لا أنهم يقولون به وهذا كلام صالح آل الشيخ

أقول : وهذا الكلام غاية في البعد إذ أن أدلة العلو كثيرة جداً فلم يروون أثراً لمنكراً لهذا الداعي

ثم إنهم ذكروه في أبواب مختصة بفضل النبي صلى الله عليه وسلم

فإن قيل : قد ادعيت أن العلماء تلقوه بالقبول فمن قال هذا ؟

فيقال : قاله الخلال والمروذي وعبد الله بن أحمد وأبو داود وعبد الوهاب الوراق وذكره ابن عبد البر عن أحمد وأبو يعلى وابن تيمية وابن بطة والآجري

ونقل الخلال في السنة أكثر ثلاثين إجماعاً على تصحيح أثر مجاهد والقول به وأن من رده جهمي

وقال شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل (5/237) :” وفيها اشياء عن بعض السلف رواها بعض الناس مرفوعة كحديث قعود الرسول صلى الله عليه وسلم على العرش رواه بعض الناس من طرق كثيرة مرفوعة وهي كلها موضوعة وإنما الثابت أنه عن مجاهد وغيره من السلف وكان السلف والأئمة يروونه ولا ينكرونه ويتلقونه بالقبول وقد يقال إن مثل هذا لا يقال إلا توقيفا لكن لا بد من الفرق بين ما ثبت من ألفاظ الرسول وما ثبت من كلام غيره سواء كان من المقبول أو المردود “

وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ لِلَّذِي رَدَّ فَضِيلَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْعِدُهُ عَلَى الْعَرْشِ فَهُوَ مُتَّهَمٌ عَلَى الإِسْلاَمِ , وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الأَصْبَهَانِيُّ : هَذَا الْحَدِيثُ حَدَّثَ بِهِ الْعُلَمَاءُ مُنْذُ سِتِّينَ وَمِئَةِ سَنَةٍ , وَلاَ يَرُدُّهُ إِلاَّ أَهْلُ الْبِدَعِ , قَالَ : وَسَأَلْتُ حَمْدَانَ بْنَ عَلِيٍّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ , فَقَالَ : كَتَبْتُهُ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةً , وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا يَرُدُّهُ إِلاَّ أَهْلُ الْبِدَعِ , وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ : حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ , وَمَا يُنْكِرُ هَذَا إِلاَّ أَهْلُ الْبِدَعِ , قَالَ هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ : هَذَا حَدِيثٌ يُسَخِّنُ اللَّهُ بِهِ أَعْيَنَ الزَّنَادِقَةِ , قَالَ : وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيَّ يَقُولُ : مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَوْجِبْ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا قَالَ مُجَاهِدٌ فَهُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ , قَالَ : وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْخَفَّافَ يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مُصْعَبٍ يَعْنِي الْعَابِدَ يَقُولُ : نَعَمْ , يُقْعِدُهُ عَلَى الْعَرْشِ لِيَرَى الْخَلاَئِقُ مَنْزِلَتَهُ

وما أحسن ما قال زيد المدخلي في تعليقه على السنة للخلال وقد كان ينكر هذا الأثر ثم رجع :” هذه الآثار المتعددة تدل على صحة الحديث لأن هؤلاء أئمة فكونه ورد من بعض الطرق ضعيف وورد من بعضها صحيح بل الكثير صححوه فوجب الأخذ به وأنه مما يكرم الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ولا يقدح في جناب التوحيد أبداً فهؤلاء أئمة كبار صححوه”

وأما النجمي فقد سئل عنه في شرحه للواسطية فذكر أنه لم يقرأ السنة للخلال

ويقول به من المعاصرين كثر منهم الفوزان والحجي والحداد وعبد العزيز الريس والطريفي ومحمد العريفي وعماد فراج وغيرهم كثير

ونرجو أن يأتي اليوم الذي لا نرى فيه أحداً يثبت العلو إلا ويثبت هذا الأثر كما كان الأمر في زمن السلف

وسبب القول بقول الجهمية في هذا الأثر النظر في كتب القوم ومن تأثر بهم كالذهبي الذي يعلم اتفاقات السلف ثم يعد الأثر من أنكر ما قال مجاهد في كتابه الميزان وكذلك ابن عبد البر الذي ادعى أنه مهجور ثم بعدها تناقض ونقل قول أحمد ان العلماء تلقوه بالقبول فتعقبه الشوكاني بذلك

علماً بأن الذهبي يثبت الجلوس ، وابن عبد البر يثبت الاستقرار 

وأختم البحث بهذه الصاعقة التي نقلها الذهبي في كتابه العرش عن الطبري وهي قوله :”  195- وقد رواه محمد بن جرير الطبري5 في تفسيره لهذه الآية عن مجاهد وغيره، وقال: “ليس في فرق المسلمين من ينكر هذا، لا من يقر أن الله فوق العرش ولا من ينكره””

يعني أثر مجاهد

الخطأ الثاني عشر : إنكار صفة الثقل لله عز وجل

وهذا الأمر وقع فيه الألباني وإليه يشير كلام محمد بن خليفة التميمي في تعليقه على كتاب العرش وإنني لأستكبرها من رجل مثله

قال الطبري في تفسيره وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ) قال: يعني من ثقل الرحمن وعظمته تبارك وتعالى.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ) : أي من عظمة الله وجلاله.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.

وهذه سلسلة العوفيين ضعيفة ولكن رواية الطبري له وإقراره يدل على عدم وجود نكارة في المتن عنده ، بل إن الطبري لم يرَ فرقاً بين قول ابن عباس في الثقل وقول غيره في العظمة وهذا هو الظاهر وكلا القولين فيه إثبات العلو الذي ينكره الجهمية

قال ابن أبي الدنيا في الأهوال [  9 ]:

 دثنا فضيل بن عبد الوهاب ، دثنا يزيد بن زريع ، عن أبي رجاء ، عن الحسن :

 في قوله : { السماء منفطر به } قال : مثقلة

وهذا إسناد قوي للحسن البصري

وقال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (3/266) :” وأصحاب هذا القول فيستشهدون بما روي عن طائفة في تفسير قوله تعالى تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ [الشورى 5] قال عثمان بن سعيد في رده على الجهمية ثنا عبد الله ابن صالح المصري حدثني الليث وهو ابن سعد حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال أن زيد بن أسلم حدثه عن عطاء بن يسار قال أتى رجل كعبًا وهو في نفر فقال يا أبا إسحاق حدثني عن الجبار فأعظم القوم قوله فقال كعب دعوا الرجل فإن كان جاهلاً تعلم وإن كان عالمًا ازداد علمًا ثم قال كعب أخبرك أن الله خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن ثم جعل ما بين كل سماءين كما بين السماء الدنيا والأرض وكثفهن مثل ذلك وجعل بين كل أرضين كما بين السماء الدنيا والأرض وكثفهن مثل ذلك ثم رفع العرش فاستوى عليه فما في السموات سماء إلا لها أطيط كأطيط الرّحل العُلا في أول ما يرتحل من ثُقل الجبار فوقهن وهذا الأثر وإن كان في رواية كعب فيحتمل أن يكون من علوم أهل الكتاب ويحتمل أن يكون مما تلقاه عن الصحابة ورواية أهل الكتاب التي ليس عندنا شاهد هو لا دافعها لا يصدقها ولا يكذبها فهؤلاء الأئمة المذكورة في إسناده هم من أجل الأئمة وقد حدثوا به هم وغيرهم ولم ينكروا ما فيه من قوله من ثقل الجبار فوقهن فلو كان هذا القول منكرًا في دين الإسلام عندهم لم يحدثوا به على هذا الوجه وقد ذكر ذلك القاضي أبو يعلى الأزجي فيما خرجه من أحاديث الصفات وقد ذكره عن طريق السنة عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا أبو المغيرة حدثتنا عبدة بنت خالد بن معدان عن أبيها خالد بن معدان أنه كان يقول إن الرحمن سبحانه ليثقل على حملة العرش من أول النهار إذا قام المشركون حتى إذا قام المسبحون خفف عن حملة العرش قال القاضي وذكر أبو بكر بن أبي خيثمة فيتاريخه بإسناده حدثنا عن ابن مسعود وذكر فيه فإن مقدار كل يوم من أيامكم عنده اثنتا عشرة ساعة فتعرض عليه أعمالكم بالأمس أول النهار اليوم فينظر فيه ثلاث ساعات فيطلع منها على ما يكره فيغضبه ذلك فأول من يعلم بغضبه الذين يحملون العرش يجدونه يثقل عليهم فيسبحه الذين  يحملون العرش”

ثم ذكر كلام أبي يعلى الذي أثبت فيه هذا الخبر ولكن على طريقة الكلابية

وقال أبو الشيخ الأصبهاني في العظمة حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ لَيْثٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنِي شَرِيكٌ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ: {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ} قَالَ: مِمَّنْ فَوْقَهُنَّ، يَعْنِي: «الرَّبَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى»

وقال أيضاً حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ} قَالَ: «مِنَ الثِّقَلِ»

وخصيف ضعيف ولكن هذا الخبر لو كان منكراً أو مستبشعاً لأنكر الناس روايته عليه ، وقد يحتمل في الموقوف والمعطلة يحتجون بما هو أقل من هذا إن احتاجوا

على أن خصيفاً قد اختلفوا فيه من الأئمة من يوثقه

وقد قال ابن حبان :” تركه جماعة من أئمتنا ، و احتج به آخرون ، و كان شيخا صالحا فقيها عابدا إلا أنه كان يخطىء كثيرا فيما يروى ، و ينفرد عن المشاهير بما لا يتابع عليه ، و هو صدوق فى روايته إلا أن الإنصاف فيه قبول ما وافق الثقات فى الروايات و ترك ما لم يتابع عليه ، و هو ممن استخير الله تعالى فيه ، و قد حدث عبد العزيز عنه عن أنس بحديث منكر ، و لا يعرف له سماع من أنس”

وأكثر النكير عليه في رواية عتاب وهنا هو يروي عن مجاهد في خبر موقوف قد اعتضد فلعله يحتمل هنا

بل إن الذهبي قال في السير :” حَدِيْثُه يَرتَقِي إِلَى الحَسَنِ” وهذا تسامح في الحقيقة ولكنه يجعلنا نطمئن لاعتماده في الموقوف ، ولخصيف رواية كثيرة عن مجاهد في التفسير عامتها مستقيمة

قال ابن القيم رحمه الله في نونيته ص105 :

وبسورة الشورى وفي مزمل … سر عظيم شأنه ذو شان

في ذكر تفطير السماء فمن يرد … علما به فهو القريب الداني

لم يسمح المتأخرون بنقله … جبنا وضعفا عنه في الإيمان

بل قاله المتقدمون فوارس الإ … سلام هم أمراء هذا الشان

ومحمد بن جرير الطبري في … تفسيره حكيت به القولان . اهـ

الخطأ الثالث عشر : إقرار القول بأن القرآن قديم

وهذا وقع فيه صالح العصيمي لما زكى الجزء المنسوب للنووي في الحروف والأصوات ، ووقع فيه الحداد حيث أثبت هذه المقالة على أحمد وادعى أنه لا منكر فيها في تعليقه على المسائل حلف عليها الإمام أحمد

فقد جاء في كتاب المسائل التي حلف عليها أحمد ص47  أن الإمام أحمد قال :” القرآن كلام الله قديم غير مخلوق “

فعلق الحداد بقوله :” كتب بإزائها في الحاشية ( كأنها موضوعة الإسناد ) ولم أجد فيها منكراً فلها شواهد كثيرة “

بل هي منكرة كل النكارة فالقول بأن القرآن قديم لا يجري إلا على أصول الكلابية الذين ينفون الصفات الفعلية ويريدون بهذا الحرف هذا المعنى ولم يرد عن السلف هذا اللفظ

قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (17/55) :” وكان أبو عبدالله بن عبدالوهاب رحمه الله قد تلقى هذا عن البحوث التى يذكرها أبو الحسن بن الزاغونى وأمثاله وقبله أبو الوفاء بن عقيل وأمثاله وقبلهما أبو يعلى و نحوه فإن هؤلاء وأمثالهم من أصحاب مالك والشافعي كأبي الوليد الباجي وأبى المعالى الجوينى وطائفة من أصحاب أبي حنيفة يوافقون إبن كلاب على قوله إن الله لا يتكلم بمشيئته وقدرته وعلى قوله إن القرآن لازم لذات الله بل يظنون أن هذا قول السلف قول أحمد بن حنبل ومالك والشافعي و سائر السلف الذين يقولون القرآن غير مخلوق حتى إن من سلك مسلك السالمية من هؤلاء كالقاضي و إبن عقيل و إبن  الزاغونى يصرحون بأن مذهب أحمد أن القرآن قديم وأنه حروف وأصوات وأحمد بن حنبل وغيره من الأئمة الأربعة لم يقولوا هذا قط و لا ناظروا عليه و لكنهم و غيرهم من اتباع الأئمة الأربعة لم يعرفو أقوالهم في بعض المسائل”

قال ابن تيمية في الجواب الصحيح :” وَلَمْ يَكُنِ السَّلَفُ يَقُولُونَ: الْقُرْآنُ قَدِيمٌ.

وَلَمَّا أَحْدَثَ الْجَهْمِيَّةُ وَمُوَافِقُوهُمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ بَائِنٌ مِنَ اللَّهِ، قَالَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ: إِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ”

واللفظ مشكل يحتمل معنيان أحدهما صحيح والآخر باطل فتركه متعين

قال ابن تيمية في الدرء :” إذا قال قائل: القرآن قديم وأراد به أنه نزل من أكثر من سبعمائة سنة، وهو القديم في اللغة، أو أراد أنه مكتوب في اللوح المحفوظ قبل نزول القرآن، فإن هذا مما لا نزاع فيه.

وكذلك إذا قال: غير مخلوق وأراد به أنه غير مكذوب، فإن هذا مما لم يتنازع فيه أحد من المسلمين وأهل الملل المؤمنين بالرسل”

الخطأ الرابع عشر : تجويز الحلف برب القرآن

وهذا أجازها عبيد الجابري

اعلم – وفقك الله لطاعته – أن الرب يطلق ويراد به معنيان

الأول : المالك وعلى هذا يخرج قوله تعالى ( رب العزة ) يعني ( ذو العزة )

الثاني : الخالق المربي وهذا معظم إطلاقه في النصوص

إذا علمت فاعلم أن هناك من جوز أن يحلف برب القرآن إذا كان بالمعنى الأول بشرط ألا يريد به ما أراد الجهمية ، من كون القرآن مربوباً مخلوقاً

قال ابن رجب في فتح الباري (4/214) :” وأمارواية من روي: (اللهم، رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة)، كما هي رواية البخاري والترمذي وغيرهما، فيقال: كيف جعل هذه الدعوة مربوبة، مع ان فيها كلمة التوحيد، وهي من القرآن، والقرآن غير مربوب ولا مخلوق؟

وبهذا فرق من فرق من اهل السنة بين افعال الايمان واقواله، فقال: اقواله غير مخلوقة، وافعاله مخلوقة؛ لان اقواله كلها ترجع إلى القران؟

واجيب عن هذا بوجوه:

منها: ان المربوب هو الدعوة إلى الصلاة خاصة، وهو قوله: (حي على الصلاة، حي على الفلاح)، وليس ذلك في القرآن، ولم يرد به التكبير والتهليل. وفيه بعد.

ومنها: ان المربوب هو ثوابها. وفيه ضعف.

ومنها: ان هذه الكلمات من التهليل والتكبير هي من القرآن بوجه، وليست منه بوجهه، كما قال – صلى الله عليه وسلم – : (( افضل الكلام من القران اربع، وهن من القرآن: سبحانه الله، والحمد الله، ولا اله الا الله، والله اكبر)).

فهي من القرآن إذا وقعت في اثناء القرآن، وليست منه إذا وقعت من كلام خارج عنه، فيصح ان تكون الكلمات الواقعة من ذلك في ضمن ذلك مربوبة.

وقد كره الامام أحمد ان يؤذن الجنب، وعلل بأن في الاذان كلمات من القرآن.

ومن الأصحاب من حملة على التحريم، وفيه نظر؛ فان الجنب لا يمنع من قول: “سبحان الله، والحمد الله، ولا قوة الا بالله، والله اكبر” على وجه الذكر، دون التلاوة.

وسئل إسحاق عن الجنب يجيب المؤذن؟ قال: نعم؛ لانه ليس بقران.

ومنها: ان الرب ما يضاف اليه الشيء، وان لم يكن خلقا لم، كرب الدار ونحوه، فالكلام يضاف إلى الله؛ لانه هو المتكلم به، ومنه بدأ، واليه يعود، فهذا بمعنى اضافته إلى [ربوبية] الله.

وقد صرح بهذا المعنى الاوزاعي، وقال فيمن قال: (برب القران): ان لم يرد ما يريد الجهمية فلا بأس.

يعني: إذا لم يرد بربوبيته خلقه كما يريده الجهمية، بل اراد اضافة الكلام إلى المتكلم به”

فتأمل فتيا الأوزاعي فلم يفتِ بجواز هذا مطلقاً حتى قيده بألا يريد ما أراد الجهمية

وقال الدارمي في رده على المريسي ص553 :” أَرَأَيْتَكَ إِنْ عَرَّضْتَ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ مَرْبُوبٌ لَمَّا أَنَّهُ قَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يَا رَبَّ الْقُرْآنِ، فَجَعَلْتَهُ مَخْلُوقًا بِذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون} أَفَتَحْكُمُ عَلَى عِزَّةِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ: {رَبِّ الْعِزَّةِ} كَمَا حَكَمْتَ عَلَى الْقُرْآنِ؟ وَيْحَكَ! إِنَّمَا قَوْله: {رَبِّ الْعِزَّةِ} يَقُولُ: ذِي الْعِزَّةِ. وَكَذَلِكَ ذُو الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ: {ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}”

وعامة أهل العلم منعوا من إطلاق ( رب القرآن ) ومثله في المعنى قولنا ( رب المصحف ) إذ أن المصحف يحوي القرآن

وسبب هذا المنع حسم المادة فإن الكلمة قد تحمل المعنى الآخر وهو أن المربوب مخلوق

قال ابن القيم في مدارج السالكين (1/71) : ” إثبات ربوبيته للعالمين وتقريرما ذكرناه والعالم كل ما سواه فثبت أن كل ما سواه مربوب والمربوب مخلوق بالضرورة وكل مخلوق حادث بعد أن لم يكن فإذا ربوبيته تعالى لكل ماسواه تستلزم تقدمه عليه وحدوث المربوب ولا يتصور أن يكون العالم قديما وهو مربوب أبدا فإن القديم مستغن بأزليته عن فاعل له وكل مربوب فهو فقير بالذات فلا شيء من المربوب بغنى ولا قديم “

وقال اللالكائي في السنة 325 – ذكره عبد الرحمن بن أبي حاتم قال : حدثنا أبي قال : حدثني علي بن صالح بن جابر الأنماطي قال : حدثنا علي بن عاصم ، ح . قال : وحدثنا أبي قال : حدثنا الصهبي عم علي بن عاصم ، عن علي بن عاصم ، عن عمران بن حدير ، عن عكرمة قال : كان ابن عباس في جنازة ، فلما وضع الميت في لحده قام رجل فقال : اللهم رب القرآن اغفر له . فوثب إليه ابن عباس فقال : « مه ، القرآن منه » زاد الصهبي في حديثه فقال ابن عباس : القرآن كلام الله ليس بمربوب ، منه خرج وإليه يعود

وليس أحد ينظر في حاله في هذا السند غير علي بن عاصم فإنه صدوق يخطيء ويصر ، وقد يمشى مثله في الموقوفات

وقد احتج ابن تيمية بأثره هذا وأقر معناه في عدد من كتبه

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (12/ 418) :” فأما الرد على الجهيمة القائلين بنفي الصفات وخلق القرآن ففي كلام التابعين وتابعيهم والأئمة المشاهير من ذلك شيء كثير وفي مسألة القرآن من ذلك آثار كثيرة جدا مثل ما روى ابن ابي حاتم وابن شاهين واللالكائي وغيرهم من غير وجه عم على بن ابي طالب رضي الله عنه انه قيل له يوم صفين حكمت رجلين فقال ما حكمت مخلوقا ما حكمت الا القرآن وعن عكرمة قال كان ابن عباس في جنازة فلما وضع الميت في لحده قام رجل فقال اللهم رب القرآن اغفر له فوثب إليه ابن عباس فقال له مه القرآن منه وفي رواية القرآن كلام الله وليس بمربوب منه “

واحتج بهذا الأثر إسماعيل التيمي  الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة ، والجوزقاني في كتابه الأباطيل والمناكير والصحاح المشاهير

بل بوب الجوزقاني بقوله ( بَابٌ: فِي أَنَّ الْقُرْآنَ قَدِيمٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَلَا مَرْبُوبٍ)

إطلاق القدم على القرآن محل نظر ، وإنما أراد بذلك أنه غير مخلوق وهذا معنى صحيح

والخلاصة أن لفظ موهم والذي ينبغي في مثل هذا المقام تركه حسماً للمادة ، وما رأيت أجازه إلا ما ينقل عن الأوزاعي وقد اشترط الأوزاعي ألا يريد به المعنى الذي يريده الجهمية ، فلا نجيز لأحد هذا القول إلا عند الاستفصال من قصده إن أردنا متابعة الأوزاعي

والصواب أن الواجب تركه إذ لا سنة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلن أو عن صحابي أو تابعي ، وهو يوهم مذهب أولئك الأراذل فينبغي تركه حسماً للمادة وسداً للذريعة

ثم إن هناك مأخذاً آخراً من المنع من الحلف برب المصحف وهو أنه قد يراد ب( رب المصحف ) مالكه فالعبد له تملك المصحف وهذا استخدام موجود في لسان بعض الفقهاء فيقولون ( إن أذن  له رب المصحف ) فيكون يوهم حلفاً بمخلوق .

الخطأ الخامس عشر : إنكار صفة السكوت

وهذه لا يحضرني الآن من ينكرها على وجه الخصوص ولكنني أذكر أنه مر علي

قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى(6/179)

(…… فثبت بالسنة والإجماع أن الله يوصف بالسكوت) _ مستفاد من مقال وجدته في إحدى الشبكات والنقل أعرفه ولكنني محتاجاً لقص ولصق سريعين _

قال أبو داود في سننه 3800 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ صَبِيحٍ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ شَرِيكٍ الْمَكِّيَّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ أَشْيَاءَ وَيَتْرُكُونَ أَشْيَاءَ تَقَذُّرًا،» فَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْزَلَ كِتَابَهُ، وَأَحَلَّ حَلَالَهُ، وَحَرَّمَ حَرَامَهُ، فَمَا أَحَلَّ [ص:355] فَهُوَ حَلَالٌ، وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ ” وَتَلَا {قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ

وإسناده صحيح 

وقال ابن تيمية في بيان التلبيس :”  وقال أبو إسماعيل الأنصاري الملقب بشيخ الإسلام في مناقب الإمام أحمد لما ذكر كلامه في مسألة القرآن وترتيب حدوث البدع قال: وجاءت طائفة فقالت لا يتكلم بعد ما تكلم فيكون كلامه حادثا، قال: وهذه أغلوطة أخرى في الدين غير واحدة، فانتبه لها أبو بكر بن خزيمة «1» وكانت نيسابور دار الآثار تمد إليها وتشد إليها الركائب ويجلب منها العلم فابن خزيمة في بيت ومحمد بن إسحاق- يعني السراج «2» – في بيت، وأبو حامد بن الشرقي في بيت، قال: فطار لتلك الفتنة الإمام أبو بكر فلم يزل يصيح بتشويهها، يصنف في ردها كأنه منذر جيش حتى دوّن في الدفاتر وتمكن في السرائر وتفسير في الكتاتيب ونقش في المحاريب:
أن الله متكلم إن شاء تكلم وإن شاء سكت، قال: فجزى الله ذلك الإمام وأولئك النفر على نصر دينه وتوقير نبيه خيرا.
قلت: لفظ السكوت يراد به السكوت عن شيء خاص، وهذا مما جاءت به
الآثار كقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسيان، فلا تسألوا عنها … » «1»
الحديث.
والحديث المعروف عن سلمان مرفوعا وموقوفا: «الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرمه الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه» «2».
والعلماء يقولون: أن مفهوم الموافقة أن يكون الحكم في المسكوت عنه أولى منه في المنطوق به، ومفهوم المخالفة: أن يكون الحكم في السكوت مخالفا للحكم في المنطوق به «3».
أما السكوت المنطوق به فهذا هو الذي ذكروا فيه القولين والقاضي أبو يعلى وموافقوه على أصل ابن كلاب يتأولون كلام أحمد والآثار في ذلك بأنه سكوت عن الإسماع لا عن التكليم.
وكذلك تأول ابن عقيل «1» كلام أبي إسماعيل الأنصاري، ليس مرادهم ذلك كما هو بين لمن تدبر كلامهم مع أن الإسماع على أصل النفاة إنما هو خلق إدراك في السماع ليس سببا يقوم بالمتكلم فكيف يوصف بالسكوت لكونه لم يخلق إدراكا لغيره؟
فأصل ابن كلاب الذي وافقه عليه القاضي وابن عقيل وابن الزغواني وغيرهم أنه منزه عن السكوت مطلقا فلا يجوز عندهم أن يسكت عن شيء من الأشياء إذ كلامه صفة قديمة لذاته لا تتعلق عندهم بمشيئته كالحياة حتى يقال إن شاء تكلم بكذا، وإن شاء سكت عنه.
ولا يجوز عندهم أن يقال إن الله سكت عن شيء كما جاءت به الآثار بل يتأولونه على عدم خلق الإدراك لأنه منزه عن الخرس باتفاق الأمة، هذا مما احتجوا به على قدم الكلام وقالوا: لو لم يكن متكلما للزم اتصافه بضده كالسكوت والخرس، وذلك ممتنع عندهم سواء قيل هو سكوت مطلق أو سكوت عن شيء معين”

الخطأ السادس عشر : إنكار الحركة

ينكر عدد من المعاصرين لفظ الحركة متابعةً لابن رجب الحنبلي منهم الألباني

والحق أن هذه لفظة تطلق من باب الإخبار وباب الإخبار واسع إذا جاء بمعنى ما في النصوص ودرء توهم مذهب الجهمية كقولهم ( بائن من خلقه ) و ( بذاته ) و ( غير مخلوق ) فهذه الألفاظ لا تأتي بمعنى زائد على ما في النصوص ولكن لما تأول الجهمية النصوص على غير ظاهرها تأولات لا تحتملها لغة العرب جيء بهذه الألفاظ

فالجهمي يقول ( الله فوق العرش ) ويريد فوقه بالقدر فقيل ( بائن من خلقه ) ممايزة للجهمية

والجهمي يقول ( القرآن كلام الله ) ويريد أنه خلق من خلقه لا صفة من صفاته فقيل ( غير مخلوق ) لممايزة الجهمية

وجاء لفظ الحركة لبيان معنى أن المجيء والنزول وغيرها أفعال تقوم بالذات لا مجيء أمر أو غيره ودرءاً لمذهب التفويض

ولما جاء جهمية متأخرون يعظمون أئمة السلف كانوا يتأولون نصوصهم كما يتأولون نصوص الوحيين غير أن هذه الألفاظ كانت تقع حائلاً بينهم وبين هذا التلاعب فظهر عميق فقه السلف

ولهذا احتج ابن تيمية في التسعينية على الحنابلة المتأثرين بأصول الكلابية بما ذكر حرب عن أحمد في أمر الحركة

قال ابن تيمية في درء التعارض (2/8) :” وأئمة السنة والحديث على إثبات النوعين، وهو الذي ذكره عنهم من نقل مذهبهم، كـ حرب الكرماني وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهما، بل صرح هؤلاء بلفظ الحركة، وأن ذلك هو مذهب أئمة السنة والحديث من المتقدمين والمتأخرين، وذكر حرب الكرماني أنه قول من لقيه من أئمة السنة كـ أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد ين منصور.وقال عثمان بن سعيد وغيره: إن الحركة من لوازم الحياة، فكل حي متحرك، وجعلوا نفي هذا من أقوال الجهمية نفاة الصفات، الذين اتفق السلف والأئمة على تضليلهم وتبديعهم.

وطائفة أخرى من السلفية كـ نعيم بن حماد الخزاعي والبخاري صاحب الصحيح وأبي بكر بن خزيمة، وغيرهم كـ أبي عمر بن عبد البر وأمثاله: يثبتون المعنى الذي يثبته هؤلاء، ويسمون ذلك فعلاً ونحوه، ومن هؤلاء من يمتنع عن إطلاق لفظ الحركة لكونه غير مأثور.وأصحاب أحمد منهم من يوافق هؤلاء، كـ أبي بكر عبد العزيز وأبي عبد الله بن بطة وأمثالهما، ومنهم من يوافق الأولين، كـ أبي عبد الله بن حامد وأمثاله، ومنهم طائفة ثالثة – كالتميميين وابن الزاغوني غيرهم – يوافقون النفاة من أصحاب ابن كلاب وأمثالهم”

وهذا هو البحث المتزن وقد مال في التسعينية إلى إثبات هذا أحمد عازياً لحرب الكرماني

وأذكر ان ابن سحمان في تنزيه الشريعة ذكر نحواً من هذا المعنى ، ورأيت جزءاً لفالح الحربي يرد فيه على كلام الألباني في الدارمي قرر فيه هذا المعنى وأحسن في ذلك

الخطأ السابع عشر : استخدام لفظة الذات كاستخدام المتكلمين

وهذا أمر شائع جداً بين المعاصرين وهذا من أهون الأغلاط التي نناقشها هنا

فاشتهر بين طلبة العلم قولهم ( الذات ) و ( الصفات ) على أن الذات بمعنى ( حاملة الصفات ) ، وقد حقق شيخ الإسلام ابن تيمية أن إطلاق الذات في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وكلام السلف يختلف عن إطلاق الذات في كلام المتكلمين

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (6/ 342) :” فَلَمَّا وَجَدُوا اللَّهَ قَالَ فِي الْقُرْآنِ { تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ } { وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ } وَ { كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } : وَصَفُوهَا ، فَقَالُوا : نَفْسٌ ذَاتُ عِلْمٍ وَقُدْرَةٍ وَرَحْمَةٍ وَمَشِيئَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ حَذَفُوا الْمَوْصُوفَ وَعَرَّفُوا الصِّفَةَ . فَقَالُوا : الذَّاتُ . وَهِيَ كَلِمَةٌ مُوَلَّدَةٌ ؛ لَيْسَتْ قَدِيمَةً وَقَدْ وُجِدَتْ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ لَكِنْ بِمَعْنَى آخَرَ مِثْلَ قَوْلِ خبيب الَّذِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ : وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ * * * يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ

وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” { لَمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيمُ إلَّا ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ كُلُّهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ } ” وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ : كُلُّنَا أَحْمَقُ فِي ذَاتِ اللَّهِ . وَفِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ : أُصِبْنَا فِي ذَاتِ اللَّهِ . وَالْمَعْنَى فِي جِهَةِ اللَّهِ وَنَاحِيَتِهِ ؛ أَيْ لِأَجْلِ اللَّهِ وَلِابْتِغَاءِ وَجْهِهِ ؛ لَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ النَّفْسَ . وَنَحْوُهُ فِي الْقُرْآنِ { فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ } وَقَوْلُهُ : { عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } أَيْ الْخَصْلَةِ وَالْجِهَةِ الَّتِي هِيَ صَاحِبَةُ بَيْنِكُمْ وَعَلِيمٌ بِالْخَوَاطِرِ وَنَحْوِهَا الَّتِي هِيَ صَاحِبَةُ الصُّدُورِ . فَاسْمُ ” الذَّاتِ ” فِي كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ وَالْعَرَبِيَّةِ الْمَحْضَةِ : بِهَذَا الْمَعْنَى . ثُمَّ أَطْلَقَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ وَغَيْرُهُمْ عَلَى ” النَّفْسِ ” بِالِاعْتِبَارِ الَّذِي تَقَدَّمَ فَإِنَّهَا صَاحِبَةُ الصِّفَاتِ . فَإِذَا قَالُوا الذَّاتُ فَقَدْ قَالُوا الَّتِي لَهَا الصِّفَاتُ . وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ وَغَيْرِ مَرْفُوعٍ ” { تَفَكَّرُوا فِي آلَاءِ اللَّهِ ؛ وَلَا تَتَفَكَّرُوا فِي ذَاتِ اللَّهِ } ” فَإِنْ كَانَ هَذَا اللَّفْظُ أَوْ نَظِيرُهُ ثَابِتًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ “

أقول : يتخلص من كلام الشيخ أن قول السلف ( ذات الله ) يعني في جهة الله ولوجهه

وأما إطلاقها بمعنى حاملة الصفات فهذا أطلقه المتكلمون وورد في خبر ( تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في ذات الله ) وهذا الخبر الصواب ضعفه كما حققه أخونا عبد الله التميمي في بحث مطول

فإن قيل : نسمع في العادة قاعدة ( الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات ) وهذا الإطلاق يوافق اصطلاح المتكلمين

فيقال : هذا أطلقه أهل العلم في باب المناظرة والتنزل مع المخالفين فإن هذه القاعدة أصل في الرد على أهل البدع وإظهار تناقضهم ، والذي نريده هنا بيان المعنى السلفي لهذه الكلمة وإلا فإن بعض المتكلمين رفض تسمية ( الصفات الذاتية ) أو ( ذات الله ) وقال الذات لفظ مؤنث لا يطلق على الرب ، وهذا الاعتراض لا يحفل به أمام النصوص خصوصاً بعد بيان المعنى السلفي للكلمة فإنها بمعنى ( جهة الله ) أو ( لوجه الله ورجاء ثوابه )

وأهل السنة الصفات عندهم كلها ثابتة ولكن بعض التقسيمات لكي يتم فرز أهل البدع من خلالها بحسب ما أنكروه

الخطأ السابع عشر : إنكار صفة القدمين

وهذا خاص بخالد المصلح فإنه شوش على أثر ابن عباس في هذا وادعى أنه ضعيف في شرحه على كتاب التوحيد

وقال أبو منصور الأزهري في “تهذيب اللغة” (10/54):

 “قلت والصحيح عن ابن عباس في الكرسي ما رواه الثوري وغيره عن عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: الكرسيُّ: موضع القدمين، وأما العرش فأنه لا يُقدر قدره، وهذه رواية اتفق أهل العلم صحتها، والذي روي عن ابن عباس في الكرسي أنه العلم ، فليس مما يثبته أهل المعرفة بالأخبار”.

وقال اللالكائي في السنة 733 : أخبرنا أحمد بن محمد بن الجراح ، ومحمد بن مخلد ، قالا : ثنا عباس بن محمد الدوري ، قال : سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام ، وذكر عنده هذه الأحاديث :

 ضحك ربنا عز وجل من قنوط عباده ، وقرب غيره ، والكرسي موضع القدمين ، وأن جهنم لتمتلئ فيضع ربك قدمه فيها ، وأشباه هذه الأحاديث ؟

 فقال أبو عبيد : هذه الأحاديث عندنا حق يرويها الثقات بعضهم عن بعض إلا أنا إذا سئلنا عن تفسيرها قلنا : ما أدركنا أحدا يفسر منها شيئا ونحن لا نفسر منها شيئا نصدق بها ونسكت.

وقال الدروي في تاريخه عن ابن معين 2543 :

 سَمِعت يحيى يَقُول شهِدت زَكَرِيَّا بن عدي سَأَلَ وكيعا فَقَالَ يَا أَبَا سُفْيَان هَذِه الْأَحَادِيث يعْنى مثل حَدِيث الْكُرْسِيّ مَوضِع الْقَدَمَيْنِ وَنَحْو هَذَا فَقَالَ وَكِيع أدركنا إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد وسُفْيَان ومسعر يحدثُونَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث وَلَا يفسرون بِشَيْء.

وقال حرب الكرماني في مقدمة عقيدته :

” هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وأدركت من أدركت من علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئًا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أوعاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد، وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور، وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم فكان من قولهم”.

فذكر اعتقاداً ومنه قوله: “والله تبارك وتعالى على العرش، والكرسي موضع قدميه، وهو يعلم ما في السماوات السبع”.

فهذا أثر صحيح مجمع عليه فلا داعي للتشويش ولا أعلم عالماً طعن في صحته

الخطأ الثامن عشر : قولهم أن الصفات لا تثبت بالآثار عن الصحابة والتابعين وهذا قاله محمد صالح المنجد

قال شيخ الإسلام: [مجموع الفتاوى 15/ 152]:” وَهَذَا بَابٌ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْتَنِيَ بِهِ وَيَنْظُرَ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا جَاءَ بِهِ وَأَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ مِنْ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمَجُوسِ وَالصَّابِئِينَ. فَإِنَّ هَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ. وَلِهَذَا قَالَ الْأَئِمَّةُ – كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ – أُصُولُ السُّنَّةِ هِيَ التَّمَسُّكُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “

أقول: قول الإمام أحمد: أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -[ما] هنا الموصولة بمعنى الذي وهي من ألفاظ العموم فيشمل ما كانوا عليه في العقائد والعبادات والمعاملات والآداب.

قال الآجري في الشريعة (2-201) : اعلموا وفقنا الله وإياكم للرشاد من القول والعمل أن أهل الحق يصفون الله عز وجل بما وصف به نفسه عز وجل ، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبما وصفه به الصحابة رضي الله عنهم ، وهذا مذهب العلماء ممن اتبع ولم يبتدع”

وقال الإمام أحمد في رسالته إلى المتوكل التي رواها ابنه عبد الله في السنة (80) : ولست بصاحب كلام ولا أرى الكلام في شيء من هذا إلا ما كان في كتاب الله عز وجل أو في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه أو عن التابعين

وقد ذكرنا في الكلام على أثر مجاهد ما يفيد في هذا المعنى

الخطأ الثامن عشر : إقرار تفسير المتكلمين للغضب والرضا والرحمة في الآدميين

وهذا من أهون الأخطاء غير أننا نذكره فيما يذكر

فمن المعلوم أن المعطلة يقولون ( الرحمة ضعف ) و ( الضحك خفة روح ) و ( الغضب غليان القلب ) ، والجواب المعتاد لأهل السنة أن هذا في حق المخلوق لا في حق الخالق ، غير أن شيخ الإسلام كان له جواب أدق وهو أن هذه التعريفات في حق المخلوق غلط

قال ابن تيمية في الرسالة الأكملية ص27 :” وَقَوْلُ الْقَائِلِ : ” إنَّ الضَّحِكَ خِفَّةُ رُوحٍ ” لَيْسَ بِصَحِيحِ ؛ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ يُقَارِنُهُ . ثُمَّ قَوْلُ الْقَائِلِ : ” خِفَّةُ الرُّوحِ ” . إنْ أَرَادَ بِهِ وَصْفًا مَذْمُومًا فَهَذَا يَكُونُ لِمَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُضْحَكَ مِنْهُ وَإِلَّا فَالضَّحِكُ فِي مَوْضِعِهِ الْمُنَاسِبِ لَهُ صِفَةُ مَدْحٍ وَكَمَالٍ وَإِذَا قُدِّرَ حَيَّانِ أَحَدُهُمَا يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُ مِنْهُ ؛ وَالْآخَرُ لَا يَضْحَكُ قَطُّ كَانَ الْأَوَّلُ أَكْمَلَ مِنْ الثَّانِي . وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَنْظُرُ إلَيْكُمْ الرَّبُّ قنطين فَيَظَلُّ يَضْحَكُ يَعْلَمُ أَنَّ فَرَجَكُمْ قَرِيبٌ فَقَالَ لَهُ أَبُو رَزِينٍ العقيلي : يَا رَسُولَ اللَّهِ أو يَضْحَكُ الرَّبُّ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ : لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا } . فَجَعَلَ الْأَعْرَابِيُّ الْعَاقِلُ – بِصِحَّةِ فِطْرَتِهِ – ضَحِكَهُ دَلِيلًا عَلَى إحْسَانِهِ وَإِنْعَامِهِ ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ مَقْرُونٌ بِالْإِحْسَانِ الْمَحْمُودِ وَأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَالشَّخْصُ الْعَبُوسُ الَّذِي لَا يَضْحَكُ قَطُّ هُوَ مَذْمُومٌ بِذَلِكَ وَقَدْ قِيلَ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْعَذَابِ : إنَّهُ { يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا } . وَقَدْ رُوِيَ : أَنَّ الْمَلَائِكَةَ قَالَتْ لِآدَمَ : ” حَيَّاك اللَّهُ وَبَيَّاك ” أَيْ أَضْحَكَك . وَالْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ ضَاحِكٌ ؛ وَمَا يُمَيِّزُ الْإِنْسَانَ عَنْ الْبَهِيمَةِ صِفَةُ كَمَالٍ فَكَمَا أَنَّ النُّطْقَ صِفَةُ كَمَالٍ فَكَذَلِكَ الضَّحِكُ صِفَةُ كَمَالٍ فَمَنْ يَتَكَلَّمُ أَكْمَلُ مِمَّنْ لَا يَتَكَلَّمُ وَمَنْ يَضْحَكُ أَكْمَلُ مِمَّنْ لَا يَضْحَكُ وَإِذَا كَانَ الضَّحِكُ فِينَا مُسْتَلْزِمًا لِشَيْءِ مِنْ النَّقْصِ فَاَللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ الْأَكْثَرُ مُخْتَصٌّ لَا عَامٌّ فَلَيْسَ حَقِيقَةُ الضَّحِكِ مُطْلَقًا مَقْرُونَةً بِالنَّقْصِ كَمَا أَنَّ ذَوَاتَنَا وَصِفَاتِنَا مَقْرُونَةٌ بِالنَّقْصِ وَوُجُودَنَا مَقْرُونٌ بِالنَّقْصِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ مُوجِدًا وَأَنْ لَا تَكُونَ لَهُ ذَاتٌ “

هذا في الضحك وأما في الرحمة

فقال ابن تيمية في الرسالة الأكملية ص25 :” وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : ” الرَّحْمَةُ ” ضَعْفٌ وَخَوَرٌ فِي الطَّبِيعَةِ وَتَأَلُّمٌ عَلَى الْمَرْحُومِ فَهَذَا بَاطِلٌ . أَمَّا ” أَوَّلًا ” : فَلِأَنَّ الضِّعْفَ وَالْخَوَرَ مَذْمُومٌ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَالرَّحْمَةَ مَمْدُوحَةٌ ؛ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ } وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عِبَادَهُ عَنْ الْوَهَنِ وَالْحُزْنِ ؛ فَقَالَ تَعَالَى : { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } وَنَدَبَهُمْ إلَى الرَّحْمَةِ . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إلَّا مِنْ شَقِيٍّ } وَقَالَ : { مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمُ } وَقَالَ : { الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ . ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ } . وَمُحَالٌ أَنْ يَقُولَ : لَا يُنْزَعُ الضَّعْفُ وَالْخَوَرُ إلَّا مِنْ شَقِيٍّ ؛ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الرَّحْمَةُ تُقَارِنُ فِي حَقِّ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ الضَّعْفَ وَالْخَوَرَ – كَمَا فِي رَحْمَةِ النِّسَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ – ظَنَّ الغالط أَنَّهَا كَذَلِكَ مُطْلَقًا “

وأما في صفة الغضب

فقال ابن تيمية في الرسالة الأكملية ص26 :” وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : ” الْغَضَبُ غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ لِطَلَبِ الِانْتِقَامِ ” فَلَيْسَ بِصَحِيحِ فِي حَقِّنَا ؛ بَلْ الْغَضَبُ قَدْ يَكُونُ لِدَفْعِ الْمُنَافِي قَبْلَ وُجُودِهِ فَلَا يَكُونُ هُنَاكَ انْتِقَامٌ أَصْلًا . وَأَيْضًا : فَغَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ يُقَارِنُهُ الْغَضَبُ لَيْسَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْغَضَبِ هُوَ غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ كَمَا أَنَّ ” الْحَيَاءَ ” يُقَارِنُ حُمْرَةَ الْوَجْهِ وَ ” الْوَجَلَ ” يُقَارِنُ صُفْرَةَ الْوَجْهِ ؛ لَا أَنَّهُ هُوَ . وَهَذَا لِأَنَّ النَّفْسَ إذَا قَامَ بِهَا دَفْعُ الْمُؤْذِي فَإِنْ اسْتَشْعَرَتْ الْقُدْرَةَ فَاضَ الدَّمُ إلَى خَارِجٍ فَكَانَ مِنْهُ الْغَضَبُ وَإِنْ اسْتَشْعَرَتْ الْعَجْزَ عَادَ الدَّمُ إلَى دَاخِلٍ ؛ فَاصْفَرَّ الْوَجْهُ كَمَا يُصِيبُ الْحَزِينَ “

على أن ابن تيمية في هذه كلها قال لو سلمنا أن هذه حقيقتها في المخلوقين فليست هذه حقيقتها في الخالق فكما أن الذات غير الذات فالصفات غير الصفات

الخطأ التاسع عشر : اعتبارهم نفي الحد والغاية من الألفاظ المجملة التي قد تحمل على معنى صحيح ولا يبدع قائلها

وهذا يقوله عامة من شرح الطحاوية عند كلمة الطحاوي ( تعالى عن الحدود والغايات والأدوات والحركات ) وهذا سياق جهمي صرف

وهذه الألفاظ أبلغ في التعطيل من قول اللفظية ( لفظي بالقرآن مخلوق ) وقد جهمهم السلف

وما أحسن ما قال خالد المصلح في شرح لمعة الاعتقاد :” يقول أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله في كتاب (الرد على الجهمية) : لم يعلم عن أحدٍ من العالمين أنه تكلم بهذا الكلام قبل جهم بن صفوان، ومراد جهم بن صفوان بقوله في الصفات: إنه لا حد لها ولا غايه؛ مراده تعطيل الله عن صفاته، ولذلك قيل: (من قال: لا حد ولا غاية، فقد قال بأنه لا إله، وأن الله لا شيء؛ لأنه ما من شيء إلا له حد وغاية”

وما ينسب لأحمد أنه قالها فغير صحيح وهو مفاريد حنبل

غير ابن تيمية على عادته حل الإشكال فقال في بيان التلبيس :” فهذا الكلام من الإمام أبي عبد الله أحمد رحمه الله يبين أنه نفى أن العباد يحدون الله تعالى أو صفاته بحد أو يُقدِّرون ذلك بقدر أو أن يبلغوا إلى أن يصفوا ذلك وذلك لا ينافي ما تقدم من إثبات أنه في نفسه له حد يعلمه هو لا يعلمه غيره أو أنه هو يصف نفسه وهكذا كلام سائر أئمة السلف يثبتون الحقائق وينفون علم العباد بكنهها كما ذكرنا من كلامهم في غير هذا الموضع ما يبين ذلك وأصحاب الإمام أحمد منهم من ظن أن هذين الكلامين يتناقضان فحكي عنه في إثبات الحد لله تعالى روايتين وهذه طريقة الروايتين والوجهين ومنهم من نفى الحد عن ذاته تعالى ونفى علم العباد به كما ظنه موجَبُ ما نقله حنبل وتأول ما نقله المروذي والأثرم وأبو داود وغيرهم من إثبات الحد له على أن المراد إثبات حد للعرش ومنهم من قرر الأمر كما يدل عليه الكلامان أو تأول نفي الحد بمعنى آخر والنفي هو طريقة القاضي أبي يعلى أولاً في المعتمد وغيره فإنه كان ينفي الحد والجهة”

ثم نقل كلام أبي يعلى وتعقبه

ولا يستبعد صدور هذا من الطحاوي فإنه ذكر أنه يذكر عقيدة أبي حنيفة وأبو حنيفة اتهمه بالتجهم كثيرون منهم ابن معين وأبو زرعة

وأما الشيباني فلا يختلفون أنه كان جهمياً وبعضهم يذكر عنه رجوعاً

غير أن أبا يوسف ليس جهمياً

الخطأ العشرون : إنكار المكان لله عز وجل

وهذا وقع فيه الألباني وقد اضطرب كلامه في ذلك ووقع فيه كثيرون ، وقيل لي أن المدخلي ينفيه أيضاً وإنا لله وإنا إليه راجعون

قال أحمد في مسنده 13562 :

 حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

” يُحْشَرُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَهْتَمُّونَ لِذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا عَلَى رَبِّنَا حَتَّى  يُرِيحُنَا مِنْ مَكَانِنَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ أَبُونَا، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، فَاشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ  قَالَ:  فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ أَكْلَهُ مِنَ الشَّجَرَةِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا

 وَلَكِنْ ائْتُوا نُوحًا، أَوَّلَ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ

 قَالَ: فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ سُؤَالَهُ اللَّهَ بِغَيْرِ عِلْمٍ

 وَلَكِنْ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ

 فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ ثَلَاثَ كَذِبَاتٍ كَذَبَهُنَّ، قَوْلَهُ: إِنِّي سَقِيمٌ، وَقَوْلَهُ: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا وَأَتَى عَلَى جَبَّارٍ مُتْرَفٍ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ، فَقَالَ: أَخْبِرِيهِ أَنِّي أَخُوكِ فَإِنِّي مُخْبِرُهُ أَنَّكِ أُخْتِي، وَلَكِنْ ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا، وَأَعْطَاهُ التَّوْرَاةَ

 وَقَالَ: فَيَأْتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ قَتْلَهُ الرَّجُلَ

 وَلَكِنْ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ وَكَلِمَةَ اللَّهِ وَرُوحَهُ، فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلَكِنْ ائْتُوا مُحَمَّدًا عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ

 قَالَ: ” فَيَأْتُونِي فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ، فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي

 ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ يَا مُحَمَّدُ، وَقُلْ تُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَ «فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَحْمَدُ رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمْ فِي الْجَنَّةِ

 قَالَ هَمَّامٌ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: ” فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي الثَّانِيَةَ، فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي

 ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ مُحَمَّدُ، وَقُلْ تُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَ

 قَالَ: ” فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ – قَالَ هَمَّامٌ وَأَيْضًا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ

 قَالَ: ثُمَّ أَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي الثَّالِثَةَ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي

 ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ،، وَقُلْ تُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَ

 فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأُخْرِجُ فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ – قَالَ هَمَّامٌ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ – فَلَا يَبْقَى فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ «أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ» ، ثُمَّ تَلَا قَتَادَةُ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} ، قَالَ: هُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”

أقول : هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه بهذا التمام ( 7439 )

ولا أعلم أحداً من الأئمة تكلم في صحة هذا الحديث ، حتى من استشكل متنه من الأشاعرة والكلابية كالبيهقي والخطابي وابن بطال وابن حجر

وتكلم بعض المعاصرين في سنده وقال إن هماماً تفرد بهذه الزيادة عن قتادة ( فأستأذن على ربي في داره )

والجواب على هذا الإعلال من وجوه

أولها : أن هذا الحديث صححه البخاري وابن مندة وابن أبي عاصم وأوردوه في كتب الاعتقاد وما تكلم أحدٌ في صحته من المتقدمين أو المتأخرين ، فهو من الأحاديث التي تلقيت بالقبول في صحيح البخاري وهذا يغني عن النظر في سنده

ثانيها : أن هماماً ثقة ثبت أثنوا عليه في حديثه عن قتادة خاصة

قال الحسين بن الحسن الرازى : قلت ليحيى بن معين : همام ؟ فقال : ثقة ،

صالح ، و هو فى قتادة أحب إلى من حماد بن سلمة ، و أحسنهم حديثا عن قتادة .

و قال أبو بكر بن خيثمة ، عن يحيى بن معين : همام فى قتادة أحب إلى من

أبى عوانة ، همام ، ثم أبو عوانة ، ثم أبان العطار ، ثم حماد بن سلمة .

و قال عثمان بن سعيد الدارمى : قلت ليحيى بن معين : همام أحب إليك فى قتادة أو أبان ؟

قال : ما أقربهما ، كلاهما ثقتان . قلت : فهمام أحب إليك عن قتادة أو أبو عوانة ؟

 قال : همام أحب إلى من أبى عوانة .

و قال على ابن المدينى ، و ذكر أصحاب قتادة : كان هشام الدستوائى أرواهم عنه ، و كان سعيد أعلمهم به ، و كان شعبة أعلمهم بما سمع قتادة و ما لم يسمع . قال : و لم يكن همام عندى بدون القوم فى قتادة ، و لم يكن ليحيى فيه رأى ، و كان عبد الرحمن بن مهدى حسن الرأى فيه .

وهذا يدل على أن ما ذكروا من أوهامه فليست من حديثه عن قتادة ، ثم إن تخريج البخاري لهذا الحديث كالنص على أنه ليس من أوهامه

ثم إنه قد روى عنه هذا الحديث عفان بن مسلم وكان من المتثبين والنقاد

واللفظة التي استنكرها المعاصرون كررها همام ثلاثاً مما يدل على أنه حفظها ، وهذه الأحاديث الطوال زيادة الرواة فيها على بعضهم البعض يتسامح فيها ، لأنه قل أن يسمعها أحد ويؤديها كما سمعها نصاً ، بل ربما فات بعض الرواة ما تنبه له الآخر وهم في أصل الحديث متفقون

والدار بمعنى المكان لذا فقول المعلق على المخالفات العقدية في الفتح ص60 :” توهم الخطابي لا مبرر له؛ لأن الحديث لا يفيد أن الدار مكانه” فيه نظر

بل قال ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (1/191) :” وأما المكان: ففيه نزاع وتفصيل. وفي الصحيحين: إثبات لفظ المكان”

وهذا في صحيح البخاري فقط ، وأراد بالمكان الدار ، أو أنه أراد حديث شريك المعروف في الإسراء

وليس في هذا ما يتوهمه المعطلة من أن الله عز وجل يحيط به مخلوق ، بل يراد به أنه سبحانه في علوه فوق العرش

واعلم رحمك الله أن لفظ المكان أثبته عدد كبير من أئمة أهل السنة ، ولا أعرف عن إمام في القرون الفاضلة أنه قال ( بأن الله ليس له مكان )

وقد صرح بهذا شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية حيث قال (2/45) :” ولا يقدر احد ان ينقل عن احد من سلف الامة وائمتها في القرون الثلاثة حرفا واحدا يخالف ذلك لم يقولوا شيئا من عبارات النافية ان الله ليس في السماء والله ليس فوق العرش ولا انه لا داخل العالم ولا خارجه ولا ان جميع الامكنة بالنسبة اليه سواء ولا انه في كل مكان أو أنه ليس في مكان او انه لا تجوز الاشارة الحسية اليه ولا نحو ذلك من العبارات التي تطلقها النفاة”

وقوله ( أو أنه ليس في مكان ) سقطت من طبعة ابن قاسم وهي موجودة في الطبعة الجديدة

وممن أثبت لفظ المكان التابعي الجليل محمد بن كعب القرظي أمام عمر بن عبد العزيز وأقره

قال ابن وهب في تفسيره 187 – قال: وحدثني حرملة بن عمران، عن سليمان بن حميد قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يحدث عمر بن عبد العزيز قال: إذا فرغ الله من أهل الجنة والنار أقبل الله في ظللٍ من الغمام والملائكة، قال: فيسلم على أهل الجنة في أول درجة فيردون عليه السلام، قال القرظي: وهذا في القرآن {سلامٌ قولا من ربٍ رحيمٍ}، فيقول: سلوني، فيقولون: ماذا نسألك أي رب، قال: بلى سلوني، قالوا: نسألك أي رب رضاك، قال: رضائي أدخلكم دار كرامتي، قالوا: يا رب، وما الذي نسألك فوعزتك وجلالك وارتفاع مكانك، لو قسمت علينا رزق الثقلين لأطعمناهم ولأسقيناهم ولألبسناهم ولأخدمناهم لا ينقصنا من ذلك شيئا؛ قال: إن لدي مزيدا؛ قال: فيفعل الله ذلك بهم في درجتهم حتى يستوي في مجلسه؛ قال: ثم تأتيهم التحف من الله تحمله إليهم الملائكة، قال: وليس في الآخرة ليل ولا نصف نهارٍ، إنما هو بكرة وعشيا، وذلك في القرآن، في آل فرعون: {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا}، وكذلك قال لأهل الجنة: {لهم زرقهم فيها بكرة وعشيا}، قال: وقال: والله، الذي لا إله إلا هو، لو أن امرأة من حور العين أطلعت سوارها لأطفأ نور سوارها الشمس والقمر، فكيف المسورة وإن خلق الله شيئاً يلبسه إلا عليه مثلما عليها من ثياب أو حلي.

الشاهد قوله رحمه الله :” وما الذي نسألك فوعزتك وجلالك وارتفاع مكانك”

والسند رجاله ثقات إلا سليمان بن حميد المزني وثقه ابن حبان

قال الذهبي في تاريخ الإسلام :” سليمان بن حميد المزني. عن أبيه عن أبي هريرة وعن محمد بن كعب القظي وعامر بن سعد.

وعنه الليث بن سعد وضمام بن إسماعيل وجماعة.

مات بمصر سنة خمس وعشرين ومائة”

فرواية جماعة من الثقات عنه ، مع توثيق ابن حبان يجعل خبره مقبولاً في خبر مقطوع

وممن أثبت لفظ المكان الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب مستدلا بحديث الجارية حيث قال في الرد على الجهمية ص25 :” وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أين الله ؟ » تكذيب لقول من يقول : هو في كل مكان ، لا يوصف ب « أين » ، لأن شيئا لا يخلو منه مكان يستحيل أن يقال : « أين هو ؟ » ، ولا يقال : « أين » إلا لمن هو في مكان يخلو منه مكان “

وممن أثبت هذا اللفظ حماد بن زيد الإمام الثقة الثبت

قال شيخ الإسلام في شرح حديث النزول ص40 :” قال الخلال في [ كتاب السنة ] : حدثنا جعفر بن محمد الفريابي، ثنا أحمد بن محمد المقدمي، ثنا سليمان بن حرب، قال : سأل بشر بن السُّرِّي حماد بن زيد فقال : يا أبا إسماعيل، الحديث الذي جاء : “ينزل ربنا إلى سماء الدنيا ” يتحول من مكان إلى مكان ؟ فسكت حماد بن زيد , ثم قال : هو في مكانه يقرب من خلقه كيف شاء .

 ورواه ابن بطة في كتاب [ الإبانة ] فقال : حدثني أبو القاسم حفص بن عمر الأردبيلي، حدثنا أبو حاتم الرازي , حدثنا سليمان بن حرب، قال : سأل بشر بن السري حماد بن زيد فقال : يا أبا إسماعيل، الحديث الذي جاء “ينزل اللّه إلى سماء الدنيا ” أيتحول من مكان إلى مكان ؟

 فسكت حماد بن زيد , ثم قال : هو في مكانه يقرب من خلقه كيف شاء “

وهذا الإسناد إلى حماد صحيح ولم ينكر عليه أحدٌ من السلف هذا الإطلاق

وكذلك الفضيل بن عياض

قال البخاري في خلق أفعال العباد 61- وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ : إِذَا قَالَ لَكَ جَهْمِيٌّ : أَنَا أَكْفُرُ بِرَبٍّ يَزُولُ عَنْ مَكَانِهِ ، فَقُلْ : أَنَا أُؤْمِنُ بِرَبٍّ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ.

وأقر البخاري هذا الكلام

وقال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص83 :” ولو أن هؤلاء رجعوا إلى فطرهم وما ركبت عليه خلقتهم من معرفة الخالق سبحانه لعلموا أن الله تعالى هو العلي وهو الأعلى وهو بالمكان الرفيع وأن القلوب عند الذكر تسمو نحوه والأيدي ترفع بالدعاء إليه ومن العلو”

فتأمل قوله ( وهو بالمكان الرفيع)

وقال حرب الكرماني في عقيدته التي نقل عليها إجماع أهل الحديث في عصره :” والجهمية أعداء الله: وهم الذين يزعمون أن القرآن مخلوق وأن الله لم يكلم موسى، وأن الله لا يتكلم، ولا يرى، ولا يعرف لله مكان، وليس لله عرش، ولا كرسي وكلام كثير أكره حكايته، وهم كفار زنادقة أعداء الله فاحذروهم”

وكذلك ممن أثبت هذا اللفظ ابن بطة حيث قال في الإبانة (6/141) :” لكنا نقول : إن ربنا تعالى في أرفع الأماكن ، وأعلى عليين ، قد استوى على عرشه فوق سماواته ، وعلمه محيط بجميع خلقه ، يعلم ما نأى كما يعلم ما دنا ، ويعلم ما بطن كما يعلم ما ظهر كما وصف نفسه تعالى”

فتبين أن هذا اللفظ قال به جمع من الأئمة وعندهم مستندهم الأثري ، ولا يعلم نفي ( المكان ) عن أحد من المتقدمين في القرون الثلاثة ، ومحل الاتفاق نفي المكان المخلوق

وقال شيخ الإسلام في الاستقامة (1/127) :” ثم المثبت لما جاءت به السنة يرد عليه بمنع بعض هذه المقدمات والتفصيل فيها أو بعضها وبيان الحق في ذلك من الباطل مثل أن يقال المكان يراد به ما يحيط بالشئ والله لا يحيط به مخلوق أو يراد به ما يفتقر إليه الممكن والله لا يفتقر إلى شئ وقد يراد بالمكان ما يكون الشئ فوقه والله فوق عرشه فوق سماواته فلا يسلم نفى المكان عنه بهذا التفسير

ونقول قد وردت الآثار الثابتة بإثبات لفظ المكان فلا يصح نفيه مطلقا “

الخطأ الحادي والعشرون : تأول حديث ( إنه عهد بربه ) بتأويلات الجهمية

قال الأخ عبد الله التميمي :” فلقد وقفت على كلام لجماعة من المعاصرين يشرحون فيه الحديث الذي رواه مسلم فقال :

13 – (898) وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ، حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: «لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى .اهـ

وللفائدة هو من الأحاديث التي استنكر على الإمام مسلم إخراجها فلقد استنكره ابن عمار الشهيد في تعقبه

وكثير منهم شرحوا معناه بأنه حديث الخلق والتكوين , أو قالوا لم تمسه يد بني آدم الذي يخطئون أو ما شابه ذلك .

ويتبادر إلى ذهن القاري خصوصاً من له اطلاع على كتب العقيدة السلفية خصوصاً المسندة أن هذه التأويلات ليست من طريقة السلف جملة ولا تفصيلا .

ومما يراه أيضاً أنه لا أحد من السلف جنح إلى هذا التأويل ولا أشار إليه البتة .

بل هذا الحديث معناه أنه حديث عهد بالله قريب من الله بالعلو على ظاهره ولهذا أورده الدارمي في إثبات العلو  رداً على من يقول الله في كل مكان وينفي العلو عن الله عز وجل

ولو كان معناه عند السلف أنه حديث التكوين لما أوردوه هذا الباب :

قال الدارمي في الرد على الجهمية :

76 – حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَسَرَ عَنْهُ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ:  لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ.

77 – قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الزَّائِغَةُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، مَا كَانَ الْمَطَرُ أَحْدَثُ عَهْدًا بِاللَّهِ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْمِيَاهِ وَالْخَلَائِقِ.اهـ

أقول وواضح مراد الدارمي من إيراده لهذا الخبر وقد بوب على أحاديث الباب : باب: استواء الرب تبارك وتعالى على العرش وارتفاعه الى السماء وبينونته من الخلق .

وكذلك صنع ابن أبي عاصم في كتاب السنة ذكره بعد أبواب إثبات العلو مباشرة .

وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى [ 12/118 ] :  حين تكلم على لفظ النزول والإنزال :

 وَلَفْظُ ” الْإِنْزَالِ ” فِي الْقُرْآنِ قَدْ يَرِدُ مُقَيَّدًا بِالْإِنْزَالِ مِنْهُ: كَنُزُولِ الْقُرْآنِ وَقَدْ يَرِدُ مُقَيَّدًا بِالْإِنْزَالِ مِنْ السَّمَاءِ وَيُرَادُ بِهِ الْعُلُوُّ؛ فَيَتَنَاوَلُ نُزُولَ الْمَطَرِ مِنْ السَّحَابِ وَنُزُولَ الْمَلَائِكَةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَغَيْرَ ذَلِكَ.اهـ

وكذلك أورده الذهبي في العرش والعلو من أدلة علو الله تعالى على خلقه .

وكذلك من المعاصرين من أورده على ما أورده عليه أهل السنة :

قال الألباني  : وقد سُئل: ما القول في حديث الذي رواه مسلم عن أنس -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- كان إذا أمطرت السَّماء حسر عن منكبيه حتى يصيبَه المطر، ويقول: “إنَّه حديث عهدٍ بربِّه”،مع العلم بأن السَّحاب مصدر المطر قريبٌ مِن الأرض، وهو في السَّماء الدنيا؟ قال:

(( … المطر؛ صحيح ينزل مِن السَّحاب، لكن السَّحاب في السَّماء، ما علاك فهو سماء، فهو ينزل مِن مكان يوصف بالعلو.

فحينما رُؤي الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- وقد نزل المطر فخرج يتلقاه بصدرِه، فاستغرب ذلك منه بعضُ أصحابه فسألوهُ عن السبب؟ قال: “إنَّه حديثُ عهدٍ بِربِّه”.

في ذلك إشارة إلى أن الله -عزَّ وجلَّ- له صفة العُلو، لكن نحن نقول -دائما وأبدًا-: علو الله -عزَّ وجلَّ- صِفة مِن صفاته -كأيِّ صفةٍ أخرى-، ومجموعُ صِفاته كذاتِه، كما أنَّ ذاتَه لا تُشبه شيئًا مِن الذَّوات، فكذلك صفاتُه لا تُشبه شيئًا مِن الصِّفات.

فإذا كان الكتابُ والسُّنَّة مُتواردين في آياتِ وأحاديث كثيرة وكثيرة جدًّا على إثباتِ صِفة العُلو للعليِّ الغفَّار؛ فهذا الحديثُ مِن تلك الأحاديث التي تُشير إلى صِفة العُلو؛ لكن الحديث لا يعني أن الله في السَّحاب؛ وإنما يعني أن هذا المطر نزل مِن جهة العلو -الذي هو صفة من صفات الله-عزَّ وجلَّ- … )) إلخ كلامه .

[تفريغًا من (متفرقات للألباني-243)، موقع أهل الحديث والأثر، من الدقيقة (36)] .انتهى  وهذا النقل استفدته من الشابكة .

وفي فتح الرب الودود [ مجموعة أسئلة للنجمي ] السؤال التالي :

س: ألا نأخذ من قوله – صلى الله عليه وسلم -: 

لأنه حديث عهد بربه تعالى» رواه مسلم. دليلاً على علو الله -جل شأنه-؟

ج: لا شك أن الله في العلو، والأدلة على ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} وقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}. إلى غير ذلك من الأدلة على علو الله – سبحانه وتعالى -.

وهذا الدليل المذكور في السؤال كذلك يدل على علو الله -تبارك وتعالى- وهو واحد من هذه الأدلة.

 ولكن -والعياذ بالله- أصحاب البدع تركوا هذه الأدلة الواضحة الكثيرة، وأخذوا بقول القائل بأن الله لا هو فوق، ولا تحت، ولا يمين ولا شمال، ولا أمام ولا وراء، ومعنى ذلك: كلهم يصفونه بالعدم -والعياذ بالله- هذا تجدونه في كتب الأشاعرة الذين يزعمون أنّهم هم أهل السنة والجماعة، وهم في الحقيقة أفراخ الجهمية، وبالله التوفيق.انتهى

أقول : وهذا التأويل هو تأويل النووي على مسلم وتبعه ابن حجر وغيره من الأشاعرة أو ممن تأثر بهم .

وتبعه جماعة من المعاصرين لم ينتبهوا لمراد هؤلاء وهم يذهبون لهذا التأويل لكي ينفون صفة العلو فلو أثبتوا الحديث على ظاهره لزمهم أن يثبتوا العلو وهذا ما يريدون الهروب منه .

فلو قيل إن الحديث يحتمل المعنى الذي ذهبوا إليه في اللغة ؟

يقال : ما دام أن أحد أئمة السلف ذكره في أدلة العلو , وذكره غيره ونبه عليه العلماء لا يذهب لتأويل هؤلاء وإن كان له وجه لأسباب :

منها : أن هذه ليست طريقة السلف في أحاديث الصفات .

ومنها : أن هؤلاء لا يتابعون ولا يوثق بكلامهم في مثل هذا الموطن .

ومنها : وجود بعض الأئمة من قال بخلاف ذلك وأثبت على طريقة السلف في إثبات الصفات .

ويقال تنزلاً قد يكون معناه ما ذهبوا إليه ومعناه أيضاً القرب وأنه من أدلة العلو لله عزوجل  .

جاء في الدرر السنية [ 3/379 ] : وقال في الهدى، بعد قوله: ” هذا حديث عهد بربه “1 قال الشافعي: أخبرني من لا أتهم عن يزيد بن الهاد، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سال السيل، قال: ” اخرجوا بنا إلى هذا الذي جعله الله طهورا، فنتطهر منه، ونحمد الله عليه ” وأخبرنا من لا أتهم، عن إسحاق بن عبد الله: “أن عمر كان إذا سال السيل، ذهب بأصحابه إليه، وقال: ما كان ليجيء من مجيئه أحد، إلا تمسحنا به”. انتهى من هديه صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء.

والذي نفهم: أن الإنزال، والخلق، من صفات الأفعال من غير إشكال، فإن كان مقصود النووي: تأويل صفات الأفعال، فلا شك في بطلانه، وإن كان مقصوده: بيان أن المطر جديد الخلق، مع قطع النظر عن التعرض لصفات الرب، فلم يظهر لنا في ذلك منع; والذي فهمنا من كلامكم: أن النووي متعرض لتأويل صفات الأفعال، وهذا لا شك في بطلانه .اهـ”

والمعاصرون الذين عناهم التميمي ابن عثيمين في شرح البلوغ وعبد المحسن البدر في شرح سنن أبي داود وابن جبرين

الخطأ الثاني والعشرون : إنكار رؤية الله عز وجل في المنام

وهذه وقع فيها الألباني ومحمد الأمين بو خبزة التطواني حتى كاد يكفر من قال بها ، وتابعه تلميذه عمر الحدوشي

قال ابن تيمية رحمه الله:

يرى- أي الله عز وجل- في المنام يحصل للقلوب من المكاشفات والمشاهدات ما يناسب حالها

ومن الناس من تقوى مشاهدة قلبه حتى يظن أنه رأى ذلك بعينه وهو غالط ومشاهدات القلوب تحصل بحسب إيمان العبد ومعرفته وصورة مثالية اهـ. (2/336)

وقال في بيان تلبيس الجهمية (1/326) من طبعة مجمع الملك فهد :” وإذا كان كذلك ، فالإنسان يرى ربه في المنام ويخاطبه فهذا حقٌ في الرؤيا ولا يجوز أن يعتقد أن الله نفسه مثل ما رأى في المنام ، فإن سائر ما يرى في المنام لا يجب أن يكون مماثلاُ ، ولكن لا بد أن يكون الصورة التي رآه فيها مناسبة ومشابهة لاعتقاده في ربه ، فإن كان إيمانه وإعتقاده حقاً ، أتي من الصور وسمع من الكلام ما يناسب ذلك ، وإلا كان بالعكس . قال بعض المشايخ : إذا رأى العبد ربه في صورة ، كانت تلك الصورة حجاباً بينه وبين الله . وما زال الصالحون يرون ربهم في المنام ويخاطبهم وما أظن عاقلاً ينكر ذلك “

وقال الدارمي في الرد على المريسي (2/ 738) :” وَإِنَّمَا هَذِهِ الرُّؤْيَةُ كَانَتْ فِي الْمَنَامِ، وَفِي الْمَنَام يُمكن رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ حَال وَفِي كل صُورَة”

قال ابن تيمية:

وإذا كان كذلك فالإنسان قد يرى ربه في المنام ويخاطبه فهذا حق

في الرؤيا ولا يجوز أن يعتقد أن الله في نفسه مثل ما رأى في المنام فإن سائر ما يرى في المنام لا يجب أن يكون مماثلا ولكن لا بد أن تكون الصورة التي رآه فيها مناسبة ومشابهة لاعتقاده في ربه فإن كان إيمانه واعتقاده مطابقا أتي من الصور وسمع من الكلام ما يناسب ذلك وإلا كان بالعكس قال بعض المشايخ إذا رأى العبد ربه في صورة كانت تلك الصورة حجابا بينه وبين الله . وما زال الصالحون وغيرهم يرون ربهم في المنام ويخاطبهم وما أظن عاقلا ينكر ذلك فإن وجود هذا مما لا يمكن دفعه إذ الرؤيا تقع للإنسان بغير اختياره وهذه مسألة معروفة وقد ذكرها العلماء من أصحابنا وغيرهم في أصول الدين وحكوا عن طائفة من المعتزلة وغيرهم إنكار رؤية الله والنقل بذلك متواتر عمن رأى ربه في المنام ولكن لعلهم قالوا لا يجوز أن يعتقد أنه رأى ربه في المنام فيكونون قد جعلوا مثل هذا من أضغاث الأحلام ويكونون من فرط سلبهم ونفيهم نفوا أن تكون رؤية الله في المنام رؤية صحيحة كسائر ما يرى في المنام فهذا مما يقوله المتجهمة وهو باطل مخالف لما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها بل ولما اتفق عليه عامة عقلاء بني آدم. وليس في رؤية الله في المنام نقص ولا عيب يتعلق به سبحانه وتعالى وإنما ذلك بحسب حال الرائي وصحة إيمانه وفساده واستقامة حاله وانحرافه .( بيان تلبيس الجهمية 1/73)

وكذا نقل النووي والقرطبي الإجماع على جواز ذلك فيبدو أنه مذهب الأشاعرة أيضاً

وقال الطوفي  في الانتصارات الإسلامية :” ثم لو صح لكان محمولا على رؤية المنام كحديث: «رأيت ربي في أحسن صورة» فإنه كان مناما باتفاق علماء المسلمين”

وكذا قال ابن كثير

وقال علي ملا قاري الحنفي في مرقاة المفاتيح :” وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ” «رَأَيْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ» “، وَذَكَرْنَا تَوْجِيهَاتِهِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَا حَالَ الْيَقَظَةِ، وَمِنْ جُمْلَةِ تَأْوِيلَاتِهِ أَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إِلَى رُؤْيَا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي الْمَنَامِ، فَإِنَّهُ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: «احْتَبَسَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – صَلَاةَ الْغَدْوَةِ، حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَطْلُعُ، فَلَمَّا صَلَّى الْغَدْوَةَ، قَالَ: ” إِنِّي صَلَّيْتُ اللَّيْلَةَ مَا قُضِيَ لِي وَوَضَعْتُ جَنْبِي فِي الْمَسْجِدِ فَأَتَانِي رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ» “. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ مِنْ أَئِمَّتِنَا: فَعَلَى هَذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِشْكَالٌ إِذِ الرَّائِي قَدْ يَرَى غَيْرَ الْمُتَشَكَّلِ مُتَشَكَّلًا وَالْمُتَشَكَّلَ بِغَيْرِ شَكْلِهِ، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ ذَلِكَ خَلَلًا فِي الرُّؤْيَا، وَلَا فِي الرَّائِي، بَلْ لِأَسْبَابٍ أُخَرَ، وَلَوْلَا تِلْكَ الْأَسْبَابُ لَمَا افْتَقَرَتْ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ إِلَى تَعْبِيرٍ اهـ. “

وإلى هذا المعنى جنح المناوي في فيض القدير ونقل كلاماً عن ابن عربي في ذلك !

وقال محمد أنور شاه الكشميري الديوبندي في فيض الباري :” ومن ههنا يتَّضِحُ ما ذكره بعضُ المحققين في حديث حُذَيْفَة الذي رواه الطبرانيُّ السابق آنفًا. وقد استنكر بعضُ العلماء هذا الحديث، وما كان ينبغي له الاستنكارُ، وذلك لأنَّ للحقّ تبارك وتعالى تجلِّيًا في خِزَانة الخيال، في صورةٍ طبيعيةٍ، بصفاتٍ طبيعيةٍ، فيرى النائمُ في نومه تجسُّد المعاني في صورة المحسوسات، هذه حقيقةُ الخيال”

وقال القرافي المالكي في الفروق :” فَإِذَا رَأَى الرَّائِي أَنَّهُ بِالْمَشْرِقِ، وَهُوَ بِالْمَغْرِبِ أَوْ نَحْوِهِ فَهِيَ أَمْثِلَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ – تَعَالَى – دَلِيلًا عَلَى تِلْكَ الْمَعَانِي كَمَا جُعِلَتْ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ وَالرُّقُومُ لِلْكِتَابَةِ دَلِيلًا عَلَى الْمَعَانِي فَإِذَا رَأَى اللَّهَ – تَعَالَى – أَوْ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَهِيَ أَمْثِلَةٌ تُضْرَبُ لَهُ بِقَدْرِ حَالِهِ فَإِنْ كَانَ مُوَحِّدًا رَآهُ حَسَنًا أَوْ مُلْحِدًا رَآهُ قَبِيحًا، وَهُوَ أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ فِي قَوْلِهِ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – «رَأَيْت رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ»”

فحتى الجهمية الأشعرية يقرون برؤية الله في المنام وأما الجهمية الأولى فينفون هذا

وقد ثبت عن بعض السلف رؤية الله في المنام

قال البغوي في الجعديات

1063 : حدثنا يوسف بن موسى ، نا جرير ، عن رقبة قال :

 رأيت رب العزة جل ثناؤه في المنام ، فقال : وعزتي لأكرمن مثواه . يعني سليمان التيمي .

وهذا إسناد قوي ورقبة بن مصقلة من ثقات المحدثين من طبقة كبار أتباع التابعين

وما روى أبو نعيم في الحلية (10/113) : سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ أَحْمَدَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ شُرَيْحَ بْنَ يُونُسَ، يَقُولُ: ” رَأَيْتُ رَبَّ الْعِزَّةِ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ لِي: يَا شُرَيْحُ، سَلْ حَاجَتَكَ فَقُلْتُ: رُحْمَاكَ يُسْرٌ يُسْرٌ “

وهذا إسناد صحيح

وهذا الإجماع قال به ابن باز وحقق هذه المسألة المعلقون على بيان التلبيس

الخطأ الثالث والعشرون : إثبات صفات من الرؤيا المنامية

وهذا سمعت من ينسبه لعبد المحسن العباد البدر من أنه أثبت صفة الأنامل من حديث ( رأيت ربي في أحسن صورة )

قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (3/387): “وكذلك الحديث الذي رواه أهل العلم أنه قال رأيت ربي في صورة كذا وكذا يروي من طريق ابن عباس ومن طريق أم الطفيل وغيرهما وفيه أنه وضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله على صدري .

هذا الحديث لم يكن ليلة المعراج فإن هذا الحديث كان بالمدينة وفي الحديث أن النبي نام عن صلاة الصبح ثم خرج إليهم وقال رأيت كذا وكذا

وهو من رواية من لم يصل خلفه إلا بالمدينة كأم الطفيل وغيرها والمعراج إنما كان من مكة باتفاق أهل العلم وبنص القرآن والسنة المتواترة كما قال الله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فعلم أن هذا الحديث كان رؤيا منام بالمدينة كما جاء مفسرا في كثير من طرقه أنه كان رؤيا منام

 مع أن رؤيا الأنبياء وحي لم يكن رؤيا يقظة ليلة المعراج، وقد اتفق المسلمون على أن النبي لم ير ربه بعينيه في الأرض وأن الله لم ينزل له إلى الأرض وليس عن النبي صلى الله عليه و سلم قط حديث فيه أن الله نزل له إلى الأرض

بل الأحاديث الصحيحة إن الله يدنو عشية عرفة وفي رواية إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له”.

الثانية: أن رؤيا المنام لا يستفاد منها صفات لأنها أمثلة تضرب كما رأى يوسف أحد عشر كوكباً والشمس والقمر ساجدين له وكان ذلك مثلاً لأخوته وأبيه وأمه.

 وقال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (7/366): “أما قول الرازي:

  ( إن كان الضمير عائداً إلى المرئي ففيه وجوه:

الأول: أن يكون رأى ربه في المنام في صورة مخصوصة وذلك جائز لأن الرؤيا من تصرفات الخيال فلا ينفك ذلك عن صورة متخيلة ).

فيقال له : قد بينا أن ألفاظ الحديث صريحة ، في أن هذه الرؤية كانت في المنام ، فيكون هذا الوجه المقطوع به ، وما سواه باطل ، ولكن لا يكون هذا من باب التأويل بل الحديث على ظاهره فيكون ظاهره أنه رآه في المنام ، وهذا حق لا يحتاج إلى تأويل ، وهذا مقصودنا فإنهم يدعون احتياج هذه الأحاديث إلى تأويل يخالف ظاهرها ، لأنها ظاهرها عندهم ضلال وكفر”.

فهنا ابن تيمية ينص صريحاً أن هذا الحديث لا يحتاج إلى تأويل لأنه ظاهره أنه في المنام ورؤيا المنام لا تثبت فيها صفات حتى تؤول فحتى الجهمي لا يحتاج إلى تأويل الرؤى المنامية بصرف ما فيها من الصفات عن ظاهرها ، لأن الظاهر أصلاً أنها منام والمنام لا تثبت فيه صفات.

وقال ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (7/35): “وهؤلاء قد يدخلون في الأحاديث المشكلة ما هو كذب موضوع ولا يعرفون أنه موضوع وما له لفظ يدفع الإشكال مثل أن يكون رؤيا منام فيظنونه كان في اليقظة ليلة المعراج”.

فاعتبر شيخ الإسلام كون الرؤيا منامية يدفع الإشكال الذي ظنه المعطلة من الحديث، ولو كان ما يستفاد من الرؤيا المنامية يستفاد من رؤيا اليقظة لما اندفع الإشكال.

قال شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل (5/237): “هذا مع أن عامة ما فيه من تأويل الأحاديث الصحيحة هي تأويلات المريسي وأمثاله من الجهمية وقد يكون الحديث مناما كحديث رؤية ربه في أحسن صورة فيجعلونه يقظة ويجعلونه ليلة المعراج ثم يتأولونه”.

فقوله : (فيجعلونه يقظة ثم يتأولونه) إشارة إلى أنه لو كان مناماً لما احتاجوا إلى تأويله.

وقال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (1/326) من طبعة مجمع الملك فهد:

“وإذا كان كذلك ، فالإنسان يرى ربه في المنام ويخاطبه فهذا حقٌ في الرؤيا ولا يجوز أن يعتقد أن الله نفسه مثل ما رأى في المنام ، فإن سائر ما يرى في المنام لا يجب أن يكون مماثلاُ ، ولكن لا بد أن يكون الصورة التي رآه فيها مناسبة ومشابهة لاعتقاده في ربه ، فإن كان إيمانه وإعتقاده حقاً ، أتي من الصور وسمع من الكلام ما يناسب ذلك ، وإلا كان بالعكس . قال بعض المشايخ : إذا رأى العبد ربه في صورة ، كانت تلك الصورة حجاباً بينه وبين الله . وما زال الصالحون يرون ربهم في المنام ويخاطبهم وما أظن عاقلاً ينكر ذلك”.

قلت : تأمل كلام الشيخ  يتضح لك مذهبه في هذه المسألة:

(1) وهو أن رؤية الله في المنام جائزة غير ممتنعة

(2) أن صورة الله عز وجل التي يراها العبد في المنام ليست صورة الله عز وجل الحقيقة بل تظهر للعبد صورةً بحسب اعتقاده في الله عز وجل، وهذا الذي ذهب إليه وقد قال بهذا الدارمي كما قدمنا .

ونقل النووي الإجماع عليه.

قال النووي في شرحه على صحيح مسلم (15/24): “قال القاضي واتفق العلماء على جواز رؤية الله تعالى في المنام وصحتها وإن رآه الإنسان على صفةٍ لا تليق بحاله من صفات الأجسام لأن ذلك المرئي غير ذات الله تعالى”.

قلت: قوله: “صفات الأجسام” لوثة أشعرية غير أن المقصود في الجملة صواب يوافق مذهب شيخ الإسلام وهو أن الصورة التي يرى فيها الله عز وجل في غير صورته الحقيقة سبحانه وتعالى، وأيضاً ادعى الإجماع على جواز رؤية الله في المنام شيخ الإسلام نفسه.

وإلى ما ذهب إليه شيخ الإسلام أميل وهو أن صفة الأنامل مما لا يثبت ولا ينفى لعدم ورود النص الثابت في إثباتها وإنما الأمر رؤيا منام ، ورؤيا الأنبياء وحي ولا شك غير أن ذلك لا يعني إثبات الصفات بها ، لاحتمال كونها من باب رؤيا يوسف عليه الصلاة والسلام.

وقال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (1/73) :” وإذا كان كذلك فالإنسان قد يرى ربه في المنام ويخاطبه فهذا حق في الرؤيا ولا يجوز أن يعتقد أن الله في نفسه مثل ما رأى في المنام فإن سائر ما يرى في المنام لا يجب أن يكون مماثلا ولكن لا بد أن تكون الصورة التي رآه فيها مناسبة ومشابهة لاعتقاده في ربه فإن كان إيمانه واعتقاده مطابقا أتي من الصور وسمع من الكلام ما يناسب ذلك وإلا كان بالعكس قال بعض المشايخ إذا رأى العبد ربه في صورة كانت تلك الصورة حجابا بينه وبين الله وما زال الصالحون وغيرهم يرون ربهم في المنام ويخاطبهم وما أظن عاقلا ينكر ذلك”

وأقف على هذا في هذه الحلقة ، وقد تعبت من كثرة الكتابة وقد مررنا على بابين من أبواب العقيدة فحسب وأنت ترى كل هذه المخالفات لما يقرره أئمة الدعوة وابن تيمية فضلاً عن السلف والسبب في ذلك أن كتب أهل البدع دخلت علينا دخولاً خارجاً عن حد الاعتدال وسيظهر لك هذا جلياً في الحلقات القادمة

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم