تقبيل الدارقطني لرأس الباقلاني

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

مما درج عليه المعاصرون في الصورة الاختزالية التي يطرحونها للخلاف بين الأشاعرة وأهل الحديث والتي هي في الحقيقة امتداد للخلاف القديم بين الجهمية وكل علماء المسلمين ذكر قصة تقبيل الدارقطني لرأس الباقلاني

والواقع أن هذا اختزال بارد جداً لعدة أسباب

أولها : أن أشعرية الباقلاني التي تثبت الصفات الذاتية من الوجه واليدين والعلو وغيرها من الصفات مع نفي الصفات الفعلية انقرضت تماماً ولم يعد لها وجود نهائياً وقد كان الباقلاني في كتابه التمهيد يذكر في فضائح المعتزلة أنهم ينفون صفة اليدين وكان ابن تيمية يركز على هذا المعنى ليبين مخالفة الأشاعرة المتأخرين لمتقدميهم وليس للسلف فقط

ثانيها : أن الباقلاني كان مشهوراً باستخدام التقية حتى أنه كان ينسب نفسه للحنابلة ويكتب ( محمد بن الطيب الحنبلي )

قال أبو نصر السجزي في الرد على من أنكر الحرف والصوت :” ومنها: أن المخالف من أصحاب الحديث، وأهل الأثر، لا يبلغ عقل كثير منهم معرفة العقليات ولا يفهمونها، فإن كل واحد منهم ينبغي أن يخاطب على قدر عقله. وفي ضمن هذا إخفاء المذهب عن قوم وإظهاره لآخرين، وهذا شبيه بالزندقة.
وبهذا الفعل منهم دخل كثير من العوام والمبتدئين في مذهبهم لأنهم يظهرون له الموافقة في الأول ويكذبون بما ينسب إليهم حتى يصطادوه، فإذا وقع جروه قَليلاً قليلاً حتى ينسلخ من السنة.
وكان أبو بكر بن الباقلاني من أكثرهم استعمالاً لهذه الطريقة وقد وشح كتبه بمدح أصحاب الحديث واستدل على الأقاويل بالأحاديث في الظاهر، وأكثر الثناء على أحمد بن حنبل رحمة الله عليه، وأشار في رسائل له إلى أنه كان يعرف الكلام، وأنه لا خلاف بين أحمد والأشعري وهذا من رقة الدين، وقلة الحياء”

وهذا سبب نفوق الأمر على بعض أهل الحديث

ثالثها : أن عدداً ممن خبر مقالات الباقلاني وتوسع في النظر في كلامه أدانه بأمور عظيمة ولن أذكر شهادة حنبلي ولا صاحب حديث بل سأذكر شهادة رجل مصدق عند القوم ألا وهو ابن حزم الذي كفر الباقلاني حيث قال عنه في الفصل في نقد كلامه في الأنبياء :” يا للعيارة بالدين يجوز عند هذا الكافر أن يكون في الناس غير الرسل أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم”

وقد نص ابن تيمية على أن الباقلاني نصر قول جهم في الإيمان وهو أشد الإرجاء وأخبثه :” وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَانِي نَصَرَ قَوْلَ جَهْمٍ فِي ” مَسْأَلَةِ الْإِيمَانِ ” مُتَابَعَةً لِأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ”

ومعلوم أن هذه مقالة كفرية عند عامة السلف ونص أيضاً على أنه نصر قول جهم القدر في رسالته الحسنة والسيئة :” وقد ذكر هذه الأمور القاضي أبو بكر بن الباقلاني وغيره، ممن يقول بمثل هذه الأقوال ممن سلك مسلك جَهْم بن صَفْوان في القَدَر وفى الوعيد” والجبر والإرجاء من أخبث البدع أثراً سلبياً على أمة محمد صلى الله عليه وسلم

وجزء كبير من كتاب النبوات لابن تيمية في نقض طريقته في النبوات وبيان ضعفها والثناء عليه في بعض المواطن هو بالمقارنة بمتأخري الأشعرية الذين صاروا مريسية أقحاح وهجروا حتى طريقة متقدميهم
وقال ابن تيمية في الدرء :” وكان القاضي أبو بكر يكتب أحياناً في أجوبته في المسائل محمد بن الطيب الحنبلي ويكتب أيضاً الأشعري، ولهذا توجد أقوال التميميين مقاربة لأقواله وأقوال أمثاله المتبعين لطريقة ابن كلاب، وعلى العقيدة التي صفنها أبو الفضل التميمي اعتمد أبو بكر البيهقي في الكتاب الذي صنفه في مناقب الإمام أحمد لما أراد أن يذكر عقيدته، وهذا بخلاف أبي بكر عبد العزيز وأبي عبد الله بن بطة وأبي عبد الله بن حامد وأمثالهم، فإنهم مخالفون لأصل قول الكلابية”

فالباقلاني على أصل ابن كلاب وخالف كبار الحنابلة هذا ولكن الباقلاني أثر على التميمي فما موقف أحمد نفسه من أصل ابن كلاب ، قد نص ابن تيمية في الكيلانية أن أحمد اعتبرهم جهمية وحكم بزندقتهم يعني الكلابية وقد نقل الأصبهاني في المحجة اتفاق المحدثين على هذا