تفكُّر في الحكمة من وجود سهم للعاملين عليها في مصارف الزكاة …
قال تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}.
هذه الآية في سورة التوبة فاضحة المنافقين، وقد حارب الصحابة في الردة على أمر الزكاة، وفي هذه السورة ذِكر {ثاني اثنين}، ففيها إشارة لأمر حروب الردة وفضل الصديق.
غير أنني هنا أريد الوقوف عند قوله سبحانه: {والعاملين عليها}، أوردهم مباشرة بعد الفقراء والمساكين، ولا شك أن لتقديمهم فائدة.
وذلك -والله أعلم- أن الفقراء والمساكين هم أكثر مستحقي الزكاة وجوداً، حتى أن النبي ﷺ قال لمعاذ -رضي الله عنه- : «فأعلِمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وتردُّ على فقرائهم»؛ وذلك أن الفقراء هم القسم الأكبر (ويدخل فيهم المساكين ضمناً).
غير أن الفقراء والمساكين لا يتم عطاؤهم إلا بوجود سعاة (العاملين عليها)، وذلك أن الأغنياء قد يتقاعسون عن متابعة الفقراء وتعيينهم فيُعينونهم على ذلك، وتعامل الفقير مع الساعي يكون أسكن لنفسه وأحفظ لكرامته.
فذِكر العاملين عليها بعد الفقراء والمساكين من باب أن صدقة الفقراء والمساكين إنما تصل بشكل تام إن كان عليها سعاة، فهذا كدراسة الفقهاء للطهارة أول ما يدرسون في الأحكام العملية؛ لتعلقها بالصلاة أعظم الأركان العملية.
وفي كونهم لهم سهم فائدة جليلة لمن تدبرها:
فإنهم لو كان مالهم يأتي من الولاة لأوشك أئمة السوء أن يتصرفوا بالسعاة ويطلبوا منهم أن يعطوهم من أموال الزكاة أو أن يخصوا بها قوماً دون قوم وإلا منعوا عنهم رواتبهم أو أنقصوها.
فإذا كان مال السعاة من الزكاة نفسها كان ذلك أدعى لتحررهم من أهواء الولاة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.