قال تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ )
هذه الآية يستدل بها منكري الرجم ممن خالف الأحاديث المتواترة في ذلك وإجماع الأمة القطعي في ذلك
فيقولون ( فإذا أحصن ) يعني الإماء إذا أحصن فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب والرجم لا ينصف إذن الجلد هو عقوبة الزانية المحصنة
مع أن المحصنات بكل وضوح في هذه الآية هن الحرائر العازبات بدليل قوله تعالى : ( أن ينكح المحصنات من المؤمنات ) وإنما يطلب نكاح العزباء لا المتزوجة فالألف واللام في قوله ( المحصنات ) للعهد الذهني كمثل قوله تعالى ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ) والمقصود صنف من الناس لا كلهم ولو لم يدل السياق على هذا لدل تخصيص السنة على هذا المعنى كما خصصت السنة قوله تعالى : ( حرمت عليكم الميتة ) فأبيح لنا ميتة السمك والجراد
والآية فيها دلالة بالإشارة إلى الرجم ؟
فإن قلت : كيف هذا ؟
فأقول : اسم الإحصان يقع على كل ما يمنع المرأة من الزنا فيطلق على العفيفة محصنة في مقابل غير العفيفة ، ويطلق على المسلمة في مقابل غير المسلمة لأن المسلمة أبعد عن الزنا إن عملت بإسلامها ، وتطلق على الحرة في مقابل الأمة لأن الحرة تبتعد عن الزنا أكثر من الأمة لأن العار في حقها أكبر ( أوتزني الحرة ) ويطلق على المزوجة في مقابل في غير المتزوجة لأن المتزوجة أبعد عن الزنا من غير المتزوجة لحصول الإعفاف لها بسبيل لا عار فيه ولا نقيصة
قال الشافعي في الرسالة :” فإن قال قائل: أراكَ تُوقِع الإحْصان على معاني مختلف؟
قيل: نَعَم، جِماعُ الإحصان أن يكون دون التحصين مانعٌ من تناول المُحَرَّم. فالإسلام مانع، وكذلك الحُرية مانعة، وكذلك الزوجُ والإصابةُ مانع، وكذلك الحبس في البيوت مانع، وكلُّ ما مَنَعَ أَحْصَنَ. قال الله: ” وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ (80) ” [الأنبياء] ، وقال: ” لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ (14) ” [الحشر] ، يعني: ممنوعة.
قال: وآخِرُ الكلام وأوَّلُه يَدُلان على أن معنى الإحصان، المذكورِ عامًّا في موضع دون غيره: أن الإحصان هاهُنَا الإسلامُ، دون النكاح والحرية والتحصينِ بالحبس والعفاف. وهذه الأسماءُ التي يَجْمعها اسم الإحصان”
فإذا كانت الآية تدل على أن عقوبة الحرة أعظم عن عقوبة الأمة لكون الحرة أبعد عن الزنا من الأمة لأن العار عليها أعظم فإنها تدل من جهة الإشارة على أن عقوبة المتزوجة ينبغي أن تكون أعظم من عقوبة غير المتزوجة لأن العار عليها أعظم والمنة عليها أعظم لأنها متزوجة فناسب أن تكون عقوبة الرجم للمحصنة والجلد لغير المحصنة
وهذا ينطبق على الذكور أيضاً من باب القياس وعموم أخبار السنة وإجماع الأمة
ويتأكد هذا المعنى إذا نظرنا في قوله ( فإذا أحصن ) فسره بعض الناس بأنه إذا أسلمن وعليه فإن الأمة غير المسلمة لا يقام عليها الحد وإنما يقام على الأمة المسلمة ، ومنهم من قال ( إذا أحصن ) تزوجن والإماء لا رجم عليهن إجماعاً حتى إذا أحصن بزواج أو تسري سيد ومنهم من قال ( إذا أحصن ) أخذت مأخذ الغالب أو يكون الإحصان بمعنى جريان أحكام الإسلام عليها وإلا الأمة تجلد حتى لو كانت غير مسلمة
فإذا فرق الله عز وجل بين الأمة المحصنة والأمة غير المحصنة ( في القولين الأوليين ) فيناسب تماماً أن يكون هناك فرقاً بين المحصنة وغير المحصنة في الحرائر خصوصاً وأن الإحصان الحاصل بالزواج هو أقوى أنواع الإحصان لأنه كفاية عن النكاح الحرام بما هو من جنسه من الحلال ( وسبب الخلاف في تفسير إحصان الأمة أن الله لها ذكر لها إحصانا ثم ذكر أن بعده عليها نصف ما على المحصنات من صنف آخر وهن الحرائر من العذاب فأوحى ذلك بأن إحصان الأمة ليس من نوع إحصان الحرة لأنه لو كان كذلك لكن جنسا واحدا ولما كان للتفريق بينهن معنى )
فالآية أصلاً فيها إشارة إلى ما ورد في السنة من حكم الرجم