تعليق على كلام الأقفهسي

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

تكلم الأقفهسي في كتابه تسهيل المقاصد لزوار المساجد عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وحكمتها

فكان مما نقله في ص630 عن النيسابوري قوله : ويقال أمرك بالصلاة عليه لأنه تعالى أراد عليك به وبك عليه .

هذه الكلمة أشجتني غاية وهي ( عليك به وبك عليه ) وهذه كلمة تقشعر منها أبدان أهل الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم ، غير أن ذلك في مشاهدة لمعنى التوحيد فالنبي صلى الله عليه وسلم بشر لا يعبد ولأنه أكرم الخلق وجرت عادة الناس

أن يغلوا بالأفاضل فكيف أفضل الأفاضل فجاءت الصلاة عليه والدعاء لمشاهدة أنه مخلوق عابد لا معبود فلا يسأل ولا يستغاث به وهذا نظير تعليمه للأعمى أن يقول : ( اللهم شفعني فيه وشفعه في )

فأرشد الأعمى أن يدعو له أن يقبل دعاءه فيه لئلا يتعلق قلب الأعمى كلياً به بل يكون القلب معلقاً بكليته بالله تبارك وتعالى

وقد كان الصوفية الأوائل هذا دأبهم ألا يذكر مع الله أحد حتى غلا بعضهم وقال لا أعبد الله خوفاً من ناره ولا رجاء في جنته وإنما حباً فيه

وينقل هذه الكلمة المتأخرون الذين ابتلي كثير منهم بالتعلق بالأولياء والأنبياء فيا ليت شعري زهدتم بالخوف من النار والرغبة في الجنة ولكن ما زهدتم في الوسائط بينكم وبين الله بل كثير منهم يذكر أكثر من الله عز وجل بكثير

وعلة ذلك أن داء التعطيل قد استمكن بقلوب كثير منهم فاستوحش من الله ولا حول لا قوة إلا بالله صار محجوباً عن تلك الأحوال العلية في الوصال ( والتي هي أعظم النعيم الحاضر ) كما أنه يوم القيامة سيحجب عن النظر إلى وجه الله ( الذي لا يؤمن به ) وسماع كلامه ( إذ لا يؤمن أن له كلاماً يسمع )

بل أقصى أماني العارفين وهو محبة الله عز وجل لعبده ( يحبهم ويحبونه ) شوش عليه المعطلة تشويشاً كبيراً فمن استمكنت شبهاتهم من قلبه ودخلت عليه وحشة حجب وكان ذلك الحجاب ( أعظم الجحيم الحاضر )

فكان يذكر الله عز وجل باللسان والقلوب لاهية بل الأبيات التي تذكر فيها من ذكر النساء والخمور ما يوحي بقسوة القلوب وإن كان الظاهر ذكر الله فيما يدعون نفروا مما مدح الله به نفسه بحجة التجسيم والتشبيه ثم آل أمرهم إلى قصائد المجان

ثم بدأ ذكر الله يزول شيئاً فشيئاً ويحل محله ذكر الأنبياء والأولياء لأن القلوب مجبولة على التعلق بالمعاني الثبوتية من كون المتعلق به يحب _ بكسر الحاء _ ويحب _ يفتح الحاء _ ومن هنا دخل الشيطان عليهم وأوقعهم في الشرك بعدما أهلكت ظلمة التعطيل قلوبهم

فكان الشيطان معهم كمن وجد شخصاً يكاد يقتله الظمأ فسقاه نجاسة فاستروح لتلك النجاسة لأنها أهون على نفسه من الظمأ ثم نشأ أولاده على حب هذه النجاسة

ولهذا تجد أحسن من يشرح الكلام الصحيح من كلام مشايخ الطريق ابن القيم ومن قبل شيخه ابن تيمية لأنهم سلموا من وحشة التعطيل وانظر مدارج السالكين وطريق الهجرتين ترى مصداق هذا

وكان مما قال النيسابوري أيضاً وأشجاني أيضاً قوله : وإن كانت صلاتنا عليه صلى الله عليه وسلم مدحا له لأنا لا نستطيع القيام بحقيقة مدحه صلى الله عليه وسلم فطلبنا من الله أن يصلي عليه .

فغاية التعظيم والمدح الصلاة عليه صلوات الله وسلامه عليه وهذه طريقة الأوائل وأما من تأخر فابتدعوا المدائح النبوية وهم في واقعهم لا يقبلون كلامه في أعظم مطالب الدين الأسماء والصفات

وكثير منهم حرب على سنته في الواقع ثم لم يقفوا على ذلك حتى أدخلوا الطبل والزمر والشادن وزادوا معها استغاثات شركية وإنما أمر الله عز وجل بالصلاة عليه فبدلوا قولا غير الذي قيل لهم

فحتى شفاعته الأخروية ليست بيده وإنما هي لله جميعاً وقد نص على أصناف لا يشفع لهم في أحاديث معلومة ( لن تنالهم شفاعتي ) ولا يملك صلوات الله وسلامه عليه قلبك أن لا يقوم بك مانع من موانع الشفاعة فلو كانت الحياة بيده مطلقة لأعطاها لعمه أبي طالب

فإذا سألت فاسأل الله وانتهي وأعظم التعظيم للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن تحكم سنته في كل دقيق وجليل