تعقيب على مقطع مصطفى العدوي وتلميذه حول رؤية الله في المنام

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد رأيت مقطعاً لمصطفى العدوي مع أحد
طلبته يتكلمون عن حديث ( رأيت ربي في أحسن صورة )

وهذا الطالب جريء جداً فلم يجمع طرق الخبر
وصار يتكلم عليه وزيادة على ذلك ادعى أنه لا يجوز أن يرى الله في المنام على صورة

وسنتكلم الآن عن الحديث

قال الترمذي في جامعه 3235 – حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هَانِئٍ أَبُو هَانِئٍ اليَشْكُرِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا جَهْضَمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ
زَيْدِ بْنِ سَلاَّمٍ، عَنْ أَبِي سَلاَّمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِشٍ
الحَضْرَمِيِّ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ يَخَامِرَ السَّكْسَكِيِّ، عَنْ
مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: احْتُبِسَ عَنَّا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ حَتَّى كِدْنَا نَتَرَاءَى عَيْنَ
الشَّمْسِ، فَخَرَجَ سَرِيعًا فَثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَجَوَّزَ فِي صَلاَتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ دَعَا بِصَوْتِهِ
فَقَالَ لَنَا: عَلَى مَصَافِّكُمْ كَمَا أَنْتُمْ ثُمَّ انْفَتَلَ إِلَيْنَا فَقَالَ:
أَمَا إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمْ مَا حَبَسَنِي عَنْكُمُ الغَدَاةَ: أَنِّي قُمْتُ مِنَ
اللَّيْلِ فَتَوَضَّأْتُ فَصَلَّيْتُ مَا قُدِّرَ لِي فَنَعَسْتُ فِي صَلاَتِي فَاسْتَثْقَلْتُ،
فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ
قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الأَعْلَى؟ قُلْتُ: لاَ
أَدْرِي رَبِّ، قَالَهَا ثَلاَثًا قَالَ: فَرَأَيْتُهُ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ
حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ، فَتَجَلَّى لِي كُلُّ شَيْءٍ
وَعَرَفْتُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ
الْمَلَأُ الأَعْلَى؟ قُلْتُ: فِي الكَفَّارَاتِ، قَالَ: مَا هُنَّ؟ قُلْتُ: مَشْيُ
الأَقْدَامِ إِلَى الجَمَاعَاتِ، وَالجُلُوسُ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ،
وَإِسْبَاغُ الوُضُوءِ فِي الْمَكْرُوهَاتِ، قَالَ: ثُمَّ فِيمَ؟ قُلْتُ: إِطْعَامُ
الطَّعَامِ، وَلِينُ الكَلاَمِ، وَالصَّلاَةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ. قَالَ:
سَلْ. قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ،
وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً
فِي قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ، وَأَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ،
وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا ثُمَّ تَعَلَّمُوهَا.

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. سَأَلْتُ
مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
صَحِيحٌ. هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ الوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ اللَّجْلاَجِ قَالَ: حَدَّثَنِي
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَائِشٍ الحَضْرَمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الحَدِيثَ. وَهَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ. هَكَذَا
ذَكَرَ الوَلِيدُ، فِي حَدِيثِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِشٍ، قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَى بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، هَذَا الحَدِيثَ بِهَذَا الإِسْنَادِ
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِشٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهَذَا أَصَحُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَائِشٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

هذا الحديث ضاقت به صدور الجهمية المعاصرين
مع كونه رؤيا منام

ومما يؤخذ على ابن خزيمة محاولته الطعن
فيه

وقال ابن أبي عاصم في السنة 465 – ثنا
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، ثنا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ طَهْمَانَ، ثنا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَجَلَّى
لِي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَسَأَلَنِي فِيمَا يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ قَالَ:
قُلْتُ: رَبِّي لَا أَعْلَمُ بِهِ، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ، حَتَّى
وَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيَّ – أَوْ وَضَعَهَا بَيْنَ ثَدْيَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ
بَرْدَهَا بَيْنَ كَتِفَيَّ – فَمَا سَأَلَنِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا عَلِمْتُهُ
“.

وهذا إسناد آخر ظاهره الحسن يقوي السابق

ونقل عن الإمام أحمد تصحيحه وأما إعلال
الدارقطني فهو خاص ببعض طرقه ، أو يكون كلام الأئمة الكبار مقدم على كلامه

غير أن الفائدة النفيسة أن الإمام الجبل
سفيان الثوري يصححه ويقول به

قال سفيان الثوري في تفسيره :” في
قوله بالملأ الأعلى قَالَ يَتَجَلَّى رَبُّكَ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ
فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الْأَعْلَى فَيَقُولُ يَا رَبِّ لَا أَدْرِي فَيَضَعُ كَفَّهُ
عَلَى صَدْرِهِ حَتَّى يَجِدَ بَرْدَهَا بين كتفيه فلا يسئله عن شئ الا أخبره”

وهذا معنى الحديث وسفيان من طبقة مالك
وله أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بواسطتين فقط

فهو يروي عن حميد عن أنس

وعن ابن المنكدر عن جابر

وعن أبي الزبير عن جابر

وعن أبي حازم عن سهل

وعن أبي إسحاق عن البراء

وعن عمرو بن دينار عن ابن عباس

وعن محارب بن دثار عن ابن عمر وجابر 

وسمع من سماك بن حرب أحسن السماع وسماك
سمع من النعمان بن بشير وجابر بن سمرة وكلاهما صحابي وأحد طرق حديث ( رأيت ربي ) من
طريق سماك عن جابر 

وهذه أعلى أسانيده وله نظائرها وهو إمام
أهل الصنعة في عصره فتصحيحه لهذا الخبر وقوله به إضافة إلى تصحيح البخاري وأحمد يرفع
من شأن الحديث جداً

وهذا يدفع زندقة الخساف الخبيث الذي طعن
في الحديث وأفرد فيه جزءاً

وحتى ابن الجوزي مع إيراده للخبر في العلل
المتناهية استدرك وقال :” قُلْتُ قَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ
حَسَنٍ”

وهذا تراجع من ابن الجوزي عن التضعيف
مع ما عرف عن ابن الجوزي في باب الصفات

فهذا الباحث تكلم على طريق عبد الرحمن
بن عائش ونسي طريق سماك عن جابر بن سمرة

وأما ما ادعاه من أن الله عز وجل لا يرى
في المنام على صورة

فالإجماع منعقد على خلاف ما ادعى

قال ابن تيمية:

وإذا كان كذلك فالإنسان قد يرى ربه في
المنام ويخاطبه فهذا حق

في الرؤيا ولا يجوز أن يعتقد أن الله
في نفسه مثل ما رأى في المنام فإن سائر ما يرى في المنام لا يجب أن يكون مماثلا ولكن
لا بد أن تكون الصورة التي رآه فيها مناسبة ومشابهة لاعتقاده في ربه فإن كان إيمانه
واعتقاده مطابقا أتي من الصور وسمع من الكلام ما يناسب ذلك وإلا كان بالعكس قال بعض
المشايخ إذا رأى العبد ربه في صورة كانت تلك الصورة حجابا بينه وبين الله . وما زال
الصالحون وغيرهم يرون ربهم في المنام ويخاطبهم وما أظن عاقلا ينكر ذلك فإن وجود هذا
مما لا يمكن دفعه إذ الرؤيا تقع للإنسان بغير اختياره وهذه مسألة معروفة وقد ذكرها
العلماء من أصحابنا وغيرهم في أصول الدين وحكوا عن طائفة من المعتزلة وغيرهم إنكار
رؤية الله والنقل بذلك متواتر عمن رأى ربه في المنام ولكن لعلهم قالوا لا يجوز أن يعتقد
أنه رأى ربه في المنام فيكونون قد جعلوا مثل هذا من أضغاث الأحلام ويكونون من فرط سلبهم
ونفيهم نفوا أن تكون رؤية الله في المنام رؤية صحيحة كسائر ما يرى في المنام فهذا مما
يقوله المتجهمة وهو باطل مخالف لما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها بل ولما اتفق عليه
عامة عقلاء بني آدم. وليس في رؤية الله في المنام نقص ولا عيب يتعلق به سبحانه وتعالى
وإنما ذلك بحسب حال الرائي وصحة إيمانه وفساده واستقامة حاله وانحرافه .( بيان تلبيس
الجهمية 1/73)

وكذا نقل النووي والقرطبي الإجماع على
جواز ذلك فيبدو أنه مذهب الأشاعرة أيضاً

وقال الطوفي  في الانتصارات الإسلامية :” ثم لو صح لكان
محمولا على رؤية المنام كحديث: «رأيت ربي في أحسن صورة» فإنه كان مناما باتفاق علماء
المسلمين”

وكذا قال ابن كثير

وقال علي ملا قاري الحنفي في مرقاة المفاتيح
:” وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ – قَالَ: ” «رَأَيْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ»
“، وَذَكَرْنَا تَوْجِيهَاتِهِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَا حَالَ
الْيَقَظَةِ، وَمِنْ جُمْلَةِ تَأْوِيلَاتِهِ أَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إِلَى رُؤْيَا رَآهَا
رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي الْمَنَامِ، فَإِنَّهُ
رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ
جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: «احْتَبَسَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ
– صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – صَلَاةَ الْغَدْوَةِ، حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ
تَطْلُعُ، فَلَمَّا صَلَّى الْغَدْوَةَ، قَالَ: ” إِنِّي صَلَّيْتُ اللَّيْلَةَ
مَا قُضِيَ لِي وَوَضَعْتُ جَنْبِي فِي الْمَسْجِدِ فَأَتَانِي رَبِّي فِي أَحْسَنِ
صُورَةٍ» “. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ مِنْ أَئِمَّتِنَا: فَعَلَى هَذَا لَمْ يَكُنْ
فِيهِ إِشْكَالٌ إِذِ الرَّائِي قَدْ يَرَى غَيْرَ الْمُتَشَكَّلِ مُتَشَكَّلًا وَالْمُتَشَكَّلَ
بِغَيْرِ شَكْلِهِ، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ ذَلِكَ خَلَلًا فِي الرُّؤْيَا، وَلَا فِي الرَّائِي،
بَلْ لِأَسْبَابٍ أُخَرَ، وَلَوْلَا تِلْكَ الْأَسْبَابُ لَمَا افْتَقَرَتْ رُؤْيَا
الْأَنْبِيَاءِ إِلَى تَعْبِيرٍ اهـ. “

وإلى هذا المعنى جنح المناوي في فيض القدير
ونقل كلاماً عن ابن عربي في ذلك !

وقال محمد أنور شاه الكشميري الديوبندي
في فيض الباري :” ومن ههنا يتَّضِحُ ما ذكره بعضُ المحققين في حديث حُذَيْفَة
الذي رواه الطبرانيُّ السابق آنفًا. وقد استنكر بعضُ العلماء هذا الحديث، وما كان ينبغي
له الاستنكارُ، وذلك لأنَّ للحقّ تبارك وتعالى تجلِّيًا في خِزَانة الخيال، في صورةٍ
طبيعيةٍ، بصفاتٍ طبيعيةٍ، فيرى النائمُ في نومه تجسُّد المعاني في صورة المحسوسات،
هذه حقيقةُ الخيال”

وقال القرافي المالكي في الفروق
:” فَإِذَا رَأَى الرَّائِي أَنَّهُ بِالْمَشْرِقِ، وَهُوَ بِالْمَغْرِبِ أَوْ
نَحْوِهِ فَهِيَ أَمْثِلَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ – تَعَالَى – دَلِيلًا عَلَى تِلْكَ
الْمَعَانِي كَمَا جُعِلَتْ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ وَالرُّقُومُ لِلْكِتَابَةِ
دَلِيلًا عَلَى الْمَعَانِي فَإِذَا رَأَى اللَّهَ – تَعَالَى – أَوْ النَّبِيَّ –
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَهِيَ أَمْثِلَةٌ تُضْرَبُ لَهُ بِقَدْرِ حَالِهِ
فَإِنْ كَانَ مُوَحِّدًا رَآهُ حَسَنًا أَوْ مُلْحِدًا رَآهُ قَبِيحًا، وَهُوَ أَحَدُ
التَّأْوِيلَيْنِ فِي قَوْلِهِ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – «رَأَيْت رَبِّي فِي أَحْسَنِ
صُورَةٍ»”

فحتى الجهمية الأشعرية يقرون برؤية الله
في المنام وأما الجهمية الأولى فينفون هذا

والله عز وجل لا يرى على صورته الحقيقية
بل هذه صورة بحسب إيمان الرائي كما نقل على ذلك الاتفاق الدارمي في رده على المريسي

 وقال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية
(7/366): “أما قول الرازي:

 
( إن كان الضمير عائداً إلى المرئي ففيه وجوه:

الأول: أن يكون رأى ربه في المنام في
صورة مخصوصة وذلك جائز لأن الرؤيا من تصرفات الخيال فلا ينفك ذلك عن صورة متخيلة
).

فيقال له : قد بينا أن ألفاظ الحديث صريحة
، في أن هذه الرؤية كانت في المنام ، فيكون هذا الوجه المقطوع به ، وما سواه باطل ،
ولكن لا يكون هذا من باب التأويل بل الحديث على ظاهره فيكون ظاهره أنه رآه في المنام
، وهذا حق لا يحتاج إلى تأويل ، وهذا مقصودنا فإنهم يدعون احتياج هذه الأحاديث إلى
تأويل يخالف ظاهرها ، لأنها ظاهرها عندهم ضلال وكفر”.

فهنا شيخ الإسلام ينص صريحاً لأن هذا
الحديث لا يحتاج إلى تأويل لأنه ظاهره أنه في المنام ورؤيا لا تثبت فيها صفات حتى تؤول
فحتى الجهمي لا يحتاج إلى تأويل الرؤى المنامية بصرف ما فيها من الصفات عن ظاهرها ،
لأن الظاهر أصلاً أنها منام والمنام لا تثبت فيه صفات.

وقال شيخ الإسلام في درء تعارض العقل
والنقل (7/35): “وهؤلاء قد يدخلون في الأحاديث المشكلة ما هو كذب موضوع ولا يعرفون
أنه موضوع وما له لفظ يدفع الإشكال مثل أن يكون رؤيا منام فيظنونه كان في اليقظة ليلة
المعراج”.

فاعتبر شيخ الإسلام كون الرؤيا منامية
يدفع الإشكال الذي ظنه المعطلة من الحديث، ولو كان ما يستفاد من الرؤيا المنامية يستفاد
من رؤيا اليقظة لما اندفع الإشكال.

قال شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل
(5/237): “هذا مع أن عامة ما فيه من تأويل الأحاديث الصحيحة هي تأويلات المريسي
وأمثاله من الجهمية وقد يكون الحديث مناما كحديث رؤية ربه في أحسن صورة فيجعلونه يقظة
ويجعلونه ليلة المعراج ثم يتأولونه”.

فقوله : (فيجعلونه يقظة ثم تأولونه) إشارة
إلى أنه لو كان مناماً لما احتاجوا إلى تأويله.

وقال شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية
(1/326) من طبعة مجمع الملك فهد:

“وإذا كان كذلك ، فالإنسان يرى ربه
في المنام ويخاطبه فهذا حقٌ في الرؤيا ولا يجوز أن يعتقد أن الله نفسه مثل ما رأى في
المنام ، فإن سائر ما يرى في المنام لا يجب أن يكون مماثلاُ ، ولكن لا بد أن يكون الصورة
التي رآه فيها مناسبة ومشابهة لاعتقاده في ربه ، فإن كان إيمانه وإعتقاده حقاً ، أتي
من الصور وسمع من الكلام ما يناسب ذلك ، وإلا كان بالعكس . قال بعض المشايخ : إذا رأى
العبد ربه في صورة ، كانت تلك الصورة حجاباً بينه وبين الله . وما زال الصالحون يرون
ربهم في المنام ويخاطبهم وما أظن عاقلاً ينكر ذلك”.

قلت : تأمل كلام شيخ الإسلام يتضح لك
مذهب شيخ الإسلام في هذه المسألة:

(1) وهو أن رؤية الله في المنام جائزة
غير ممتنعة

(2) أن صورة الله عز وجل التي يراها العبد
في المنام ليست صورة الله عز وجل الحقيقة بل تظهر للعبد صورةً بحسب اعتقاده في الله
عز وجل، وهذا الذي ذهب إليه شيخ الإسلام.

نقل النووي الإجماع عليه.

قال النووي في شرحه على صحيح مسلم
(15/24): “قال القاضي واتفق العلماء على جواز رؤية الله تعالى في المنام وصحتها
وإن رآه الإنسان على صفةٍ لا تليق بحاله من صفات الأجسام لأن ذلك المرئي غير ذات الله
تعالى”.

قلت: قوله: “صفات الأجسام”
لوثة أشعرية غير أن المقصود في الجملة صواب يوافق مذهب شيخ الإسلام وهو أن الصورة التي
يرى فيها الله عز وجل في غير صورته الحقيقة سبحانه وتعالى، وأيضاً ادعى الإجماع على
جواز رؤية الله في المنام شيخ الإسلام نفسه.

وقد ثبت عن بعض السلف رؤية الله في المنام

قال البغوي في الجعديات

1063 : حدثنا يوسف بن موسى ، نا جرير
، عن رقبة قال :

 رأيت رب العزة جل ثناؤه في المنام ، فقال : وعزتي
لأكرمن مثواه . يعني سليمان التيمي .

وهذا إسناد قوي ورقبة بن مصقلة من ثقات
المحدثين من طبقة كبار أتباع التابعين

وما روى أبو نعيم في الحلية (10/113)
: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ أَحْمَدَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَحْمَدَ
بْنِ حَنْبَلٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ شُرَيْحَ بْنَ يُونُسَ، يَقُولُ: ” رَأَيْتُ
رَبَّ الْعِزَّةِ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ لِي: يَا شُرَيْحُ، سَلْ حَاجَتَكَ فَقُلْتُ:
رُحْمَاكَ يُسْرٌ يُسْرٌ “

وهذا إسناد صحيح

وجاء في سير أعلام النبلاء :” قَالَ الشَّيْخُ الضِّيَاءُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ صَوْمَعٍ يَذكرُ أَنَّهُ رَأَى الحَقَّ تَعَالَى فِي النَّوْمِ، فَسَأَلَهُ عَنِ النَّجْمِ بنِ خَلَفٍ، فَقَالَ: هُوَ مِنَ المُقَرَّبِيْنَ.
قُلْتُ: وَذَكَرَ النَّجْمُ أَنَّهُ رَأَى البَارِئَ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي النَّوْمِ إِحْدَى عَشْرَةَ مرَّةً، قَالَ لَهُ فِي بَعْضِهَا: أَنَا عَنْكَ رَاضٍ”

وهذا إسناد صحيح  

وقد ادعى هذا الباحث أنه لم يصح عن أحد
من السلف رؤية الله في المنام وجيد أنه قيد بقوله _ بحسب علمي _

ومنهجية أنني أبحث فقط في المرفوع ولا
أستضيء بالآثار وبكلام أهل العلم وأنفرد بنقدي الخاص في الأخبار ولا أعتد بكلام الجهابذة
فحديث صححه أحمد والبخاري وقبلهم الإمام سفيان الثوري  لو خالفتهم فإن متنه لا يكون منكراً ويكون أنت المشكلة
في فهمك

هذا وصل اللهم على محمد
وعلى آله وصحبه وسلم