تعقيب على كلام ابن مسعود

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال ابن مسعود : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ، مِنْ رَجُلٍ خَرَجَ بِأَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلَكَةٍ، مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ، وَشَرَابُهُ وَزَادُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ، فَأَضَلَّهَا، فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا، حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَلَمْ يَجِدْهَا.
قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ، فَأَمُوتُ فِيهِ، قَالَ: فَأَتَى مَكَانَهُ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ، فَاسْتَيْقَظَ، فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، وَزَادُهُ، وَمَا يُصْلِحُهُ ]

الحديث في الصحيحين

وقد مر بي هذا الحديث قبل عدة سنوات في درس أصول الإيمان فتأملته فبدا لي من معناه ما كان خافياً علي
فكل كلمة قالها صلى الله عليه وسلم في وصف حال هذا الرجل وشدة ما نزل به لها معنى في بيان شدة فرحه إذ زال ذاك

فقوله [ خَرَجَ بِأَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلَكَةٍ ] يخرج من ذلك ما لو ضل منه شيء وهو قريب من قرية فيذهب إلى أهلها فيعينوه أو بأرض فيها زرع أو ماء ينتفع به

وقوله : [ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ ] يخرج من ذلك ما لو أضل غير الراحلة من الإبل فالراحلة هي التي تركب ويسافر عليها وهي من أنفس المال فلو ضاعت في حضر لشق ذلك فكيف بسفر

وقوله [ عَلَيْهَا طَعَامُهُ، وَشَرَابُهُ وَزَادُهُ وَمَا يُصْلِحُهُ ] يخرج من ذلك ما لو كان معه شيء من الماء والزاد وضلت الراحلة بدونهما فإن الأمر يكون أهون عليه

وقوله : [ فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا، حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَلَمْ يَجِدْهَا ] يبين أنه أيس وهذا أشد حال ممكنة ، فإنه طوال الطلب يبعد عنه الحزن أمل إيجادها

وقوله : [ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ، فَاسْتَيْقَظَ، فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ ] وهذا أبلغ في مشاهدة منة الله عز وجل فإنه لو وجدها وهو مستيقظ لربما ظن أن ذلك من بحثه وكده

فصل اللهم على من أوتي جوامع الكلم .

تأمل حال هذا الرجل وما اجتمع به من الكروب والأحزان وكيف أنه كان ينتظر شر ميتة وهي ميتة الجوع والعطش

وكيف زال هذا كله في لحظة ، فرح هذا الرجل لا يقارن بفرح الله عز وجل بتوبتي وتوبتك ، وطاعتنا لا تزيد في ملكه شيئاً ومعصيتنا لا تنقض من ملكه شيئاً

ومع ذلك سبحانه الغفور الرحيم الودود الحليم التواب الرؤوف الكريم يفرح بتوبة عبده ما لا يفرح العبد بنجاة نفسه

فأي حال ألأم وأسوأ من أن تعرض عن الخالق وتقبل على المخلوق وقلب من ترائي بيد من أعرضت عنه

وأي جهل هو جهلنا حين نبارز من لا طاقة ببعض أصغر جنوده فكيف به سبحانه وتعالى

واعجب من غني قدير يتودد وفقير عاجز يعرض والله المستعان