تعقيب على قول سليمان العلوان ( المعركة في مصر بين الإسلام والكفر )

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن مما يعتصر له القلب ألماً ما يحصل من سفك الدماء في مصر ، ونسأل الله
عز وجل أن يحقن دماء المسلمين

واعلم وفقك الله لمرضاته أن نقد فئة معينة لا يعني تأييد الفئة المنازعة
لها ، ولا الإقرار على تصرفاتها ، والسعيد من سلم لسانه ويده من الفتن

وليعلم أن الدعاة الحركيين كانت لهم مواقف مضطربة ومخزية في عدد من المراحل
في تاريخ الأمة الحديث

فمن ذلك ما حصل في الجهاد الأفغاني وما حصل من التغاضي عن الشرك الموجود
بين صفوف المجاهدين وتتويج ذلك بالسكوت على جريمة قتل جميل الرحمن

ثم بعد ذلك رفعوا من شأن الحكومة السودانية وأثنوا عليها ثم ظهر منها البعد
عن تحكيم الشريعة ومؤتمرات وحدة الأديان

ووقع من بعضهم كعبد الرحمن بن عبد الخالق الثناء على صدام حسين في حربه
مع إيران وإطرائه إلى حد عظيم ولما غزا الكويت تغير الموقف منه !

ووقع من بعضهم تأييد أحداث 11 سبتمبر ثم لما رأوا آثارها السلبية نكصوا
على أعقابهم

ووقع من بعضهم من المصريين كياسر برهامي الثناء على حزب الله اللبناني
في قتاله مع اليهود ثم لما ظهرت حقيقة هذا الحزب ( لهم ) ذموا منه ما كانوا يحمدونه
بالأمس

وتخبطهم في أمر الجزائر والعراق معلوم للعيان

ثم فيما يسمى بالربيع العربي استكملوا مسيرة التخبط والتناقض حتى كشف أمرهم
لكل عاقل

وهم في كل هذا ينطلقون من العاطفة طاوين كشحاً عن الاتباع والله المستعان

وليعلم أن نصر الإسلام لا يأتي إلا عن طريق التوحيد والاتباع ومن ابتغى
العزة في غير ذلك أصابه الذل والهوان ، وعلى الدعاة أن يرسخوا هذا المعنى في أذهان
الناس بدلاً من أن يدوروا معهم حيث داروا

ومن ذلك الكلام العاطفي ما قاله سليمان بن ناصر العلوان من أن المعركة
الآن في مصر بين الإسلام والكفر وينبغي الاصطفاف مع الإخوان إذ أن المسلمين في خندق
واحد

والسؤال هنا : يا شيخ سليمان على أصولك هل ما يدعو إليه الإخوان من الديمقراطية
هو الإسلام أم نقيض الإسلام ؟

الجواب : سليمان العلوان يقرر أن الحكم بغير ما أنزل الله مطلقاً كفر وذلك
في شرحه على العقيدة الواسطية ، ولا شك عنده أن تحكيم الديمقراطية كفر أكبر

ولهذا في ذلك المقطع الذي قال فيه عن محمد مرسي ( كافر بالله مؤمن بالطاغوت
) ذكر الدستور المصري وما فيه من الكفر ، وذكر حرب مرسي على الإخوة في سينا

ولا يمكن أن يكون الكفر الأكبر وسيلة لقيام الدولة الإسلامية !

وإذا قلنا نعم فقد اتهمنا الشريعة ، ونكون أيضاً حكمنا على منهج القاعدة بالبطلان
لأنهم والحال هذه يجب أن ينضموا إلى العملية السياسية ويداهنوا الكفار كم يفعل الإخوان

بل لا تكون الحاكمية توحيداً إذ أن التوحيد لا تنازل عنه ولا تدرج فيه

بعد معرفة هذا لنسأل : عندما خرج من خرج على الحجاج بن يوسف بين كبار القراء
منهم مسلم بن يسار ومنهم الشعبي ، ما كان مذهب حذاق الفقهاء كالحسن البصري

الجواب : كانوا يرون الامتناع مع أن الخارجين لا يطالبون إلا بحكم الشرع
وإزالة الحجاج الكافر الذي يقول بتحريف القرآن ويكفر بعض أعيان الصحابة

والكل بعد ذلك اتفقوا على صواب كلام الحسن ومن معه

قال ابن أبي شيبة في المصنف 31191:

حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، قَالَ : قَالَ لِي الْحَسَنُ
: أَلاَ تَعْجَبُ مِنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ! دَخَلَ عَلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْ قِتَالِ
الْحَجَّاجِ وَمَعَهُ بَعْضُ الرُّؤَسَاءِ ، يَعْنِي : أَصْحَابَ ابْنِ الأَشْعَثِ.

أقول : سبب تعجب الحسن أنه نهاهم عن ذلك ، ومع ذلك خرجوا وكان ما كان من
سفك الدماء ، والحجاج كان ظلوماً غشوماً سفاكاً للدماء ، فاسد الاعتقاد صح عنه الطعن
في ابن مسعود ورميه بالنفاق ، وقد كفره جمع من أهل العلم ، وصح أن جابر بن عبد الله
لم يكن يسلم عليه ولا يصلي خلفه ، كما في الطبقات لابن سعد ، وهذا محمول على أنه قد
أمن أذاه

قال المزي في تهذيب الكمال (28/ 247) :

وقَال البُخارِيُّ فِي التاريخ الصغير : حَدَّثَنَا موسى بْن إسماعيل عَن
جعفر، يعني ابْن سُلَيْمان، قال: حَدَّثَنَا مالك بن دينار، قال: لقيت معبدا الجهني
بمكة بعد ابْن الأشعث وهو جريح، وقد قاتل الحجاج فِي المواطن كلها، فقال: لقيت الفقهاء
والناس لم أر مثل الحسن، يَا ليتنا أطعناه – كأنه نادم على قتال الحجاج.اهـ

قال ابن سعد في الطبقات 9965- قَالَ : أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ
قَالَ : حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ أَخْضَرَ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ
: اسْتَبْطَأَ النَّاسُ أَيَّامَ ابْنِ الأَشْعَثِ ، فَقَالُوا لَهُ : أَخْرِجْ هَذَا
الشَّيْخَ يَعْنِي الْحَسَنَ قَالَ ابْنُ عَوْنٍ ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بَيْنَ الْجِسْرَيْنِ
وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ قَالَ : فَغَفَلُوا عَنْهُ ، فَأَلْقَى نَفْسَهُ فِي
بَعْضِ تِلْكَ الأَنْهَارِ حَتَّى نَجَا مِنْهُمْ ، وَكَادَ يَهْلِكُ يَوْمَئِذٍ.

ابن الأشعث كان يقاتل الطاغية الحجاج الذي كان الحسن يكفره ، ومع ذلك ترك
القتال معه فتأمل

ولم يقل الحسن هي معركة بين الإسلام والكفر فأصير في خندق واحد معهم ضد
الحجاج ، وما فهم أحد عاقل من موقف الحسن إقرار الحجاج على ظلمه

وإذا كان الأمر معركة بين الإسلام والكفر فالمعركة بين الإسلام والكفر
تحتاج إلى عدة معنوية وعدة مادية

فالعدة المعنوية تقوى الله عز وجل وتحقيق التوحيد

قال الله تعالى : ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِن اللَّهَ
لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ
وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ
عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)

وقال الله تعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ
مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ
كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ
وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)

وهذا لا ينطبق على من يدعو إلى الديمقراطية أو يدعو للتحاكم إليها

وقال شيخ الإسلام كما في تلخيص الاستغاثة والرد على البكري:

فقلت لهم هؤلاء الذين تستغيثون بهم لو كانوا معكم في القتال لانهزموا كما
انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد فإنه كان قد قضى أن العسكر ينكسر لأسباب اقتضت
ذلك ولحكمة الله عز و جل في ذلك ولهذا كان أهل المعرفة بالدين والمكاشفة لم يقاتلوا
في تلك المرة لعدم القتال الشرعي الذي أمر الله به ورسوله ولما يحصل في ذلك من الشر
والفساد وانتفاء النصرة المطلوبة من القتال فلا يكون فيه ثواب الدنيا ولا ثواب الآخرة
لمن عرف هذا. اهـ

فتأمل كيف علل شيخ الإسلام تركه القتال معهم بأنهم ليسوا على التوحيد ،
وأن قتالهم ليس فيه ثواب الدنيا ولا ثواب الآخرة

وأما العدة المادية فهي مطلوبة ولولا ذاك ما ترك القتال في الفترة المكية

وقد قال الله عز وجل ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ
وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ
مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ )

وقال ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين (1/35) :” رابعاً أن
الإنسان يجوز أن يغرر بنفسه في مصلحة عامة للمسلمين فإن هذا الغلام دل الملك على أمر
يقتله به ويهلك به نفسه وهو أن يأخذ سهما من كنانته ..

إلخ قال شيخ الإسلام لأن هذا جهاد في سبيل الله آمنت أمة وهو لم يفتقد
شيئاً لأنه مات وسيموت آجلاً أو عاجلاً فأما ما يفعله بعض الناس من الانتحار بحيث يحمل
آلات متفجرة ويتقدم بها إلى الكفار ثم يفجرها إذا كان بينهم فإن هذا من قتل النفس والعياذ
بالله .

ومن قتل نفسه فهو خالد مخلد في نار جهنم أبد الآبدين كما جاء في الحديث
عن النبي عليه الصلاة والسلام لأن هذا قتل نفسه لا في مصلحة الإسلام لأنه إذا قتل نفسه
وقتل عشرة أو مائة أو مائتين لم ينتفع الإسلام بذلك فلم يسلم الناس بخلاف قصة الغلام
وهذا ربما يتعنت العدو أكثر ويوغر صدره هذا العمل حتى يفتك بالمسلمين أشد الفتك .

كما يوجد من صنع اليهود مع أهل فلسطين فإن أهل فلسطين إذا مات الواحد منهم
بهذه المتفجرات وقتل ستة أو سبعة أخذوا من جراء ذلك ستين نفراً أو أكثر فلم يحصل في
ذلك نفع للمسلمين ولا انتفاع للذين فجرت المتفجرات في صفوفهم .

ولهذا نرى أن ما يفعله بعض الناس من هذا الانتحار نرى أنه قتل للنفس بغير
حق وأنه موجب لدخول النار والعياذ بالله وأن صاحبه ليس بشهيد لكن إذا فعل الإنسان هذا
متأولاً ظاناً أنه جائز فإننا نرجوا أن يسلم من الإثم وأما أن تكتب له الشهادة فلا،
لأنه لم يسلك طريق الشهادة ومن اجتهد وأخطأ فله أجر “

قال ابن القيم في إعلام الموقعين (3/5) :” وسمعت شيخ الإسلام ابن
تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه يقول مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم
يشربون الخمر فأنكر عليهم من كان معي فأنكرت عليه وقلت له إنما حرم الله الخمر لأنها
تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبئ الذرية وأخذ الأموال
فدعهم “

أقول : فأين هذا الفقه العظيم ، ممن يزج بأبناء المسلمين العزل في مظاهرات
في مواجهة المدججين بمختلف أنواع الأسلحة تطالب ب( المنكر ) ( الديمقراطية )

وسفك الدماء تسبباً أو ابتداءً أمره عظيم فلا يزال المرء في فسحة من دينه
ما لم يصب دماً حراماً

قال ابن أبي شيبة في المصنف 31329: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كُنَاسَةَ
، قَالَ : حدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ :

 أَتَى مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ
عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ وَهُوَ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، فَقَالَ
: مَنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ : ابْنُ أَخِيك مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، قَالَ : صَاحِبُ
الْعِرَاقِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، جِئْتُك لأَسْأَلَك عَنْ قَوْمٍ خَلَعُوا الطَّاعَةَ
، وَسَفَكُوا الدِّمَاءَ ، وَجَبَوا الأَمْوَالَ ، فَقُوتِلُوا فَغُلِبُوا فَدَخَلُوا
قَصْرًا فَتَحَصَّنُوا فِيهِ ، ثُمَّ سَأَلُوا الأَمَانَ فَأُعْطُوهُ ، ثُمَّ قُتِلُوا
؟ قَالَ : وَكَمَ الْعِدَّةُ ؟ قَالَ : خَمْسَةُ آلاَفٍ ، قَالَ : فَسَبَّحَ ابْنُ
عُمَرَ عِنْدَ ذَلِكَ ، وَقَالَ : عَمْرَكَ الله يَا ابْنَ الزُّبَيْرِ ! لَوْ أَنَّ
رَجُلاً أَتَى مَاشِيَةً لِلزُّبَيْرِ فَذَبَحَ مِنْهَا فِي غَدَاةٍ خَمْسَةَ آلاَفٍ
أَكُنْتَ تَرَاهُ مُسْرِفًا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَتَرَاهُ إسْرَافًا فِي بَهَائِمَ
لاَ تَدْرِي مَا اللَّهُ ، وَتَسْتَحِلُّهُ مِمَّنْ هَلَّلَ اللَّهَ يَوْمًا وَاحِدًا
؟.

فكيف بالقتال على الديمقراطية والحكم لا شك ان هذا فتنة عظيمة نسأل الله
أن يجليها عن المسلمين على خير

وقد قال هذه الكلمة  عبد الله السعد
أيضاً في بيان له أصدره

قال فيه : تميز لكل ذي عينين أنه صراع بين الحق الذي له هو الإسلام وبين
الباطل الذي هو الكفر ! .انتهى

والله المستعان !

والخلاصة أننا نسأل عز وجل أن يحقن دماء المسلمين وأن المعركة بين دعاة
للديمقراطية أقحاح ودعاة لها باسم الإسلام يرون أنه لا صلاح ولا نجاح ولا قيام للدولة
إلا بها والله المستعان

والإخلاص وحده لا يكفي بل لا بد من الاتباع ومن قاتل تحت راية عمية فقد
مات ميتة جاهلية

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم