تعقيب على قولهم لا يكفر إلا منكر الحديث المتواتر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال أبو حامد الغزالى في فيصل التفرقة ص84 :” -واعلم أنه لا تكفير
في الفروع أصلاً، إلا في مسألة واحدة وهي أن ينكر أصلاً دينياً علم من الرسول صلى الله
عليه وسلم بالتواتر”

وهذا الكلام نقله صاحب رسالة نواقض الإيمان القولية والعملية عبد العزيز
آل عبد اللطيف

وهذا الكلام بدعة كلامية ، بل إن منكر النص الثابت يكفر بعد إقامة الحجة
عليه سواءً كان آحادياً أو متواتراً

قال ابن حجر في فتح الباري (20/ 494) :” وَأَخْرَجَ اِبْنُ أَبِي
حَاتِم فِي مَنَاقِب الشَّافِعِيّ عَنْ يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى سَمِعْت الشَّافِعِيّ
يَقُول : لِلَّهِ أَسْمَاء وَصِفَات لَا يَسَعُ أَحَدًا رَدُّهَا ، وَمَنْ خَالَفَ
بَعْد ثُبُوت الْحُجَّة عَلَيْهِ فَقَدْ كَفَرَ ، وَأَمَّا قَبْل قِيَام الْحُجَّة
فَإِنَّهُ يُعْذَر بِالْجَهْلِ ؛ لِأَنَّ عِلْم ذَلِكَ لَا يُدْرَك بِالْعَقْلِ وَلَا
الرُّؤْيَة وَالْفِكْر ، فَنُثْبِتُ هَذِهِ الصِّفَات وَنَنْفِي عَنْهُ التَّشْبِيه
كَمَا نَفَى عَنْ نَفْسه”

فتأمل قول الشافعي ( وَمَنْ خَالَفَ بَعْد ثُبُوت الْحُجَّة عَلَيْهِ فَقَدْ
كَفَرَ)

والحجة في كلام الشافعي تشمل الكتاب والسنة الآحادي والمتواتر

قال الخلال في السنة 1734- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ
, قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ , قَالَ : سَمِعْتُ
الْحَسَنَ بْنَ الْبَزَّارِ , يَقُولُ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْمِرِّيسِيِّ , فَقَالَ
: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ , أُذَاكِرُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ , فَكُلَّمَا ذَكَرُوا
الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَدْتُهُ . قَالَ
: يَقُولُونَ : أَنْتَ كَافِرٌ . قَالَ : صَدَقُوا . إِذَا ذَكَرُوا الْحَدِيثَ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَرَدَدْتَهُ , يَقُولُونَ : أَنْتَ
كَافِرٌ . قَالَ : فَكَيْفَ أَصْنَعُ . قَالَ : إِذَا ذَكَرُوا حَدِيثَ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ : صَدَقْتَ , ثُمَّ اضْرِبْهُ بِعِلَّةٍ ,
فَقُلْ : لَهُ عِلَّةٌ.

فأهل الحديث في زمن المريسي كانوا يكفرون من يرد خبراً آحادياً وحتى المريسي
يقر بذلك

وقال ابن حزم في الإحكام (1/89) :” وقد ذكرنا محمد بن نصر المروزي
أن إسحاق بن راهويه كان يقول: من بلغه عن رسول الله (ص) خبر يقر بصحته ثم رده بغير
تقية فهو كافر، ولم نحتج في هذا بإسحاق، وإنما أوردناه لئلا يظن جاهل أننا منفردون
بهذا القول، وإنما احتججنا في تكفيرنا من استحل خلاف ما صح عنده عن رسول الله (ص) بقول
الله تعالى مخاطبا لنبيه (ص): * (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم
لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)”

وقول إسحاق ( إن صح عنده ) يريد على قواعد أهل الحديث ، وإلا فيستطيع أي
زنديق أن يخترع لنفسه قواعد في التصحيح والتضعيف ويقول بناءً على قواعدي لا يصح

قال شيخ الإسلام في درء التعارض (5/ 297) :” ومعلوم أن هذا ليس إقرارا
بصحة الرسالة فإن الرسول لا يجوز عليه أن يخالف شيئا من الحق ولا يخبر بما تحيله العقول
وتنفيه لكن يخبر بما تعجز العقول عن معرفته فيخبر بمحارات العقول لا بمحالات العقول

ولهذا قال الإمام أحمد في رسالته في السنة التي رواها عبدوس ابن مالك العطار
قال ليس في السنة قياس ولا يضرب لها الأمثال ولا تدرك بالعقول

هذا قوله وقول سائر أئمة المسلمين فإنهم متفقون على أن ما جاء به الرسول
صلى الله عليه وسلم لا تدركه كل الناس بعقولهم ولو أدركوه بعقولهم لاستغنوا عن الرسول
ولا يجوز أن يعارض بالأمثال المضروبة له فلا يجوز أن يعارضه الناس بعقولهم ولا يدركونه
بعقولهم فمن قال للرسول أنا أصدقك إذا لم تخالف عقلي أو أنت صادق فيما لم تخالف فيه
الدليل العقلي فإن كان يجوز على الرسول أن يخالف دليلا عقليا صحيحا لم يكن مؤمنا به
بصحيح لم يكن مؤمنا به فامتنع أن يصح الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم مع هذا الشرط

وأما مسألة إقامة الحجة فهي متعلقة أيضاً بالمتواتر فقد يكون المنكر لا
يعلم أنه متواتر

وليعلم أن المنكر بغير علم جريء لا يكون جهله ( دائماً ) حجة له وعذر بل
يكون مؤاخذاً بقفوه ما ليس له به علم وهذا حال أكثر منكري أحاديث السنة في هذا الزمان
وقبله والله المستعان

فالجهل الذي يكون عذراً هو المعجوز عن إزالته فمتى أمكنه إزالته ولم يفعل كان معرضاً مؤاخذاً 

وليعلم أيضاً أن الغزالي ليس ممن يعتمد في هذا الباب أصلاً وما يفعله بعض
الدكاترة من أنهم يضعون كلام الأشاعرة وكلام أهل السنة في هذه المسائل الخطيرة في سياق
واحد غلط بين

ودائماً تنقل كلمة عن الغزالي في أن الاحتياط في ترك التكفير أسلم ، وهذه
العبارة ليست على إطلاقها فإن التكفير المبني على الدليل والبرهان لا كصنيع الخوارج
الإقدام عليه ليس فيه منافاة للورع أبداً

بل ترك تكفير من يستحق التكفير فيه مفاسد من أهمها أنك تلحقه بالمسلمين
في أحكامهم فتحل له فرجاً حراماً عليه وتجعله يدفن في تربة ليس هو أهل لها ، وتجعل
أهل الإسلام يترحمون عليه وهذه كلها مفاسد وهناك غيرها كثير

وأحسن من قول الغزالي قول الجويني وهو أيضاً ليس معتمداً حين سئل عن تكفير
الخوارج فقال ما معناه أن الحكم للمسلم بالكفر شديد والحكم للكافر بالإسلام أيضاً واختار
التوقف

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم