فإن المرء لا يكاد يلتقط أنفاسه هذه الأيام
مع كثرة الدجل والتلاعب
وقد رأيت فتيا لحاتم العوني في مسألة
ابتداء أهل الذمة بالسلام
والعجيب أن هذا المجيب دكتور في الحديث
فأهمل حديثاً مرفوعاً في صحيح مسلم وآثاراً
لم يذكر لفظه وإنما أشار إليه إشارة وفقط اكتفى بأثر عن ابن مسعود يوافق ما
يريد ثم نعى على مخالفيه من المانعين بأنهم يدعون إتباع السلف مجرد دعوى
وأنا أعلنها هنا بصراحة الذي ينتهج هذا
النهج الرخيص في البحث لا يجوز له الفتيا
فأولاً لننظر في الأثر الذي احتج به وأهمل
حتى الحديث المرفوع الذي يخالفه !
قال ابن أبي شيبة في المصنف 25865 – حَدَّثَنَا
أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ:
أَقْبَلْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ مِنَ السَّيْلَحِينِ فَصَحِبَهُ دَهَّاقِينُ مِنْ أَهْلِ
الْحِيرَةِ، فَلَمَّا دَخَلُوا الْكُوفَةَ أَخَذُوا فِي طَرِيقٍ غَيْرِ طَرِيقِهِمْ،
فَالْتَفَتَ إِلَيْهِمْ فَرَآهُمْ قَدْ عَدَلُوا، فَأَتْبَعَهُمُ السَّلَامَ، فَقُلْتُ:
أَتُسَلِّمُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ صَحِبُونِي، وَلِلصُّحْبَةِ
حَقٌّ»
الأثر صحيح فعلاً ولكنه يدل على عكس فهم
حاتم في إطلاق الإباحة
فأصحاب ابن مسعود أنكروا عليه مما يدل
على أن الأصل المستقر عندهم النهي عن ابتداء السلام وعبد الله علل بعلة تشمل حالته
هو فقط خاصة دون حالة غيره وهو من صحب كتابياً في سفر ثم افترقا فلا يدخل في هذا لقيا
الطريق
وقال البيهقي في الشعب 8909 – أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : نا أبو
علي الحسين بن علي الحافظ قال : أنا أبو النضر محمد بن أحمد المروزي من أصل كتابه قال
: نا إسحاق بن منصور قال : نا النضر بن شميل قال : أنا شعبة عن المغيرة و سليمان الأعمش
عن إبراهيم بن علقمة : أنه كان رديف عبد الله يعني ابن مسعود على حمار فصحبهم الناس
من الدهاقين في الطريق فلما بلغوا قنطرة أخذوا طريقا آخر فالتفت عبد الله فلم ير منهم
أحدا فقال أين أصحابنا قال : قلت أخذوا الطريق الآخر فقال عبد الله عليكم السلام قال
: قلت أليس هذا يكره قال : هذا حق الصحبة قلت : هكذا روى عن عبد الله و لعله لم يبلغه
ما بلغ غيره من السنة و متابعة السنة أولى و بالله التوفيق
فالبيهقي رأى الأثر مخالفاً للأحاديث
الثابتة واعتذر لابن مسعود أنه لم يبلغه النهي
والأولى التوجيه الذي ذكرته وهو الذي
فهمه الطبري وتبعه ابن حجر قال ابن حجر في شرح البخاري :” واستثنى بن مسعود ما إذا احتاج لذلك المسلم لضرورة
دينية أو دنيوية كقضاء حق المرافقة فأخرج الطبري بسند صحيح عن علقمة قال كنت ردفا لابن
مسعود فصحبنا دهقان فلما انشعبت له الطريق أخذ فيها فأتبعه عبد الله بصره فقال السلام
عليكم فقلت ألست تكره أن يبدؤا بالسلام قال نعم ولكن حق الصحبة وبه قال الطبري وحمل
عليه سلام النبي صلى الله عليه و سلم على أهل مجلس فيه أخلاط من المسلمين والكفار وقد
تقدم الجواب عنه في الباب الذي قبله “
فما هو النهي ؟
قال مسلم في صحيحه 5712- [13-2167] حَدَّثَنَا
قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ
، عَنْ سُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لاَ تَبْدَؤُوا الْيَهُودَ وَلاَ النَّصَارَى بِالسَّلاَمِ
، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ ، فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ.
5713- […] وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ (ح) وَحَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَأَبُو كُرَيْبٍ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ
، عَنْ سُفْيَانَ (ح) وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، , كُلُّهُمْ
عَنْ سُهَيْلٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وَفِي حَدِيثِ وَكِيعٍ ، إِذَا لَقِيتُمُ
الْيَهُودَ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ ، عَنْ
شُعْبَةَ قَالَ : فِي أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ
وَلَمْ يُسَمِّ أَحَدًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
فهذا حديث في صحيح مسلم
وقال ابن قانع في معجمه 238 – حدثنا إبراهيم
بن عبد الله ، نا أبو عاصم ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن مرثد
بن عبد الله اليزني ، عن أبي بصرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم : « إني
راكب غدا إلى يهود فمن انطلق منكم معي فلا تبدءوهم بالسلام وإذا سلموا عليكم فقولوا
: وعليكم » فلما جئناهم سلموا علينا ، فقلنا : وعليكم حدثنا بشر بن موسى ، نا أبو عبد
الرحمن المقرئ ، نا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب بإسناده نحوه حدثنا محمد بن عبد
الله الحضرمي ، نا هناد ، نا عبدة ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب بإسناده
مثله
وهو عند البيهقي في الشعب والطبراني في
الكبير وفي مسند أحمد وعند أحمد بالذات دون
ذكر النهي عن البداءة بالسلام
قال ابن سعد في الطبقات 5178- أَخبَرنا
خالِدُ بن مَخلَدٍ, قالَ: حَدَّثَنا عَبدُ الله بن عُمَر، عَن نافِعٍ قالَ: مَرَّ ابن
عُمَر عَلَى يَهودٍ، فَسَلَّمَ عَلَيهم، فَقيلَ لَهُ: إِنَّهُم يَهودٌ، فَقالَ: رُدّوا
عَلَيَّ سَلاَمي.
ورواه البيهقي في الشعب وعبد الله العمري
في الموقوف على ابن عمر محتمل احتج أحمد بخبره في دفن الأظفار
وله شاهد منقطع ولكن يقويه
جاء في الشعب 8515 – قَالَ: وَنا عَبْدُ
اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، عَنْ سُلَيْمَانَ
التَّيْمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ،
فَقِيلَ: إِنَّهُ نَصْرَانِيٌّ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: ” رُدَّ عَلَيَّ سَلَامَى
“، قَالَ لَهُ: نَعَمْ، قَدْ رَدَدْتُهُ عَلَيْكَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ:
” أَكْثَرَ اللهُ مَالَكَ وَوَلَدَكَ “
وقال ابن أبي شيبة في المصنف 26388- حَدَّثَنَا
كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ ، قَالَ : حدَّثَنَا مَعْمَر
، قَالَ : بَلَغَنِي ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ مَرَّ عَلَى يَهُودِيٍّ فَسَلَّمَ ،
فَقِيلَ لَهُ : إِنَّهُ يَهُودِيٌّ ، فَقَالَ : يَا يَهُودِيُّ ، رُدَّ عَلَيَّ سَلاَمِي
، وَأَدْعُو لَكَ ، قَالَ : قَدْ رَدَدْته ، قَالَ : اللَّهُمَّ كَثِّرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ.
والآن لنأتي للمذاهب المشهورة في المسألة
وحاتم اكتفى بنقل عن الأوزاعي في فتياه
جاء في تحفة الفقهاء من كتب أهل الرأي
( الحنفية ) :” وَقَالَ لَا بَأْس بعيادة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ للْحَدِيث
الْوَارِد فِيهِ وَلأَجل إلْف أهل الذِّمَّة خُصُوصا فِي حَال الْمَرَض مِمَّا يَدعُوهُم
إِلَى الدّين الْحق
أما السَّلَام فَقَالُوا يكره لما فِيهِ
من التَّعْظِيم وتعظيمهم مَكْرُوه
وَأما رد السَّلَام فَلَا بَأْس بِهِ
لِأَن الِامْتِنَاع من ذَلِك يؤذيهم وَالْإِحْسَان فِي حَقهم مَنْدُوب لَكِن يَنْبَغِي
أَن لَا يزِيد على قَوْله وَعَلَيْكُم لِأَنَّهُ قيل إِنَّهُم يَقُولُونَ السام عَلَيْكُم
فيجابون بقوله وَعَلَيْكُم بطرِيق المجازاة”
وهذه الكراهية ويبدو أنها تحريمية نقلها
الجصاص أيضاً الذي اكتفى حاتم بنقل كلامه في تفسير أثر ابن مسعود ولم ينقل غيره !
وجاء في بدائع الصنائع للكاساني
:” وَيُكْرَهُ الِابْتِدَاءِ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ
لِأَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ لِكُلِّ بِرٍّ وَخَيْرٍ وَلَا يَجُوزُ مِثْلُ هَذَا الدُّعَاءِ
لِلْكَافِرِ”
وأما المالكية فقال ابن عبد البر في الكافي
في فقه أهل المدينة :” ولا يبدأ أحد من أهل الذمة بالسلام ولا يقصدون بتهيئته
ولا تعزية وإن سلموا رد عليهم وعليك”
بل جاء في البيان والتحصيل :” من
سماع أشهب بن عبد العزيز من مالك من كتاب الجامع قال أشهب بن عبد العزيز: سئل مالك
بن أنس عن السلام على أهل الذمة والرد عليهم، فقال: لا”
والرد يرد عليهم للدليل ولا يقبل قول
مالك في هذا رحمه الله
وأما الشافعية فيقول العمراني معللاً
إلزام أهل الذمة بلباس معين في كتابه :” . وقال النَّبيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ – ” إذا «لقيتم المشركين في طريق.. فلا تبدؤوهم بالسلام، وإذا لقيتموهم
في طريق.. فاضطروهم إلى أضيقها» . وإذا خالف أهل الذمة المسلمين في الزي والملبس بما
ذكرناه.. أمكن المسلم أن يأتي بالسنة المشروعة في حق المسلم والذمي، وإذا لم يخالفوهم
بذلك.. ربما ابتدأ المسلم بالسلام على الذمي ظنا منه أنه مسلم، أو ترك السلام على المسلم،”
وأما الحنابلة فجاء في مسائل الكوسج
:” [55-] قلت: مصافحة اليهودي والنصراني. والمجوسي؟
قال: أتوقاه.4
قلت: الجنب والحائض؟
قال: لا بأس ب
قال إسحاق: كما قال؛ لأن في مصافحة1 غير
أهل الملة تعظيم، وقد أمرنا بتذليلهم، إلا أن تكون2 حاجة أو أردت أن تدعوه إلى الإسلام
[ظ-3/ب] و3ما أشبه ذلك من أمر الآخرة. كالسلام4، ليس لك أن تبدأه؛ لما5 فيه تعظيم وتشبيه
بتحية المسلم، فإذا كانت حاجة إليه فلك أن تبدأه بالسلام، ومعنى (قول النبي صلى الله
عليه وسلم) 6: “لا تبدؤهم بالسلام”7 لما خاف أن يدعوا ذلك أماناً وكان قد
غدا إلى اليهود “
وجاء في المغني لابن قدامة :”
(7701) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ تَصْدِيرُهُمْ فِي الْمَجَالِسِ، وَلَا بَدَاءَتَهُمْ
بِالسَّلَامِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: «لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ
وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ، وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي الطَّرِيقِ، فَاضْطَرُّوهُمْ
إلَى أَضْيَقِهَا» . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنَّهُ قَالَ: «إنَّا غَادُونَ غَدًا، فَلَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ،
وَإِنْ سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ، فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ» . أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ قَالَ: «نُهِينَا، أَوْ أُمِرْنَا، أَنْ لَا نَزِيدَ
أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى وَعَلَيْكُمْ» . قَالَ أَبُو دَاوُد: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ
اللَّهِ: تَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلذِّمِّيِّ: كَيْفَ أَصْبَحْت؟ أَوْ كَيْفَ
حَالُك؟ أَوْ كَيْفَ أَنْتَ؟ أَوْ نَحْوَ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، هَذَا عِنْدِي أَكْثَرُ
مِنْ السَّلَامِ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إذَا لَقِيته
فِي الطَّرِيقِ، فَلَا تُوسِعْ لَهُ. وَذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ،
فَقِيلَ إنَّهُ كَافِرٌ. فَقَالَ: رُدَّ عَلَى مَا سَلَّمْت عَلَيْك. فَرَدَّ عَلَيْهِ
فَقَالَ: أَكْثَرَ اللَّهُ مَالَك وَوَلَدَك. ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ:
أَكْثَرَ لِلْجِزْيَةِ. وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ،
فَقُلْت نُعَامِلُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، فَنَأْتِيهِمْ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَعِنْدَهُمْ
قَوْمٌ مُسْلِمُونَ، أُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، تَنْوِي السَّلَامَ عَلَى
الْمُسْلِمِينَ. وَسُئِلَ عَنْ مُصَافَحَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَكَرِهَهُ”
فالذين نعى عليهم حاتم دعوى اتباع السلف
معهم حديث في صحيح مسلم والمذاهب الفقهية المشهورة كلها
وأما قول حاتم ( الذي يحتج على المنع
بالحديث يحتج مخالفه بالآية )؟
فهذا كلام إنسان علاقته بالفقه ضعيفة
فالآيات لا تخفى على أحد ولكن الأحاديث قد تخفى على بعض الناس ثم إن أوجه الدلالة تتفاوت
فقوله تعالى : (وقل سَلاَمٌ فَسَوْفَ
يَعْلَمُونَ)
عامة المفسرين أنه نسخ بآية السيف ومعنى
هذا أنه خصص في حال فقط ولكن ما تأولينا للحديث إن أخذنا بالآية بالمعنى الذي فهمه
البارقي
أو يقال أنه خاص برد السلام
فلا يصلح معارضة النهي الواضح الصريح
بفهم لآية متنازع فيه بين الناس وهنا تأتي مراتب الدلالات وهذه الآية لا تخفى على كل
الفقهاء المانعين ولكن الحديث قد يخفى على المبيح والآية لها توجيه أنها منسوخة أو
خاصة بحال الرد دون الابتداء ولكن الحديث مفصل والنهي فيه واضح وتأويل حديث أبي هريرة
( لا تبدأوهم ) فليس واجباً عليكم أن تبدأوهم فاسد لأن ابتداء السلام ليس واجباً في
قول العامة وزيادة على ذلك هذا ضعيف جداً فكيف يحمل النهي على نفي الوجوب وباب النهي
التحريم والكراهة
وجاء في شرح البخاري لابن حجر
:” وأجاب عياض عن الآية وكذا عن قول إبراهيم عليه السلام لأبيه بأن القصد بذلك
المتاركة والمباعدة وليس القصد فيهما التحية وقد صرح بعض السلف بأن قوله تعالى وقل
سلام فسوف يعلمون نسخت بآية القتال وقال الطبري لا مخالفة بين حديث أسامة في سلام النبي
صلى الله عليه و سلم على الكفار حيث كانوا مع المسلمين وبين حديث أبي هريرة في النهي
عن السلام على الكفار لأن حديث أبي هريرة عام وحديث أسامة خاص فيختص من حديث أبي هريرة
ما إذا كان الإبتداء لغير سبب ولا حاجة من حق صحبة أو مجاورة أو مكافأة أو نحو ذلك
والمراد منع ابتدائهم بالسلام المشروع فأما لو سلم عليهم بلفظ يقتضي خروجهم عنه كأن
يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو جائز”
وهذا توجيه جديد وهو حمل هذا على تطبيق
النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول ( السلام من اتبع الهدى ) وهذا يقتضي خروجهم
من هذا ما داموا على كفرهم وهذا توجيه قوي
قال شيخ الإسلام: وقد نهى صلى الله عليه
وسلم عن ابتداء اليهود بالسلام، فمن العلماء من حمل ذلك على العموم، ومنهم من رخص إذا
كانت للمسلم إليه حاجة أن يبتدئه بالسلام بخلاف اللقاء.
الإخنائية ص293 [ط الخراز تحقيق أحمد
مونس العنزي.]
وفي الآداب الشرعية 1/ 387 [الرسالة]
فصل مذهب عامة العلماء ألا يبدأ أهل الذمة
بالسلام
ولا يجوز بداءة أهل الذمة بالسلام هذا
هو الذي عليه عامة العلماء سلفا وخلفا لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بداءتهم بالسلام
…
وذهب بعض العلماء إلى أنه لا يحرم، وهو
وجه لبعض الشافعية، وذهب بعض العلماء إلى جوازه للحاجة
، وذكر بعض أصحابنا المتأخرين احتمالا
رأيته بخط القاضي تقي الدين الزيداني البغدادي ..
وتأول ابن عبد البر النهي عن بداءتهم
عن أن معناه: ليس عليكم أن تبدؤوهم، قال بدليل ما روى الوليد بن مسلم عن عروة بن رويم
قال: “رأيت أبا أمامة الباهلي يسلم على كل من لقي من مسلم وذمي “.
ويقول هي تحية لأهل ملتنا، واسم من أسماء
الله نفشيه بيننا. قال: ومحال أن يخالف أبو أمامة السنة في ذلك كذا قال وأبو أمامة
إن صح ذلك عنه، فقد خالفه غيره بلا شك، والنهي ظاهر في التحريم، والأصل عدم الإضمار،
وفي تتمة الخبر وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها، وهذا السياق يقتضي النهي،
وقد خالف ابن عبد البر مالكا في هذه المسألة، والله أعلم. ولأن في ذلك ودا ولطفا، وقد
أمر الله بمجاهدتهم، والغلظة عليهم، وكذلك نهى الله تعالى عن موالاتهم، ومودتهم ..
.. فأما إن خاف من ذلك على نفس أو مال،
فإنه يجوز، أو يستحب، أو يجب نظرا إلى ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما، فأما الحاجة
إليه يسهل تركها بلا مشقة مثل كثير من حوائج الدنيا المعتادة فهذا والله أعلم الذي
أراد أحمد في رواية أبي داود [وسئل عمن يبتدئ الذمي بالسلام إذا كانت حاجته إليه؟ قال:
لا يعجبني]، وكلامه فيه متردد بين التحريم، والكراهة.
وظاهر كلام الأصحاب: التحريم.
والمسألة فيه محتملة.
فأما الحاجة بالمعنى الأول، فتبعد إرادته،
كما يبعد المنع منه، والله تعالى أعلم.
ورد ابن مفلح هنا على ابن عبد البر قوي
وكلام ابن عبد البر فهو رجل باحث في الفقه ويعلم أن الصحابة يختلفون وتخفى على
الواحد منهم فيخالفها فقوله ( محال أن يخالف أبو أمامة السنة ) مجرد كلام لا معنى
لأنه لو كان هو راوي الحديث لكان لهذا الكلام معنى وكم من سنة خفيت على أجلة من
الصحابة
وقول الأوزاعي فعله قوم صالحون ومنعه قوم صالحون واضح أنه كلام فقيه لم يبلغه مرفوع في الباب وإلا لأشار إليه وإنما آثار متعارضة أما وقد وصح الحديث المرفوع وكان تأويله مدفوعاً فالمصار إليه هو المتعين
هذا وصل اللهم على محمد
وعلى آله وصحبه وسلم