ل عبد الله السعد في شرح مسائل الجاهلية :”
والبدعة ثلاثة أقسام :
1_ اعتقاديَّة .
2_قوليَّة .
3_ عمليَّة .
والأول –الاعتقادي- قسمان :
1_ بدعة ٌ مكفِّرةٌ , كبدعة الروافض
الكفار ! لأنهم ألهوا المخلوقين ونذروا لهم وحلفوا بهم واستغاثوا .
2_ غير مكفرة , كبدعة المعتزلة والأشاعرة ,
فهؤلاء لا يكفّرون إلا بعد إقامة الحجة ! وتواترَ عند الإمام أحمد رضي الله عنه
أنه قال ” من قال إن القرآن مخلوق ٌ فهْو كافر ” ومع ذلك كان ينادي
المأمون بأمير المؤمنين مع أنه كان داعيا ً لهذا القول , لكن اشتبهَ الأمرُ على
المأمون , ولم تقم عليه الحجة “
أقول : هذا كلامٌ فيه خطل وانعدام تحرير
فما قاله عن البدعة غير المكفرة هو تعريف البدعة المكفرة !
ولا يختلف السلف في أن من قال القرآن
مخلوق فهو كافر ، ومن أنكر العلو فهو كافر ( هذا إطلاق عام )
وذكر إقامة الحجة لا مكان له وصف الفعل
فإن عارض الجهل وعارض التأويل إنما يتكلم فيه عند تنزيل الحكم على المعين ، لا عند
وصف الفعل
فعلى سبيل المثال لا يجوز أن يقال ( القتل
ليس فسقاً ) بحجة أن المرء قد يقتل مسلماً حرام الدم بتأويل في فتنة فلا يكون
آثماً !
ولا تختلف نصوص العلماء في أن بدعة
الجهمية ( سواءً كانوا معتزلة أو غيرهم مكفرة )
جاء في أعلام السنة المنثورة للعلامة حافظ
حكمي ص121 :” س: ما هي البدع المكفرة؟
جـ: هي كثيرة وضابطها من أنكر أمرا مجمعا
عليه متواترا من الشرع معلوما من الدين بالضرورة؛ لأن ذلك تكذيب بالكتاب، وبما
أرسل الله به رسله كبدعة الجهمية في إنكار صفات الله عز وجل، والقول بخلق القرآن
أو خلق أي صفة من صفات الله عز وجل، وإنكار أن يكون الله اتخذ إبراهيم خليلا، وكلم
موسى تكليما وغير ذلك، وكبدعة القدرية في إنكار علم الله وأفعاله وقضائه وقدره،
وكبدعة المجسمة الذين يشبهون الله تعالى بخلقه وغير ذلك من الأهواء، ولكن هؤلاء
منهم من علم أن عين قصده هدم قواعد الدين وتشكيك أهله فيه فهذا مقطوع بكفره بل هو
أجنبي عن الدين من أعدى عدو له، وآخرون مغرورون ملبس عليهم فهؤلاء إنما يحكم
بكفرهم بعد إقامة الحجة عليهم، وإلزامهم بها”
وقال ابن مفلح في الفروع (8/ 452) :”
وَالدَّاعِيَةُ إلَى بِدْعَةٍ مُكَفِّرَةٍ مَالُهُ فَيْءٌ ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي
الْجَهْمِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ”
وقال في كشاف القناع (4/ 377) :” ( وَ
) يُصَلِّي الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ عَلَى ( مَدِينٍ لَمْ يُخْلِفْ وَفَاءً ) لِمَا
تَقَدَّمَ وَيَأْتِي نَسْخُ امْتِنَاعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْهُ ( وَلَا يُغَسَّلُ ) كُلُّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ مُكَفِّرَةٍ ( وَلَا يُصَلَّى
عَلَى كُلِّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ مُكَفِّرَةٍ نَصًّا وَلَا يُوَرَّثُ وَيَكُونُ
مَالُهُ فَيْئًا ) كَسَائِرِ الْمُرْتَدِّينَ .
( قَالَ ) الْإِمَامُ ( أَحْمَدُ
الْجَهْمِيَّةُ وَالرَّافِضَةُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَقَالَ أَهْلُ الْبِدَعِ
إنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِمْ ) وَذَلِكَ
لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ الصَّلَاةَ
بِأَدَقِّ مِنْ هَذَا ، فَأَوْلَى أَنْ تُتْرَكَ الصَّلَاةُ بِهِ وَلِحَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ
لِكُلِّ أُمَّةٍ مَجُوسًا ، وَإِنَّ مَجُوسَ أُمَّتِي الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا
قَدَرَ ، فَإِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ }
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَيَأْتِي قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ فِي الشَّهَادَاتِ
وَيُكَفَّرُ مُجْتَهِدُهُمْ الدَّاعِيَةُ ، وَغَيْرُهُ فَاسِقٌ “
والنصوص في ذلك كثيرة جداً فإطلاق أن بدعة
المعتزلة أو الأشاعرة غير مكفرة بحجة أنهم لا يكفرون إلا بعد إقامة الحجة لم يقل
به أحد من متقدمي أهل العلم
والحق أن كثيرين يسوون بين الجهمية
الأقحاح والجهمية الإناث ( الأشاعرة ) من كل وجه ثم يقولون ( لا نكفر الأشاعرة ) و
( السلف كفروا الجهمية )
وبيان ذلك أنهم يقولون في الجهمية الأقحاح
أنهم لا يكفرون إلا بعد إقامة الحجة ويستدلون بالمعتصم وبعضهم يستدل بالمأمون ( وسيأتي
ما في هذا الاستدلال )
ويقول في الجهمية الإناث ( الأشعرية ) أنهم
يكفرون بعد إقامة الحجة !
فما الفرق بينهم ؟
في الحقيقة لا فرق فإذا احتملنا إطلاق
السلف في تكفير الجهمية القائلين بخلق القرآن وحملناه على تكفير النوع لا الأعيان
، لم يكن هناك وجه للاعتراض على من أطلق تكفير الأشاعرة وأراد النوع لا الأعيان
كما فعل عدد كأبي إسماعيل الهروي والدشتي في الحد وغيرهم( وهذا إلزام وإلا فكلامهم واضح في أنه يريدون الأعيان )
إذا فهمت هذا علمت مدى تخبط سليمان العلون
حين سئل كما في شرحه على الواسطية :” سؤال: أهل السنة يكفرون الأشاعرة ؟
الإجابة: لا أهل السنة لا يكفرون
الأشاعرة، يكفرون الجهمية ، يكفرون النوع ولا يكفرون العين إلا من قامت عليه الحجة
وانتفت عنه الشبهة، وحكى ابن تيمية إجماعاً في هذه المسألة ، وأنكر ابن تيمية على
من زعم أنه يكفر بالأعيان لا بالأنواع، بل نكفر من قامت عليه الحجة ، وانتفت عنه
الشبهة، أما الأشاعرة فأهل السنة لا يكفرونهم، نعم وجد من كفرهم كما ذكر ذلك
الهروي في ذم الكلام، لكن المذهب المعمول به عند أهل السنة، وهو الذي حكاه بعض
العلماء اتفاقا لأهل السنة : أنهم لا يكفرونهم لقوة شبههم وأنها أقوى من شبه
الجهمية وأقوى من شبه المعتزلة”
أقول : فحتى الأشاعرة نحن نكفر من قامت
عليه الحجة منهم فما الفرق بينهم وبين الجهمية عندك ؟!
وأما قوله أن شبهة الأشاعرة أقوى من شبهة
الجهمية والمعتزلة فهذا كلام غث فإن الأشاعرة _ خصوصاً المتأخرين منهم _ في صفة العلو والكلام وغيرها جهمية وتأويلاتهم
هي عين تأويلات بشر المريسي كما نص عليه شيخ الإسلام في الحموية
ويا ليت شعري ما الذي جعل شبهة من قال ( لا
داخل العالم ولا خارجه ) أقوى من شبهة من يقول ( في كل مكان ) لو عكسنا الأمر لكان
أقرب
وأيهما أعذر من قال القرآن مخلوق ، أو من
قال القرآن الذين أيدينا مخلوق ثم أثبت كلاماً لا حرف فيه ولا صوت لا يعرفه أحد من
العقلاء واستشهد له ببيت نصراني !
والعجيب أن العلوان قد أقر بهذا فقال
بعدها : (ولكنهم قامت عليهم الحجة ، وانتفت عنه الشبهة ، تذكرون أن الأشاعرة
ينكرون العلو ويقولون عن القرآن بأنه مخلوق، ولا يثبتون لله إلا سبع صفات، فمن
قامت عليه الحجة وانتفت عنه الشبهة، فأي نعم قد يكفر هذا)
فما الفرق بينهم وبين الجهمية ؟
كلهم لا يكفر إلا بعد إقامة الحجة ، والذي
يرى حماس هؤلاء لتكفير من يحكم القوانين لا يراهم هنا ، ولكن الهوى له مدخله هنا
وهناك
فإذا كان السلف أطلقوا تكفير الجهمية بل
وتكفير اللفظية والواقفة وهم أحسن حالاً في القرآن من المعتزلة والأشعرية فلا مانع
من إطلاق القول بتكفير هؤلاء ويراد بذلك تكفير النوع لا الأعيان
قال حرب الكرماني في عقيدته :” والقرآن
كلام الله تكلم به ليس بمخلوق، فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومن زعم أن
القرآن كلام الله ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو أكفر من الأول وأخبث قولًا، ومن زعم
إن ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام الله فهو جهمي خبيث مبتدع.
ومن لم يكفرها ولا القوم ولا الجهمية كلهم
فهو مثلهم”
فإذا كان اللفظي والواقفي جهمياً فالأشعري
من باب أولى جهمي فقولهم في القرآن أصرح في التجهم وكذا قولهم في صفة العلو وغيرها
من الصفات كما أنهم نصروا مذهب جهم في القدر والإيمان ( في غالبهم )
ولهذا كان شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم
يسمونهم جهمية
قال شيخ الإسلام في درء التعارض (3/61)
:” قلت : وكلام السلف والأئمة في تكفير الجهمية وبيان أن قولهم يتضمن التعطيل
والإلحاد كثير ليس هذا موضع بسطه
وقد سئل عبد الله ابن المبارك و يوسف بن أسباط
فأجابا بما تقدم
وقد تبين أن الجهمية عندهم من نوع الملاحدة
الذين يعلم بالاضطرار أن قولهم مخالف لما جاءت به الرسل بل إنكار صفات الله أعظم
إلحادا في دين الرسل من إنكار معاد الأبدان فإن إثبات الصفات لله أخبرت به الرسل
أعظم مما أخبرت بمعاد الأبدان
ولهذا كانت التوراة مملوءة من إثبات صفات الله
وأما ذكر المعاد فليس هو فيها كذلك حتى قد قيل : إنه ليس فيها ذكر المعاد
والقرآن فيه من ذكر أسماء الله وصفاته وأفعاله
أكثر مما فيه من ذكر الأكل والشرب والنكاح في الجنة والآيات المتضمنة لذكر أسماء
الله وصفاته أعظم قدرا من آيات المعاد فأعظم آية في القرآن آية الكرسي المتضمنة
لذلك”
قال شيخ في درء التعارض (7/27) :” وجواب
هذا أن يقال القول بأن الله تعالى فوق العالم معلوم بالاضطرار من الكتاب والسنة
وإجماع سلف الأمة بعد تدبر ذلك كالعلم بالأكل والشرب في الجنة والعلم بإرسال الرسل
وإنزال الكتب والعلم بأن الله بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير والعلم بأنه خلق السماوات
والأرض وما بينهما بل نصوص العلو قد قيل إنها تبلغ مئين من المواضع
والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة
والتابعين متواترة موافقة لذلك فلم يكن بنا حاجة إلى نفي ذلك من لفظ معين قد يقال
إنه يحتمل التأويل ولهذا لم يكن بين الصحابة والتابعين نزاع في ذلك كما تنطق بذلك
كتب الآثار المستفيضة المتواترة في ذلك وهذا يعلمه من له عناية بهذا الشأن أعظم
مما يعلمون أحاديث الرجم والشفاعة
والحوض والميزان وأعظم مما يعلمون النصوص
الدالة على خبر الواحد والإجماع والقياس وأكثر مما يعلمون النصوص الدالة على
الشفعة وسجود السهو ومنع نكاح المرأة على عمتها وخالتها ومنع ميراث القاتل ونحو
ذلك مما تلقاه عامة الأمة بالقبول
ولهذا كان السلف مطبقين على تكفير من أنكر ذلك
لأنه عندهم معلوم بالاضطرار من الدين والأمور المعلومة بالضرورة عند السلف والأئمة
وعلماء الدين قد لا تكون معلومة لبعض الناس إما لإعراضه عن سماع ما في ذلك من
المنقول فيكون حين انصرافه عن الاستماع والتدبر غير محصل لشرط العلم بل يكون ذلك
الامتناع مانعا له من حصول العلم بذلك كما يعرض عن رؤية الهلال فلا يراه مع أن
رؤيته ممكنة لكل من نظر إليه وكما يحصل لمن لا يصغي إلى استماع كلام غيره وتدبره
لا سيما إذا قام عنده اعتقاد أن الرسول لا يقول مثل ذلك فيبقى قلبه غير متدبر ولا
متأمل لما به يحصل له هذا العلم الضروري”
فهنا الشيخ ينقل الاتفاق على تكفير منكر
العلو وهذا كالإجماع المنقول على تكفير من يقول بخلق القرآن
فإن قيل : ليس كل الأشاعرة ينكرون العلو ؟
يقال : عامتهم اليوم على إنكار العلو
والقول بخلق القرآن وإنكار النزول وكل واحدة من هذه بدعة مكفرة
بل أيهم أعذر قول الأشاعرة في الإيمان أم
قول المعتزلة
قال شيخ كما في مجموع الفتاوى (7/120)
:” وَنَصَرَ فِيهَا قَوْل جَهْمٍ مَعَ نَصْرِهِ لِلِاسْتِثْنَاءِ؛ وَلِهَذَا
خَالَفَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا سَنَذْكُرُ
مَأْخَذَهُ فِي ذَلِكَ وَاتَّبَعَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ عَلَى نَصْرِ قَوْل
جَهْمٍ فِي ذَلِكَ. وَمَنْ لَمْ يَقِفْ إلَّا عَلَى كُتُبِ الْكَلَامِ وَلَمْ
يَعْرِفْ مَا قَالَهُ السَّلَفُ وَأَئِمَّةُ السُّنَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ؛
فَيَظُنُّ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ هُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ؛ وَهُوَ قَوْلُ لَمْ
يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ بَلْ قَدْ كَفَّرَ أَحْمَد بْنُ
حَنْبَلٍ وَوَكِيعٌ وَغَيْرُهُمَا مَنْ قَالَ بِقَوْلِ جَهْمٍ فِي الْإِيمَانِ
الَّذِي نَصَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ. وَهُوَ عِنْدَهُمْ شَرٌّ مِنْ قَوْلِ
الْمُرْجِئَةِ”
فنص على أن قول جهم في الإيمان الذي كفر
به السلف هو قول الأشعري
بل صرح شيخ الإسلام أن قول الأشاعرة في
الإيمان أشنع من قول المعتزلة
قال شيخ الإسلام كما الفتاوى الكبرى (6/ 639)
:” وَأَيْضًا فَأَنْتُمْ فِي مَسَائِلِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ
قَابَلْتُمْ الْمُعْتَزِلَةَ تَقَابُلَ التَّضَادِّ حَتَّى رَدَدْتُمْ
بِدْعَتَهُمْ بِبِدَعٍ تَكَادُ أَنْ تَكُونَ مِثْلَهَا، بَلْ هِيَ مِنْ وَجْهٍ
مِنْهَا وَمِنْ وَجْهٍ دُونَهَا، فَإِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ جَعَلُوا الْإِيمَانَ
اسْمًا مُتَنَاوِلًا لِجَمِيعِ الطَّاعَاتِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَمَعْلُومٌ
أَنَّ هَذَا قَوْلُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ. وَقَالُوا: إنَّ الْفَاسِقَ
الْمِلِّيَّ لَا يُسَمَّى مُؤْمِنًا وَلَا كَافِرًا، وَقَالُوا: إنَّ الْفُسَّاقَ
مُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِشَفَاعَةٍ وَلَا غَيْرِهِ،
وَهُمْ فِي هَذَا الْقَوْلِ مُخَالِفُونَ لِلسَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ،
فَخِلَافُهُمْ فِي الْحُكْمِ لِلسَّلَفِ، وَأَنْتُمْ وَافَقْتُمْ الْجَهْمِيَّةَ
فِي الْإِرْجَاءِ وَالْجَبْرِ فَقُلْتُمْ: الْإِيمَانُ مُجَرَّدُ تَصْدِيقِ
الْقَلْبِ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِلِسَانِهِ، وَهَذَا عِنْدَ السَّلَفِ
وَالْأَئِمَّة شَرٌّ مِنْ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ. ثُمَّ إنَّكُمْ قُلْتُمْ: إنَّا
لَا نَعْلَمُ هَلْ يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْهُمْ النَّارَ أَوْ لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ
مِنْهُمْ فَوَقَفْتُمْ وَشَكَكْتُمْ فِي نُفُوذِ الْوَعِيدِ فِي أَهْلِ
الْقِبْلَةِ جُمْلَةً، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْبِدَعِ عِنْدَ
السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ”
فليعِ المرء الكلام قبل أن يتكلم
وليعلم أن الإمام أحمد قد كفر المأمون كما
شرحته في غير مقال
قال الخلال في السنة 1708- أَخْبَرَنِي
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَطَرٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو طَالِبٍ , قَالَ :
قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : إِنَّهُمْ مَرُّوا بِطَرَسُوسَ بِقَبْرِ رَجُلٍ , فَقَالَ
أَهْلُ طَرَسُوسَ : الْكَافِرُ , لاَ رَحِمَهُ اللَّهُ . فَقَالَ أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ : نَعَمْ , فَلاَ رَحِمَهُ اللَّهُ , هَذَا الَّذِي أَسَّسَ هَذَا , وَجَاءَ
بِهَذَا.
وهذا سند صحيح ، وهذا القبر هو قبر
المأمون إذ ليس عن الجهم والجعد وغيرهم من الرؤوس أن قبورهم كانت بطرسوس
وعلى قول عبد الله السعد في اعتبار البدعة
التي ربما عذر صاحبها لتأويل غير مكفرة ، يقال أيضاً أن البدعة المفسقة التي ربما
يكون الواقع فيها معذوراً لتأويل أو جهل لا تسمى مفسقة
فيقال بدعة التلفظ بالنية ، أو أي بدعة
خفية غير مفسقة لأنه قد يقول بها متأول أو جاهل فلا يكون مبتدعاً ، هكذا الرجل أتي
من الخلط بين مقام الحكم على الأفعال ومقام الحكم على الأعيان ولا بد من تحرير
الكلام والتدقيق في هذه المسائل الخطيرة لئلا يخرج المرء بكلمات مستوحشة لا تعرف
عن السلف كقول السعد ( بدعة المعتزلة غير مكفرة )!
ومن قال ( بدعتهم غير مكفرة ) واحتج بأن
منهم جهلة
يرد عليه بأنه في أحيان عديدة تكون مكفرة
وأن منهم علماء كفروا عناداً فكما أنه لا يجوز ( عندك ) إطلاق أنها مكفرة مشاهدة
منك لبعض الأعيان ، فكذلك لا يجوز عند غيرك إطلاق أنها ( غير مكفرة ) مشاهدةً لبعض
الأعيان فالإمام أحمد كفر ابن أبي دؤاد والكرابيسي وغيره من السلف كفروا المريسي
وهذا كله إلزام والصواب أنهم خالفوا معلوما من الدين بالضرورة
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم