قال عبد العزيز الريس في صفحته في تويتر عندما سئل عن مس المرأة
هل ينقض الوضوء ؟
فأجاب :” مس المرأة لايبطل الوضوء لأنه لادليل
على ذلك ومعنى ( لامستم )( جامعتم ) وبين ابن تيمية أن الصحابة مجمعون على هذا”
ظاهر كلامه أن مس المرأة بشهوة أو بغير شهوة لا ينقض الوضوء وأن
هذا إجماع الصحابة ونقل الإجماع شيخ الإسلام وهذا غلط بين على ابن تيمية وعلى الصحابة
فإن أكثر الصحابة على نقض الوضوء بمس الشهوة
قال عبد الرزاق في المصنف 496 – عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
سَالِمٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، كَانَ يَقُولُ: «مَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ عَلَى
وُضُوءٍ أَعَادَ الْوُضُوءَ»
وهذا إسناد صحيح
وقال ابن أبي شيبة في المصنف 1780- حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ ، عَنِ الأَعْمَشِ
، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَن أَبِي عُبَيْدَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : الْقُبْلَةُ
مِنَ اللَّمْسِ وَفِيهَا الْوُضُوءُ ، وَاللَّمْسُ مَا دُونَ الْجِمَاعِ.
وهذا إسناد قوي فإن رواية أبي عبيدة عن أبيه قوية عند عامة النقاد
وأما شيخ الإسلام فإنما نقل الاتفاق على عدم النقض في المس بدون شهوة وضعف
مذهب الشافعي في ذلك
والمس بغير شهوة لا يقال أنه لا ينقض لعدم وجود الدليل بل إنه لا ينقض
لوجود الدليل على أنه لا ينقض
قال البخاري في صحيحه 519 – حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا
يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ عَنْ عَائِشَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ بِئْسَمَا عَدَلْتُمُونَا بِالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ
لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي
وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ
غَمَزَ رِجْلَيَّ فَقَبَضْتُهُمَا .
جاء في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (21/ 233) :” الحمد لله أما نقض
الوضوء بلمس النساء فللفقهاء فيه ثلاثة أقوال طرفان ووسط
أضعفها أنه ينقض اللمس وإن لم يكن لشهوة إذا كان الملموس مظنة للشهوة وهو
قول الشافعي تمسكا بقوله تعالى أو لامستم النساء وفي القراءة الأخرى أو لمستم القول
الثاني إن اللمس لا ينقض بحال وإن كان لشهوة كقول أبي حنيفة وغيره وكلا القولين يذكر
رواية عن أحمد لكن ظاهر مذهبه كمذهب مالك والفقهاء السبعة أن اللمس إن كان لشهوة نقض
وإلا فلا وليس في المسألة قول متوجه إلا هذا القول أو الذي قبله
فأما تعليق النقض بمجرد اللمس فهذا خلاف الأصول وخلاف إجماع الصحابة وخلاف
الآثار وليس مع قائله نص ولا قياس فإن كان اللمس في قوله تعالى أو لمستم النساء إذا
أريد به اللمس باليد والقبلة ونحو ذلك كما قاله ابن عمر وغيره فقد علم أنه يحث ذكر
مثل ذلك في الكتاب والسنة فإنما يراد به ما كان لشهوة مثل قوله في آية الاعتكاف ولا
تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ومباشرة المعتكف لغير شهوة لا تحرم عليه بخلاف المباشرة
لشهوة وكذلك المحرم الذي هو أشد لو باشر المرأة لغير شهوة لم يحرم عليه ولم يجب عليه
به دم
وكذلك قوله ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقوله لا جناح عليكم إن طلقتم
النساء ما لم تمسوهن فإنه لو مسها مسيسا خاليا من غير شهوة لم يجب به عدة ولا يستقر
به مهر ولا تنتشر به حرمة المصاهرة باتفاق العلماء بخلاف ما لو مس المرأة لشهوة ولم
يخل بها ولم يطأها ففي استقرار المهر بذلك نزاع معروف بين العلماء في مذهب أحمد وغيره
فمن زعم أن قوله أو لمستم النساء يتناول اللمس وإن لم يكن لشهوة فقد خرج
عن اللغة التي جاء بها القرآن بل وعن لغة الناس في عرفهم فإنه إذا ذكر المس الذي يقرن
فيه بين الرجل والمرأة علم أنه مس الشهوة كما أنه إذا ذكر الوطء المقرون بين الرجل
والمرأة علم أنه الوطء بالفرج لا بالقدم
وأيضا فإنه لا يقول إن الحكم معلق بلمس النساء مطلقا بل بصنف من النساء
وهو ما كان مظنة الشهوة فأما مس من لا يكون مظنة كذوات المحارم والصغيرة فلا ينقض بها
فقد ترك ما ادعاه من الظاهر واشترط شرطا لا أصل له بنص ولا قياس فإن الأصول المنصوصة
تفرق بين اللمس لشهوة واللمس لغير شهوة لا تفرق بين أن يكون الملموس مظنة الشهوة أو
لا يكون وهذا هو المس المؤثر في العبادات كلها كالإحرام والاعتكاف والصيام وغير ذلك
وإذا كان هذا القول لا يدل عليه ظاهر اللفظ ولا القياس لم يكن له أصل في الشرع
وأما من علق النقض بالشهوة فالظاهر المعروف في مثل ذلك دليل له وقياس أصول
الشريعة دليل ومن لم يجعل اللمس ناقضا بحال فإنه يجعل اللمس إنما أريد به الجماع كما
في قوله تعالى وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ونظائره كثيرة وفي السنن أن النبي قبل
بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ لكن تكلم فيه
وأيضا فمن المعلوم أن مس الناس نساءهم مما تعم به البلوى ولا يزال الرجل
يمس امرأته فلو كان هذا مما ينقض الوضوء لكان النبي بينه لأمته ولكان مشهورا بين الصحابة
ولم ينقل أحد أن أحدا من الصحابة كان يتوضأ بمجرد ملاقاة يده لامرأته أو غيرها ولا
نقل أحد في ذلك حديثا عن النبي فعلم أن ذلك قول باطل والله أعلم “
فبين شيخ الإسلام أن الذي تقتضيه أصول الشريعة والقياس الصحيح التفريق
بين المس لشهوة ولغير شهوة
وما قاله الشيخ متعين
ففي باب الحج المس بشهوة يوجب الدم ، والمس بغير شهوة لا يوجب شيئاً ،
والجماع قبل التحلل الأول يفسد الحج
وفي باب الحدود المس للأجنبية بشهوة يوجب التعزير والمس بغير شهوة لا يوجب
شيئاً ، والجماع يوجب الحد
وكذلك في باب الطهارة المس بشهوة يوجب الوضوء والجماع يوجب الغسل ، والمس
بغير شهوة لا يوجب شيء
وبهذا يكون الأمر متسقاً
وبقي الكلام على حديث ( كان يقبل بعض نسائه ثم يخرج إلى الصلاة ) فهذا
الحديث ضعفه أكثر المتقدمين وهو الصواب
قال الترمذي في العلل الكبير (1/69) : وسألت محمدا عن حديث الأعمش ، عن
حبيب بن أبي ثابت ، عن عروة ، عن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعض
نسائه ، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ ، فقال : حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة
وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية 601-أخبرنا الكروخي قال أنا الأزدي
والغورجي قالا أخبرنا الجراحي قال نا المحبوبي قال نا الترمذي قال حدثنا قتيبة وهناد
وأبو كريب وأحمد بن منيع ومحمود بن غيلان وأبو عمار قالوا حدثنا وكيع عن الأعمش عن
حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة “أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه
ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ قال قلت من هي إلا أنت فضحكت”.
قال الترمذي:سمعت أبا بكر العطاء يذكر عن ابن المديني قال ضعف يحيى ابن
سعيد القطان هذا الحديث وقال هو شبه لا شيء وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث
ويقول حبيب لم يسمع من عروة قال وقد روى إبراهيم التيمي عن عائشة أن النبي صلى الله
عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ ولا يصح أيضا ولا يعرف لإبراهيم التيمي سماع من عائشة وليس
يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء.
وقال ابن عبد الهادي في تعليقه على علل ابن أبي حاتم ص42 :” قال الإمام
أحمد بن حنبل في المسند حدثنا وكيع ثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير
عن عائشة أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ
قال عروة قلت لها من هي إلا أنت قال فضحكت
وقال ابن ماجه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا ثنا وكيع ثنا
الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله
{صلى الله عليه وسلم} قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ
فقلت من هي إلا أنت فضحكت
كذا في رواية الإمام أحمد وابن ماجه عروة بن الزبير وهذا الإسناد في الظاهر
على شرط الصحيحين لكن قد قيل إن عروة ليس هو ابن الزبير بل هو عروة المزني وهو مجهول
وحبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير قال ابن أبي حاتم في المراسيل
ذكره أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال لم يسمع حبيب بن أبي ثابت من عروة
وكذا قال أحمد لم يسمع من عروة
وقال أبو داود في سننه حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا وكيع ثنا الأعمش عن
حبيب عن عروة عن عائشة أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قبل امرأة من نسائه ثم
خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ
قال عروة فقلت لها من هي إلا أنت فضحكت
قال أبو داود هذا رواه زائدة وعبد الحميد الحماني عن سليمان الأعمش
حدثنا إبراهيم بن مخلد الطالقاني ثنا عبد الرحمن يعني ابن مغراء قال ثنا
الأعمش قال ثنا أصحاب لنا عن عروة المزني عن عائشة بهذا الحديث
قال أبو داود قال يحيى بن سعيد القطان لرجل احك عني أن هذين يعني الحديثين
حديث الأعمش هذا عن حبيب وحديثه بهذا الإسناد في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة قال
يحيى احك عني أنهما شبه لا شيء
قال أبو داود روي عن الثوري قال ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني
يعني لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء
قال أبو داود وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة
رضي الله عنها حديثا صحيحا
وقال الترمذي حدثنا قتيبة وهناد وأبو كريب وأحمد بن منيع ومحمود بن غيلان
وأبو عمار قالوا أبنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة أن النبي
{صلى الله عليه وسلم} قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ
قال قلت من هي إلا أنت فضحكت
قال الترمذي وإنما ترك أصحابنا حديث عائشة عن النبي {صلى الله عليه وسلم}
في هذا لأنه لا يصح عندهم لحال الإسناد وسمعت أبا بكر العطار يذكر عن علي بن المديني
قال ضعف يحيى بن
سعيد القطان هذا الحديث وقال هو شبه لا شيء
وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث وقال حبيب بن أبي ثابت لم يسمع
من عروة
وقد روي عن إبراهيم التيمي عن عائشة أن النبي {صلى الله عليه وسلم} قبلها
ولم يتوضأ
وهذا لا يصح أيضا ولا نعرف لإبراهيم التيمي سماعا من عائشة وليس يصح عن
النبي {صلى الله عليه وسلم} في هذا الباب شيء
وقال الدارقطني أبنا أبو بكر النيسابوري ثنا عبد الرحمن بن بشر قال سمعت
يحيى بن سعيد وذكر له حديث الأعمش عن حبيب عن عروة قال أما إن سفيان الثوري كان أعلم
الناس بهذا زعم أن حبيبا لم يسمع من عروة شيئا
حدثنا محمد بن مخلد ثنا صالح بن أحمد ثنا علي بن المديني قال سمعت يحيى
وذكر عنده حديثا الأعمش عن حبيب عن عروة عن عائشة تصلي وإن قطر على الحصير وفي القبلة
قال يحيى احك عني أنهما شبه لا شيء
وقال ابن أبي حاتم وسمعت أبي يقول لم يصح حديث عائشة في ترك الوضوء من
القبلة يعني حديث الأعمش عن حبيب عن عروة عن عائشة
وسئل أبو زرعة عن الوضوء من القبلة فقال إن لم يصح حديث عائشة قلت به
كذا وجدت في النسخة التي نقلت منها كلام أبي زرعة والله أعلم”
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم