تعقيب على أحمد النجار في مسألة عصمة الأنبياء قبل النبوة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال أحمد النجار في رسالته الإيمان بالرسل ص120 :” المسألة الثامنة
: هل الرسل معصومون قبل النبوة .

إن الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الأنبياء غير معصومين قبل النبوة ،
وليس في هذا ما ينفر من القبول منهم .

فمن نشأ بين قوم مشركين لم يكن عليه نقص إذا كان على دينهم “

وهذا كلام سليم في جميع الأنبياء إلا في نبينا صلى الله عليه وسلم فلا
يجوز أن يقال أنه كان على ملة قومه وقد أنكر الإمام أحمد ذلك القول إنكاراً شديداً

قال الخلال في السنة 213- أَخْبَرَنِي عِصْمَةُ بْنُ عِصَامٍ الْعُكْبَرِيُّ
, قَالَ : حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ , قَالَ : قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ
: مَنْ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى دِينِ
قَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ ؟ فَقَالَ : هَذَا قَوْلُ سُوءٍ , يَنْبَغِي لِصَاحِبِ
هَذِهِ الْمَقَالَةِ تَخَذُّرَ كَلاَمَهُ , وَلاَ يُجَالَسُ , قُلْتُ لَهُ : إِنَّ
جَارَنَا النَّاقِدَ أَبُو الْعَبَّاسِ يَقُولُ هَذِهِ الْمَقَالَةُ ؟ فَقَالَ : قَاتَلَهُ
اللَّهُ , أَيُّ شَيْءٍ أَبْقَى إِذَا زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَصْنَامَ , وَقَالَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَبَشَّرَ بِهِ عِيسَى , فَقَالَ : اسْمُهُ أَحْمَدُ , قُلْتُ
لَهُ : وَزَعَمَ أَنَّ خَدِيجَةَ كَانَتْ عَلَى ذَلِكَ حِينَ تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ , فَقَالَ : أَمَّا خَدِيجَةُ
فَلاَ أَقُولُ شَيْئًا , قَدْ كَانَتْ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنَ النِّسَاءِ , ثُمَّ
مَاذَا يُحَدِّثُ النَّاسُ مِنَ الْكَلاَمِ , هَؤُلاَءِ أَصْحَابُ الْكَلاَمِ , مَنْ
أَحَبَّ الْكَلاَمَ لَمْ يُفْلِحْ , سُبْحَانَ اللَّهِ , سُبْحَانَ اللَّهِ لِهَذَا
الْقَوْلِ , وَاسَتْعَظَمَ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِكَلاَمٍ لَمْ أَحْفَظْهُ
, وَذَكَرَ أُمَّهُ حَيْثُ وَلَدَتْ رَأَتْ نُورًا , أَفَلَيْسَ هَذَا عِنْدَمَا وَلَدَتْ
رَأَتْ هَذَا وَقَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ كَانَ طَاهِرًا مُطَهَّرًا مِنَ الأَوْثَانِ
, أَوَ لَيْسَ كَانَ لاَ يَأْكُلُ مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ , ثُمَّ قَالَ : احْذَرُوا
أَصْحَابَ الْكَلاَمِ , لاَ يَئُولُ أَمْرُهُمْ إِلَى خَيْرٍ.

وقال ابن رجب في لطائف المعارف ص82 :” وفي الصحيحين عن جابر رضي الله
عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارا
فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة فجعل الناس يدخلونها ويعجبون منها ويقولون لولا موضع
اللبنة” زاد مسلم قال: “فجئت فختمت الأنبياء” وفيهما أيضا عن أبي هريرة
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم معناه وفيه: “فجعل الناس يطوفون به
ويقولون: هلا وضعت اللبنة؟ فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين”.

وقد استدل الإمام أحمد بحديث العرباض بن سارية هذا على أن النبي صلى الله
عليه وسلم لم يزل على التوحيد منذ نشأ ورد بذلك على من زعم غير ذلك بل قد يستدل بهذا.

الحديث على أنه صلى الله عليه وسلم ولد نبيا فإن نبوته وجبت له من حين
أخذ الميثاق منه حين استخرج من صلب آدم فكان نبيا من حينئذ لكن كانت مدة خروجه إلى
الدنيا متأخرة عن ذلك وذلك لا يمنع كونه نبيا قبل خروجه كمن يولى ولاية ويؤمر بالتصرف
فيها في زمن مستقبل فحكم الولاية ثابت له من حين ولايته وإن كان تصرفه يتأخر إلى حين
مجيء الوقت قال حنبل: قلت لأبي عبد الله يعني أحمد: من زعم أن النبي كان على دين قومه
قبل أن يبعث؟ قال: هذا قول سوء ينبغي لصاحب هذه المقالة أن يحذر كلامه ولا يجالس قلت
له: إن جارنا الناقد أبا العباس يقول هذه المقالة؟ قال: قاتله الله وأي شيء أبقى إذا
زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على دين قومه وهم يعبدون الأصنام قال الله تعالى
حاكيا عن عيسى عليه السلام: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ
أَحْمَدُ} [الصف: 6] قلت له: وزعم أن خديجة كانت على ذلك حين تزوجها النبي صلى الله
عليه وسلم في الجاهلية قال: أما خديجة فلا أقول شيئا قد كانت أول من آمن به من النساء
ثم قال: ماذا يحدث الناس من الكلام!! هؤلاء أصحاب الكلام لم يفلح ـ سبحان الله ـ لهذا
القول واحتج في ذلك بكلام لم أحفظه.

وذكر أن أمه حين ولدت رأت نورا أضاء له قصور الشام أو ليس هذا عندما ولدت
رأت هذا وقبل أن يبعث كان طاهرا مطهرا من الأوثان أوليس كان لا يأكل لما ذبح على النصب
ثم قال: “احذروا الكلام فإن أصحاب الكلام أمرهم لا يؤول إلى خير” خرجه أبو
بكر عبد العزيز بن جعفر في كتاب السنة ومراد الإمام أحمد الإستدلال بتقدم البشارة بنبوته
من الأنبياء الذين قبله وبما شوهد عند ولادته من الآيات على أنه كان نبيا من قبل خروجه
إلى الدنيا وولادته وهذا هو الذي يدل عليه حديث العرباض بن سارية هذا فإنه صلى الله
عليه وسلم ذكر فيه أن نبوته كانت حاصلة من حين آدم منجدلا في طينته والمراد بالمنجدل:
الطريح الملقى على الأرض قبل نفخ الروح فيه ويقال للقتيل: إنه منجدل لذلك”

ونص شيخ الإسلام على ذلك في المسودة وإنما وقع الخلاف هل كان متعبداً بشرع
قبل النبوة أم لا

وممن لم يحسن الكلام في هذه المسألة الشيخ يحيى الحجوري في كتابه الرد
على جهالات أحمد نصر الله صبري فإن الشيخ مقبلاً أورد في الصحيح المسند حديثاً منكراً
ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم قرب لصنم ! فاعترض عليه الدكتور أحمد نصر الله صبري

فقال في رده على أحمد نصر الله صبري :”

قال الإمام الشوكاني في «إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول» ص (69): ذهب
الأكثر من أهل العلم إلى عصمة الأنبياء بعد النبوة من الكبائر، وقد حكى القاضي أبو
بكر: إجماع المسلمين على ذلك، وكذا حكاه ابن الحاجب وغيره من متأخري الأصوليين، وكذا
حكوا الإجماع على عصمتهم بعد النبوة مما يزري بمناصبهم، كرذائل الأخلاق والدناءات،
وسائر ما ينفر عنهم، وهي التي يقال لها صغائر الخسة، كسرقة لقمة، والتطفيف بحبة..
(إلى أن قال) (ص71): وأما قبل الرسالة فذهب الجمهور إلى أنه لا يمتنع من الأنبياء ذنب
كبير، ولا صغير، وقالت الروافض: يمتنع قبل الرسالة منهم كل ذنب، وقالت المعتزلة: يمتنع
الكبائر دون الصغائر، واستدل المانعون مطلقا أو مقيدا بالكبائر، بأن وقوع الذنب منهم
قبل النبوة منفر عنهم، عند أن يرسلهم الله فيخل بالحكمة من بعثهم، وذلك قبيح عقلا،
ويجاب عنه: بأنا لا نسلم ذلك. اهـ

نقل الآمدي في «الإحكام في أصول الأحكام» (1/224) عن أبي بكر القاضي ‑ أيضا‑، وعن أكثر أصحابهم إلى أنه لا يمتنع عليهم العصمة قبل النبوة من كبيرة
كانت أو صغيرة، بل ولا يمتنع عقلا إرسال من أسلم، وآمن بعد كفره، وذهبت الروافض إلى
امتناع ذلك كله منهم قبل النبوة؛ لأن ذلك مما يوجب هضمهم في النفوس، واحتقارهم، والنفرة
عن اتباعهم، وهو خلاف مقتضى الحكمة من بعثة الرسل ووافقهم على ذلك أكثر المعتزلة إلا
في الصغائر، والحق ما ذكره القاضي، لأنه لا سمع قبل البعثة يدل على عصمتهم عن ذلك،
وأما بعد النبوة، فالاتفاق من أهل الشرائع قاطبة على عصمتهم عن تعمد كل ما يخل بصدقهم
فيما دلت المعجزة القاطعة على صدقهم فيه، من دعوى الرسالة، والتبليغ عن الله تعالى.
إلى آخر مبحث عصمة الأنبياء عن الكبائر.

وقال الشاطبي في «الموافقات» (4/13) بتحقيق الشيخ: مشهور بن حسن سلمان
وفقه الله:

الأنبياء معصومون من الكبائر باتفاق أهل السنة، وعن الصغائر باختلاف. اهـ
وصحح عصمتهم من الصغائر ‑ أيضا‑.

وصحح القاضي أبو بكر عدم عصمتهم منها، وقال: الآمدي في «الأحكام»
(1/224): وهو الأشبه. اهـ

وهذا منقول عن الجمهور جواز وقوع الصغائر غير الذميمة منهم، ولكنهم لا
يصرون فيكونون معصومين من الإصرار عليها، كما هو مضمون كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.

وصوب القاضي عياض في كتاب «الشفاء» مع الشرح (4/147): عصمتهم قبل البعثة
وبعدها، ونقله عنه الزركشي في «البحر المحيط» (3/241). طبعة دار الكتب العلمية،فقال:

أما قبل النبوة، فقال المازري: لا تشترط العصمة، ولكن لم يرد في السمع
وقوعها، وقال القاضي عياض: والصواب عصمتهم قبل النبوة من الجهل بالله وصفاته، والتشكيك
في شيء من ذلك، وقد تعاضدت الأخبار عن الأنبياء بتبرئتهم عن هذه النقيصة منذ ولدوا،
ونشأتهم على التوحيد والإيمان.

ونقل ابن الحاجب عن الأكثرين عدم امتناعها عقلا….والأصح قول الأكثرين،
ومنهم القاضي؛ لأن السمع -أي: القرآن والسنة- لا دلالة له على العصمة قبل البعثة. انتهى
المراد من المبحث في العصمة”

وهذا الكلام منه ما كلام متكلمين لا يحتج به في العقيدة ، وقد تقدم أن
الإمام أحمد رأى أن هذه مسائل المتكلمين المنكرة ، ومنه ما هو خارج محل النزاع فالبحث
ليس في الكبائر والصغائر قبل النبوة وبعدها وإنما البحث في كون المرء على ملة قومه
، ومنها ما كان متعلقاً بالأنبياء الأخر لا بنبينا صلى الله عليه وسلم

والدكتور اعترض على الرواية بأنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قرب قرباناً
للصنم وهذه باتفاق لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته لا قبل البعثة ولا
بعدها وما كان مشركاً طرفة عين

قال شيخ الإسلام في تفسير آيات أشكلت (1/199) :” ولعل أحمد قال أليس
كان لا يعبد الأصنام فغلط الناقل عنه فإن هذا قد جاء في الآثار أنه كان لا يعبد الأصنام
وأما كونه لا يأكل من ذبائحهم فهذا لا يعلم أنه جاء به أثر وأحمد من أعلم الناس بالآثار
فكيف يطلق قولًا عن المنقولات لم يرد به نقل ولكن هذا قد يشتبه بهذا وشرك حرمه من حين
أرسِل وأما تحريم ما ذبح على النصب فإنما ذكر في سورة المائدة وقد ذكر في السور المكية
كالأنعام والنحل تحريم ما أهل به لغير الله.

فتحريم هذا إنما عرف من القرآن وقبل نزول القرآن لم يكن يعرف تحريم

هذا بخلاف الشرك وقد كان هو وأصحابه مقيمين بمكة بعد الإسلام يأكلون من
ذبائحهم لكن فرق بين ما ذبحوه للحم وما ذبحوه للنصُب على جهة القربة للأوثان فهذا من
جنس الشرك لا يباح قط في شريعة وهو من جنس عبادة الأوثان.

وأما ذبائح المشركين فقد ترد الشريعة بحلها كما كانوا يتزوجون المشركات
أولًا.

والقول الثاني إطلاق القول بأنه صلى الله عليه وسلم كان على دين قومه وتفسير
ذلك بما كانوا عليه من بقايا دين إبراهيم لا بالموافقة لهم على شركهم.

قال ابن قتيبة قد جاء الحديث بأنه كان على دين قومه أربعين سنة ومعناه
أن العرب لم يزالوا على بقايا من دين أبيهم إبراهيم صلى الله عليه وسلم من ذلك حج البيت
وزيارته والختان والنكاح وإيقاع الطلاق إذا كان ثلاثًا وأن للزوج الرجعة في الواحد
والاثنتين ودية النفس مائة من الإبل والغسل من الجنابة وتحريم المحرمات بالقرابة والصهر.

فكان على ما كانوا عليه من الإيمان بالله والعمل بشرائعهم تلك وكان لا
يقرب الأوثان بل كان يعيبها وكان لا يعرف شرائع الله التي شرعها لعباده على لسانه حتى
أوحي إليه فذلك قوله {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ} يعني القرآن {وَلَا الْإِيمَانُ}
يعني شرائع الإيمان ولم يرد الإيمان الذي هو الإقرار بالله لأن آباءه الذين ماتوا على
الشرك كانوا يؤمنون بالله ويحجون له مع شركهم.

قلت أما ما ذكره ابن قتيبة من أن العرب كانوا يحجون ويختتنون فهذا متواتر
عنهم وهذا كان هو الحنيفية عندهم وكذلك تحريم الأقارب”

فتأمل نص شيخ الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرب الأوثان
ولا يحبها ، وأنه لو أكل مما ذبحت على النصب فليس هذا من الشرك بل كان مباحاً فترة
من الزمن

وأنه حتى من قال أنه كان على دين قومه لم يرد أنه كان يعبد الأوثان بل
أراد أنه كان على بقايا دين إبراهيم والبحث مع أحمد نصر الله صبري في إنكاره أن يكون
النبي صلى الله عليه وسلم قرب ذبيحة لصنم قبل النبوة وهذا الانكار سليم مستقيم على
كلام أحمد وابن رجب وشيخ الإسلام وهذا المتعين

فلفظ الحديث الذي أنكره أحمد نصر الله فيه ( خرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو مردفي إلى نصب من الأنصاب ، فذبحنا له شاة ووضعناها في التنور)

وهذه لفظة منكرة انفرد بها محمد بن عمرو بن علقمة وقد تكلموا فيه وأصل
الخبر في الصحيح بدون هذه الزيادة المنكرة ، وأما القول بأنهم معصومون من الكبائر قبل
النبوة فقول منكر

ونعود للنجار فأقول أن النجار قد أحسن في جمع المسائل المتعلقة في الإيمان
بالرسل وتلخيص كلام شيخ الإسلام وبيان غلط المتكلمين وإنما وقعت له زلة في هذه المسألة

وهذا أكتبه نصيحة للجميع لا تزلفاً لأحد فإن ذلك من أبغض الأمور إلي سائلاً
المولى عز وجل أن ينتفع بهذه النصيحة من وجهت إليه

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم