قال الحازمي في شرح كشف الشبهات :” أن
جميع المذاهب المخالفة لأهل السنة والجماعة من الأشاعرة والجمهية والصوفية وغيرهم –
أما الجمهية كفار بإجماع السلف ، وليس فيهم قولان إجماع من السلف أنهم كفار ، وأما
المعتزلة فأكثر السلف على أنهم كفار ، والأشاعرة أكثر السلف على أنهم من أهل
الإسلام – وغيرهم في النار أم هناك تفصيل”
أقول : هذا الكلام غلط ناشيء عن فكرة
خاطئة انتشرت في هذه الأزمنة وهي التفريق بين الجهمية والأشاعرة ، والجهمية
والمعتزلة
والواقع أن المعتزلة والأشاعرة من فروع
الجهمية ينطبق عليهم ما ينطبق على الجهمية والقسم من الشيء لا يكون قسيماً له ،
وإنما وقع الخلاف بين المعتزلة من جهة والجهمية والأشاعرة من جهة في مسائل الإيمان
والقدر
والتعقيب على كلام الحازمي من وجوه
أولها : أن السلف اتفقوا على تكفير
المعتزلة
قال ابن القيم في مختصر الصواعق المرسلة ص524:”
فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْأُخُوَّةَ الَّتِي بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ
الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ اتَّفَقَ السَّلَفُ عَلَى تَكْفِيرِهِمْ، وَأَنَّهُمْ
زَادُوا عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي التَّعْطِيلِ فَالْمُعْتَزِلَةُ قَالُوا: هَذَا
الْكَلَامُ الْعَرَبِيُّ هُوَ الْقُرْآنُ حَقِيقَةً لَا عِبَارَةً عَنْهُ، وَهُوَ
كَلَامُ اللَّهِ، وَإِنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ”
فصرح بأن المعتزلة قد اتفقوا على تكفيرهم
خلافاً لما ذكر الحازمي ، ثم بين أن قول الأشاعرة في القرآن أشد من قول المعتزلة
بما يجعل كفرهم أيضاً محل اتفاق ( سواءً حملناه على الأعيان أو على العموم وسيأتي
بيان أنه على الأعيان في قول العامة )
فإن قيل : لعله أراد المعتزلة قبل ظهور
القول بخلق القرآن
قلت : هو لم يفرق والمعتزلة قبل ظهور
القول بخلق القرآن لا أعلم من توقف في تكفيرهم بل إن الأزدي كفر واصل بن عطاء
وعمرو بن عبيد ويبدو أن ذلك للغلو في القدر أو مقالاتهم الأخرى
ثانيها : أن ابن تيمية _ رحمه الله _ نفسه
سماهم جهمية لما لم يكفرهم وصرح بأن مقالتهم كفرية وقد بين أن الأشاعرة في نفيهم
للعلو مخالفين للمعلوم من الدين بالضروة وأن تكفيرهم محل اتفاق
قال شيخ الإسلام في درء التعارض (3/61)
:” قلت : وكلام السلف والأئمة في تكفير الجهمية وبيان أن قولهم يتضمن التعطيل
والإلحاد كثير ليس هذا موضع بسطه
وقد سئل عبد الله ابن المبارك و يوسف بن أسباط
فأجابا بما تقدم
وقد تبين أن الجهمية عندهم من نوع الملاحدة
الذين يعلم بالاضطرار أن قولهم مخالف لما جاءت به الرسل بل إنكار صفات الله أعظم
إلحادا في دين الرسل من إنكار معاد الأبدان فإن إثبات الصفات لله أخبرت به الرسل
أعظم مما أخبرت بمعاد الأبدان
ولهذا كانت التوراة مملوءة من إثبات صفات الله
وأما ذكر المعاد فليس هو فيها كذلك حتى قد قيل : إنه ليس فيها ذكر المعاد
والقرآن فيه من ذكر أسماء الله وصفاته وأفعاله
أكثر مما فيه من ذكر الأكل والشرب والنكاح في الجنة والآيات المتضمنة لذكر أسماء
الله وصفاته أعظم قدرا من آيات المعاد فأعظم آية في القرآن آية الكرسي المتضمنة
لذلك”
قال شيخ في درء التعارض (7/27) :” وجواب
هذا أن يقال القول بأن الله تعالى فوق العالم معلوم بالاضطرار من الكتاب والسنة
وإجماع سلف الأمة بعد تدبر ذلك كالعلم بالأكل والشرب في الجنة والعلم بإرسال الرسل
وإنزال الكتب والعلم بأن الله بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير والعلم بأنه خلق
السماوات والأرض وما بينهما بل نصوص العلو قد قيل إنها تبلغ مئين من المواضع
والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة
والتابعين متواترة موافقة لذلك فلم يكن بنا حاجة إلى نفي ذلك من لفظ معين قد يقال
إنه يحتمل التأويل ولهذا لم يكن بين الصحابة والتابعين نزاع في ذلك كما تنطق بذلك
كتب الآثار المستفيضة المتواترة في ذلك وهذا يعلمه من له عناية بهذا الشأن أعظم
مما يعلمون أحاديث الرجم والشفاعة
والحوض والميزان وأعظم مما يعلمون النصوص
الدالة على خبر الواحد والإجماع والقياس وأكثر مما يعلمون النصوص الدالة على
الشفعة وسجود السهو ومنع نكاح المرأة على عمتها وخالتها ومنع ميراث القاتل ونحو
ذلك مما تلقاه عامة الأمة بالقبول
ولهذا كان السلف مطبقين على تكفير من أنكر ذلك _
يعني العلو _ لأنه عندهم معلوم بالاضطرار من الدين والأمور المعلومة بالضرورة عند
السلف والأئمة وعلماء الدين قد لا تكون معلومة لبعض الناس إما لإعراضه عن سماع ما
في ذلك من المنقول فيكون حين انصرافه عن الاستماع والتدبر غير محصل لشرط العلم بل
يكون ذلك الامتناع مانعا له من حصول العلم بذلك كما يعرض عن رؤية الهلال فلا يراه
مع أن رؤيته ممكنة لكل من نظر إليه وكما يحصل لمن لا يصغي إلى استماع كلام غيره
وتدبره لا سيما إذا قام عنده اعتقاد أن الرسول لا يقول مثل ذلك فيبقى قلبه غير
متدبر ولا متأمل لما به يحصل له هذا العلم الضروري”
وهذا إذا جمعناه مع تقريره في التفريق بين
المسائل الجلية والخفية ، ومع قوله أن العذر لا يكون عذراً إلا مع العجز عن إزالته
( وكيف يعجز عن إزالة شبهة تخالف الفطرة ) تبين لنا الأمر على وجهه وأن إطلاق بتكفير
الجهمية الأشعرية لا يختلف عن إطلاق القول بتكفير المعتزلة واللفظية والواقفة وأنه
كما أن الأمر لم يكن فيه خلاف آنذاك فليس في هؤلاء خلاف
وابن تيمية لما فرق بين النوع والعين لم
يقصد نفي التكفير ولم يفرق بين الجهمية الأوائل والجهمية المتأخرون ، والصواب أن السلف
ما كانوا يمتنعون عن إطلاق التكفير على الجهمي أبداً وإنما وقع ذلك في بعض الأعيان
كالمعتصم ممن هناك شبهة برجوعه
بل نص ابن تيمية على الأشعري نصر مقالة
جهم في الإيمان والقدر
ونص على أن الجهمية لم يكن كثير منهم
يصرحون بنفي العلو لذا كان السلف يقولون ( إنما يحاولون )
ونص على أن مقالتهم في أن الله لا داخل
العالم ولا خارجه شر من مقالة الجهمية أن الله في كل مكان
قال ابن القيم في مختصر الصواعق ص467:”
لَا تَخْلُو هَذِهِ الْأَلْفَاظُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُهَا أَنَّ ذَاتَهُ
تَعَالَى فِي كُلِّ مَكَانٍ، أَوْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ ظَاهِرَهَا، فَإِنْ كَانَ
ذَلِكَ ظَاهَرَهَا فَهُوَ قَوْلُ طَوَائِفَ مِنْ إِخْوَانِ هَؤُلَاءِ، وَهُمُ
الْجَهْمِيَّةُ الْأُولَى، الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ بِذَاتِهِ
فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَيَحْتَجُّونَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ وَمَا أَشْبَهَهَا.
وَهَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةُ
الْمُسْتَأْخِرُونَ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَيْسَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ رَبٌّ،
وَلَا عَلَى الْعَرْشِ إِلَهٌ، عَاجِزُونَ عَنِ الرَّدِّ عَلَى سَلَفِهِمُ
الْأَوَّلِ، وَسَلَفُهُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ أَثْبَتُوا لَهُ وُجُودًا
بِكُلِّ مَكَانِ، وَهَؤُلَاءِ نَفَوْا أَنْ يَكُونَ دَاخِلَ الْعَالَمِ أَوْ
خَارِجَهُ، وَالرُّسُلُ وَأَتْبَاعُهُمْ أَثْبَتُوا أَنَّهُ خَارِجَ الْعَالَمِ،
فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، فَنُفَاةُ
النَّقِيضَيْنِ لَا يُمْكِنُهُمُ الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَثْبَتَ النَّقِيضَيْنِ”
ولا يختلف السلف في تكفير من قال أن الله
في كل مكان
فقولهم في القرآن والعلو أخبث من قول
المعتزلة والجهمية الذين اتفق السلف على تكفيرهم فكيف يقال بأن أكثر أهل العلم على
القول بإسلامهم !
ثالثها : قال حرب في عقيدته التي نقل
عليها الإجماع :” والقرآن كلام الله تكلم به ليس بمخلوق، فمن زعم أن القرآن
مخلوق فهو جهمي كافر، ومن زعم أن القرآن كلام الله ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو
أكفر من الأول وأخبث قولًا، ومن زعم إن ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة
والقرآن كلام الله فهو جهمي خبيث مبتدع.
ومن لم يكفرها ولا القوم ولا الجهمية كلهم
فهو مثلهم”
ومعلوم أن قول الأشاعرة في القرآن أخبث من
هذه المقالات كلها ، وقولهم في العلو أشنع وأشنع
وقال السجزي في الرد على من أنكر الحرف
والصوت :” فقد بان بما قالوه1 أن القرآن الذي نفوا الخلق عنه ليس بعربي، وليس
له أوّل ولا آخر.
ومنكر القرآن العربي وأنه كلام الله كافر
بإجماع الفقهاء ومثبت قرآن لا أوّل له ولا آخر كافر بإجماعهم”
وهو يعني بذلك الأشاعرة وهذا إجماع لا
يمكن دفعه يؤيده كل ما سبق وممن صرح بأن مقالتهم في القرآن كفرية ابن قدامة
المقدسي وعبد الغني وابن الحنبلي واللالكائي وابن بطة وغيرهم
وقد صرح ابن تيمية بأن القول بإنكار العلو
أشد من القول بخلق القرآن وإنكار الرؤية
وقال ابن بطة في الإبانة 2237 – حدثني أبو
حفص عمر بن الحسن بن خلف ، قال : حدثنا أحمد بن حمدان العسكري ، قال : حدثنا محمد
بن مجاهد ، قال : سمعت يزيد بن هارون ، يقول : « من قال : القرآن مخلوق فهو كافر ،
ومن لم يكفره فهو كافر ، ومن شك في كفره فهو كافر »
وآثار السلف كثيرة في هذا المعنى وتقدم
نقل حرب الإجماع على هذا ، فإذا علمت أن قول الأشاعرة في القرآن أخبث من قول
المعتزلة المصرحين بخلقه وقولهم في العلو أخبث وأخبث كان إخراجهم من هذه النصوص
محض تحكم بل هو تعطيل لدلالة الآثار
قال الهروي في ذم الكلام 1295 – وسمعت
أحمد بن حمزة وأبا علي الحداد يقولون:
((وجدنا أبا العباس أحمد بن محمد
النهاوندي على الإنكار على أهل الكلام وتكفير الأشعرية. وذكرا عظم شأنه في الإنكار
على أبي الفوارس القرماسيني وهجرانه إياه لحرف واحد)).
1296 – سمعت أحمد بن حمزة يقول:
((لما اشتد الهجران بين النهاوندي وأبي
الفوارس سألوا أبا عبد الله الدينوري؛ فقال: لقيت ألف شيخ على ما عليه النهاوندي)).
وقال أيضاً 1318 – وسمعت بلال بن أبي
منصور المؤذن يقول: سمعت عمر بن إبراهيم يقول:
((لا تحل ذبائح الأشعرية؛ لأنهم ليسوا
بمسلمين، ولا بأهل كتاب، ولا يثبتون في الأرض كتاب الله)).
وقال ابن قدامة في المناظرة على القرآن :”
وَحَقِيقَة مَذْهَبهم _ يعني الأشاعرة _ أَنه
لَيْسَ فِي السَّمَاء إِلَه وَلَا فِي الأَرْض قُرْآن وَلَا أَن مُحَمَّدًا رَسُول
الله وَلَيْسَ فِي أهل الْبدع كلهم من يتظاهر بِخِلَاف مَا يَعْتَقِدهُ غَيرهم
وَغير من أشبههم من الزَّنَادِقَة وَمن الْعجب أَن إمَامهمْ الَّذِي أنشأ هَذِه
الْبِدْعَة رجل لم يعرف بدين وَلَا ورع وَلَا شَيْء من عُلُوم الشَّرِيعَة
الْبَتَّةَ وَلَا ينْسب إِلَيْهِ من الْعلم إِلَّا علم الْكَلَام المذموم”
وكون الأشاعرة يقولون بخلق القرآن أمر لا
يخفى عليهم هم أنفسهم لهذا تكلفوا تأويل نصوص الأئمة في ذلك
جاء في طبقات الحنابلة :” أَخْبَرَنَا
خالي عَلِيّ بْن البسري عَنِ ابن بطة حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ حفص بْن عُمَرَ
قَالَ: قرأ علينا أَبُو حاتم هذا الكلام وقال لنا هذا مذهبنا واختيارنا وما نعتقده
وندين اللَّه به ونسأله السلامة فِي الدين والدنيا إن الإيمان قول وعمل وتصديق
بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان مثل الصلاة والزكاة لمن كان له مال والحج لمن
استطاع إليه سبيلا وصوم شهر رمضان وجميع فرائض اللَّه التي فرض عَلِيّ عباده العمل
بها من الإيمان والإيمان يَزِيد وينقص والقرآن كلام اللَّه وعلمه وأسماؤه وصفاته
وأمره ونهيه ليس بمخلوق بجهة من الجهات ومن زعم أنه مخلوق مجعول فهو كافر كفرًا
ينتقل به عَنِ الملة ومن شك فِي كفره ممن يفهم ولا يجهل فهو كافر ومن كان جاهلا
علم فإن أذعن بالحق بتكفيره وإلا ألزم الكفر والواقفية واللفظية جهمية جهمهم أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَد بن حنبل إمامنا وإمام المسلمين واتباع الآثار عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ وعن أصحابه وعَنِ التابعين بعدهم بإحسان وترك كلام المتكلمين وترك
مجالستهم وهجرانهم وترك من وضع الكتب بالرأي بلا آثار والنظر فِي موضع بدعتهم
والتمسك بمذاهب أهل الأثر مثل أبي عَبْد اللَّه أَحْمَد بن محمد بْنِ حنبل وذكر
الاعتقاد بطوله”
قال ابن تيمية في النبوات ص616 :” ومن
خالف الكتاب والسنة لم يكن كلامه إلا باطلاً؛ فالكلام الذي ذمّه السلف يُذمّ لأنّه
باطل، ولأنّه يُخالف الشرع5.
الشافعي وأحمد ذمّا كلام الجهمية
من الناس من ظن أن السلف أنكروا كلام
القدرية فقط
ولكنّ لفظ الكلام لمّا كان مجملاً، لم
يعرف كثيرٌ من الناس الفرق بين الكلام الذي ذموه، وغيره؛ فمن الناس من يظن أنّهم
إنّما أنكروا كلام القدرية فقط؛ كما ذكره البيهقي
وابن عساكر1 في تفسير كلام الشافعيّ،
ونحوه؛ ليُخرجوا أصحابهم عن الذمّ، وليس كذلك؛ بل الشافعي أنكر كلام الجهمية؛ كلام
حفص الفرد، وأمثاله2، وهؤلاء كانت منازعتهم في الصفات، والقرآن، والرؤية، لا في
القدر. وكذلك أحمد بن حنبل خصومه من أهل الكلام هم الجهمية”
ثم قال ابن تيمية :” ولهذا يُصرّح
أحمد، وأمثاله من السلف بذمّ الجهميّة، بل يكفرونهم أعظم من سائر الطوائف”
وهذا نص نفيس لابن تيمية يبين فيه أن
البيهقي وابن عساكر حاولا تأويل نصوص الشافعي في تكفير حفص الفرد ليخرجوا أصحابهم
الأشعرية الجهمية من الذم ، ثم نزل ابن تيمية تكفير أحمد للجهمية أكثر من أي طائفة
أخرى على أشعرية عصره
ولا شك أن مناط تكفير الجهمية قد توفر في
القوم كما تقدم شرحه فكيف إذا علمت أنهم نصروا مقالة جهم في الإيمان والقدر
فكيف إذا علمت أن كثيراً من متأخريهم
قبوري والله المستعان
إذا فهمت هذا علمت أن تنزيل الشيخ ابن
سحمان كلام السلف في الجهمية على أشاعرة دبي وأبي ظبي كان من عظيم من فقهه
وأن قول الشيخ عبد الرحمن بن حسن في
الأشاعرة :” فإن أبا الحسن الأشعري صرح في كتابيه الإبانة والمقالات بإثبات
الصفات الطائفة المنحرفة عن الحق قد تجردت شياطينهم لصد الناس عن سيبل فجحدوا
توحيد الله في الإلهية وأجازوا الشرك الذي لا يغفره فجوزوا أن يعبد غيره من دونه
وجحدوا توحيد صفاته بالتعطيل فالأئمة من أهل السنة وأتباعهم لهم المصنفات المعروفة
في الرد على هذه الطائفة الكافرة المعاندة كشفوا فيها كل شبهة لهم وبينوا فيها
الحق الذي دل عليه كتاب الله وسنة رسوله وما عليه سلف الأمة وأئمتها من كل إمام”
لا إشكال فيه البتة
وقال الإمام المجدد كما في الدرر السنية (1/113)
:” فإذا كان الله قد أنكر عبادة من لا يملك لعابده نفعا ولا ضرا، فمعلوم أن
هذا يستلزم العلم بحاجة العباد، ناطقها، وبهيمها ; وتستلزم القدرة على قضاء
حوائجهم، ويستلزم الرحمة الكاملة، واللطف الكامل، وغير ذلك من الصفات ; فمن أنكر
الصفات، فهو معطل، والمعطل شر من المشرك؛ ولهذا كان السلف، يسمون التصانيف، في
إثبات الصفات: كتب التوحيد، وختم البخاري صحيحه بذلك، قال: كتاب التوحيد ; ثم ذكر
الصفات، بابا، بابا.
فنكتة المسألة: أن المتكلمين يقولون: التوحيد
لا يتم إلا بإنكار الصفات، فقال أهل السنة: لا يتم التوحيد إلا بإثبات الصفات،
وتوحيدكم، هو التعطيل؛ ولهذا آل هذا القول ببعضهم إلى إنكار الرب تبارك وتعالى،
كما هو مذهب ابن عربي، وابن الفارض، وفئام من الناس، لا يحصيهم إلا الله.
فهذا بيان لقولك: هل مراده الصفات؟ أو
الأفعال؟ فبين السلف: أن العبادة إذا كانت كلها لله عن جميع المخلوقات، فلا تكون
إلا بإثبات الصفات، والأفعال ; فتبين أن منكر الصفات، منكر لحقيقة الألوهية، لكن
لا يدري ; وتبين لك أن من شهد أن لا إله إلا الله، صدقا من قلبه، لا بد أن يثبت
الصفات، والأفعال، ولكن العجب العجاب: ظن إمامهم الكبير، أن الألوهية، هي القدرة،
وأن معنى قولك: لا إله إلا الله، أي: لا يقدر على الخلق إلا الله!
إذا فهمت هذا تبين لك عظم قدرة الله، على
إضلال من شاء، مع الذكاء، والفطنة، كأنهم لم يفهموا قصة إبليس، ولا قصة قوم نوح،
وعاد، وثمود، وهلم جرا، كما قال شيخ الإسلام، في آخر الحموية: أوتوا ذكاء، وما
أوتوا زكاء، وأوتوا علوما، وما أوتوا فهوما، وأوتوا سمعا، وأبصارا، وأفئدة {فَمَا
أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ
إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ
يَسْتَهْزِئُونَ} [سورة الأحقاف آية: 26] . والله أعلم”
وقال مخاطباً بعض الأشاعرة كما في الدرر
السنية (1/53) :” وأنا أدعوك إلى التفكر في هذه المسألة، وذلك أن السلف قد
كثر كلامهم، وتصانيفهم في أصول الدين، وإبطال كلام المتكلمين، وتفكيرهم، وممن ذكر
هذا من متأخري الشافعية: البيهقي، والبغوي، وإسماعيل التيمي، ومن بعدهم، كالحافظ
الذهبي; وأما متقدموهم: كابن سريج، والدارقطني، وغيرهما، فكلهم على هذا الأمر؛
ففتش في كتب هؤلاء، فإن أتيتني بكلمة واحدة أن منهم رجلا واحدا لم ينكر على
المتكلمين، ولم يكفرهم، فلا تقبل مني شيئا أبدا; ومع هذا كله، وظهوره غاية الظهور،
راج عليكم حتى ادعيتم أن أهل السنة هم المتكلمون; والله المستعان”
وأنا أتحدى كما تحدى الإمام المجدد أن
يأتوا بكلمة واحدة في أن قول القوم ليس كفراً عن عالم معتبر
تنبيه : وقفت على كلام للحازمي يدل على تراجعه عن القول المنتقد
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم