تعقيب على أبي طلحة البرهومي في مسألة حبوط العمل بعدم الهجرة

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

سئل أبو طلحة البرهومي في موقعه هذا السؤال :

هل اقامة المسلمين بين الكفار في بلاد الكفر تحبط اعمالهم من صلاة وصوم
و زماة وحج وعيرها من الاعمال الصالحة?مع دليل من فضلكم

فأجاب وفقه الله : ليس كما ذكرت أنها تحبط عملهم من صلاة و صيام
…بل الإثم واقع على الفاعل لمخالفته لأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم إن لم يكن
من الذين يجوز لهم الإقامة كطالب العلاج لعدم توفوره ببلد المسلمين أو المتعلم لعلم
لا يوجد عند المسلمين للاستفادة منه أو العالم للدعوة إلى الله و الله أعلم.

أقول : بل الأمر كما ذكر في حال الآثم في مقامه في بلد الكفار

قال النسائي في سننه [  2567 ]:

 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ سَمِعْتُ بَهْزَ بْنَ حَكِيمٍ
يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا أَتَيْتُكَ
حَتَّى حَلَفْتُ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِهِنَّ لِأَصَابِعِ يَدَيْهِ أَلَّا آتِيَكَ وَلَا
آتِيَ دِينَكَ وَإِنِّي كُنْتُ امْرَأً لَا أَعْقِلُ شَيْئًا إِلَّا مَا عَلَّمَنِي
اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِوَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا بَعَثَكَ
رَبُّكَ إِلَيْنَا قَالَ بِالْإِسْلَامِ قَالَ قُلْتُ وَمَا آيَاتُ الْإِسْلَامِ قَالَ
أَنْ تَقُولَ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَخَلَّيْتُ وَتُقِيمَ
الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ كُلُّ مُسْلِمٍ عَلَى مُسْلِمٍ مُحَرَّمٌ أَخَوَانِ
نَصِيرَانِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مُشْرِكٍ بَعْدَمَا أَسْلَمَ عَمَلًا
أَوْ يُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ

وموطن الشاهد قوله ( لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مُشْرِكٍ
بَعْدَمَا أَسْلَمَ عَمَلًا أَوْ يُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ)

ففي الحال يأثم فيها يكون عمله حابطاً ، وأما الحال أجازها جماعة من
أهل العلم وهي أن يقيم بين المشركين إذا أمن على دينه ، وكان بإمكانه إقامة شعائر الدين
فهذه عند من لا يمنع منها لا إثم فيها ولا حبوط عمل

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب كما في كتاب الإيمان
والرد أهل البدع :” وأما الهجرة المستحبة، وهي الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام
إذا كان مظهرا لدينه، وقد أمن الفتنة على نفسه ودينه فهذا هجرته مستحبة، وكذلك من هو
بين ظهراني بعض البوادي الملتزمين لشرائع الإسلام المجتنبين لما حرمه الله عليهم من
سفك الدماء ونهب الأموال وغيرها، ولا يوجد عندهم من يجاهر بالمعاصي، فالهجرة حينئذ
من بينهم مستحبة، وفيها فضل عظيم، وثواب جزيل لتعلم الخير وإقامة الجمعة وغير ذلك من
المصالح التي يعرفها من نور الله قلبه، ورزقه البصيرة”

وليعلم أن من أهم شعائر الدين التي ينبغي إظهارها تكفير أهل الإشراك
فإن لم يستطع ذلك فليس مقيماً لشعائر دينه

قال عبد الرحمن بن بن حسن في الإيمان ص165 :

” (القسم الثاني): الهجرة من كل بلد تظهر فيها شعائر الشرك وأعلام
الكفر، ويعلن فيها بالمحرمات. والمقيم فيها لا يقدر على إظهار دينه والتصريح بالبراءة
من المشركين وعداوتهم، ومع هذا يعتقد كفرهم وبطلان ما هم عليه؛ لكن إنما جلس بين ظهرانيهم
شحا بالمال والوطن، فهذا عاص ومرتكب محرما، وداخل في حكم الوعيد

 قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ
تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا
كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً
فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً} إلى قوله:
{فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً}.
فلم يعذر الله إلا المستضعف الذي لا يقدر على التخلص من أيدي المشركين، ولو قدر ما
عرف سلوك الطريق وهدايته إلى غير ذلك من الأعذار، وقال صلى الله عليه وسلم “من
جامع المشرك أو سكن معه فإنه مثله”4، فلا يقال: إنه بمجرد المجامعة، والمساكنة
يكون كافرا بل المراد أن من عجز عن الخروج من بين ظهراني المشركين، وأخرجوه معهم كرها
فحكمه حكمهم في القتل، وأخذ المال، لا في الكفر”

فالنفي المطلق لحبوط العمل من عدم الهجرة من بلاد المشركين لا ينبغي
لأنه قد ورد خبر ثابت في المسألة والذي ينبغي التفصيل والبيان

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم