قال فالح الحربي في تسجيل صوتي له في التحذير من صالح المغامسي :” أيضاً سمعت له كلاماً سيئاً في تفسير سورة يوسف وأن الذي قال ( ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الخائنين وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) أنه من قول يوسف
وقال هذا بجرأة وهذا باطل ليس هذا من قول يوسف وهذا كتبنا في هذا كتاباً موجود على الشبكة وهو ( رد المقال المجحف بنسبة ما لا يليق بني الله يوسف “
أقول : أما المغامسي فقد نفضنا أيدينا منه منذ زمن ، ولو أن فالحاً حكى قولين للمفسرين ورجح أحدهما لهان الأمر ، ولكنه يتهم مخالفه بأنه قال الباطل ، وأنه نسب الأنبياء إلى ما لا يليق
وهذا القول الذي وصفه فالح بكل تلك الأوصاف المنفرة هو قول عامة السلف !
بل لم ينقل الطبري وابن أبي حاتم وعبد الرزاق عن السلف قولاً غيره وإليك البيان
قال ابن أبي حاتم في تفسيره 12547: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، ثنا أَبِي، ثنا عَمِّي، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيَدَ الْخَائِنِينَ ” : هُوَ قَوْلُ يُوسُفَ لِمَلِيكِهِ، حِينَ أَرَادَ اللَّهُ عُذْرَهُ، فَذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ هَمَّ بِهَا وَهَمَّتْ بِهِ”.
12548: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، ثنا الْحُسَيْنُ، ثنا عَامِرٌ، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: “قَالَ يُوسُفُ: وَقَدْ جِيءَ بِهِ: ” ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ” ، فِي أَهْلِهِ ” وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيَدَ الْخَائِنِينَ ” “.
12549: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَمَةَ، ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ،”قَالَ يُوسُفُ: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أُطَيْفِيرُ سَيِّدُهُ ” أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ” ، أَيْ: لَمْ أَكُنْ لأُخَالِفَ إِلَى أَهْلِهِ مِنْ حَيْثِ لا يَعْلَمُ: ” وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيَدَ الْخَائِنِينَ “
أما السند الأول عن ابن عباس فهو سند العوفيين وهو ضعيف
وأما الخبر إلى السدي وابن إسحاق فهو ثابت
قال ابن أبي حاتم في تفسيره 12550: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِصَامٍ الأَنْصَارِيُّ، ثنا أَبُو أَحْمَدَ، ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “هَذَا قَوْلُ يُوسُفَ: ” ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ” ، فَغَمَزَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: وَلا حِينَ هَمَمْتَ ؟ فَقَالَ: ” وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ “
وقال ابن أبي حاتم أيضاً 12552: حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا أَبُو الْوَلِيدِ، ثنا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ” ” ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ” ، قَالَ: خَشِيَ نَبِيُّ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ زَكَّى نَفْسَهُ، فَقَالَ: ” وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ” “.
وهذا سند صحيح
وقال الطبري في تفسيره (16/ 142) :” يقول يوسف صلوات الله عليه: وما أبرئ نفسي من الخطأ والزلل فأزكيها=(إن النفس لأمارة بالسوء)، يقول: إن النفوسَ نفوسَ العباد، تأمرهم بما تهواه، وإن كان هواها في غير ما فيه رضا الله=(إلا ما رحم ربي) يقول: إلا أن يرحم ربي من شاء من خلقه ، فينجيه من اتباع هواها وطاعتها فيما تأمرُه به من السوء “
ونقل الطبري هذا القول عن سعيد بن جبير وعكرمة وابن أبي الهذيل وأبي صالح وقتادة وغيرهم ولم ينقل سواه
وهو اختيار البغوي أيضاً
فهل كل هؤلاء يا فالح الحربي لا ينزهون الأنبياء وأهل جرأة ويتكلمون بالباطل ؟
فإن قيل قد قال ابن كثير في تفسيره (4/ 393) :” وهذا القول هو الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصة ومعاني الكلام. وقد حكاه الماوردي في تفسيره، وانتدب لنصره الإمام العلامة أبو العباس ابن تَيميَّة، رحمه الله، فأفرده بتصنيف على حدة
وقد قيل: إن ذلك من كلام يوسف، عليه السلام، من قوله: { ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ } في زوجته { بِالْغَيْبِ } الآيتين أي: إنما رَدَدْتُ الرسول ليعلم الملك براءتي وليعلم العزيز { أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ } في زوجته { بِالْغَيْبِ } { وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ } [الآية] وهذا القول هو الذي لم يحك ابن جرير ولا ابن أبي حاتم سواه.
وقال ابن جرير: حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا وَكِيع، عن إسرائيل، عن سِمَاك، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس قال: لما جمع الملك النسوة فسألهن: هل راودتن يوسف عن نفسه؟ { قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ } قَالَ يُوسُفُ { ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ [وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ] } قال: فقال له جبريل، عليه السلام: ولا يوم هممت بما هممت به. فقال: { وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ }
وهكذا قال مجاهد، وسعيد بن جُبَيْر، وعكرمة، وابن أبي الهُذَيل، والضحاك، والحسن، وقتادة، والسُّدي. والقول الأول أقوى وأظهر؛ لأن سياق الكلام كله من كلام امرأة العزيز بحضرة الملك، ولم يكن يوسف، عليه السلام، عندهم، بل بعد ذلك أحضره الملك”
فيقال ابن كثير غير فالح الحربي فابن كثير إنما رجح ولم يسفه الآخرين ، والصواب ترجيح ما عليه عامة السلف وهم أعلم بالسياق ، ومن كان موجوداً ممن لم يكن موجوداً ، وابن كثير _ رحمه الله _ لم ينسب هذا القول لمتقدم
وقد نظرت في رسالة فالح المذكورة ، فوجدته اعتمد على ابن العربي المالكي ، ولو كان ابن العربي سلفياً محضاً لما جاز تقديم كلامه على كلام السلف ، فكيف وهو عنده مشاكل كثيرة في العقيدة وأشعرية بينة ، وقد جعله شيخ الإسلام من طبقة ابن حزم في الانحراف عن السنة ، وصرح بأنه يوافق الجهمية في بعض أصولهم وأنه لم تكن له خبرة بمذاهب السلف
قال شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل (7/34) :” فإن قيل قلت إن أكثر أئمة النفاة من الجهمية والمعتزلة كانوا قليلي المعرفة بما جاء عن الرسول واقوال السلف في تفسير القرآن وأصول الدين وما بلغوه عن الرسول ففي النفاة كثير ممن له معرفة بذلك
قيل هؤلاء أنواع نوع ليس لهم خبرة بالعقليات بل هم يأخذون ما قاله النفاة عن الحكم والدليل ويعتقدونها براهين قطعية وليس لهم قوة على الاستقلال بها بل هم في الحقيقة مقلدون فيها وقد اعتقد أقوال أولئك فجميع ما يسمعونه من القرآن والحديث
وأقوال السلف لا يحملونه على ما يخالف ذلك بل إما أن يظنوه موافقا لهم وإما أن يعرضوا عنه مفوضين لمعناه
وهذه حال مثل أبي حاتم البستي وأبي سعد السمان المعتزلي ومثل أبي ذر الهروي وأبي بكر البيهقي والقاضي عياض وأبي الفرج ابن الجوزي وأبي الحسن علي بن المفضل المقدسي وأمثالهم
والثاني من يسلك في العقليات مسلك الاجتهاد ويغلط فيها كما غلط غيره فيشارك الجهمية في بعض أصولهم الفاسدة مع أنه لا
يكون له من الخبرة بكلام السلف والأئمة في هذا الباب ما كان لأئمة السنة وإن كان يعرف متون الصحيحين وغيرهما
وهذه حال أبي محمد بن حزم وأبي الوليد الباجي والقاضي أبي بكر بن العربي وأمثالهم
ومن هذا النوع بشر المريسي ومحمد بن شجاع الثلجي وأمثالهما “
بل ابن العربي يصرح بتقديم العقل على النقل ، وقد عاب على الجويني استدلاله بالسمع على نفي الآفات عن الله عز وجل ، وصرح أن المعول على العقل
قال ابن العربي في قانون التأويل 461 :” وتعجبوا من رأس المحققين _ يعني الجويني _ يعول في نفي الآفات على السمع ولا يجوز أن يكون السمع طريقاً إلى معرفة الباري ولا شيء من صفاته لأن السمع منه “
وهذه العبارة السيئة واضحة في أن النصوص لا يعتمد عليها في باب الصفات وهذا عين التجهم ، ويصف الجويني الأشعري بأنه رأس المحققين مما يدل على أنه على مذهبه ، والجويني والرازي لهما مذهب خبيث في أن العقل لا يدل على نفي النقائص عن الله عز وجل فيعولون في هذا الباب على السمع على غير عادتهم
وقد افترى ابن العربي في كتابه العواصم على القاضي أبي يعلى انه قال ( اعفوني من كل شيء إلا الحية والفرج ) ورد عليه شيخ الإسلام في درء التعارض ، وقد نقله ابن العربي عمن لا تعرف عدالته
وكذلك قوله ( الاستواء له خمسة عشر معنى ) رد عليه ابن القيم في الصواعق
وله اختيار غريب وهو أنك عند تكبيرة الإحرام تتذكر أدلة الحدوث ما يجوز على الله وما لا يجوز ، وقد انتقده بعض فقهاء المالكية
قال القرافي في الذخيرة :” مثل هذه الهفوة قول القاضي أبي بكر من أصحابنا أنه يلزمه عند الإحرام أن يذكر حدث العالم وأدلته وإثبات الأعراض واستحالة عرو الجواهر عنها وإبطال حوادث لا أول لها وأدلة العالم بالصانع وإثبات الصفات وما يجب له تعالى وما يستحيل وما يجوز وأدلة المعجزة وتصحيح الرسالة ثم الطرق التي بها وصل التكليف إليه قال وحكى المازري أردت اتباع كلام القاضي عند إحرامي فرأيت في منامي كأني أخوض في بحر من ظلام فقلت هذه والله الظلمة التي قالها القاضي أبو بكر”
والحربي إذا تكلم في مسألة السمع والطاعة قال ( الحافظ ابن حجر لا يؤخذ منه العقيدة ) فهلا قال هذا في ابن العربي والأشاعرة الذين ينزهون الأنبياء حتى عن الصغائر ، وقولهم هذا مخالف لقول السلف
وقد رأيت كتابة لسفيه من سفهاء الأثري يتعقبني في هذا المقال
وقد نقلت ترجيح شيخ الإسلام _ رحمه الله _ وأن قول السلف هو الأرجح وأن قول ابن تيمية لم أجد أحداً من السلف قال به وأنه لا ينبغي وصف التفسير الذي صح عن الصحابة والتابعين بأنه تعدي على الأنبياء
ومن تكثر بشيخ الإسلام لمخالفه أن يتكثر بالصحابة والتابعين والطبري والبغوي
ثم إن الاعتماد على رجل أشعري أو رجل لا تعرف عقيدته ك ( السبتي الأموي ) جهل
وتسمية رجل عاش في الخمسمائة متقدماً تدل على جهل الرجل بمصطلحات أهل العلم فلو جاء في الثلاثمائة من خالف تفسير عامة التابعين لما كان لأحد أن يتبعه
فضلاً عن تسمية السلف ب( السفهاء ) و ( الأغبياء )
بل الأموي مصنف ( تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء ) أشعري المعتقد
فقد قال في كتابه هذا :” فَمَا ظَنك بالمعصومين المنزهين عَن الْخَطَايَا تَنْزِيه الْوُجُوب”
وهذا عقد الأشاعرة
وقال في كتابه هذا أيضاً :” إِن بعض الْأَئِمَّة ذكرُوا أَن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على عصمَة بواطنهم من كل خاطر وَقع فِيهِ النَّهْي”
وهذا لا يقول به شيخ الإسلام بل أنه قال :” لهذا وقع الفرق بين هم يوسف عليه السلام وهم امرأة العزيز كما قال الإمام أحمد: ” الهم همان: هم خطرات، وهم إصرار، فيوسف عليه السلام هم هماً تركه لله
فأثيب عليه، وتلك همت هم إصرار ففعلت ما قدرت عليه من تحصيل مرادها وإن لم يحصل لها المطلوب “
وأما هذا فينزه حتى عن الخطرة في النفس ، والذي يخطر بباله شيء ولم تكن فيه شهوة لا يكون لاستعفافه ذلك الأثر ، وإنما العفة العفة التي تكون مع قوة الدواعي
والذي شنع على المخالف هو شيخكم الجاهل والذي جعل اختيار قول عامة السلف بل الذي لم يذكر الطبري وابن أبي حاتم والبغوي غيره سبباً في جرح الناس
فبدلاً من التعصب والانحياز للشيخ
قل لنفسك قبل أن تلزمني بالطعن في شيخ الإسلام :” هل يوصف بالجرأة والسفه والغباء كل من ابن عباس وعكرمة والحسن البصري والسدي والطبري والبغوي وابن أبي حاتم والضحاك وقتادة وغيرهم ؟”
وهل يجوز الإنكار على مسلم أخذ بكلام هؤلاء وجعل ذلك سبباً لجرحه ؟
هذا موطن البحث يا أخي
وهل يجوز أن نستدل بابن العربي وابن السبتي الأموي على تبديع أو تضليل أو التشنيع على من يأخذ بتفاسير هؤلاء ؟
شيخ الإسلام على العين والرأس ولكن إذ وجدنا السلف مجتمعين على شيء لم يسعنا العدول عن قولهم
بل السياق يدل على أن المتكلم يوسف عليه السلام فإنه قال ( وما أبريء نفسي ) وامرأة العزيز قد أدانت نفسها أصلاً فما فائدة قولها ( وما أبريء نفسي ) إنما يقول هذه الكلمة من لم تثبت عليه أي إدانة فيقولوها على سبيل التواضع لله عز وجل وإلا فمما لا يختلف فيه أنه عليه الصلاة والسلام استعصم وكان بذلك الاستعصام مأجوراً
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم