تصنيف البخاري للصحيح والتاريخ الكبير

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

كل من يستكثر على البخاري تصنيف الصحيح

فعليه أن ينظر في التاريخ الكبير للبخاري هذا الكتاب أعسر من تصنيف الصحيح بمائة مرة ومع ذلك أتقنه البخاري

كتاب التاريخ ترجم فيه البخاري لكل من روى الحديث في طبقة الصحابة والتابعين وأتباع التابعين والآخذين عنهم

ورتبهم على أحرف الهجاء وذكر شيوخ كل واحد وتلاميذه واذا كان لم يرو إلا حديثا واحدا فالبخاري يذكر هذا الحديث بل بعضهم ما روى حديثا وإنما روى أثرا عن صحابي أو تابعي ومع ذلك لا يهمله البخاري ويتكلم على كثير منهم جرحا وتعديلا ويذكر أحيانا ما قاله الأئمة فيهم

فإن قلت : كيف عرفت أن البخاري أتقن كتابه ؟

أقول لك : من تخريج مئات الأحاديث وقراءة آلاف التخريجات فلا يكاد البخاري يقول فلان روى عن فلان وروى عنه فلان إلا ونجد هذه الرواية في واحد من مصادر الحديث المسندة فلا يعقل أن يكون البخاري تواطأ مع مئات المصنفين في الحديث ليوردوا في كتبهم ما يوافق ما في تاريخه مما يدل على ضبطه وإتقانه في آلاف التراجم

وقد قام ابن أبي حاتم بنقد ما وقع للبخاري من غلط في التاريخ فكان يسيرا جدا أمام الصواب الغالب الغامر فحين تترجم لآلاف الأشخاص ولا يوجد إلا أقل من خمسين خطأ وقد يكون قولك صوابا فيها وكثير منها غير مؤثر فهذا برهان إتقان

يزداد الأمر وضوحا اذا علمت أن الطبري المعدود من أقران البخاري وتلاميذه روى في تفسير الفاتحة والبقرة فقط ٦٥٠٠ رواية ومعلوم أن صحيح البخاري مع المكرر لا يبلغ ٨٠٠٠ حديثا مع وجود مصنفات حديثية كثيرة انتفع بها البخاري مع ما له من سعة الحفظ مثل تصانيف شيخه أحمد وشيخه إسحاق وشيخه الحميدي وشيخه ابن المديني وغيرهم وتصانيف مالك والشافعي وابن المبارك وغيرهم

والبخاري ليس فريدا فهناك أصحاب الكتب الستة والذين تشترك مادتهم مع مادة الصحيح بشيء كبير ولكن تميز البخاري أن كتابه أصحها جميعا وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء