فإن الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب قد عانى من أصناف عدة في دعوته التجديدية
وكان رحمه الله يحسن تسلية نفسه بما معه من غزير العلم
ومن ذلك فصل له نفيس في تفسير قوله تعالى : ( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ
أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى
يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَقِيمُوا
الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ
عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) تكلم فيه عن الذين يعادون
دعوة الحق لا لشبهة ولكن حسداً لمن حملها
قال الإمام المجدد كما في مجموع مؤلفاته (5/ 26) :” وقوله تعالى:
{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ
كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ
فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ
مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}
فيه مسائل:
الأولى: كون أناس ينتسبون إلى العلم والدين يجري منهم هذا عمدا جراءة على
الله. وما أكثر من ينكر هذا!
الثانية: التنبيه على كثرة هذا الصنف.
الثالثة: كون المنتسب إلى العلم يقتضي إضلال غيره إذا عجز عنه.
الرابعة: أن سبب هذا الأمر الغريب هو الحسد، لا خوف مضرة، ولا طلب مصلحة.
الخامسة: أن المنتسب إلى العقل والعلم قد يسعى فيما يعلم أنه مصلحة لدنياه
ليزيله، وفيما يعلم أنه مضرة لدنياه ليأتي به، فإنهم يعلمون أن زوال المفاسد وحصول
المصالح في هذا الدين، وكانوا يستفتحون به قبل مجيئه على من ظلمهم، فلما جاءهم حملهم
الحسد على ما ذكر.
السادسة: أن الحسد قد يكون سببا للكفر كما وقع لهؤلاء ولإبليس.
السابعة: ذكر العفو الذي هو من أسباب العز وقهر الخصم، كما ورد في الحديث.
الثامنة: الرفق في الأمر وفعله بالتدريج كما فعل عمر بن عبد العزيز.
التاسعة: أنه سبحانه يمهل ولا يهمل.
العاشرة: الإشعار بالنسخ قبل وقوعه.
الحادية عشرة: تسلية المظلوم المحسود.
الثانية عشرة: التنبيه على العلة.
الثالثة عشرة: أن الظالم الحاسد يذله الله كما جرى الهؤلاء إلى يوم القيامة.
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فيه:
الرابعة عشرة: وهي الاستدلال بالصفات على الأفعال.
الخامسة عشرة: وهي الاستدلال بالقدرة على ما لا يظن وقوعه.
السادسة عشرة: وهي الاستدلال بها على جعل العفو سببا لعز العافي وذلة المعفو
عنه، عكس ما يظن الأكثر. وأما الاستدلال بها على ما كذب به الجهال استبعادا مثل عذاب
القبر وغيره، أو مثل الصراط والميزان وغيرهما، أو ما يجري في الدنيا من تبديل الأحوال
من الغنى إلى الفقر وضده، ومن الذل إلى العز وضده، فأكثر من أن يحصر.
ولكن من أحسن ما فيها المسألة السابعة عشرة: وهي: تنبيه أعلم الناس على
أشكل المسائل بقوله: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} والله سبحانه وتعالى
أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا; كلما ذكره الذاكرون وغفل
عن ذكره الغافلون” انتهى كلامه
وقال الله تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا لَوْ
كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ
هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ )
فجعل علة تركهم للإيمان كبرهم عن أن يكونوا تابعين لأناس يحتقرونهم في
الحق ، فآثروا أن يكونوا رؤوساً في الضلال على أن يكونوا تابعين في الحق
وإذا كان الحسد والكبر قد حملا المشركين على الكفر بالله وجحد الحق الظاهر
، فلا عجب أن يحمل بعض هذه الأمة على الابتداع والخذلان
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم