تساؤلات حول تتويج الملك تشارلز
هناك مقال نشرته صحيفة التايم بعنوان: (إليك ما نعرفه عن التكلفة الباهظة لتتويج الملك تشارلز الثالث).
المقال طرح عدة أفكار أود الوقوف عندها، وقبل ذلك رأيت تعليقات لكثيرين يتحدثون عن حضور الرموز الدينية في تتويجه، وفي الواقع أن هؤلاء لا ينظرون للنصرانية كما ننظر نحن للإسلام، فهي عندهم إرث ثقافي ليس من الضرورة أن يعبر هذا الإرث عن إيمان ينتج عنه عمل، ولكن استحضار الإرث الثقافي يعني استحضار الخصوصية الثقافية ولو بالجملة، واستحضار العداوات القديمة والحديثة والإنسان الغربي كان ولم يزل يرى نفسه النموذج الذي ينبغي أن تحتذي به البشرية قديماً كان يعبد إنساناً يزعم أنه إله، ثم صار أكثر صراحة حين أله نفسه، وطالب جميع البشرية بانتهاج نهجه في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقراءة إرثهم الديني من خلال نظرته هذه، ثم يخرج لك لسانه ساخراً ويقول: لا فرق بين البشر على أساس العرق (يعني ما داموا متمسكين بالقيم الغربية التي هي عرق في النهاية)!
نحن نحترم دينك، ولكن سنحرم عليك الحلال في دينك ونحل لك الحرام وإن خالفتنا فأنت رجعي، ومع ذلك نحن نحترم جميع الأديان.
والآن لنأتي للمقال والأفكار الواردة فيه:
الفكرة الأولى: أن حفل التتويج كلف 125 مليون دولار، وهي حفل أصغر من حفل تتويج الملكة السابقة مراعاةً للأزمة المعيشية في بريطانيا، ومع ذلك تبقى التكلفة باهظة، مع أن مئات الآلاف العمال في بريطانيا (من بينهم أطباء وسائقي قطارات ومعلمين) أضربوا عن العمل مطالبين بزيادة الأجور لمواجهة التضخم.
أقول: أنا هنا لا أهجو نظاماً لأمدح الأنظمة العربية فإنها ليست محل مدح، ولكنني أود التنبيه على أنه تمت برمجتنا على عدم مشاهدة صور الفساد الناعم الموجودة في الغرب، بينما ننتنبه للأمر بقوة إن وجد في مجتمعاتنا، هذا الإجراء البروتوكولي كان يمكن أن يلغى من الأساس أو يقلص بشكل يسير، ولكنهم يتعاملون مع هذه الأمور بصرامة وكأنها توقيفية، ثم تجد بعض الناس يستشكل الفائدة في أمور شرعية مثل بناء المساجد وغيرها مع أن فائدتها الأخروية متحققة بخلاف هذه الأمور.
الواقع أن الدولة اليوم كيان موازي للدين وله طقوسه التي ينبغي أن تؤدى.
الفكرة الثانية: تكلم غراهام سميث الرئيس التنفيذي للجماعة المناهضة للنظام الملكي، ومؤلف الكتاب القادم “إلغاء الملكية” عن هذا البذخ بتنديد، وتحدث عن أن هذا المال كله من دافعي الضرائب، وأن الناس كثير منهم يلجأ إلى بنوك الطعام، ومنهم من لا يجد مأوى، والشرطة لا يمكنها ضبط الأمن، وقال ماذا لو وجهنا هذا المبلغ إلى الصحة الوطنية أو الشرطة؟ يقول هذا المبلغ ينفق للاحتفاء برجل واحد بينما يمكنه أن ينقذ مئات الآلاف.
أقول: حجته هنا قد تنعكس على كثير من المهرجانات السينمائية والرياضية وأبحاث الفضاء وغيرها وغيرها، ولكن الرأسمالية أقنعت الناس أن الترفيه ضرورة.
ثم ما الذي مكن الدولة من هذا؟
أليس وجود نظام ضريبي يتستر تحت ستار (الخدمات)، والواقع أن ما يؤخذ من الناس زائد على الخدمات، بدليل أن هناك مبلغاً فائضاً لموكب ب100 مليون دولار، النظام الضريبي المعاصر هو حيلة يستخدمها الساسة ليجعلوا أفراد الشعب ينفقون عليهم، لهذا حرمت المكوس في الإسلام (وفي مذاهب أهل الحديث ولي الأمر يأخذ الأموال الظاهرة في الزكاة من الأنعام والزروع، ويأخذها من أعيان هذه الأشياء حتى إذا أراد بيعها حصل بهذه حركة في السوق تفيد بنزول السعر لأجل التداول وكسر الاحتكار، وأما الأموال الباطنة الذهب والفضة فتركت للناس لئلا يتكدس ما يسمى بالمال العام ثم بعدها ما أيسر الفساد وما أنفعه).
الفكرة الثالثة: تكلم المقال عن حجة المؤيدين لهذا التتويج وأنها لحظة تاريخية، وبينوا أن الأسرة الملكية يمكنها أن تتحمل تكاليف التتويج من نفسها لأن عندها مصادر دخل خاصة من المنحة السيادية (وهي محفظة عقارية بمليارات الدولارات)، وعندهم مصدر دخل ثاني، ومع ذلك حفل التتويج تحمله الشعب لأنه حدث رسمي وليس حدثاً خاصاً بالأسرة المالكة، واستغرب جداً بوب موريس كبير الباحثين الفخريين في وحدة الدستور في جامعة كوليدج لندن من مطالبة الملك بدفع مراسم تتويجه، وقال أنه لا يوجد رئيس دولة يعمل بهذه الطريقة.
أقول: الأسرة المالكة ما العمل الذي تعمله؟
في عالم يرفض فيه بشدة التفريق بين الناس على أساس دينهم يوجد فئة قليلة من الناس تمتلك المليارات والجاه لاعتبارات النسب دون أن يطالبوا بأي واجبات مالية تجاه الناس (إذ لا وجود في دينهم للزكاة أو نحوها)، ربما ضرائب عامة يتم استردادها من خلال المناسبات الرسمية.
مع كل هذه الأمور التي ستكون محل نقد عند كثير من الحداثيين والليبراليين والنسويات إلا أنهم لا يمكنهم إنكار فضل بريطانيا في نشر القيم التي يقولون بها، ومع ذلك حين ينظرون للتاريخ الإسلامي ويرون تقديرنا لمجموعة من الدول التي نشرت الدين مع نقدنا لمخالفاتها يرون ذلك ضرباً من التناقض.