{وإذ قلتم ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون * ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون} [البقرة: 55، 56].
{وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون * فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون} [البقرة: 72، 73].
{ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون} [البقرة: 243].
{أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثتَ قال لبثتُ يوما أو بعض يوم قال بل لبثتَ مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنَّه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف نُنشِزها ثم نكسوها لحما فلمَّا تبيَّن له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير} [البقرة: 259].
{وإذ قال إبراهيم ربِّ أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم} [البقرة: 260].
أقول: هذه القصص الخمس تنقض على كل فرق أهل الباطل الذين كانوا في زمن النبي ﷺ.
فأما نقضها على أهل الإشراك فواضح، إذ عامتهم لا يؤمنون بالبعث.
وأما نقضها على أهل النفاق فواضح، لأنهم يظنون أنهم فازوا بخداعهم لأهل الإيمان في الدنيا، ونسوا أمر الآخرة وإحياء الموتى.
وأما نقضها على اليهود فلأنهم نسوا الآخرة والمعاد، وأكثرهم صار يفكر بفردوس أرضي.
وأما نقضها على النصارى فلأن كثيراً منهم يرى أن الملكوت لا توجد فيه شهوات حسية ولا يعود البشر كما كانوا، فكأنهم يقولون بقول الفلاسفة في الروح وأنها باقية وأنها لا يتعلق بها زمان أو مكان، ولهذا أنكروا بعث الأجساد، كمثل كفار قريش، وأما الروح فلا يتعلق بها فناء عندهم.
وهذا أحد أهم أسباب استنكارهم على المسلمين الشهوات الحسية في الجنة، فهم يقولون: إن الملكوت روحي وليس مادياً.
والعجيب أنهم أنكروا البعث بمعنى إحياء الموتى كما كانوا، وهم الذين عندهم من آيات المسيح إحياء الموتى، وهم الذين آمنوا بتجسُّد الإله! فآمنوا بالمستحيل وتركوا المقدور لله عز وجل، فما أعجبهم!
ولذلك جاءت القصص في إرث بني إسرائيل، لأن اليهود والنصارى عندهم مشكلة في أمر البعث أيضاً، والله أعلم.