تحريم خياطة ملابس الفساق والمبتدعة

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال شيخ الإسلام في شرح العمدة (4/ 386) :” و قد كره احمد رضي الله
عنه لبس السواد في الوقت الذي كان شعار الولاة و الجند و استعفى الخليفة المتوكل من
لبسه لما اراد الاجتماع به فاعفاه بعد مراجعة و كان هذا الزي اذ ذاك شعار اهل طاعة
السلطان في امارة ولد العباس رضي الله عنه

و كان من لم يلبسه ربما اتهم بمعصية السلطان و الخروج عليه .

و القصة في ذلك مشهورة لما اظهر المتوكل احياء السنة و اطفاء ما كان الناس
فيه من المحنة و اجاز ابا عبد الله و اهل بيته بالجوائز المعروفة و طلب اجتماعه به
و كان يرسل اليه يستفتيه و يستشيره فاحب أبو عبد الله ان لا يدخل في شيء من امر السلطان
و لم يقبل الجوائز و نهى اهل بيته عن قبولها ففي تلك المرة استعفى من لبس السواد .

و سأله رجل عن خياطة الخز الاسود فقال إذا علمت أنه لجندي فلا تخطه .

و سأله رجل أخيط السواد قال لا .

و سئل عن المراة تامر زوجها ان يشتري لها ثوب خز اسود فقال هو للمراة اسهل
.

قيل له فاي شيء ترى للرجل قال لا يروع به قيل فترى للخياط ان يخيط له قال
إذا خاطه فايش قد بقي قد اعانه .

و قال في رجل مات و ترك سوادا و اوصى إلى رجل فقال يحرق حتى لا يروع به
مسلم قيل له لصبيان ترى ان يحرق قال يحرقه الوصي و كان يعذر في لبسه من يعلم منه الخير
و أنه كالمكره عليه و هذا لانه كان لباس الولاة و الامراء و اعوانهم مع ما كانوا فيه
من الظلم و الكبرياء و اخافة الناس و ترويعهم و لم يكن يلبسه الا اعوان السلطان .

و كان الرجل المسودي إذا رؤي خيف و رعب منه لانه مظنة الترويع حتى قال
بعض اهل العلم يضرب المثل بذلك ترى الرجل مطمئنا ثابت القلب ساكن الاركان فاذا عاين
صاحب سواد رعب من سلطانه و دخله من الرعب ما غير لونه و رجف قلبه و استرخت قدماه و
ذهب فؤاده .

فلما كان معونة على الظلم و الشر و ايذاء المسلمين صارت خياطته و بيعه
بمنزلة بيع السلاح في الفتنة و كره ان يلبسه الرجل اذ ذاك لانه من تشبه بقوم فهو منهم
و لانه يصير بذلك من اعوان الظلمة أو يخاف عليه ان يدخل في اعوانهم

و في معنى هذا كل شعار و علامة يدخل بها المرء في زمرة من تكره طريقته
بحيث يبقى كالسيما عليه فإنه ينبغي اجتنابها و ابعادها و كل لباس يغلب على الظن ان
يستعان بلبسه على معصية فلا يجوز بيعه و خياطته لمن يستعين به على المعصية و الظلم
.

و لهذا كره بيع الخبز و اللحم لمن يعلم أنه يشرب عليه و بيع الرياحين لمن
يعلم أنه يستعين به على الخمر و الفاحشة .

و كذلك كل مباح في الاصل علم أنه يستعان به على معصية و هذا يختلف باختلاف
الامكنة و الاوقات و الاحوال فهذه كراهة لسبب عارض

فاما لبس الجند أو غيرهم له في دار الحرب أو غيرها إذا لم يكن مظنة الظلم
و لا سيما الظلمة فلا يكره البتة

و كذلك ايضا لو لبست المراة السواد تحد به على ميت أو لبسه الرجل لم يجز
لبسه حدادا على الميت لانه لا يحل لامرأة تؤمن بالله و اليوم الاخر ان تحد على ميت
فوق ثلاث ايام فهذه كراهة للاحداد حتى لو فرض ان الاحداد كان بلبس القطن أو تغيير الهيئة
و نحو ذلك دخل في النهي كما يذكر ان شاء الله تعالى في موضعه “

أقول : في نص شيخ الإسلام هذا فوائد جمة من أهمها

1- أن تغير الزمان لا يعني دائماً تغير الأحكام إلى الأيسر أو الحل

2- أنه على الفقيه أن يراعي أحوال الناس حوله ويراعي حال من يفتيه فلا
يأتي إلى شيء صار من شعار الفساق أو أهل البدع ويقول ( الأصل الحل ) كما يفعل الكثير
من أشباه الظاهرية اليوم ممن تصدر للافتاء

3- معرفة ما يدخل به المرء في مسمى أعوان الظلمة وفي ذلك وعيد شديد

قال أحمد في مسنده 11873 : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ سُلَيْمَانَ، أَوْ أَبِي سُلَيْمَانَ،
وَحَجَّاجٌ قَالَ: حَدَّثَنِي شُعْبَةُ، وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ: عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:

سَيَكُونُ أُمَرَاءُ يَغْشَاهُمْ غَوَاشٍ، أَوْ حَوَاشٍ مِنَ النَّاسِ
يَظْلِمُونَ وَيَكْذِبُونَ، فَمَنْ أَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ،
فَلَيْسَ مِنِّي وَلَا أَنَا مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ
يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَأَنَا مِنْهُ وَهُوَ مِنِّي .

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (7/64) :” وقد قال غير واحد
من السلف أعوان الظلمة من أعانهم ولو أنهم لاق لهم دواة أو برى لهم قلما ومنهم من كان
يقول بل من يغسل ثيابهم من أعوانهم وأعوانهم هم من أزواجهم المذكورين فى الآية فان
المعين على البر والتقوى من أهل ذلك والمعين على الاثم والعدوان من أهل ذلك”

فإذا كان من يخيط ثيابهم أو يغسلها يصير من أعوانهم فكيف بمن يباشر الظلم
بنفسه أو يعينهم أو يزينه لهم

قال الخطيب في تاريخ بغداد (5/271) : أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ
بْن يَعْقُوب، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد النَّيْسَابُورِيّ،
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن يَعْقُوب الْحَافِظُ، يَقُولُ: سَمِعْتُ
إِبْرَاهِيم بْن أَبِي طالب، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَد بْن سَعِيد الرباطي، يَقُولُ:

 قدمت على أَحْمَد بْن حنبل فجعل
لا يرفع رأسه إلي، فقلت: يا أَبَا عَبْد اللَّه، إنه يكتب عنى بخراسان، وإن عاملتني
بهذه المعاملة رموا بحديثي.

 فَقَالَ لي: يا أَحْمَد، هل بد
يوم القيامة من أن يقال: أين عَبْد اللَّه بْن طَاهِر وأتباعه؟ انظر أين تكون أنت منه؟

قَالَ: قلت يا أَبَا عَبْد اللَّه، إنما ولاني أمر الرباط، لذلك دخلت فيه.

 قَالَ: فجعل يكرر عَلِيّ: يا أَحْمَد،
هل بد يوم القيامة من أن يقال: أين عَبْد اللَّه بْن طَاهِر وأتباعه؟ فانظر أين تكون
أنت منه.

وأما سمع وأطاع بالمعروف وكره المنكر بقلبه ولم يشق عصى الطاعة ولم يؤلب
على الإمام فهذا ناصح سني ومن جعله معيناً للظلمة فهو ملحد

وكذلك أهل البدع من أعانهم بنشر شيء من كتبهم أو شيء صورة من صور الإعانة
فهو من أعوان الظلمة ، ناهيك عن الولاء الصريح أو الذب عنهم أو الثناء عليهم

4- أن الأمر يكون مباحاً في نفسه فإذا صار شعاراً لأهل الباطل صار مما
ينبغي على أهل الحق تركه إحياءً لسنة التمايز ومن هذا الباب كره جمع من السلف التحليق
لما صار شعاراً على الخوارج

5- حرمة ترويع المسلم ولو ممن يحفظ الأمن ، وأنه لا يجوز ظلم المسلمين
ولا ترويعهم بغير جناية بهذه الحجة

6- أن البائع سواءً كان يبيع عيناً أو منفعة لا بد له من أن يغلب على ظنه
أن هذه العين أو هذه المنفعة لن تستخدم في معصية الله عز وجل فإذا غلب على ظنه أنها
ستستخدم في معصية الله لم يجز له ذلك ، ويدل على هذا المعنى النهي عن بيع السلاح في
زمن الفتنة

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم