تحرير موقف أبي يعلى من الأشعرية
قال ابن أبي يعلى في كتابه الاعتقاد بعدما سرد عقيدته : فهذا اعتقادي وما أدين به لربي، وهو الذي مضى عليه والدي رحمه الله، والحمد لله وصلى على محمد وعلى آله أجمعين.
فكان مما قاله في هذا الاعتقاد الذي ينسبه لوالده أبي يعلى : ويجب هجران أهل البدع والضلال كالمشبهة والمجسمة والأشعرية
والمعتزلة
ومما قاله أيضاً : وإن تأولها _ يعني نصوص السفات _ على مقتضى اللغة وعلى المجاز فهو جهمي.
فما حكم الجهمي عند أبي يعلى قال أبو يعلى في المعتمد ص 467 :” أما القدرية والمعتزلة والجهمية فقد نص أحمد على كفرهم على الجملة والتفصيل ( فيه نظر في القدرية ) ” ثم ذكر كلام الإمام أحمد في اللفظية ومعلوم أن الأشعرية غلاة لفظية بل صرح المحققون منهم أنه لاخلاف حقيقي بينهم وبين المعتزلة في القرآن وهذا أمر استظهره ليس الحنابلة فقط بل طغربلك السلجوقي والسجزي وابن حزم وابن أبي العز الحنفي والعمراني واللالكائي وقوام السنة الأصبهاني كلهم ينصون على استواء المقالتين في المقدمة والنتيجة ومنهم من فضل مقال المعتزلة على مقالة الأشعرية في القرآن وعليه فذلك الخلاف بين الجهمية وأهل الإسلام من أهل حديث ورأي وتصوف تم اختزاله بسذاجة لاحقاً إلى خلاف بين حنابلة وأشعرية وقد استظهر أحمد منذ سمع مقالة اللفظية أنهم يريدون ما يريد جهم وهذا ظهر في الأشعرية جلياً فلله دره من إمام بصير
ونقل أبو يعلى في إبطال التأويلات قول الطبري في التبصير في معالم الدين :” فالصواب من القول في ذلك عندنا أنه كلام الله غير مخلوق كيف كتب؟ وكيف تلي؟ وفي أي موضع قرئ؟ في السماء وجد أم في الأرض حفظ؟ في اللوح المحفوظ كان مكتوبا أو في ألواح صبيان الكتاتيب مرسوما؟ في حجر نقش أو في ورق خط أو باللسان لفظ؟ فمن قال غير ذلك أو ادعى أن قرآنا في الأرض أو في السماء سوى القرآن الذي نتلوه بألسنتنا أو نكتبه في مصاحفنا، أو اعتقد ذلك بقلبه أو أضمره في نفسه وقاله بلسانه فهو بالله كافر”
فهذه عقيدة من ؟ ولماذا يحرص أبو يعلى على نقل هذا الكلام في رده على ابن فورك الأشعري
قال ابن عقيل تلميذ أبي يعلى في مسألة القرآن : وأما دعوى الأشاعرة موافقة أحمد بن حنبل رضي الله عنه فباطل، أين هم عن قول أحمد رضي الله عنه: (من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو كافر)؟
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبي: تكلم الله بصوت، وقال: لا ينكر هذا إلا الجهمية.
وقال عبد الله: سألت أبي عن رجل قال: التلاوة مخلوقة والقرآن غير مخلوق، فقال: هذا كافر، وهذا فوق المبتدع،، وهذا كلام الجهمية ومن وافقهم .
ولما تأثر ابن عقيل ببعض أقوال الأشاعرة في تأويل الصفات ثم تراجع كتب ابن قدامة رداً على ما بعض ما كتب في مدة انحرافه فقال في مقدمته :” ولقد كنت أعجب من الأئمة من أصحابنا الذين كفروه وأهدروا دمه …..وحكموا بزندقته قبل توبته ولم أدر أي شيء أوجب ذلك فغي حقه وما الذي اقتضى في حقه أن يبالغوا هذه المبالغة حتى وقفت على هذه الفضيحة “
ولو قرأت كلام ابن عقيل لوجدته من جنس كلام الأشعرية يطأ الحافر الحافر غير أنه تاب فكيف لو رأى شيوخ الحنابلة الذين قالوا في ابن عقيل ما قالوا من يعتبر هذه المقالات التي أنكروها مقالة لأهل السنة ويقسم أهل السنة ثلاثة أقسام يذكر فيهم الصنف الذي شنعوا عليه فلا يجوز تبديعهم عنده لا جملة ولا تعيينا فضلاً عن أن يحكم فيهم بحكم الإمام ما عساهم أن يقولوا
قال الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه شارحاً الوحشة بين أهل الكلام وأهل الحديث :” وأما المتكلمون: فهم معذورون فيما يظهرونه من الإزدراء بهم , والعيب لهم , لما بينهم من التباين الباعث على البغضاء والتشاحن , واعتقادهم في جل ما ينقلونه , وعظم ما يروونه ويتداولونه , إبطاله , وإكفار الذين يصححونه وإعظامهم عليهم الفرية وتسميتهم لهم الحشوية , واعتقاد المحدثين في المتكلمين غير خاف على العلماء والمتعلمين , فهما كما قال الأول:
الله يعلم إنا لا نحبكم … ولا نلومكم إذ لا تحبونا” هذا كان حال الناس لما كانوا يعقلون وأنا أعلم أن هذا الكلام صادم للبعض ممن كان يتترس بالمذهب فإذا علم أن علماء المذهب بل وكل أهل الحديث تكلموا في المخالف بأشد مما ألفه الناس من المعاصرين وأن هذه أبحاث لا يستهان بها نهائياً لأنها في أعظم مطالب الدين باب الأسماء والصفات والذب عن الأخبار وإبعاد دغل تقديم فلسفة اليونان على كتاب الله وسنته ، إذا علم الناس بهذا فإن تهويلاً كثيراً سيتبخر في الهواء.