فهذه الحلقة الثانية من « تحرير معنى المنكر عند أئمة النقد » ، وتتعلق
في مخالفة الراوي لمرويه
وهل يصلح ذلك أن يكون علةً فمن
المشهور عند كثير من طلبة العلم أن العبرة برواية الراوي لا برأيه
وليس الأمر كذلك عند بعض أساطين
النقد.
المثال الأول : قال الترمذي في العلل الكبير 401 – حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ
, حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ , عَنْ قَتَادَةَ , عَنِ الْحَسَنِ , عَنْ سَمُرَةَ
, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ
, وَمَنْ جَدَعَ عَبْدَهُ جَدَعْنَاهُ “.
سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ
الْمَدِينِيِّ يَقُولُ بِهَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَنَا أَذْهَبُ إِلَيْهِ
فها أنت ترى أن البخاري وابن المديني
قد ذهبا لهذا الحديث غير أن الإمام أحمد أعله ولم يثبته !
والسبب أن الحسن البصري راوي هذا الحديث عن سمرة أفتى بخلافه .
قال عبد الله بن أحمد في مسائله 1461 – سَأَلت ابي عَن الرجل يقتل عَبده
يقْتله الإمام أم لَا ، فَقَالَ يرْوى عَن الْحسن عَن سَمُرَة عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من قتل عَبده قَتَلْنَاهُ
واخشى أن يكون هَذَا الحَدِيث
لَا يثبت . قلت لأبي فايش تَقول أنت ، قَالَ اذا كنت اخشى ان لَا يكون يثبت لَا اثبته
وَلَا يقتل حر بِعَبْد وَلَا بذمي وَيقتل بِالْمَرْأَةِ .
وقال أبو داود في مسائله 1468 – «سَمِعْتُ أَحْمَدَ، سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ
سَمُرَةَ» مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ “؟ قَالَ: فُتْيَا الْحَسَنِ عَلَى
غَيْرِهِ، قَالَ أَحْمَدُ: وَلَكِنْ يُضْرَبُ”
وقتادة تلميذ الحسن كان يحمل ذلك
على نسيان الحسن
قال الدارمي في مسنده 2358 – أخبرنا
سعيد بن عامر عن شعبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب ان رسول الله صلى الله عليه
و سلم قال : من قتل عبده قتلناه ومن جدع جدعناه قال ثم نسي الحسن هذا الحديث وكان يقول
لا يقتل حر بعبد
وليس هذا هو الحديث الوحيد الذي
زعم قتادة أن الحسن فأفتى بخلافه .
قال الترمذي في جامعه 1266 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ الحَسَنِ، عَنْ
سَمُرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: عَلَى اليَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ
قَالَ قَتَادَةُ: ثُمَّ نَسِيَ
الحَسَنُ، فَقَالَ: فَهُوَ أَمِينُكَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، يَعْنِي: العَارِيَةَ.
المثال الثاني : قال مسلم في صحيحه 3664- [15-1472] حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، وَاللَّفْظُ لاِبْنِ رَافِعٍ ، قَالَ
إِسْحَاقُ : أَخْبَرَنَا ، وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ
، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ ابْنِ طَاوُوسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
، قَالَ : كَانَ الطَّلاَقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
، وَأَبِي بَكْرٍ ، وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ ، طَلاَقُ الثَّلاَثِ وَاحِدَةً
، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : إِنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ
قَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ ، فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ ، فَأَمْضَاهُ
عَلَيْهِمْ.
هذا الحديث أعله الإمام أحمد بأن عامة فتاوى ابن عباس على خلافه .
وقد اعترف شيخ الإسلام ابن تيمية بأن الإمام أحمد أعل الحديث بهذا فقال
كما في جامع المسائل ( المجموعة الأولى ص 360) :” وتبيَّن له _ يعني الإمام أحمد
_ فساد هذا المعارض وأنَّ جمعَ الثلاث لا يجوز، فوجبَ على أصلِه العمل بالنصوص السالمة
عن المعارض، ولكن علل حديث طاووس بفتيا ابن عباس بخلافه، وهذه علة في إحدى الروايتين
عنه “
المثال الثالث : قال أبو داود في سننه 2380 – حدثنا مسدد ثنا عيسى بن يونس
ثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال
: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ” من ذرعه قيء وهو صائم فليس
عليه قضاء وإن استقاء فليقض “
قال ابن القيم في كتاب الصلاة له ص124 :” وأما حديث المستقيء عمدا
فهو حديث أبي هريرة عن النبي قال من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء فعليه القضاء
فقال الترمذي هذا حديث حسن غريب
وقال قال محمد يعني البخاري لا
اراه محفوظا
وقال أبو داود سمعت أحمد ابن حنبل يقول ليس من ذا شيء ، وقال الترمذي في
كتاب العلل.
حدثنا علي بن حجر حدثنا عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن
ابي هريرة أن النبي قال من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا فليقض
قال الترمذي سألت أبا عبدالله
محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من حديث عيسى بن يونس عن هشام
بن حسان عن ابن سيرين عن ابي هريرة قال ما أراه محفوظا
قال وقد روى يحيى ابن أبي كثير
عن عمر بن الحكم أن ابا هريرة كان لا يرى القيء يفطر الصائم ” .
موطن الشاهد ما نقله ابن القيم عن البخاري في آخر البحث ، وهو أن فتيا
أبي هريرة على خلاف الحديث ، وهذا يدفعهم إلى استنكار الحديث بعد وقوفهم على علةٍ في
إسناده .
المثال الرابع: قال أبو داود في سننه 643 – حدثنا محمد بن العلاء وإبراهيم
بن موسى عن ابن المبارك عن الحسن بن ذكوان عن سليمان الأحول عن عطاء قال إبراهيم عن
أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل
فاه
قال أبو داود رواه عسل عن عطاء عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و
سلم نهى عن السدل في الصلاة .
644 – حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع ثنا حجاج عن ابن جريج قال: أكثر ما
رأيت عطاء يصلي سادلا ، قال أبو داود وهذا يضعف ذلك الحديث .
أقول : فاستدل أبو داود على ضعف الحديث المروي في الباب بمخالفة راويه
عطاء بن أبي رباح له .
المثال الخامس: قال الخلال في السنة 1062- وَأَخْبَرَنِي حَامِدُ بْنُ
أَحْمَدَ , أَنَّهُ سَمِعَ الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ , أَنَّهُ سَأَلَ
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ : يَصِحُّ قَوْلَ الْحَارِثِ بْنِ عَمِيرَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ
رَجَعَ عَنِ الاِسْتِثْنَاءِ ؟ فَقَالَ : لاَ يَصِحُّ , أَصْحَابُهُ يَعْنِي عَلَى
الاِسْتِثْنَاءِ , ثُمَّ قَالَ : سَمِعْتُ حَجَّاجًا , عَنْ شَرِيكٍ , عَنِ الأَعْمَشِ
, وَمُغِيرَةَ , عَنْ أَبِي وَائِلٍ : أَنَّ حَائِكًا بَلَغَهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ
, قَالَ : زَلَّةُ عَالِمٍ , يَعْنِي حَيْثُ قَالَ لَهُ : إِنْ قَالُوا : إِنَّا مُؤْمِنُونَ
, فَقَالَ : أَلاَ سَأَلْتُمُوهُمْ أَفِي الْجَنَّةِ هُمْ ؟ وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ قَوْلِي
: رَجَعَ عَنِ الاِسْتِثْنَاءِ إِنْكَارًا شَدِيدًا , وَقَالَ : كَذَلِكَ أَصْحَابُهُ
, يَقُولُونَ بِالاِسْتِثْنَاءِ.
فاستدل أحمد على بطلان الرواية المذكورة عن ابن مسعود في الاستثناء بأن
أصحاب ابن مسعود كلهم يستثنون .
المثال السادس: قال الترمذي في جامعه 1455 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَمْرٍو السَّوَّاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو
بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ،
وَاقْتُلُوا البَهِيمَةَ» ، فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا شَأْنُ البَهِيمَةِ؟ قَالَ:
مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا،
وَلَكِنْ أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ أَنْ يُؤْكَلَ
مِنْ لَحْمِهَا، أَوْ يُنْتَفَعَ بِهَا، وَقَدْ عُمِلَ بِهَا ذَلِكَ العَمَلُ: هَذَا
حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ،
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رُزَيْنٍ،
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ»
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَهَذَا أَصَحُّ مِنَ الحَدِيثِ
الأَوَّلِ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ،
وَإِسْحَاقَ .
أقول :فأعل الترمذي هذا الحديث المروي بقتل من وقع على بهيمة بفتيا ابن
عباس على خلافه ، ولهذا تجد عامة أهل العلم أنكروا حديث البهيمة على عمرو بن أبي عمرو
.
قال المزي في تهذيب الكمال (22/ 171) : ” وَقَال أَبُو عُبَيد الآجري:
سألت أَبَا داود عَنْ عَمْرو بْن أَبي عَمْرو مولى المطلب، قال: ليس هو بذاك، حدث عنه
مالك بحديثين. روى عن عكرمة، عن ابن عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسَلَّمَ “مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ واقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ
“. ورَوَى عَاصِمٌ عَن أبي رزين، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ “لَيْسَ عَلَى مَنْ
أَتَى بَهِيمَةً حَدٌّ “. قُلْتُ: مَنْ عَاصِمٌ؟ قال: ابْنُ بَهْدَلَةَ”
، وقال العجلي في الثقات :” ثقة ينكر عليه حديث البهيمة” .
فإن قيل : قال الإمام مسلم 4129- [129-1605] حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ
مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ ، يَعْنِي ابْنَ بِلاَلٍ ، عَنْ
يَحْيَى ، وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ : كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ ، يُحَدِّثُ
أَنَّ مَعْمَرًا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ.
فَقِيلَ لِسَعِيدٍ : فَإِنَّكَ تَحْتَكِرُ ، قَالَ سَعِيدٌ : إِنَّ مَعْمَرًا
الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ ، كَانَ يَحْتَكِرُ.
فهذا الإمام مسلم لم يضعف الحديث ، مع مخالفة سعيد له ، فيقال أن سعيداً
قد صرح بعد روايته بالمخالفة مع حفظه للحديث
ثم إن الحنابلة وغيرهم قد خرجوا
هذا الحديث على أنه نهيٌ عن احتكار ما كان قوتاً دون غيره
بدليل أن راويه كان يحتكر ما ليس
قوتاً وقد أشار على هذا الترمذي في جامعه بعد إخراجه للحديث : “وَإِنَّمَا رُوِيَ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَحْتَكِرُ الزَّيْتَ وَالْخَبَطَ وَنَحْوَ
” ، أي أنه لم يكن يحتكر ما كان قوتاً فلم يكن مخالفاً للحديث .
ومثل هذا ما روى البخاري في صحيحه 1952 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عَمْرِو بْنِ
الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ
حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ
وَلِيُّهُ
خصصه الإمام أحمد بصيام النذر لأن ابن عباس وعائشة وهما من روى الحديث
أفتيا بأن من مات وعليه صيام فرض يطعم عنه .
قال أبو داود في سننه 2400 – حدثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب أخبرني عمرو
بن الحارث عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة ،
أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ” من مات وعليه صيام صام عنه وليه ” ،
قال أبو داود هذا في النذر وهو قول أحمد بن حنبل .
2401 – حدثنا محمد بن كثير ثنا سفيان عن أبي حصين عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس قال: إذا مرض الرجل في رمضان ثم مات ولم يصم أطعم عنه ولم يكن عليه قضاء وإن كان
عليه نذر قضى عنه وليه.
وقال الطحاوي في بيان مشكل الآثار (6/ 174) :” ثمَّ وَجَدْنَا ابْنَ
عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَرَكَا
ذَلِكَ وَقَالَا بِضِدِّهِ، وَهُمَا الْمَأْمُونَانِ عَلَى مَا رَوَيَا، الْعَدْلَانِ
فِيمَا قَالَا , فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّهُمَا لَمْ يَتْرُكَا مَا قَدْ سَمِعَاهُ
مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ إِلَّا إِلَى مَا هُوَ
أَوْلَى مِمَّا قَدْ سَمِعَاهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِيهِ “.
والأمر ليس فيه مخالفة كما زعم الطحاوي بل حديث ( من مات وعليه صيام )
خاصٌ بصيام النذر.
مثال أخير : قال ابن كثير في تفسيره : وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبة مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: إِنَّ الْأَخَوَيْنِ لَا يَردان الْأُمَّ عَنِ الثُّلُثِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} فَالْأَخَوَانِ لَيْسَا بِلِسَانِ قَوْمِكَ إِخْوَةٌ. فَقَالَ عُثْمَانُ: لَا أَسْتَطِيعُ تَغْيِيرَ مَا كَانَ قَبْلِي، وَمَضَى فِي الْأَمْصَارِ، وَتَوَارَثَ بِهِ النَّاسُ.
وَفِي صِحَّةِ هَذَا الْأَثَرِ نَظَرٌ، فَإِنَّ شُعْبَة هَذَا تكلَّم فِيهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَلَوْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَذَهَبَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ الْأَخِصَّاءُ بِهِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْهُمْ خِلَافُهُ.
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم