تثبيت دلالة حديث ( من تشبه بقوم فهو منهم )

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن هذا هو عصر العجائب بحق ، فمع شدة افتتان المسلمين بالكفار حتى أن كثيراً من المسلمين يعتقدون بالكفار كل فضيلة ويعتقدون بأهل الإسلام كل رذيلة حتى قاد هذا الاعتقاد كثيراً منهم إلى ترك الدين بالكلية نجد فتاوى سطحية عجيبة هم أصحابها مجاراة المزاج العام

لن تجد قبل عصر الاستعمار رجلاً يتكلم محاولة الطعن في حد الردة مثلاً أو الرجم

ولن تجد من هم أهون من السابق ممن يحاول تجويز بعض مظاهر التشبه بالكفار مثل الاحتفال بأعيادهم الخاصة

والعجيب أنهم يحاولون إسباغ صفة علمية على أبحاثهم عن طريق إقحام بعض أسماء الفقهاء ومحاولة الطعن في بعض الأحاديث المشهورة

ولو نظر العاقل لوجد أن تشبه المسلمين بالكفار بلغ مبلغاً مستفزاً ولو لم يرد أي حديث في النهي عنه لكان خليقاً بالعاقل أن يقف أمام هذا

وقد رأيت بحثاً لمابعدي شن هجوماً على حديث ( من تشبه فهو منهم ) ليخلص لجواز الاحتفال بعيد الأم !

والذي ما فكر مسلم طوال القرون الماضية به ولو اعتبرته من البر فأنت داخل في باب الإحداث في الدين والابتداع ولو اعتبرته من العادات فهذه مكابرة فأنتم تعدون الأمر براً وسأتحدث عن حديث من تشبه بقوم فهو منهم ثم أذكر شواهده الموقوفة والمرفوعة معنوياً واعتماد الفقهاء على أمثاله في الكثير من الأحكام ونبين لك عجلة هؤلاء القوم

ففي الوقت الذي يدعون فيه المذهبية وتقدير العلماء يقدمون على الطعن في أمور كبار كما فعل كمال المرزوقي حين طعن في قاعدة سيارة على ألسنة العلماء لا صغيرة مع الإصرار .

وكل هذا فقط ليراعي المزاج العام الذي تكتنفه نزعة إباحية

قال أحمد في مسنده  5114 – ثنا محمد بن يزيد يعنى الواسطي أنا بن ثوبان عن حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بعثت بالسيف حتى يعبد الله لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم.

هذا الحديث شنوا عليه حرباً عجيبة في عصرنا وقد استنكره غير واحد مع العلم أنه مخرج في مسند أحمد وسنن أبي داود والحديث مشهور فلو كان منكراً لتكلم الأئمة في نكارته

نعم ابن ثوبان متكلم فيه غير أنه هنا ما سلك جادة

وأحاديثه عن حسان بن عطية ما رأيت فيها ما يستنكر

وقال ابن أبي شيبة في المصنف 19783- حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ سَعِيدٍ بن جبلة ، عَنْ طَاوُوسٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : إنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيَ السَّاعَةِ ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَنِي وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ

وسعيد بن جبلة شبه مجهول غير أن الخبر رواه سفيان الثوري والأوزاعي وهما من أئمة الفقه الذين لا يروون المنكر

وقال البزار في مسنده  2966 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ غُرَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ حُذَيْفَةَ مُسْنَدًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفًا

الحديث المرفوع ضعيف لحال علي بن غراب ولكن الموقوف على حذيفة يكون قوياً وهو في الورع لأحمد بسند قوي عن يحيى القطان عن أبي عبيدة بن حذيفة ( ولا أحسبه أدركه وأن في السند سقطاً ولكن القطان كل شيوخه ثقات )

وليس سند الموقوف ممن ينظر في شأنه سوى أبي عبيدة بن حذيفة قال عنه أبو حاتم ( لا يسمى ) بمعنى أن اسمه كنيته

ويكفي لتعديله رواية ابن سيرين عنه فابن سيرين لا يروي إلا عن ثقة

قال ابن عبد البر في التمهيد (8/301):« أجمع أهل العلم بالحديث أن ابن سيرين أصح التابعين مراسل وأنه كان لا يروي ولا يأخذ إلا عن ثقة وأن مراسله صحاح كلها ليس كالحسن وعطاء في ذلك والله أعلم ».

قال ابن حجر في النكت (2/557):« صحح ابن عبد البر مراسيل محمد بن سيرين قال:لأنه كان يتشدد في الأخذ ولا يسمع الا من ثقة 0000 ».

وقال العلائي في جامع التحصيل (ص90):« وذكر ابن أبي خيثمة عن يحيى بن معين أنه قال:إذا روى الحسن ومحمد – يعني ابن سيرين – عن رجل وسمياه فهو ثقة ».

وانظر تعليق العلائي على هذه الكلمة في ترجمة الحسن البصري من هذا الفصل.

وقال ابن رجب رحمه الله تعالى في شرح العلل (1/355):« وابن سيرين رضي الله عنه هو أول من انتقد الرجال وميز الثقات من غيرهم، وقد روي عنه من غير وجه أنه قال:إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، وفي رواية عنه أنه قال:إن هذا الحديث دين فلينظر الرجل عمن يأخذ دينه؛ قال يعقوب بن شيبة:قلت ليحيى بن معين:تعرف أحداً من التابعين كان ينتقي الرجال كما كان ابن سيرين ينتقيهم ؟ فقال برأسه أي لا ». ( مستفاد من بحث محمد خلف سلامة )

فما بالك وأبو عبيدة هذا هو ابن صحابي أصلاً ويروي عن أبيه قوله ومعلوم النهج في التسمح في الموقوفات

فاستبان أن خبر ابن ثوبان قد اعتضد بموقوف حذيفة وبمرسل طاووس وقد روي أيضاً هذا عن عمر من رواية قتادة عنه وقتادة لم يسمع عمر ولكنه فقي

فإذا كان كل من الأوزاعي ويحيى بن سعيد وسفيان وقتادة وغيرهم يروون هذه الألفاظ ولا يرون فيها رائحة النكارة فما بال المعاصرين ظهر لهم ما لم يظهر للمتقدمين

كان يكفي الانفصال لتضعيف الحديث إسنادياً ولكن الطعن في دلالته المتنية هنا الباقعة

والشواهد لمعنى هذا الخبر عديدة في التحري والحذر من التشبه بالكفار

قال الترمذي في جامعه 2761 –
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ فَلَيْسَ مِنَّا» وَفِي البَابِ عَنْ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ صُهَيْبٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ

وهذا الحديث بمعنى حديث ( من تشبه بقوم فهو منهم ) لو تأمل المرء فإن عدم الأخذ من الشارب هي سمة أهل الإشراك ولا فرق بين ( ليس منا ) و ( فهو منهم )

ولو احتججنا بقوله تعالى (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فإنه منهم )

لتثبيت دلالة الحديث لما كان ذلك بعيداً فإن التولي له صور من أهمها التشبه بالخصائص

قال ابن أبي حاتم  في تفسيره 6512 – حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «1»

أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ فَقَالَ: كُلْ. قَالَ اللَّهُ: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ نَحْوُ ذَلِكَ.

ونصارى بني تغلب يسمون أنفسهم نصارى وهم لا يتمسكون من النصرانية بشيء سوى شرب الخمر فاعتبرهم ابن عباس بانتحالهم الاسم متولين للنصارى

قال ابن المبارك في الزهد [578]:

أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى الطَّوِيلُ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ:

بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَأْكُلُ أَلْوَانَ الطَّعَامِ، فَقَالَ عُمَرُ لِمَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ يَرْفَأُ:

إِذَا عَلِمْتَ أَنَّهُ قَدْ حَضَرَ عَشَاؤُهُ فَأَعْلِمْنِي، فَلَمَّا حَضَرَ عَشَاؤُهُ أَعْلَمَهُ، فَأَتَى عُمَرُ، فَسَلَّمَ، وَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ، فَقَرَّبَ عَشَاءَهُ، فَجَاءَ بِثَرِيدَةِ لَحْمٍ، فَأَكَلَ عُمَرُ مَعَهُ مِنْهَا، ثُمَّ قَرَّبَ شِوَاءً، فَبَسَطَ يَزِيدُ يَدَهُ، فَكَفَّ عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ يَا يَزِيدُ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، أَطْعَامٌ بَعْدَ طَعَامٍ؟ وَالَّذِي نَفْسُ عُمَرَ
بِيَدِهِ، لَئِنْ خَالَفْتُمْ عَنْ سُنَّتِهِمْ لَيُخَالِفَنَّ بِكُمْ عَنْ طَرِيقَتِهِمْ.

هذا إسناد صحيح وتأمل كيف أن عمر جعل التشبه بهذا المستصغر ذريعة للتشبه بما هو أكبر كما هو مشاهد اليوم

قال مسلم في صحيحه 5487- [28-…] حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ
الْمُوصِلِيُّ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ ، عَنْ طَاوُوسٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ : أَأُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا ؟ قُلْتُ : أَغْسِلُهُمَا ، قَالَ :بَلْ أَحْرِقْهُمَا.

وقال أيضاً : 5485- [27-2077]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ يَحْيَى ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ ، أَنَّ ابْنَ مَعْدَانَ ، أَخْبَرَهُ ، أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ نُفَيْرٍ، أَخْبَرَهُ ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، أَخْبَرَهُ ، قَالَ : رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ ، فَقَالَ : إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلاَ تَلْبَسْهَا.

انظر التعليل بأنها من لباس الكفار ، وانظر قول النبي صلى الله عليه وسلم ( أأمك أمرتك بهذا ) وهذه نبرة غضب يؤكدها قوله ( بل احرقهما )

قال أبو نعيم في الحلية حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، أَنَّ زِيَادَ بْنَ حدير الْأَسَدِيَّ، قَالَ: ” قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلَيَّ طَيْلَسَانُ وَشَارِبِي عَافٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ [ص:198] إِلَيَّ وَلَمْ يَرُدَّ السَّلَامَ، فَانْصَرَفْتُ عَنْهُ، فَأَتَيْتُ ابْنَهُ عَاصِمًا، فَقُلْتُ لَهُ: لَقَدْ رَمَيْتَ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الرَّأْسِ، فَقَالَ: سَأَكْفِيكَ ذَلِكَ. فَلَقِيَ أَبَاهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَخُوكَ زِيَادُ بْنُ جَرِيرٍ يُسَلِّمُ عَلَيْكَ فَلَمْ تَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ. فَقَالَ: ” إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ عَلَيْهِ طَيْلَسَانًا، وَرَأَيْتُ شَارِبَهُ عَافِيًا قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيَّ فَأَخْبَرَنِي، فَانْطَلَقْتُ فَقَصَصْتُ شَارِبِي، وَكَانَ مَعِي بُرْدٌ شَقَقْتُهُ فَجَعَلْتُهُ إِزَارًا وَرِدَاءً، ثُمَّ أَقْبَلْتُ إِلَى عُمَرَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، هَذَا أَحْسَنُ مِمَّا كُنْتَ فِيهِ يَا زِيَادُ.

لاحظ عمر يغضب على رجل إلى درجة عدم رد السلام لأمور في هيئته الظاهرية وهيئته إنما فيها تشبه بالكفار

والتعليل في الأحكام الشرعية بمخالفة أهل الكتاب كثيرة جداً وسأذكر مجموعة من آثار الصحابة في ذلك

قال ابن أبي شيبة في المصنف [6542]:

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَن خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِيهِ:

أَنَّ عَلِيًّا رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ وَقَدْ سَدَلُوا، فَقَالَ: كَأَنَّهُمَ الْيَهُودُ خَرَجُوا مِنْ فِهْرِهِمْ

فهنا علي عاب عليهم مشابهتهم لليهود

قال عبد الرزاق في المصنف  3338 – عن معمر والثوري عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة نهت أن يجعل الرجل أصابعه في خاصرته في الصلاة كما يصنع اليهود قال معمر في حديثه فإنه معشر اليهود.

وقال ابن أبي شيبة في المصنف 13712- حدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ رَبَاحِ بْنِ أَبِي مَعْرُوفٍ ، عَنْ
عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛ أَنَّهُ كَرِهَ قِيَامَ الرَّجُلِ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ، إِذَا أَرَادَ الانْصِرَافَ إلَى أَهْلِهِ مُنْحَرِفًا نَحْوَ الْكَعْبَةِ ، يَنْظُرُ إلَيْهَا وَيَدْعُو ، وَقَالَ : الْيَهُودُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ.

13713- حدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُهُ وَرَأَى رَجُلاً يَلْتَفِتُ إلَى الْكَعْبَةِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَنَهَاهُ ، وَقَالَ : الْيَهُودُ يَفْعَلُونَ هَذَا.

وكلام الفقهاء كثير جداً في هذا فإذا كان في لبسهم فكيف بالأعياد وأمرها أعمق فعامة أعياد الناس لها متعلقات بأديانهم والأعياد هي أخص خصائص الأمم

وإذا كان هذا صنيع السلف مع أهل الكتاب وهم أقرب الناس إلى أهل الملة فما عسى يكون صنيعهم مع سنن الملاحدة وما تيقنا أنه محدث حتى في دين أهل الكتاب

قال الإمام البخاري في صحيحه [3834]:

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ بَيَانٍ أَبِي بِشْرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ أَحْمَسَ يُقَالُ لَهَا زَيْنَبُ فَرَآهَا لَا تَكَلَّمُ فَقَالَ: مَا لَهَا لَا تَكَلَّمُ؟

قَالُوا: حَجَّتْ مُصْمِتَةً , قَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ هَذَا مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ.

فَتَكَلَّمَتْ فَقَالَتْ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: امْرُؤٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ.

قَالَتْ: أَيُّ الْمُهَاجِرِينَ؟ قَالَ: مِنْ قُرَيْشٍ , قَالَتْ: مِنْ أَيِّ قُرَيْشٍ أَنْتَ؟ قَالَ: إِنَّكِ لَسَئُولٌ.

أَنَا أَبُو بَكْرٍ. قَالَتْ: مَا بَقَاؤُنَا عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الصَّالِحِ الَّذِي جَاءَ اللَّهُ بِهِ بَعْدَ الْجَاهِلِيَّةِ؟

قَالَ: بَقَاؤُكُمْ عَلَيْهِ مَا اسْتَقَامَتْ بِكُمْ أَئِمَّتُكُمْ. قَالَتْ وَمَا الْأَئِمَّةُ؟ قَالَ: أَمَا كَانَ لِقَوْمِكِ رُءُوسٌ وَأَشْرَافٌ يَأْمُرُونَهُمْ فَيُطِيعُونَهُمْ؟ قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَهُمْ أُولَئِكِ عَلَى النَّاسِ.

فهذا أبو بكر الصديق ينكر على امرأة تتعبد بالصمت ويعلل ذلك أنه من عبادة أهل الجاهلية مع أن الصمت يكون عن غيبة ونميمة وغير ذلك وهو محمود بالجملة

وهذا المفتي مشتفع يدعي أنه شافعي

قال الرملي في حاشية أسنى المطالب :” قَوْلُهُ: وَإِطْلَاقُ كَثِيرِينَ أَوْ الْأَكْثَرِينَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُعَزَّرُ) يُعَزَّرُ مُوَافِقُ الْكُفَّارِ فِي أَعْيَادِهِمْ وَمَنْ يُمْسِكُ الْحَيَّةَ وَيَدْخُلُ النَّارَ وَمَنْ قَالَ لِذِمِّيٍّ يَا حَاجُّ وَمَنْ هَنَّأَهُ بَعِيدٍ وَمَنْ سَمَّى زَائِرَ قُبُورِ الصَّالِحِينَ حَاجًّا”

وقال ابن حجر الهيتمي في الإقناع:” (خَاتِمَةٌ) يُعَزَّرُ مَنْ وَافَقَ الْكُفَّارَ فِي أَعْيَادِهِمْ”

قال الخطيب الشربيني في الإقناع :” وَلَا يجوز تَركه إِن كَانَ لآدَمِيّ عِنْد طلبه كَالْقصاصِ على الْمُعْتَمد وَإِن خَالف فِي ذَلِك ابْن الْمقري وَيُعَزر من وَافق الْكفَّار فِي أعيادهم وَمن يمسك الْحَيَّة وَيدخل النَّار”

وجاء في حاشية القليوبي وعميرة:” فَرْعٌ: يُعَزَّرُ مَنْ وَافَقَ الْكُفَّارَ فِي أَعْيَادِهِمْ وَمَنْ يُمْسِكُ الْحَيَّاتِ، وَمَنْ يَدْخُلُ النَّارَ، وَمَنْ يَقُولُ لِذِمِّيٍّ يَا حَاجُّ، وَمَنْ سَمَّى زَائِرَ قُبُورِ الصَّالِحِينَ حَاجًّا”

وقال ابن حجر الهيتمي الشافعي في (باب الردة ) :

(ثم رأيت بعض أئمتنا المتأخرين ذكر ما يوافق ما ذكرته فقال : ومن أقبح البدع موافقة المسلمين النصارى في أعيادهم بالتشبه بأكلهم والهدية لهم وقبول هديتهم فيه وأكثر الناس اعتناء بذلك المصريون وقد قال صلى الله عليه وسلم { من تشبه بقوم فهو منهم } بل قال ابن الحاج لا يحل لمسلم أن يبيع نصرانيا شيئا من مصلحة عيده لا لحما ولا أدما ولا ثوبا ولا يعارون شيئا ولو دابة إذ هو معاونة لهم على كفرهم وعلى ولاة الأمر منع المسلمين من ذلك ومنها اهتمامهم في النيروز بأكل الهريسة واستعمال البخور في خميس العيدين سبع مرات زاعمين أنه يدفع الكسل والمرض وصبغ البيض أصفر وأحمر وبيعه والأدوية في السبت الذي يسمونه سبت النور وهو في الحقيقة سبت الظلام ويشترون فيه الشبث ويقولون إنه للبركة ويجمعون ورق الشجر ويلقونها ليلة السبت بماء يغتسلون به فيه لزوال السحر ويكتحلون فيه لزيادة نور أعينهم ويدهنون فيه بالكبريت والزيت ويجلسون عرايا في الشمس لدفع الجرب والحكة ويطبخون طعام اللبن ويأكلونه في الحمام إلى غير ذلك من البدع التي اخترعوها ويجب منعهم من التظاهر بأعيادهم) ا.هـ

الفتاوى الفقهية الكبرى (4/238-239)

فهذا كلام الشافعية فيمن يوافق المشركين في أعيادهم

وكلام الفقهاء في هذا كثير ومن أراد البسط فليراجع اقتضاء الصراط المستقيم

وقبل الختم أود التنبيه على أمرين هامين

الأمر الأول : أنه على المفتي قراءة الحالة العامة قراءة إصلاحية وليس قراءة انبطاحية من المشاهد اليوم أن قومنا متأثرون إلى حد كبير ومرضي بالثقافة الغربية بل كبير من أبناء المسلمين لا يفرق بين المزاج الغربي والعقل والفطرة

حتى أنك لو ذكرت له أن الأمر الفلاني يحدث في الغرب فإن ذلك يغنيك عن كثير من الاحتجاج بالآيات والأحاديث والآثار والله المستعان

والغرب ما استغنى بشكل كلي عن ميراثه المسيحي ( النصراني ) فقد بقيت فيه بقايا منه

والمزاج المتأثر بالنصرانية بين كثير من أبناء المسلمين واضح جداً

فانظر إلى موقف الكثيرات من تعدد الزوجات تجدها محجبة وتصلي ولم تتزوج بعد وتتكلم عن تعدد الزوجات كأي كاهن في كنيسة بل قصص الحب والغرام بين شابين مقبولة في المزاج العام أكثر من تعدد الزوجات

والنصرانية لها موقف شديد في باب تعدد الزوجات حتى أنهم اليوم قبلوا بكل شيء حتى المثلية وتعدد الزوجات لا زالوا يرفضونه بشدة وفهم هذا عسير إلا إذا كانوا يتقربون للنساء بمثل هذا

وكثير من أبناء المسلمين في باب الحدود والحكم على الأشخاص يتمثل ( أما أنا فلا أدينك ) و ( من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر ) وإن كانوا لا يطلقونها بهذه الألفاظ الانجيلية إلا أنهم يقررون معناها بألفاظ متعددة

فهذا أمر يحتاج إلى علاج ودراسة لا إلى مداهنة وتعايش

الأمر الثاني : يلاحظ في كثير من الشباب الذين لهم حظ في علم الحديث أنهم أصابهم غرور عجيب بمجرد أن يجد علة في السند يطرح الحديث ويقدم على استنكاره دون النظر إلى الشواهد من بقية الأحاديث والآثار والتفاسير ومقالات الفقهاء وقد ذكر الشافعي في كتابه الرسالة من عواضد المرسل آثار الصحابة وقول عامة الفقهاء

والإقدام على استنكار أحاديث مروية في المصادر المشهورة وكثيرة التداول بين العلماء بدون أي مستنكر لها أمر لا يقدم عليه إلا متعجل 

تنبيه : بعد تدوين الكلام السابق وفي ظل هجمة مسعورة على الإسلام رأيت فتيا لصاحبه المتنحبل يجيز عيد الميلاد ويحتج بالطائرات والسيارات التي جاءت من الكفار والمصيبة أن هذا الأخرق ينتسب لمذهب أحمد 

وكلامه كلام من لم يشم رائحة الفقه فأين ما قام داعيه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله من أمر ما قام داعيه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ودعت إليه الحاجة بل الضرورة في عصرنا وغايته أنه نظير لأمر كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ففي زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان الناس ينتقلون بوسائل المواصلات ويشترون الأسلحة من الكفار 

وهذا القياس نظير قياسه الدخان على المشروبات الغازية وهذا قياس فاسد فالدخان سم مخفف والمشروبات الغازية وغيرها هي طعام في الأصل طعام نافع وإنما يأتي ضرره من الإكثار 

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم