تبرئة أهل السنة من تهمة التشبيه

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال أبو القاسم البستي إسماعيل بن علي الزيدي المعتزلي في كتابه البحث في أدلة التكفير والتفسيق ص113 :” لا أحد في الأمة إلا ويصف الله بصفة ويصف بها غيره ، مع اعتقاد أن التشبيه كفر وضلال ، فعلمنا أن الوصف له ولغيره بمجرد الوصف لا يكون تشبيهاً كما يظن بعض الجهال إنا إذا وصفناه بأنه شيء موجود وقادر وحي ووصفنا غيره شبهناه غلطاً”

أقول : لا يخفى ما في هذا الكلام من تبرئة أهل السنة من تهمة التشبيه وأنهم لو رموا بها فسيلزم ذلك اتهام كل الأمة

وقد قال عبد الجبار الهمداني في فضل الاعتزال ص198 :” فمن ظن ذلك وقال : إني لا أصف الله تعالى قادراً ولا مقدوراً لكي لا أكون مشبهاً فقد أخطأ”

قال الأشعري الآمدي في كتابه غاية المرام في علم الكلام بعد أن دفع إثبات الصفات بحجة الجهمية الشهيرة وهي استلزام ذلك للتجسيم ص138 :” فَإِن قيل بِأَن مَا دلّت عَلَيْهِ هَذِه الظَّوَاهِر من المدلولات وَأَثْبَتْنَاهُ بهَا من الصِّفَات لَيست على نَحْو صفاتنا وَلَا على مَا نتخيل من احوال ذواتنا بل مُخَالفَة لصفاتنا كَمَا ان ذَاته مُخَالفَة لذواتنا وَهَذَا مِمَّا لَا يَقُود إِلَى التَّشْبِيه وَلَا يَسُوق إِلَى التجسيم
فَهَذَا وَإِن كَانَ فِي نَفسه جَائِزا لَكِن القَوْل باثباته من جملَة الصِّفَات يستدعى دَلِيلا قَطْعِيا”

فهنا الآمدي اعترف بأن إثبات صفات لا تشبه صفات المخلوقات كما أننا أثبتنا ذاتاً لا تشبه الذوات أمر ( جائز ) يعني عقلاً

والنصوص لا تدل إلا على هذا المعنى فلا تعارض بين العقل والنقل ، فاشتراطه القطعية والحال هذه في إثبات بدعة ولا طائل تحتها ما دام الأمر جائزاً في العقل

والحجة الأخرى التي يعتمدونها في نفي الصفات الفعلية والتي يسمونها حلول الحوادث اعترف كثير من نظارهم أنها حجة ليست قطعية وليس عليها برهان قاطع إذن لا يوجد دليل عقلي يجعلنا نترك ظواهر النصوص

قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى :” وفضلاؤهم – وهم المتأخرون: كالرازي والآمدي والطوسي والحلي وغيرهم – معترفون بأنه ليس لهم حجة عقلية على نفي ذلك؛ بل ذكر الرازي وأتباعه أن هذا القول يلزم جميع الطوائف ونصره في آخر كتبه: ” كالمطالب العالية ” – وهو من أكبر كتبه الكلامية الذي سماه ” نهاية العقول في دراية الأصول ” – لما عرف فساد قول النفاة لم يعتمد على ذلك في ” مسألة القرآن “. فإن عمدتهم في ” مسألة القرآن ” إذا قالوا: لم يتكلم بمشيئته وقدرته – قالوا – لأن ذلك يستلزم حلول الحوادث؛ فلما عرف فساد هذا الأصل لم يعتمد على ذلك في ” مسألة القرآن “. فإن عمدتهم عليه؛ بل استدل بإجماع مركب وهو دليل ضعيف إلى الغاية لأنه لم يكن عنده في نصر قول الكلابية غيره؛ وهذا مما يبين أنه وأمثاله تبين له فساد قول الكلابية. وكذلك ” الآمدي ” ذكر في ” أبكار الأفكار ” ما يبطل قولهم وذكر أنه لا جواب عنه وقد كشفت هذه الأمور في مواضع؛ وهذا معروف عند عامة العلماء حتى الحلي بن المطهر ذكر في كتبه أن القول بنفي ” حلول الحوادث ” لا دليل عليه فالمنازع جاهل بالعقل والشرع”

وقال صفي الدين الهندي الأشعري في نهاية الوصول في علم الأصول :” أن حكم المجموع المركب من الأفراد قد يكون مخالفا لحكم تلك الأفراد والعلم بذلك ضروري بعد الاستقراء”

وهذا الكلام ينقض حجتهم في امتناع حلول الحوادث ( وهي الأفعال الاختيارية ) فهو يقولون أن من حل فيه فعل حادث لم يخل منها وما لم يخل منها فهو حادث والجواب أن جنس هذه الحوادث قديم فكل فعل قبله فعل قبله فعل إلى ما لا بداية فالجنس أو ( المجموع ) بتعبير الهندي قديم بيد أن الأفراد كل فرد منها حادث ومثل هذا أحقاب جهنم كل حقب له بداية ونهاية ولكن مجموع الأحقاب لا نهاية له وكذلك أكلات أهل الجنة كل أكله لها بداية ونهاية وكل (مجموع الأكلات ) لا نهاية له وكذلك الأفعال كل فعل له بداية ونهاية ولكن ( مجموع الأفعال ) لا بداية لها ولا نهاية وهكذا تنتقض شبهتهم السابقة ويكون الأخذ بظواهر النصوص متحتماً وأن العقل الصريح مع النقل الصحيح وهذا التقرير من الهندي يحل الإشكال الذي يشوش به بعض المعاصرين على مسألة تسلسل الحوادث