تبديد أوهام الإمامية حول عصر الظهور
من الأبواب التي كانت طريقًا لفتنة الكثيرين من المفتونين بفكرة الفردوس الأرضي من الإمامية -زيادة على فتنتهم الأصلية- موضوع عصر الظهور وعلاماته.
ولهذا نجد اليوم جماعةً من المختصين بالحديث عن علامات عصر الظهور، وكل واحد منهم يجمع عددًا كبيرًا من الأتباع عن طريق تفسيره للأحداث الحاصلة وفقًا لبعض الروايات التي عندهم، ويربط بينها بشكل يكون مقنعًا للكثير منهم فيتمسَّكون به. فقد وُجد من يدعي أنه اليماني (ابن المهدي)، ووُجد من يدعي أنه القحطاني المذكور في الروايات، ووُجد غيرهم، وكل واحد منهم له أتباع ويستدل من الروايات ويزعم انطباق تفسيره للروايات على الواقع.
ومع تردي الأوضاع وشغف الناس الشديد عندهم بظهور المهدي أو صاحب الزمان يَجِد هذا الخطاب آذانًا مصغية.
وأقوى ما يستدل به بعضهم هذه الرواية:
وهي ما ورد في بحار الأنوار: صحيفة الرضا (ع): عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال علي بن الحسين عليهما السلام: كأني بالقصور وقد شيدت حول قبر الحسين عليهم السلام وكأني بالأسواق قد حفت حول قبره فلا تذهب الأيام والليالي حتى يسار إليه من الأفاق وذلك عند انقطاع ملك بني مروان.
أقول: هذه الرواية يقولون أنها لا تنطبق إلا على عصرنا فإن الحسين ما صار قبره يُزار من الآفاق وتحمل إليه المحامل من الكوفة إلا في زماننا هذا (وهذه آية).
ولكن يعكر على هذا التفسير قولهم “عند انقطاع ملك بني مروان”، ومُلك بني مروان انقطع منذ زمن بعيد.
ففسَّروا ملك بني مروان بحكم البعث في العراق وأنه شبه بملك بني مروان تشبيهًا.
وهذا الأمر أقنع الكثير من الإمامية ورأوا في الأمر آية ظاهرة.
غير أن في الأمر خدعة، فالخبر المذكور يصف حالة قد وُجدت فعلًا في زمن العباسيين عند انقطاع حكم بني مروان، فكان فعلًا الكثير من الشيعة الغلاة يزورون قبر الحسين، وجماعة منهم بنوا منازلهم ودورهم حول هذا القبر.
جاء في تجارب الأمم لابن مسكوية: وفيها أمر المتوكّل بهدم قبر الحسين عليه السلام وما حوله من المنازل والدور وأن يبذر ويمنع الناس من إتيانه.
وهذا موجود في الكثير من الكتب التاريخية، فقوله “هدم قبر الحسين” دليل على أنه بُنيت عليه قبة وصار ظاهرًا للناس، وهذا إذا فُعل يصير القبر مظنة اعتياد وزيارة متكررة من العوام.
وواضح من قوله: “ويمنع الناس من إتيانه” أن الشيعة الغلاة كانوا يرتادونه بكثرة.
وأمره بهدم ما حوله من المنازل والدور يدل على أن أناسًا سكنوا هناك وتقصَّدوا هذا، ولا شك أنهم كانت لهم أسواقهم.
والرواية المذكورة من اختلاقات ابن بابويه القمي “صاحب أخبار الرضا”، وهو قد عاش في الحقبة العباسية فرأى واقعًا أمامه فنسبه لعلي بن الحسين بسنده. وعندهم روايات تقول أن بعد انتهاء ملك الأمويين والعباسيين يظهر القائم، وقد انتهى ملكهم وما ظهر القائم، مما اضطر المعاصرين منهم أن يزعموا أن هذه رموز وأن العباسيين ليسوا هُم العباسيون الأوائل، وكذلك الأمويون، وزعموا أن الحقبة الحالية للحكومة العراقية هي العباسية! وزعموا أن الرايات الهاشمية التي تكلم عنها جعفر الصادق في بعض الروايات هي رايات مراجع الشيعة، علمًا أن الصادق كان يعني رايات العباسيين وأبناء زيد بن علي وأحفاد الحسن، فهؤلاء مجموعة من الهاشميين حصلت صراعات بينهم عديدة في وقت معين، ولو كان المقصود مراجع الشيعة لقال: “من أولاد علي أو من أولاد فاطمة”، لأنهم كلهم ينتسبون هذا النسب، وهذا أخص من النسب الهاشمي.
وقد كتب ابن قولويه القمي كتابًا بعنوان “كامل الزيارات” وضع فيه أحاديث كثيرة في فضل زيارة الحسين، وواضح أن الغلاة كانوا يصنعون ذلك بكثرة لذلك قام شيوخهم بوضع الروايات في فضل هذا الفعل.
وقد اتهم بعض الناس المتوكل بالنصب بسبب هذا الفعل وأمور أخرى رويت عنه ولا تثبت، ولي مقال في تبرئته من كل ذلك بعنوان: “براءة الخليفة العباسي أبي الفضل جعفر المتوكل من تهمة النصب”.