فقد كنت بينت في مقال سابق براءة الإمام أحمد من القول بأن التلاوة مخلوقة على ما حقق ابن تيمية _ رحمه الله _
فذهب بعضم يحتج بأنها في رسالة إبراهيم الحربي في الرد على من يقول بخلق القرآن
ومدار هذه الرسالة على جعفر بن إدريس القزويني انفرد بحديث موضوع على الإمام مالك !
قال ابن حجر: أخرج الدَّارَقُطْنِيّ في «غرائب مالك» عنه حديثًا بواسطة، فقال: حدثنا عبد الواحد بن الحسن البصلاني، حدثنا جعفر بن إدريس بمكة، حدثنا يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، عن سريج بن يونس، حدثنا معن، عن مالك، عن الزهري، عن أنس، رضي الله عنه، «كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا عاد مريضًا قال أذهب الباس» … الحديث.
وقال هذا غير محفوظ عن مالك، وجعفر هذا ضعيف. «لسان الميزان» 2 (1986)
وقول الدارقطني ( غير محفوظ ) يساوي ( منكر ) و ( موضوع )
ويروي عن جعفر أحمد بن عمر بن سعيد
قال الذهبي في الميزان :” 504 – أحمد بن عمر بن سعيد، أبو الفتح الجهازي (1) .
قال الحبال: تكلم فيه القاضي علي بن الحسن بن خليل”
وكما قدمت آنفاً أن هذه الرواية أن هذا يخالف المتواتر عن الإمام أحمد
ولو صح هذا عن أحمد لرواه كل الناس عنه ولما تركه الخلال ولاشتهر في كتب المعتقد وما قال الأصبهاني وابن أبي يعلى والهروي والسجزي أن التلاوة هي المتلو
فإن الإمام أحمد لم يرض من اللفظية بقولهم ( القرآن غير مخلوق ) ولفظي بالقرآن مخلوق لئلا يريدوا ما يريده الأشاعرة من كون القرآن الذي في الأرض مخلوق والذي عند الله هو غير المخلوق
لذا غضب على نعيم لما روي عنه الكلام باللفظ مع أنه يصرح بأن القرآن غير مخلوق
فإن : ألا يقبل الضعفاء في المقطوع
فيقال : هذا إن لم يخالفوا المشهور عن الإمام ويرووا عنه تفصيلا لا يعلم من طريقته وإليه يتشوف أعيان أصحابه لما في ذلك من فض نزاعات عظيمة حصلت بين الناس بعد الإمام أحمد في هذه المسائل وكلهم يعظمه ويطلب قوله
وإذا كان بعض أعيان أصحاب أحمد غلط عليه لما رأى من كثرة رده على اللفظية فنسب إليه القول بأن ( لفظي بالقرآن غير مخلوق ) حتى رده أحمد وبين له
ووجه انتقادي على الكاتب إطلاقه بأن اعتقاد أهل السنة بأن التلاوة مخلوقة وهذا نص ابن تيمية على أنه باطل عن أحمد وهذا هو الصواب
بل لما استدل على اللفظية بقوله تعالى ( حتى يسمع كلام الله ) قال : ممن سمع
يريد أن تسمية تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن ( كلام الله ) يبطل الإطلاق بأنها مخلوقة بل لا بد من التفصيل فيقال : كلام الله غير مخلوق وفعل العبد مخلوق
وهذه الرواية تناقض كلام ابن تيمية مناقضة صريحة الذي صرح أن أحمد لم يطلق بأن التلاوة مخلوقة فلا ينبغي الممحاكة في هذه الأبحاث الخطيرة
وأعيد نصه هنا
قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (12/373) :” وكانت اللفظية الخلقية من أهل الحديث يقولون نقول أن ألفاظنا بالقرآن مخلوقة وان التلاوة غير المتلو والقراءة غير المقروء و اللفظية المثبتة يقولون نقول أن الفاظنا بالقرآن غير مخلوقة والتلاوة هى المتلو والقراءة هى المقروء
وأما المنصوص الصريح عن الامام أحمد وأعيان أصحابه وسائر أئمة السنة والحديث فلا يقولون مخلوقة ولا غير مخلوقة ولا يقولون التلاوة هى المتلو مطلقا ولا غير المتلو مطلقا كما لا يقولون الاسم هو المسمى ولا غير المسمى
وذلك أن التلاوة والقراءة كاللفظ قد يراد به مصدر تلى يتلو تلاوة وقرأ يقرأ قراءة ولفظ يلفظ لفظا ومسمى المصدر هو فعل العبد وحركاته وهذا المراد باسم التلاوة والقراءة واللفظ مخلوق وليس ذلك هو القول المسموع الذى هو المتلو وقد يراد باللفظ الملفوظ وبالتلاوة المتلو وبالقراءة المقروء وهو القول المسموع وذلك هو المتلو ومعلوم أن القرآن المتلو الذى يتلوه العبد ويلفظ”
فانظر كيف سمى القائلين بأن التلاوى غير المتلو لفظية ونص على مخالفة مذهبهم للمشهور المتواتر عن أحمد
وما نقله حرب عن أحمد هو الآكد
وإليك هذه الرواية القاصمة في إنكار أحمد على من يقول التلاوة مخلوقة
أبو أبو داود في مسائله 1712 – كَتَبْتُ رُقْعَةً، وَأَرْسَلْتُ بِهِ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُتَوَارٍ، فَأَخْرَجَ إِلَيَّ جَوَابَهُ مَكْتُوبًا فِيهِ: قُلْتُ: رَجُلٌ يَقُولُ: التِّلَاوَةُ مَخْلُوقَةٌ، وَالْفَاظُنَا بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ وَالْقُرْآنُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، مَا تَرَى فِي مُجَانَبَتِهِ؟ وَهَلْ يُسَمَّى مُبْتَدِعًا؟ وَعَلَى مَا يَكُونُ عَقْدُ الْقَلْبِ فِي التِّلَاوَةِ وَالْأَلْفَاظِ؟ وَكَيْفَ الْجَوَابُ فِيهِ؟ قَالَ: هَذَا يُجَانَبُ، وَهُوَ فَوقُ الْمُبْتَدِعِ، وَمَا أَرَاهُ إِلَّا جَهْمِيًّا، وَهَذَا كَلَامُ الْجَهْمِيَّةِ، الْقُرْآنُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ، يُرِيدُ حَدِيثَهَا» : {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7] ، فَقَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، فَاحْذَرُوهُمْ، فَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ» ، وَالْقُرْآنُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ
فليبصر المرء أمر دينه فأنا لكم ناصح
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم