بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال تعالى: (بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ)

الذكر هنا على ما اختار الطبري الشرف ولا شك أن الطاعة شرف لكل مؤمن يوم يلقى الله والقرآن مفتاح كل طاعة ، ولكن لنمعن أكثر

ما كان يدور في خلد العربي أو القرشي المولع بالشرف في أقصى أمانيه جموحاً أن يزول عنه ملك فارس والروم بل هو يملك زمامهم ، ويصير لسانه العربي سياراً فيتكلف الحبشي والرومي والتركي والكردي والبربري والإسرائيلي والفارسي تعلمه والتكلم به عن طيب نفس لأنه به نزل كتاب الله وبه يعبد الله

بل وتجد في جميع هؤلاء من يسمي أبناءه بأسماء العرب ويغتبط لذلك وقد ملك المسلمون من قريش ملكاً عظيماً ما ملكه عربي ولا فارسي ولا رومي ممن كانوا في زمن النبوة قط فهذا شرف عظيم

تأمل كيف أعرض عنه أساطين قريش بجهالة وحمق ووفق له أهل القلوب السليمة ممن هداه الله للإسلام منهم

ثم كان أحظى بهذا الشرف منهم كل أعجمي دخل الإسلام خصوصاً من خلد اسمه بعلم أو فقه أو جهاد أو زهد فتأمل كيف ضيع الأمر من عرف النبي وعاش معه وشركه في نسبه وأصابه من ليس كذلك

وإنني لأرى الأمر يتكرر ولكن بصيغ أخرى كلما خاطبني أخ من بلاد أهلها لا يتحدثون العربية وأنبته على بعض ما يصدر منهم من رعونات أسمع العذر الذي يكاد يفطر قلبي حزناً ويجعلني حانقاً على نفسي إذ لم أقم عذر القوم وهذا العذر هو قولهم : نحن لا نحسن العربية جيداً مثلكم ولا علماء عندنا والحكومة عندنا تحارب الإسلام بشراسة .

ومع ذلك يسعون للتعلم ويجتهدون وكم نرى ممن يحسن العربية ولا يقع تحت ظرف هؤلاء وهو في أحسن أحواله سبهللا لا في خير ولا شر محض وإنما يرتع في الترفيه

وعندي والدتي هي أمية وكانت تتعجب من إعراضنا عن القراءة في المصحف مع كوننا نحسن القراءة وما اكتفت بالتنظير وتكلفت تعلم القراءة وتعلمت طرفاً منها بعدما جاوزت الخمسين ومن ذلك الوقت لها ورد مستمر في القراءة في المصحف وتلازم حلق التحفيظ وإذا ما أعجزتها القراءة سلت نفسها بأن حروف المصحف صغيرة وطلبت مصحفاً ذا حروف كبيرة كهمتها

فكم من معرض عن شرفه الذي تيسرت له أدواته ، وكم من مقبل على هذا الشرف وإن تعسرت عليه أدواته.