بيان كذب قصة ( هذه التي قتلتني ) في امرأة مالك بن نويرة

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فمن القصص المكذوبة التي يشين بها الكلاب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذه القصة :” وروي أن مالكا كان فارسا شجاعا مطاعا في قومه وفيه خيلاء، كان يقال له: الجفول. قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسلم فولاه صدقة قومه، ثم ارتد،
فلما نازله خالد قال: أنا آتي بالصلاة دون الزكاة. فقال: أما علمت أن الصلاة
والزكاة معا؟ لا تقبل واحدة دون الأخرى! فقال: قد كان صاحبك يقول ذلك. قال خالد: وما
تراه لك صاحبا! والله لقد هممت أن أضرب عنقك، ثم تحاورا طويلا فصمم على قتله: فكلمه
أبو قتادة الأنصاري وابن عمر، فكره كلامهما، وقال لضرار بن الأزور: اضرب عنقه،
فالتفت مالك إلى زوجته وقال: هذه التي قتلتني، وكانت في غاية الجمال، قال خالد: بل
الله قتلك برجوعك عن الإسلام فقال: أنا على الإسلام.

فقال: اضرب عنقه، فضرب عنقه، وجعل رأسه
أحد أثافي قدر طبخ فيها طعام، ثم تزوج خالد بالمرأة، فقال أبو زهير السعدي من
أبيات:

قضى خالد بغيا عليه لعرسه … وكان له
فيها هوى قبل ذلكا”

وهذه القصة ذكرها الذهبي في السير وتاريخ الإسلام دون أدنى تعليق يبين كذبها وقد اقتدى في ذكرها بشيخه الطعان في الصحابة والذي اتهم بالرفض ابن خلكان مع أن ابن خلكان تبرأ وأحال العهدة على الراوي

قال المعلق على سير أعلام النبلاء :”
كذب ومين: أخرجه ابن جرير الطبري في “تاريخ الأمم والملوك” “3/ 279”
بإسناد مظلم من طريق سيف بن عمر، عن خزيمة بن شجرة، عن عثمان بن سويد الرياحي، عن
سويد الرياحي.

قلت: وهذا إسناد مظلم، رجاله هم بين كذاب
دجال ومتهم. فهذه الحكاية عن خالد من الافتراءات إذ لا يعقل أن يرتكبها صغار
الصحابة فكيف بصحابي كبير مثل خالد بن الوليد، سيف الله المسلول، فلقد كان صلى
الله عليه وسلم يوصي الجيش ألا يقتلوا شيخا أو امرأة أو طفلا أو يحرقوا شجرة، فكيف
يقتله -وهو مسلم- ليتزوج امرأته، بل ويوقد في رأسه النار ليطبخ عليها هذا وأيم
الله إفك مبين. ولا يعني إيراد الذهبي وغيره من المؤرخين لهذه النصوص غير الصحيحة
أنهم يقرونها فإنهم يعتمدون على ذكر الإسناد لتبرأ ذمتهم، ويتركون للقارئ هذه
الأسانيد ليميزها، فيعرف الصحيح والزغل الدخيل”

أقول : اعتذاره للذهبي لا يجدي إذ كيف
توضع رواية كهذه بدون إسناد في كتاب تاريخي وقد شغف العوام بالتواريخ ، لقد اجتهد
الذهبي وغيره في إخفاء ما قال أهل الحديث في إمام أهل الرأي وهذا أولى بالكتم لو
كان صحيحاً فكيف والحال هذه

وقال ابن حجر في الإصابة :” وروى
ثابت بن قاسم في الدلائل أن خالدا رأى امرأة مالك وكانت فائقة في الجمال فقال مالك
بعد ذلك لامرأته قتلتني يعني سأقتل من أجلك وهذا قاله ظنا فوافق انه قتل ولم يكن
قتله من أجل المرأة كما ظن”

ولا حاجة إلى توجيه الرواية فلا إسناد لها
ولا يستبعد أن تكون من وضع الوضاعين

ثم أردف الذهبي هذه القصة بقصة أخرى :”
وذكر ابن الأثير في “كامله”2 وفي “معرفة الصحابة”3، قال: لما
توفي النبي صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب، وظهرت سجاح وادعت النبوة صالحها
مالك، ولم تظهر منه ردة، وأقام بالبطاح، فلما فرغ خالد من أسد وغطفان سار إلى مالك
وبث سرايا، فأتى بمالك. فذكر الحديث وفيه: فلما قدم خالد قال عمر: يا عدو الله
قتلت امرأ مسلما ثم نزوت على امرأته، لأرجمنك وفيه أن أبا قتادة شهد أنهم أذنوا
وصلوا”

فعلق محقق السير بقوله :” كذب ومين: هذه
القصة باطلة بل من أفحش الكذب، إذ كيف يعقل أن يقتل سيف الله المسلول مسلما ليتزوج
امرأته بل، ويوقد برأسه النار ليطبخ عليها؟!! سبحانك هذا بهتان عظيم وإفك مبين لا
يصدقه إلا الجهلة الطغام”

ثم أورد الذهبي رواية ثالثة :” وقال
الموقري، عن الزهري قال: وبعث خالد إلى مالك بن نويرة سرية فيهم أبو قتادة، فساروا
يومهم سراعاً حتى انتهوا إلى محلة الحي، فخرج مالك في رهطه فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن
المسلمون فزعم أبو قتادة أنه قال:وأنا عبد الله المسلم قال: فضع السلاح، فوضعه في
اثني عشر رجلاً، فلما وضعوا السلاح ربطهم أمير تلك السرية وانطلق بهم أسارى، وسار
معهم السبي حتى أتوا بهم خالداً، فحدث أبو قتادة خالداً أن لهم أماناً وأنهم قد
ادعوا إسلاماً، وخالف أبا قتادة جماعة السرية فأخبروا خالداً أنه لم يكن لهم أمان،
وإنما سيروا قسراً، فأمر بهم خالد فقتلوا وقبض سببهم، فركب أبو قتادة فرسه وسار
قبل أبي بكر. فلما قدم عليه قال: تعلم أنه كان لمالك بن نويرة عهد وأنه ادعى
إسلاماً، وإني نهيت خالداً فترك قولي وأخذ بشهادات الأعراب الذين يريدون الغنائم،
فقام عمر فقال: يا أبا بكر إن في سيف خالد رهقاً، وإن هذا لم يكن حقاً فإن حقاً عليك
أن تقيده، فسكت أبو بكر”

فعلق محقق السير :” الوليد بن بن
محمد الموقري، قال أبو حاتم: ضعيف الحديث وقال ابن المديني: لا يكتب حديثه.

وقال ابن خزيمة: لا أحتج به؛ وكذبه يحيى
بن معين وله مناكير وبلايا ذكر بعضها الذهبي في “الميزان”.

وكل ما يذكر في لقاء عمر بن الخطاب لمتمم
بن نويرة من أكاذيب الواقدي سردها ابن سعد في الطبقات والله المستعان

وغاية ما في الأمر بعض مراسيل الزهري وهي
من أوهى المراسيل ولا ذكر فيها للمرأة وإنما فيها اختلاف الصحابة في الحال التي
مات عليها مالك ، وما ذكره خليفة بن خياط من ودي الصديق لمالك فليس بشيء وخليفة
تكلم فيه الأئمة

 قال
الحاكم: قلت للدارقطني خليفة بن خياط؟ قال ما أعرفه، وإنما أراد ابن خياط، فقال: قد
جرحوه. (311) .

وقد جرحه أبو حاتم وأبو زرعة

والرواية من طريق ابن أبي ذئب عن الزهري وهو ضعيف الرواية وإنما يحفظ الخبر عن الزهري مرسلاً بدون ذكر الودي  بل بسياق آخر تماماً

فليربع على أنفسهم الطاعنون في خير الخلق
بعد الأنبياء ، ورغماً عن أنوفكم قد أزال الله بخالد بن الوليد الردة وأحسب أنه
لرحم بينكم وبين أهل الردة تبغضون هذا الرجل

قال ابن سعد في الطبقات 5848- قَالَ : أَخْبَرَنا
عبد الله بن الزبير الحميدي قَالَ : حَدَّثَنا سفيان بن عيينة قَالَ : حَدَّثَنا
إسماعيل بن أبي خالد قَالَ : سمعت قيس بن أبي حازم يقول : لما مات خالد بن الوليد
قَالَ عمر رحمه الله : يرحم الله أبا سليمان ، لقد كنا نظن به أمورا ما كانت.

وهذا إسناد صحيح

وقال ابن أبي شيبة في المصنف 11460- حَدَّثَنَا
أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ شَقِيقٍ ، قَالَ لَمَّا مَاتَ خَالِدُ
بْنُ الْوَلِيدِ اجْتَمَعَنْ نِسْوَةُ بَنِي الْمُغِيرَةِ يَبْكِينَ عَلَيْهِ
فَقِيلَ لِعُمَرَ أَرْسِلْ إلَيْهِنَّ فَانْهَهُنَّ لاَ يَبْلُغُك عَنْهُنَّ
شَيْءٌ تَكْرَهُهُ ، قَالَ : فَقَالَ عُمَرُ : وَمَا عَلَيْهِنَّ أَنْ يُهْرِقْنَ
مِنْ دُمُوعِهِنَّ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ ، أَوْ
لَقْلَقَةٌ.

وهذا صحيح أيضاً

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه
وسلم