بيان كذب رواية تبرؤ معاوية بن يزيد من جده معاوية بن أبي سفيان

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد رأيت مقطعاً لعدنان إبراهيم يأتي فيه برواية يدعي فيها أن معاوية بن يزيد بن معاوية تبرأ من جده معاوية وادعى عليه أنه نازع الأمر أهله

نحن نعرف من منهج عدنان إبراهيم أنه لا يقبل المتواترات إذا لم توافق هواه مثل إنكاره للرجم ونزول المسيح فلنرى منزلة هذه الرواية

قال مطهر بن طاهر المقدسي في كتابه البدء والتاريخ : فقال إنا بلينا بكم وابتليتم بنا وإن جدي معاوية نازع الأمر من كان أولى به وأحق فركب منه ما تعلمون حتى صار مرتهناً بعمله ثم تقلده أبي ولقد كان غير خليق به فركب ردعه واستحسن خطاءه ولا أحب أن ألقى الله بتبعاتكم فشأنكم وأمركم ولّوه من شئتم فو الله لئن كانت الخلافة مغنماً لقد أصبنا منها حظاً وإن كانت شراً فحسب آل أبي سفيان ما أصابوا منها ثم نزل وأغلق الباب في وجهه وتخلى للعبادة حتى مات بالطاعون في سنة [أربع وستين].

مطهر بن طاهر عاش في القرن الرابع الهجري ولم يذكر أسناداً للقصة وهو نفسه مجهول لا يعرف فكيف يعتمد مثل هذا وكل من نقل الرواية إنما جاء بعده فتأمل كيف تنكر رواية الثقات المتواترة وتقبل رواية الكذابين 

بل المصادر التاريخية لا تختلف أن معاوية ولي الخلافة ولكنه مات قبل أن يهنأ بها

جاء في تاريخ دمشق : الزبير بن بكار قال فولد يزيد بن معاوية معاوية وخالدا وأبا سفيان وأمهم أم هاشم (4) حدثني محمد ابن الضحاك الحزامي عن أبيه قال لما حضرت معاوية بن يزيد الوفاة قيل له اعهد قال لا أتزود مرارتها وأترك لبني أمية حلاوتها

ومما يشوش به بعض الجهلة ما ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء : وَقَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: سَارَ الحَسَنُ يَطْلُبُ الشَّامَ، وَأَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ فِي أَهْلِ الشَّامِ، فَالْتَقَوْا، فَكَرِهَ الحَسَنُ القِتَالَ، وَبَايَعَ مُعَاوِيَةَ عَلَى أَنْ جَعَلَ لَهُ العَهْدَ بِالخِلاَفَةِ مِنْ بَعْدِهِ، فَكَانَ أَصْحَابُ الحَسَنِ يَقُوْلُوْنَ لَهُ: يَا عَارَ المُؤْمِنِيْنَ.

فقالوا : أن معاوية خالف عهده علماً أن العهد كان للحسن والحسن مات قبل معاوية ولكنهم مع إنكاره لما يسمونه توريثاً رأوا أن الحسين ورث عهد أخيه الحسن علماً أن الأخ لا يرث مع وجود الأبناء وقد كان للحسن أبناء ! والرواية منقطعة فعبد الله بن شوذب ما سمع أحداً من الصحابة

وتولية معاوية ليزيد لا تختلف عن تولية علي بن أبي طالب لمحمد بن أبي بكر _ مع كونه متهماً بجناية تتعلق بعثمان _ حمله عليها القرب وإحسان الظن به مع محبة أهل الشام للأمويين وكراهيتهم أن تخرج الخلافة منهم إلى بلد آخر بعد كل ما قدموه لمعاوية من عون وكانوا قوة عسكرية عظيمة يخشى من غضبهم إذا خرجت الخلافة منهم إلى بلد آخر وكان من المنطقي أن يزودوا بهذه القوة لأنهم كانوا على حدود الروم وما كان على الغيب حفيظاً ولا شك أن علياً خير من معاوية ولكن لبيان أن المرء يولي من يحسن به الظن وتتبع ذلك أسباب أخرى ثم بعد ذلك الانسان لا يقوم بالعهد كما ينبغي وهذا عمر لما مات يزيد بن أبي سفيان أرسل لأهل الشام أخاه معاوية لمحبة الشاميين للأمويين وقد أحسن عمر الظن بمعاوية وكان على قدر هذه الثقة فرأى معاوية أن صنيعه مع ابنه من جنس صنيع عمر مع أخيه يزيد وما حصل من يزيد بن معاوية إنما يتحمله هو فهذا الحسن تنازل لمعاوية ومن ينتقد معاوية لا يحمل الحسن تبعات انتقاداته لمعاوية 

قال البغوي في معجم الصحابة :

حدثني سويد بن سعيد قال: حدثنا ضمام بن إسماعيل عن أبي فيل ( كذا في المطبوع وفي أخطاء كثيرة جدا والصواب أبو قبيل المعافري ) 

 قال كان معاوية قد جعل في كل قبيلة رجلا

 وكان رجلا منا يكنى أبا الحسن يصبح في كل يوم فيدور على المجالس  :

هل ولد فيكم الليلة ولد  ؟ 

هل حدث الليلة حدث ؟ 

 هل نزل بكم الليلة نازل  ؟ 

فيقولون ولد لفلان غلام ولفلان ..  فيقول ما يسمي ؟  فيقال ,  له فيكتب 

فيقول هل نزل بكم الليلة نازل  ؟ 

قال فيقولون نعم نزل رجل من أهل اليمن بعياله يسمونه وعياله 

 فإذا فرغ من القبيلة كلها

 أتى الديوان فأوقع أسماءهم في الديوان. ( يعني لكي يعطيهم من بيت مال المسلمين يعني المولود كان له راتب يصرف من الدولة بمجرد ولادته  )

أقول : أبو قبيل هذا مصري يتكلم عن مصر في وقت معاوية 

وهذا وغيره سبب قول بعض الكوفيين  : لو رأيتم معاوية لقلتم هذا المهدي . لأن المهدي ذكر في الروايات أنه يغدق على الناس بالمال 

وقال ابن سعد في الطبقات 6723- قال : أخبرنا الفضل بن دكين قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق قال : كان معاوية وكان وكان ، وما رأينا بعد مثله . قال أبو بكر : ما ذكر عُمَر بن عبد العزيز.

الفضل شيعي وأبو إسحاق شيعي ومع ذلك أنصفا

قال أحمد في مسنده 19194 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ قَالَ: كَانَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ فِي بَعْثٍ بِأَرْمِينِيَّةَ قَالَ: فَأَصَابَتْهُمْ مَخْمَصَةٌ أَوْ مَجَاعَةٌ قَالَ: فَكَتَبَ جَرِيرٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” مَنْ لَمْ يَرْحَمِ النَّاسَ لَا يَرْحَمْهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ “. قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: آنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَقْفَلَهُمْ وَمَتَّعَهُمْ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: ” وَكَانَ أَبِي فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ فَجَاءَ بِقَطِيفَةٍ مِمَّا مَتَّعَهُ مُعَاوِيَةُ “

أقول : هذا إسناد قوي إلى أبي إسحاق السبيعي أحد الستة الذين عليهم مدار الإسناد وهذه حادثة تاريخية اشتهرت في عصره ورأى أباه وقد حمل الجائزة عن معاوية

واللطيف في الأمر أن أبا إسحاق كان شيعياً كوفياً والإسناد إليه عراقي

قال الخرائطي في مكارم الأخلاق  264 – حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْد نَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم نَا هشيم نَا الْعَوَّامُ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنِ ابْنِ عمر قَالَ

مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَسْوَدَ مِنْ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان

قُلْتُ وَلَا عُمَرَ قَالَ كَانَ عُمَرُ خَيْرًا من مُعَاوِيَة وَكَانَ مُعَاوِيَة أسود مِنْهُ.

أسود يعني أكثر كرما والكريم سيد وسند الخبر صحيح ودليل ما ذكر في هذه الروايات اتساع رقعة الفتوحات في وقته والنَّاس ينشطون اذا كفوا دنياهم

وهذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم