بيان عدم جواز تأخير ذبح الأضحية إلى يوم الثالث عشر

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد اختلف الفقهاء في تأخير ذبح الأضحية إلى يوم الثالث عشر من ذي الحجة،
أما من أجاز فقد اعتمد على حديث لا يصح الاعتماد عليه.

 قال البيهقي في سننه الكبرى
19244 – وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أنبأ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ،
ثنا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ،
أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَدْ سَمَّاهُ نَافِعٌ فَنَسِيتُهُ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ غِفَارٍ: ” قُمْ فَأَذِّنْ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ
الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ , وَأَنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ أَيَّامُ مِنًى
“. زَادَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى: وَذَبْحٍ , يَقُولُ: أَيَّامُ ذَبْحٍ , ابْنُ
جُرَيْجٍ يَقُولُهُ.

أقول : سليمان بن موسى قال في التقريب :” صدوق فقيه فى حديثه
بعض لين ، و خولط قبل موته بقليل”، فمثله زيادته من دون ابن جريج منكرة وقد زاد
لفظة ( وذبح ) التي استفاد منها بعض الفقهاء أن أيام التشريق بما فيها الثالث العشر
يشرع فيها ذبح الأضحية ، والثابت في الصحيح (أيام منى أيام أكل وشرب).

وقال أحمد في مسنده 16751 – حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى، عَنْ
جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«كُلُّ عَرَفَاتٍ مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ، وَكُلُّ مُزْدَلِفَةَ
مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ مُحَسِّرٍ، وَكُلُّ فِجَاجِ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ أَيَّامِ
التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ».

وهذا منقطع بين جبير بن مطعم وسليمان بن موسى وقد تقدم أن الحمل في الزيادة
المنكرة عليه فلا يقوي نفسه

 وقال الدارقطني في سننه 16751
– حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ،
قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ عَرَفَاتٍ مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ
بَطْنِ عُرَنَةَ، وَكُلُّ مُزْدَلِفَةَ مَوْقِفٌ، وَارْفَعُوا عَنْ مُحَسِّرٍ، وَكُلُّ
فِجَاجِ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ».

وعمرو بن دينار لم يسمع جبيراً إنما يروي عنه بواسطة ابنه نافع ، وقد تقدمت
الرواية بلفظ ابن جريج ليس فيها ذكر الذبح، وأحمد الخشاب متهم بالكذب فهذه منكرة.

وقال ابن عدي في الكامل (8/ 139) : حَدَّثَنَا جعفر، حَدَّثَنا دُحَيْمٌ،
حَدَّثَنا مُحَمد بْنُ شُعَيب عَنِ الصَّدَفِيِّ، عنِ الزُّهْريّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيه وسَلَّم قَال: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ.

حَدَّثَنَاهُ عَبد اللَّهِ بْنُ مُحَمد بن سلم، حَدَّثَنا دُحَيْمٌ، حَدَّثَنا
مُحَمد بْنُ شُعَيب، حَدَّثَنا معاوية بْنُ يَحْيى، عنِ الزُّهْريّ، عنِ ابْنِ المُسَيَّب،
عَن أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وسَلَّم قَال:
أَيَّامُ التَّشْرِيقِ كُلُّهَا ذَبْحٌ.

قَالَ الشَّيْخ: وَهَذَا سَوَاءٌ قَالَ، عنِ الزُّهْريّ عَنْ سَعِيد، عَن
أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَوَاءٌ قَالَ الزُّهْريّ، عنِ ابْنِ المُسَيَّب، عَن أَبِي سَعِيد
الْخُدْرِيِّ جَمِيعًا غَيْرُ مَحْفُوظِينَ لا يرويهما غير الصدفي”، وقول ابن
عدي ( غير محفوظ ) يعني منكر ، والمنكر عند المتقدمين يساوي الموضوع لذا لا يقوى بهذا
الخبر.

قال ابن أبي حاتم في العلل :” 1594- وسمِعتُ أبِي ، وذكر حدِيثًا
حدّثنا بِهِ ، عن دُحيمٍ ، قال : حدّثنا مُحمّدُ بنُ شُعيبٍ ، قال : أخبرنِي مُعاوِيةُ
بنُ يحيى الصّدفِيُّ ، عنِ الزُّهرِيِّ ، عن سعِيدِ بنِ المُسيِّبِ ، عن أبِي سعِيدٍ
الخُدرِيِّ ، عنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قال : أيّامُ التّشرِيقِ كُلُّها
ذبحٌ.

وسمِعتُ أبِي يقول : هذا حديث موضوع عندي ، ولم يقرأ على الناس”،
ومعاوية بن يحيى الصدفي نصوا على أن له مناكير عن الزهري فلا يستغرب أن يروي عنه حديثاً
باطلاً ، بل ضعفه جمع من الأئمة جداً ، وانفراده عن مثل الزهري بهذا الخبر من دون أصحاب
الزهري بما لا يعرف عند بقية أصحاب الزهري ولا أصحاب سعيد بن المسيب لا شك أنه منكر.

قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه :” فَأَمَّا مَنْ تَرَاهُ يَعْمِدُ
لِمِثْلِ الزُّهْرِيِّ فِي جَلاَلَتِهِ ، وَكَثْرَةِ أَصْحَابِهِ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ
لِحَدِيثِهِ وَحَدِيثِ غَيْرِهِ ، أَوْ لِمِثْلِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، وَحَدِيثُهُمَا
عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَبْسُوطٌ مُشْتَرَكٌ ، قَدْ نَقَلَ أَصْحَابُهُمَا عَنْهُمَا
حَدِيثَهُمَا عَلَى الاِتِّفَاقِ مِنْهُمْ فِي أَكْثَرِهِ ، فَيَرْوِي عَنْهُمَا ،
أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا الْعَدَدَ مِنَ الْحَدِيثِ مِمَّا لاَ يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ
أَصْحَابِهِمَا ، وَلَيْسَ مِمَّنْ قَدْ شَارَكَهُمْ فِي الصَّحِيحِ مِمَّا عِنْدَهُمْ
، فَغَيْرُ جَائِزٍ قَبُولُ حَدِيثِ هَذَا الضَّرْبِ مِنَ النَّاسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ”.

وعليه فإن حكم أبي حاتم وابن عدي جار على الأصول ، ومما يؤكد نكارة الخبر
مخالفته للثابت عن الصحابة، فإذا علمت أن الأحاديث في الباب منكرة ولا تصح فاعلم أن
الذي عليه فتيا عامة الصحابة أن النحر يكون في يوم النحر ويومين بعده فقط ، وعلى هذا
لا يدخل الثالث عشر في أيام الأضحية وبهذا كان يفتي أحمد وإسحاق وهو المشهور من مذهب
الحنابلة.

قال إسحاق الكوسج في مسائله عن أحمد :” [2857-] قلت: كم الأضحى؟
[ثلاثة أيام] .

قال: ثلاثة أيام، يوم النحر، ويومان بعده.

قال إسحاق: كما قال”.

ونقل ابن قدامة في المغني مثل هذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله فقال:
قال أحمد: أيام النحر ثلاثة، عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الطحاوي في أحكام القرآن وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ:

1569 – قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ
بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ حَجَّتِهِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: ” النَّحْرُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ”.

1570 – وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ
اللهِ، عَنْ مَيْسَرَةَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: ” الْأَضْحَى ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ “

1571 – وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنِ
الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
” النَّحْرُ يَوْمَانِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَأَفْضَلُهَا يَوْمُ النَّحْرِ”.

1572 – وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا، حَدَّثَهُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: ” النَّحْرُ يَوْمَانِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ”.

1573 – وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: ” سَأَلَ رَجُلٌ
ابْنَ عُمَرَ بَعْدَ الْأَضْحَى بِيَوْمِ: أُضَحِّي الْيَوْمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَغَدًا
إِنْ شِئْتَ “.

1574 – وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ السَّدُوسِيُّ عَارِمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَارِمٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،
قَالَ: ” يُضَحَّى بَعْدَ النَّحْرِ بِيَوْمَيْنِ “.

1575 – وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ،
عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ” الذَّبْحُ بَعْدَ الْعِيدِ يَوْمَانِ”.

1576 – وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ،
قَالَ: ” الْأَضْحَى يَوْمَانِ بَعْدَهُ ” وَلَا نَعْلَمُهُ رُوِيَ عَنْ
أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا
الْمَعْنَى خِلَافُ هَذَا الْقَوْلِ.

أقول : وما قاله الطحاوي هو الصواب الذي نص عليه أحمد ، مع العلم أن في
بعض أسانيد الطحاوي سقطاً وغلطاً بيناً ويبدو أنها من المحقق، ومن الآثار ما لا يرتاب
في صحته كأثر ابن عمر وأنس.

وقال  في كشاف القناع (7/392) :” فَأَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ
يَوْمُ الْعِيدِ ، وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِهِ وَرُوِيَ وَابْنِ
عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ قَالَ أَحْمَدُ أَيَّامُ
النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ خَمْسَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”.

وعليه فإن الصواب الذي عليه الصحابة ، وكان أحمد يفتي به ونقل الطحاوي
اتفاقهم عليه أن الأضحية تجزي يوم النحر ( يوم العاشر ) ويومان بعده ( الحادي عشر والثاني
عشر ) ، ولا تجزي في الثالث عشر.

ولو صح الخبر المتقدم لجاز تخصيصه بهذه الآثار، إذ لا مدخل للرأي فيها
والتخصيص بقول الصاحب أقوى من التخصيص بالقياس عند أهل الحديث ، فكيف بقول اتفق عليه
الصحابة

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم