قال الشعراوي في تفسيره عند قوله تعالى :{ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ
} :” لذلك سيدنا عمر ـ رضي الله عنه ـ وكان على المنبر يخطب في الناس، ويقول:
أيها الناس، اسمعوا وأطيعوا، فقام أعرابي وقال: لا سمعَ لك ولا طاعة، انظر إلى هذه
الجرأة على مَنْ؟ على عمر وهو على المنبر ـ فقال له عمر: ولِمَ؟
قال: لأن ثيابك أطول من ثيابنا ـ وكان القماش يُوزَّع بين المسلمين بالتساوي
لا فَرْق بين طويل وقصير ـ فقال عمر لابنه عبد الله: قُم يا عبد الله لتُرِي الناس،
فقام عبد الله فقال: إن أبي رجل طِوَال ـ مبالغة في الطول ـ وثوبه في المسلمين لم يكْفِه،
فأعطيته ثوبي فوصَله بثوبه، وها أنذا بمُرقَّعتي بينكم، عندها قال الأعرابي: إذنْ نسمع
ونطيع”
وقال محمد قطب في كتابه ( ولا يأتون بمثله ) ص175 :” ولقد كان عمر
رضى الله عنه، وهو من هو فى هيبته التى أضفاها الله عليه، يقبل النقد، ويقول لمن أراد
أن يمنع أحد الرعية من قولة ينتقد فيها الخليفة: دعه! فلا خير فيهم إن لم يقولوها لنا،
ولا خير فينا إن لم نسمعها منهم! ويقبل من سلمان الفارسى رضى الله عنه أن يقول له:
لا سمع لك اليوم علينا ولا طاعة حتى تبين لنا من أين لك هذا البرد الذى ائتزرت به،
وأنت رجل طوال لا يكفيك برد واحد كما نال بقية المسلمين”
وأورده أيضاً في كتابه ( شبهات حول الاسلام ) ص 131 وكتاب واقعنا المعاصر
ص83 ، وغيرها من كتبه ، وقبله شقيقه سيد
وقال علي الشحود في كتابه المفصل في شرح حديث من بدل دينه فاقتلوه
(3/197) :” والصحابة رضوان الله عليهم من جانب آخر لم يكونوا ليسكتوا على تغيير
شرع الله أو إبطاله مهما يكن الشخص الذي قام بهذا التصرف ، عمر أو غير عمر . . ولنذكر
جيداً أن عمر رضي الله عنه – برغم كل المهابة التي أضافها الله عليه ، وجعل من مظاهرها
الجسم الطويل القوي والصوت الجهوري – قام يوما على المنبر فخطب الناس فقال : أيها الناس
اسمعوا وأطيعوا ! فقال له سلمان الفارسي رضي الله عنه : لا سمع لك اليوم علينا ولا
طاعة ! فقال عمر رضي الله عنه : ولمه ؟ قال : حتى تبين لنا من أين لك هذا البرد الذي
ائتزرت به ، وأنت رجل طوال لا يكفيك برد واحد كما نال بقية المسلمين ! فلما بين له
عمر رضي الله عنه أن البرد الذي ائتزر به هو برد ابنه عبد الله ، قال سلمان : الآن
مُر ! نسمع ونطع ! “
وكذا أورده في موسوعة الأسرة المسلمة (1/94)
وأورد هذه القصة سلمان العودة ( لماذا نخاف النقد ) ص26 ، ورددها في عدد
من محاضراته
وكذا أوردها النفساني العقلاني طارق الحبيب في كتابه ( نحو نفس مطمئنة
) ص7
والعجيب أنني لم أجد أحداً منهم يعزو هذه القصة لشيء من كتب أهل العلم
المعتبرة !!
وإليك إسناد هذه القصة التي تخالف الأمر بالصبر على الأئمة ، وإن جاروا
واستأثروا
قال ابن الجوزي في صفة الصفوة (1/ 535) :” وعن أبي حاتم عن العتبي
قال: بعث إلى ( في الأصل إلي وهو غلط قبيح ) عمر بحلل فقسمها فأصاب كل رجل ثوب. ثم
صعد المنبر وعليه حلة، والحلة ثوبان، فقال: أيها الناس ألا تسمعون? فقال سلمان: لا
نسمع. فقال عمر: لم يا أبا عبد الله?قال: إنك قسمت علينا ثوبا ثوبا وعليك حلة. فقال:
لاتعجل يا أبا عبد اله. ثم نادى: يا عبد الله. فلم يجبه أحد فقال: يا عبد الله بن عمر.
فقال: لبيك يا أمير المؤمنين. فقال: نشدتك الله، الثوب الذي ائتزرت به أهو ثوبك? قال:
اللهم نعم قال سلمان: فقل الآن نسمع”
أقول : وهذا معضل فأبو حاتم هو السجستاني والعتبي هو محمد بن عبيد الله
العتبي الإخباري البصري المعروف .
قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد :” محمد بن عبيد الله بن عمرو
بن معاوية بن عمرو بن عتبة بن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبا
عبد الرحمن العتبي من أهل البصرة كان صاحب أخبار ورواية للآداب وكان من أفصح الناس
وحدث عن أبيه وعن سفيان بن عيينة وأبي مخنف لوط بن يحيى الكوفى روى عنه أبو حاتم السجستاني
وأبو الفضل الرياشي وإسحاق بن محمد النخعي وعبد العزيز بن معاوية القرشي وأبو العباس
الكديمي وغيرهم وقدم بغداد وحدث بها فأخذ عنه غير واحد من أهلها أخبرني علي بن أحمد
الرزاز حدثنا محمد بن إبراهيم الشافعي حدثني عنه عمر”
قلت : فهو لم يدرك عمر ولا أدرك من أدرك عمر
ولم أرَ من ذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً إلا وصف الذهبي له بالعلامة وهذا
ليس تعديلاً من جهة الرواية عند الذهبي فقد وصف بهذا الوصف ( هشام الكلبي ) ، بل يذكرونه
بالأدب والشعر فقط وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء أنه كان يشرب (11/ 96) ، وهذا
طعنٌ في عدالته ولا شك ، ولكن يخشى أن تكون ( كان يخضب ) فتحرفت
وقد يكون تلقى القصة من شيخه الرافضي لوط بن يحيى ، هذا مع عدم العلم بصحة
سند ابن الجوزي إلى العتبي
فهذا هو حال هذه القصة التي اغتبط بها الحركيون ، أيما اغتباط ، وطربوا
لترديدها في المحافل ، مع كثرة كلامهم حول ( التثبت ) فيما ينسب للدعاة ، ولا يتثبتون
فيما ينسبون للصحابة !
وهنا أثر عظيم يبين حقيقة مذهب الصحابة في هذا الأمر قال ابن أبي شيبة
في المصنف34400- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ : حدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى ، عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ ، قَالَ : قَالَ لِي عُمَرُ :
يَا أَبَا أُمَيَّةَ , إِنِّي لاَ أَدْرِي لَعَلِّي لاَ أَلْقَاك بَعْدَ عَامِي هَذَا
, فَاسْمَعْ وَأَطِعْ وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْك عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجْدَعٌ , إِنْ ضَرَبَك
فَاصْبِرْ , وَإِنْ حَرَمَك فَاصْبِرْ , وَإِنْ أَرَادَ أَمْرًا يَنْتَقِصُ دِينَك
فَقُلْ : سَمْعٌ وَطَاعَةٌ , دَمِي دُونَ دِينِي , فَلاَ تُفَارِقَ الْجَمَاعَةَ. وإسناده
قوي
وقد وجدت طريقاً أخرى للقصة ( بدلالة بعض الإخوة ) لا تزيدها إلا وهناً
قال الزبير بن بكار في الموفقيات
109 – حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، قَالَ: أُتِيُ عُمَرُ بِبُرُودٍ، فَقَالَ
لِلَّذِي أَتَاهُ بِهَا: أَخْرِجْ لِي خَيْرَهَا وَشَرَّهَا، ثُمَّ قَالَ: عَلَيَّ
بِالْحَسَنِ، فَلَمَّا أَتَاهُ دَفَعَ إِلَيْهِ خَيْرَهَا، ثُمَّ قَالَ لِشَرِّهَا:
هَذَا نَصِيبُ عُمَرَ، وَقَسَّمَ الْبُرُودَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ حَدَثَ مِنْ
أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ حَدَثٌ، فَقَامَ عُمُرُ خَطِيبًا، وَعَلَيْهِ حُلَّةُ بُرْدَيْنِ،
ائْتَزَرَ بَأَحَدِهِمَا، وَارْتَدَى بِالأُخْرَى.
فَقَالَ سَلْمَانُ: لا نَسْمَعُ.
قَالَ عُمَرُ: لِمَ؟ قَالَ: كَسَوْتَنَا بُرْدًا، وَنَرَى عَلَيْكَ بُرْدَيْنِ.
فَقَالَ عُمَرُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، مَرَّتَيْنِ.
فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ.
فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ.
فَقَالَ: لَبَّيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ: نَاشَدْتُكَ اللَّهَ أَمَا كَسَوْتُكَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْبُرْدَيْنِ؟
قَالَ: بَلَى.
فَقَالَ سَلْمَانُ: قُلْ مَا شِئْتَ نَسْمَعُ لَكَ وَنُطِيعُ “
أقول : وهذا أشد إعضالاً من سابقه فإن أبا الحسن علي بن محمد المدائني
من تلاميذ شعبة فروايته عن عمر معضلةٌ شديدة الإعضال
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم