فمن القصص المشهورة جداً هذه الأيام قصة مبيت الشافعي عند الإمام أحمد
، قد تعددت فيها الروايات ، وإليك أنموذجاً
عندما بات الإمام الشافعي عند الإمام أحمد بن حنبل
ماذا قال له
قال الإمام أحمد بن حنبل يا إمام ابنتي لاحظت عليك ثلاثه أمور
قال له ما هي يا أبا عبدالله
قال تلميذ ابن حنبل
1- أكلت كثيرا
2- لم تصل ركعتين في جوف الليل
3-صليت الفجر بغير وضوء
هذه الثلاثه أمور
يا له من عجب اخوتي اخواتي مابالنا في هذه الأيام إذا سألت هذه الأسئلة
ماذا يحدث ؟
لعلنا نعي جميعا الإمام ابن حنبل يسأله كي يستفاد من شيخة
لعل في هذه الأمور شيئ مبهم
الله يا إمام
رد الشافعي فقال
1- أكلت كثيرا فطعامكم حلال وفيه شفاء
2- أطفأت النور وأغلقت الباب فلم يراني أحد عندما كنت أصلي في جوف الليل
3- صليت الفجر بصلاة العشاء
الإمام الشافعي غنى عن التعريف ما حدث له مع ابنة الإمام أحمد بن حنبل
عندما ذهب لزيارة الامام احمد بن حنبل وبات عندهم ليلة وتركوا له الماء ووجدوا في الصباح
الماء كما هو وسألها أبوها: ما رأيك في الشافعي؟ فقالت له : فيه ثلاث خصال ليست في
الصالحين لم يقم الليل وصلى الفجر بدون وضوء وملأ بطنه من الطعام قال لها والدها :
إذا عُرف السبب بطل العجب وعلينا أن نسأل الإمام الشافعي في ذلك فقال لهم عندما سألوه
: في هذه الليلة أكرمني الله وحللت مائة مسألة كللها- تهم المسلمين فهل حل المائة مسألة
أفضل ؟ أم صلاة ألف ركعة ؟ قال : والفجر صليته بدون وضوء لأني منذ صليت العشاء وأنا
متوضأ ولم أنم فقيامه : أن يجلس بين يدي المتفضل يطلب العلم والفضل من الله ويستمطر
كنوز المعرفة من الله
هذه رواية ، وبعضهم يذكر كمحمد العريفي أن الشافعي سهر في استنباط فوائد
حديث ( يا أبا عمير ما النقير )
وهذه القصة باطلة تاريخياً ، إذ لم يدرك أحد من أبناء الإمام أحمد الإمام
الشافعي
فإن الشافعي توفي في مصر عام 204
وأحمد ولد عام 164
ولم يتزوج أحمد إلا بعد الأربعين من عمره يعني بعد عام ( 204) الذي توفي
فيه الشافعي ، وعليه فلم يدرك ابنه الأكبر صالح الإمام الشافعي فضلاً عن ابنته الصغيرة
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (11/187) :” قَالَ الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا
المَرُّوْذِيُّ، أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ قَالَ: مَا تَزَوَّجتُ إِلاَّ بَعْدَ الأَرْبَعِيْنَ”
فتبين بطلان القصة تاريخياً ، والذي استنبط فوائد كثيرة من حديث يا أبا
عمير ما فعل النقير هو أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري المعروف بابن القاص الفقيه
الشافعي ( وليس الشافعي نفسه )!
وأذكرها للفائدة
قال ابن حجر في شرح البخاري (17/ 407) :” وَذَكَرَ اِبْنِ الْقَاصّ فِي أَوَّلِ
كِتَابه أَنَّ بَعْض النَّاس عَابَ عَلَى أَهْل الْحَدِيث أَنَّهُمْ يَرْوُونَ أَشْيَاء
لَا فَائِدَة فِيهَا ، وَمَثَّلَ ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي عُمَيْر هَذَا قَالَ : وَمَا
دَرَى أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ وُجُوه الْفِقْهِ وَفُنُون الْأَدَب وَالْفَائِدَة
سِتِّينَ وَجْهًا . ثُمَّ سَاقَهَا مَبْسُوطَة ، فَلَخَّصْتهَا مُسْتَوْفِيًا مَقَاصِده
، ثُمَّ أَتْبَعْته بِمَا تَيَسَّرَ مِنْ الزَّوَائِد عَلَيْهِ فَقَالَ : فِيهِ اِسْتِحْبَاب
التَّأَنِّي فِي الْمَشْي ، وَزِيَارَة الْإِخْوَان ، وَجَوَاز زِيَارَة الرَّجُل لِلْمَرْأَةِ
الْأَجْنَبِيَّة إِذَا لَمْ تَكُنْ شَابَّة وَأُمِنَتْ الْفِتْنَة ، وَتَخْصِيص الْإِمَام
بَعْض الرَّعِيَّة بِالزِّيَارَةِ ، وَمُخَالَطَة بَعْض الرَّعِيَّة دُونِ بَعْض ،
وَمَشْي الْحَاكِم وَحْده ، وَأَنَّ كَثْرَة الزِّيَارَة لَا تُنْقِص الْمَوَدَّة ،
وَأَنَّ قَوْله ” زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا ” مَخْصُوص بِمَنْ يَزُور
لِطَمَعٍ ، وَأَنَّ النَّهْي عَنْ كَثْرَة مُخَالَطَة النَّاس مَخْصُوص بِمَنْ يَخْشَى
الْفِتْنَة أَوْ الضَّرَر . وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّة الْمُصَافَحَة لِقَوْلِ أَنَس فِيهِ
” مَا مَسِسْت كَفًّا أَلْيَن مِنْ كَفِّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ” وَتَخْصِيص ذَلِكَ بِالرَّجُلِ دُونِ الْمَرْأَة ، وَأَنَّ الَّذِي
مَضَى فِي صِفَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ” كَانَ شَثْن الْكَفَّيْنِ
” خَاصّ بِعَبَالَةِ الْجِسْم لَا بِخُشُونَةِ اللَّمْس . وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب
صَلَاة الزَّائِر فِي بَيْت الْمَزُور وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ الزَّائِر مِمَّنْ
يُتَبَرَّك بِهِ ، وَجَوَاز الصَّلَاة عَلَى الْحَصِير ، وَتَرْك التَّقَزُّز لِأَنَّهُ
عَلِمَ أَنَّ فِي الْبَيْت صَغِيرًا وَصَلَّى مَعَ ذَلِكَ فِي الْبَيْت وَجَلَسَ فِيهِ
. وَفِيهِ أَنَّ الْأَشْيَاء عَلَى يَقِينِ الطَّهَارَة لِأَنَّ نَضْحهمْ الْبِسَاط
إِنَّمَا كَانَ لِلتَّنْظِيفِ . وَفِيهِ أَنَّ الِاخْتِيَار لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقُوم
عَلَى أَرْوَح الْأَحْوَال وَأَمْكَنهَا ، خِلَافًا لِمَنْ اِسْتَحَبَّ مِنْ الْمُشَدِّدِينَ
فِي الْعِبَادَة أَنْ يَقُوم عَلَى أَجْهَدِهَا . وَفِيهِ جَوَاز حَمْل
الْعَالِم عِلْمه
إِلَى مَنْ يَسْتَفِيدهُ مِنْهُ ، وَفَضِيلَة لِآلِ أَبِي طَلْحَة وَلِبَيْتِهِ إِذْ
صَارَ فِي بَيْتهمْ قِبْلَة يَقْطَع بِصِحَّتِهَا . وَفِيهِ جَوَاز الْمُمَازَحَة وَتَكْرِير
الْمَزْح وَأَنَّهَا إِبَاحَة سُنَّة لَا رُخْصَة ، وَأَنَّ مُمَازَحَة الصَّبِيّ الَّذِي
لَمْ يُمَيِّز جَائِزَة ، وَتَكْرِير زِيَارَة الْمَمْزُوحِ مَعَهُ . وَفِيهِ تَرْك
التَّكَبُّر وَالتَّرَفُّع ، وَالْفَرْق بَيْنَ كَوْن الْكَبِير فِي الطَّرِيق فَيَتَوَافَر
أَوْ فِي الْبَيْت فَيَمْزَح ، وَأَنَّ الَّذِي وَرَدَ فِي صِفَة الْمُنَافِق أَنَّ
سِرّه يُخَالِف عَلَانِيَته لَيْسَ عَلَى عُمُومه . وَفِيهِ الْحُكْم عَلَى مَا يَظْهَر
مِنْ الْأَمَارَات فِي الْوَجْه مِنْ حُزْنٍ أَوْ غَيْره . وَفِيهِ جَوَاز الِاسْتِدْلَال
بِالْعَيْنِ عَلَى حَالِ صَاحِبِهَا ، إِذْ اِسْتَدَلَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالْحُزْنِ الظَّاهِر عَلَى الْحُزْن الْكَامِن حَتَّى حَكَمَ بِأَنَّهُ حَزِين فَسَأَلَ
أُمّه عَنْ حُزْنِهِ . وَفِيهِ التَّلَطُّف بِالصَّدِيقِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا
، وَالسُّؤَال عَنْ حَالِهِ ، وَأَنَّ الْخَبَر الْوَارِد فِي الزَّجْر عَنْ بُكَاء
الصَّبِيّ مَحْمُول عَلَى مَا إِذَا بَكَى عَنْ سَبَب عَامِدًا وَمِنْ أَذًى بِغَيْرِ
حَقٍّ . وَفِيهِ قَبُول خَبَرِ الْوَاحِد لِأَنَّ الَّذِي أَجَابَ عَنْ سَبَب حُزْنِ
أَبِي عُمَيْر كَانَ كَذَلِكَ . وَفِيهِ جَوَاز تَكْنِيَة مَنْ لَمْ يُولَد لَهُ ،
وَجَوَاز لَعِبِ الصَّغِير بِالطَّيْرِ ، وَجَوَاز تَرْك الْأَبَوَيْنِ وَلَدهمَا الصَّغِير
يَلْعَب بِمَا أُبِيحَ اللَّعِب بِهِ ، وَجَوَاز إِنْفَاق الْمَال فِيمَا يَتَلَهَّى
بِهِ الصَّغِير مِنْ الْمُبَاحَات ، وَجَوَاز إِمْسَاك الطَّيْر فِي الْقَفَص وَنَحْوِهِ
، وَقَصُّ جَنَاح الطَّيْر إِذْ لَا يَخْلُو حَال طَيْر أَبِي عُمَيْر مِنْ وَاحِد
مِنْهُمَا وَأَيّهمَا كَانَ الْوَاقِع اِلْتَحَقَ بِهِ الْآخَر فِي الْحُكْم . وَفِيهِ
جَوَاز إِدْخَال الصَّيْد مِنْ الْحِلّ إِلَى الْحَرَم وَإِمْسَاكه بَعْد إِدْخَاله
، خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ مِنْ إِمْسَاكه وَقَاسَهُ عَلَى مَنْ صَادَ ثُمَّ أَحْرَمَ
فَإِنَّهُ يَجِب عَلَيْهِ الْإِرْسَال . وَفِيهِ جَوَاز تَصْغِير الِاسْم وَلَوْ كَانَ
لِحَيَوَانٍ ، وَجَوَاز مُوَاجَهَة الصَّغِير بِالْخِطَابِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ
: الْحَكِيم لَا يُوَاجِه بِالْخِطَابِ إِلَّا مَنْ يَعْقِل وَيَفْهَم ، قَالَ : وَالصَّوَاب
الْجَوَاز حَيْثُ لَا يَكُونُ هُنَاكَ طَلَب جَوَاب ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُخَاطِبهُ
فِي السُّؤَال عَنْ حَالِهِ بَلْ سَأَلَ غَيْره . وَفِيهِ مُعَاشَرَة النَّاس عَلَى
قَدْر عُقُولهمْ . وَفِيهِ جَوَاز قَيْلُولَة الشَّخْص فِي بَيْت غَيْر بَيْت زَوْجَته
وَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ زَوْجَته ، وَمَشْرُوعِيَّة الْقَيْلُولَة ، وَجَوَاز قَيْلُولَة
الْحَاكِم فِي بَيْت بَعْض رَعِيَّته وَلَوْ كَانَتْ اِمْرَأَة ، وَجَوَاز دُخُول الرَّجُل
بَيْت الْمَرْأَة وَزَوْجهَا غَائِب وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا إِذَا اِنْتَفَتْ
الْفِتْنَة . وَفِيهِ إِكْرَام الزَّائِر وَأَنَّ التَّنَعُّم الْخَفِيف لَا يُنَافِي
السُّنَّة ، وَأَنَّ تَشْيِيع الْمَزُور الزَّائِر لَيْسَ عَلَى الْوُجُوب . وَفِيهِ
أَنَّ الْكَبِير إِذَا زَارَ قَوْمًا وَاسَى بَيْنَهُمْ ، فَإِنَّهُ صَافَحَ أَنَسًا
، وَمَازَحَ أَبَا عُمَيْر ، وَنَامَ عَلَى فِرَاش أُمِّ سُلَيْمٍ ، وَصَلَّى بِهِمْ
فِي بَيْتهمْ حَتَّى نَالُوا كُلّهمْ مِنْ بَرَكَتِهِ ، اِنْتَهَى مَا لَخَّصْته مِنْ
كَلَامِهِ فِيمَا اِسْتَنْبَطَ مِنْ فَوَائِد حَدِيث أَنَس فِي قِصَّة أَبِي عُمَيْر
. ثُمَّ ذَكَرَ فَصْلًا فِي فَائِدَة تَتَبُّع طُرُق الْحَدِيث ، فَمِنْ ذَلِكَ الْخُرُوج
مِنْ خِلَاف مَنْ شَرَطَ فِي قَبُول الْخَبَر أَنْ تَتَعَدَّد طُرُقه ، فَقِيلَ لِاثْنَيْنِ
وَقِيلَ لِثَلَاثَةٍ وَقِيلَ لِأَرْبَعَةٍ وَقِيلَ حَتَّى يَسْتَحِقّ اِسْم الشُّهْرَة
، فَكَانَ فِي جَمِيع الطُّرُق مَا يَحْصُل الْمَقْصُود لِكُلِّ أَحَدٍ غَالِبًا ،
وَفِي جَمِيع الطُّرُق أَيْضًا ، وَمَعْرِفَة مَنْ رَوَاهَا ، وَكَمِّيَّتهَا الْعِلْم
بِمَرَاتِب الرُّوَاة فِي الْكَثْرَة وَالْقِلَّة . وَفِيهَا الِاطِّلَاع عَلَى عِلَّة
الْخَبَر بِانْكِشَافِ غَلَط الْغَالِط وَبَيَان تَدْلِيس الْمُدَلِّس وَتَوْصِيل الْمُعَنْعَن
. ثُمَّ قَالَ : وَفِيمَا يَسَّرَهُ اللَّه تَعَالَى مِنْ جَمْع طُرُق هَذَا الْحَدِيث
وَاسْتِنْبَاط فَوَائِده مَا يَحْصُل بِهِ التَّمْيِيز بَيْنَ أَهْل الْفَهْم فِي النَّقْل
وَغَيْرهمْ مِمَّنْ لَا يَهْتَدِي لِتَحْصِيلِ ذَلِكَ ، مَعَ أَنَّ الْعَيْن الْمُسْتَنْبَط
مِنْهَا وَاحِدَة ، وَلَكِنْ مِنْ عَجَائِب اللَّطِيف الْخَبِير أَنَّهَا تُسْقَى بِمَاءٍ
وَاحِد ؛ وَنُفَضِّل بَعْضهَا عَلَى بَعْض فِي الْأُكُل هَذَا آخِر كَلَامِهِ مُلَخَّصًا
. وَقَدْ سَبَقَ إِلَى التَّنْبِيه عَلَى فَوَائِد قِصَّة أَبِي عُمَيْر بِخُصُوصِهَا
مِنْ الْقُدَمَاء أَبُو حَاتِم الرَّازِيُّ أَحَد أَئِمَّة الْحَدِيث وَشُيُوخ أَصْحَاب
السُّنَن ، ثُمَّ تَلَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي ” الشَّمَائِل ” ثُمَّ تَلَاهُ
الْخَطَّابِيُّ ، وَجَمِيع مَا ذَكَرُوهُ يَقْرَب مِنْ عَشْرَة فَوَائِد فَقَطْ ، وَقَدْ
سَاقَ شَيْخنَا فِي ” شَرْح التِّرْمِذِيّ ” مَا ذَكَرَهُ اِبْنِ الْقَاصّ
بِتَمَامِهِ ثُمَّ قَالَ : وَمِنْ هَذِهِ الْأَوْجُه مَا هُوَ وَاضِح ، وَمِنْهَا الْخَفِيّ
، وَمِنْهَا الْمُتَعَسِّف . قَالَ : وَالْفَوَائِد الَّتِي ذَكَرَهَا آخِرًا وَأَكْمَلَ
بِهَا السِّتِّينَ هِيَ مِنْ فَائِدَة جَمْع طُرُق الْحَدِيث لَا مِنْ خُصُوص هَذَا
الْحَدِيث “
ثم ذكر ابن حجر فوائد أخرى استدركها ! ، ومناقشات لكلام ابن القاص من أراده
فليرجع إليه
وتنبه إلى أن ابن حجر لم يذكر أن الشافعي استنبط فوائد الحديث ، ولو كان
الخبر ثابتاً ما فات ابن حجر التنبيه عليه
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم