فمن المسائل الهامة والحيوية مسألة انعقاد عقد النكاح وبماذا يتم ذلك
فكثير من الناس يظن أن عقد النكاح لا يتم إلا بكتابة شيء في ورقة ،
ووجود من يسمى ب( المأذون الشرعي ) ، وكل ما قبل ذلك لا يعدونه نكاحاً
فالخطبة أولاً ثم ( الملكة ) ثم ( الزواج )
هذه القسمة مشهورة عند كثير من العوام اليوم ، وهذا غير صحيح بل إن
عقد النكاح يصح بالإيجاب والقبول بين الرجل والولي باتفاق العلماء ، واشترط جماعة من
أهل العلم الشاهدين ، واختلفوا في أمر الصيغة اختلافاً لا يؤثر في مسألتنا
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (41/ 238) :” ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ
إِلَى أَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِالإِْيجَابِ وَالْقَبُول بِصِيغَةِ الْمَاضِي،
كَقَوْل الْوَلِيِّ لِلزَّوْجِ: زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي أَوْ أَنَكَحْتُكَ، فَيَقُول
الزَّوْجُ: قَبِلْتُ نِكَاحَهَا، أَوْ رَضِيْتُ، لأَِنَّ الْمَاضِيَ أَدَل عَلَى الثُّبُوتِ
وَالتَّحْقِيقِ دُونَ الْمُسْتَقْبَل.
إِلاَّ أَنَّهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ يَكْفِي أَنْ يَقُول الزَّوْجُ:
قَبِلْتُ فَقَطْ، أَوْ رَضِيتُ فَقَطْ، بَل لاَ بُدَّ أَنْ يَقُول: قَبِلْتُ نِكَاحَهَا،
أَوْ رَضِيتُ نِكَاحَهَا، فَإِذَا لَمْ يَقُل ذَلِكَ لَمْ يَنْعَقِدِ النِّكَاحُ عَلَى
الْمَذْهَبِ.
وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ – الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ
وَالْحَنَابِلَةِ وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ – يَكْفِي أَنْ يَقُول الزَّوْجُ:
قَبِلْتُ أَوْ رَضِيتُ وَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِذَلِكَ .
وَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِالإِْيجَابِ بِصِيغَةِ الأَْمْرِ، كَقَوْل
الْوَلِيِّ لِلزَّوْجِ: تَزَوَّجِ ابْنَتِي فَيَقُول الزَّوْجُ: تَزَوَّجْتُهَا
(1) .
أَمَّا لَوْ قَال الزَّوْجُ لِلْوَلِيِّ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ فَقَال
الْوَلِيُّ: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي، فَإِنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ
وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي قَوْلٍ وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَنْعَقِدُ
النِّكَاحُ، سَوَاءٌ عَلَى الْقَوْل بِأَنَّ قَوْل الزَّوْجِ لِلْوَلِيِّ زَوِّجْنِي
هُوَ تَوْكِيلٌ ضِمْنِيٌّ بِالنِّكَاحِ وَلَيْسَ إِيجَابًا، أَوْ عَلَى الْقَوْل بِأَنَّهُ
إِيجَابٌ، وَرُجِّحَ هَذَا فِي الْبَحْرِ.
أَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ فَلاَ يَنْعَقِدُ هَذَا
النِّكَاحُ لأَِنَّ الأَْصْل عِنْدَهُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ الإِْيجَابُ عَلَى الْقَبُول
فَإِذَا تَقَدَّمَ الْقَبُول فَلاَ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ، وَالإِْيجَابُ عِنْدَهُمْ
يَكُونُ مِنْ وَلِيِّ الزَّوْجَةِ وَلَيْسَ مِنَ الزَّوْجِ، وَإِنَّمَا كَلاَمُ الزَّوْجِ
يُعْتَبَرُ قَبُولاً “
ومعنى الإيجاب قول الرجل ( زوجتك ابنتي أو موليتي ) والقبول أن يقول
( الرجل قبلت ) أو ما يقوم معنى هذه الصيغة
فإذا كانت البنت صغيرة _ غير بالغة _ ، لم يشترط إجازتها في قول عامة أهل العلم _ إذا كان الولي أبوها وإن كان الولي غيره اشترط إجازتها _ ،
وإن كانت كبيرة استؤذنت فإذا قبلت صارت زوجة ولا يشترط مأذون شرعي ولا كتابة شيء في
ورقة
وما يسمى خطوبة في بعض البلدان إنما هو عقد النكاح إذ لا يبقى الأمر
خطوبة بعد القبول
وترى بعض الناس يسأل ( ما حكم خلوة الخطيب مع خطيبته ) فإذا بين الحال
فإذا هي زوجته !
وكثير من العامة يحصل معهم هذا الأمر ، ويظنون أنهم لم يتزوجوا بعد
، فإذا حصل نزاع قبل ( كتب الكتاب ) او قدوم ( المأذون الشرعي ) يفترقان بدون طلاق
لظنهما أنهما لم يتزوجا أصلاً وهما متزوجان لوقوع الإيجاب والقبول وشهود الشاهدين على
ذلك ، بل ربما حددوا مهراً
وفي هذه الحال عند الفرقة قبل الدخول بها أو قبل الخلوة التي يتمكن
بها من افتراشها تستحق نصف المهر ولا بد من طلاق
ويدل على أن الصيغة ليست معتبرة بعينها ، بل يصح بها وبما يقوم مقامها
ما روى البخاري في صحيحه 5030 – حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ
سَعْدٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ
ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا
جَلَسَتْ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ
لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا فَقَالَ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ لَا
وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ
شَيْئًا فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ
شَيْئًا قَالَ انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ
لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي
قَالَ سَهْلٌ مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا
مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى
طَالَ مَجْلِسُهُ ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ مَاذَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ
قَالَ مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا عَدَّهَا قَالَ أَتَقْرَؤُهُنَّ
عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ
مِنْ الْقُرْآنِ.
فقوله ( ملكتكها ) يختلف عن قوله ( أنكحتك ) في اللفظ وإن كان المعنى
متفقاً
ولا يشترط في انعقاد عقد النكاح تسمية المهر ويدل على ذلك ما روى أحمد
في مسنده 18461 – حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ،
عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، قَالَ: أَتَى قَوْمٌ عَبْدَ اللَّهِ
يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالُوا: مَا تَرَى فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَذَكَرَ
الْحَدِيثَ، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ، قَالَ: مَنْصُورٌ: أُرَاهُ سَلَمَةَ
بْنَ يَزِيدَ، فَقَالَ: فِي مِثْلِ هَذَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنَّا امْرَأَةً مِنْ بَنِي رُؤَاسٍ، يُقَالُ لَهَا بِرْوَعُ
بِنْتُ وَاشِقٍ، فَخَرَجَ مَخْرَجًا، فَدَخَلَ فِي بِئْرٍ، فَأَسِنَ، فَمَاتَ، وَلَمْ
يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ: «كَمَهْرِ نِسَائِهَا، لَا وَكْسَ، وَلَا شَطَطَ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ، وَعَلَيْهَا
الْعِدَّةُ»
فهنا سماها زوجة مع عدم تسمية المهر ، فدل على أنه ليس بشرط في صحة
العقد
وأما اشتراط الشاهدين فيدل عليه ما روى الشافعي في مسنده ( ترتيب سنجر
) : 1133 – قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لا نِكَاحَ إِلا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ.
وأما الأخبار المرفوعة في الباب فضعفها ابن المنذر
ويرى بعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية أن الإشهار يحل محل الشاهدين
إن لم يوجدا
قال البخاري في صحيحه 5142 – حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ نَافِعًا يُحَدِّثُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَقُولُ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلَا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ
أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ
واليوم ربما وقع ما هو أشد من خطبة الرجل على خطبة أخيه ، وهو نكاحه
على نكاحه !
فإن قيل : كيف ذاك
فيقال : يأتي رجل فيخطب إلى قوم ابنتهم فيوافق الأهل عليه وتوافق البنت
، ويشهد ذلك شهود عدة فيأتي من ابن عم المخطوبة فيطلبها ويرد ذلك الرجل الذي تم إنكاحه
لأن ابن عمها أقرب ! ، وربما صار ذلك بدون طلاق لظنهم أنهم لم يتزوجوا بعد!
ويحترز كثير من الناس فلا يوافق إلا بعد استشارة أبناء العم
ومن الأحكام المترتبة على وجود الإيجاب والقبول وإن لم يتم البناء ( الدخلة ) أن أحد الزوجين لو توفي يرثه الآخر وأن المرأة عليها الإحداد في حال وفاة زوجها
وهذه الأحكام يهملها من يفرق بين الخطوبة والزواج والخطوبة في حقيقتها نكاح كما بينا سابقاً
فانظر إلى ما أدى إليه هذا الاصطلاح الحادث من المفاسد العظيمة والعبث في الفروج
وبعض الناس احتج للاصطلاح الحادث بخطبة عائشة لجبير بن مطعم
قال ابن سعد في الطبقات 12099- أَخبَرنا عَبدُ الله بن نُمَيرٍ، عَن الأَجلَحِ، عَن عَبد الله بن أَبي مُلَيكَةَ قالَ: خَطَبَ رَسولُ الله صَلى الله عَليه وسَلم عائِشَةَ إِلَى أَبي بَكرٍ الصِّدّيق فَقالَ: يا رَسولَ الله، إِنِّي كُنتُ أَعطَيتُها مُطعِمًا لاِبنِه جُبَيرٍ فَدَعني حَتى أَسُلَّها مِنهُم. فاستَسَلَّها مِنهُم، فَطَلَّقَها فَتَزَوَّجَها رَسولُ الله صَلى الله عَليه وسَلم. الخبر مرسل وفيه الأجلح شيعي مضعف ولكن لاحظ لو صح فهو حجة عليهم لأن مفارقته لها كانت ب( طلاق ) مسألة برزخ بين الزواج والتقدم اسمه خطبة يحل بها الرجل للمرأة نصف حلية هذا اختراع عصري لا وجود له عند المسلمين قبل هذا العصر
واعترض بعض الروافض على هذه الرواية وهي على ضعفها لا شيء فيها فلو كنت زوجت ابنتك بكلمة لرجل فاسق ثم جاءك رجل عدل طيب فسعيك أن تطلقها من الفاسق لتزوجها من الطيب تمام العقل فكيف وابنتك متزوجها مشرك والطرف الثاني نبي !
ومما يدل على بطلان الوهم الذي يعيشه العوام اليوم أنه لا يوجد في كتب الفقهاء شيء اسمه ( فسخ خطوبة ) وإنما يوجد فسخ نكاح وطلاق
قال ابن حزم وهو يتحدث عن الاصطلاح القديم لكلمة خطبة :” وَأَمَّا الْخِطْبَةُ فَإِنْ خَطَبَ فَهُوَ عَاصٍ وَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْخِطْبَةَ لَا مُتَعَلِّقَ لَهَا بِالنِّكَاحِ، وَقَدْ يَخْطُبُ وَلَا يُتِمُّ النِّكَاحَ إذَا رُدَّ الْخَاطِبُ، وَقَدْ يَتِمُّ نِكَاحٌ بِلَا خِطْبَةٍ أَصْلًا،”
وقد اجتهد بعض المتفقهة في اختراع أحكام خاصة لمرحلة الخطوبة فمنهم من يجوز الخلوة بالمخطوبة مع وجود شاب صغير من أهلها ومنهم يجوز المكالمة في الهاتف فحسب وكلهم يجوز له أن يرى الخطيب منها لا يرى غيره على خلاف في حدود هذا ، ولو حصرنا النكاح بشيء يكتب في ورقة أو يوثق في محكمة لحكمنا على عقود البدو جميعاً بالفساد وعلى عقود المسلمين طوال تلك المدة
وكل الناس يعرفون قصة زواج ابنة سعيد من تلميذه لاحظ كيف تزوجها جاء أبوها بها إلى بيته وزوجها إياه في لحظات وأخذ مهراً ثم مضى تاركاً إياها له
ودعوى أن الخطوبة التي يقيمون لها حفلة ويلبس فيها الذهب مجرد وعد بالنكاح تلاعب بالألفاظ وهذه حقيقة النكاح بدليل أن الرجل يحرز المرأة عن غيره ولا يحل لغيره بعد هذه الخطوبة أن يتقدم لها حتى يخلي سبيلها وإلا فالوعد لازم
قال المروزي في تعظيم قدر الصلاة 679 – حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: «إِنِّي قُلْتُ لِفُلَانٍ قَوْلًا شَبِيهًا بِالْعِدَةِ أَنْ أُنْكِحَهُ ابْنَتِي فَأَنْكِحُوهَا فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِثُلُثِ النِّفَاقِ»
وأخيراً لا بد من إيضاح حديث ( لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ) الذي فهم غلطاً بسبب الفهم الحادث لمصطلخ الخطبة
فقد ورد في السنة حديث ( إن معاوية وأبا جهم خطباني ) وهذا معناه أن أحدهما خطب على خطبة الثاني فما الجمع بين الخبرين
الذي اختاره مالك وغيره أنه إذا ركن إليه لا يجوز للآخر أن يخطب ومعنى الركون والفرق بينه وبين الموافقة دقيق كالفرق بين التعريض بالنكاح في العدة والخطبة الصريحة
فالركون كأن يذكروا له مهر البنت ثم هو لا يوافق أو يعارض وإنما يشاور نفسه أو يقول له أولياؤها أنهم لا اعتراض عندهم ولكن يستشيرونها
والذي يحصل اليوم زائد على معنى الركون بهذا المصطلح فإن البنت ووليها يوافقون بل ويأخذون شيئاً من الرجل في حفلة ( الخطوبة ) ويكون الرجل موافقاً مصرحاً بذلك على كل شروطهم فيقع الإيجاب والقبول ولهذا في هذه الحال في عرفهم لا يمكن أن تخطب المرأة لرجل آخر بل يقال ( فلانة مخطوبة لفلان )
وأما التفسير الثاني الذي مال إليه الشافعي وأنكر الأول بقوة فهو أن تكون المرأة ثيباً ووكلت ولياً لها أو أكثر بتزويجها فإذا وافق وليها ووقف الأمر على إجازتها لم يجز لأحد أن يخطب على خطبة أخيه والحال هذه وما سوى ذلك جائز
وتلاحظ على تفسير الشافعي إذا وافقت الفتاة فإن الأمر يترقى عن مجرد الخطبة ، وزد على ذلك أن الشافعي قال أن هذه الصورة لا تتحقق في البكر الصغيرة التي لوالدها ولاية الإجبار فموافقته موافقة لها وبالتالي موافقته تزويج فلا يكون لهذا الحديث مجال في حقها
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم