براءة هند بنت المهلب ( زوج الحجاج ) مما افتراه عليها محمد العريفي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فينشر القاص محمد بن العريفي أنها حصلت بين الحجاج وزوجه هند بن المهلب
، وهي أن هند بن المهلب أنشدت أبياتاً في الثناء على نفسها ، وهجاء الحجاج

تقول فيها

وهل هند إلا مهرة عربية … سليلة أفراس تجللها بغل

فإن أنجبت مهرا عريقاً فبالحري … وإن يك إقراف فما أنجب الفحل

فطلقها الحجاج فردت عليه متعته ، فأعجب ذلك عبد الملك بن مروان فخطبها
فقالت له ( إن الإناء ولغ فيه الكلب ) فأصر عبد الملك وتزوجها وطلبت منه أن يقود موكبها
إليه الحجاج على هيئة ذليلة

هذا مختصر هذه القصة المكذوبة ، وقبل الشروع في بيان كذبها لا بد من التنبيه
على أن الشخصيات المسلمة التي عاشت في تاريخنا الإسلامي يجب احترامها وعدم حكاية شيء
عنها إلا ما يثبت أو يغلب على الظن ثبوته ولا يكون فيه إساءة

دعك من الحجاج المبير الخبيث ، أنا اتحدث عن هند بن المهلب المسكينة التي
أظهرها العريفي في صورة غير ما كانت حقيقة ، فهي مع كونها زوجة الفاجر الخبيث الحجاج بن يوسف
فيقد ذكروا عنها الصلاح ، ولم يتزوجها عبد الملك بن مروان قط ، وإنما طلقها الحجاج لرؤية
رآها

وهذه الأبيات المذكورة ليست لها وإنما هي لهند بن النعمان بن بشير كما
أجمع عليه المؤرخون ، وإنما قالته في زوجها روح بن الزنباع وليس الحجاج بن يوسف ، وإنما
جعل مكان روح الحجاج بعض جهلة المتأخرين كصاحب المستطرف في كل فن مستظرف فإن هنداً
بنت النعمان لم تكن زوجاً للحجاج قط

وإليك قصة القصيدة المشهورة

قال ابن عبد ربه في العقد الفريد (2/ 424) :” أبو الحسن المدائني:
كان عند روح بن زنباع هند بنت النعمان بن بشير، وكان شديد الغيرة، فأشرفت يوماً تنظر
إلى وفد من جذام، كانوا عنده، فزجرها. فقالت: والله لأبغض الحلال من جذام، فكيف تخافني
على الحرام فيهم. وقالت له يوماً: عجباً منك كيف يسودك قومك؟ وفيك ثلاث خلال: أنت من
جذام، وأنت جبان، وأنت غيور؟ فقال لها: أما جذام فإني في أرومتها، وحسب الرجل أن يكون
في أرومة قومه. وأما الجبن فإنما لي نفس واحدة، فأنا أحوطها، فلو كانت لي نفس أخرى
جدت بها. وأما الغيرة فأمر لا أريد أن أشارك فيه، وحقيق بالغيرة من كانت عنده حمقاء
مثلك مخافة أن تأتيه بولد من غيره فتقذف به في حجره. فقالت:

وهل هند إلا مهرة عربية … سليلة أفراس تجللها بعل

فإن أنجبت مهرا عريقاً فبالحري … وإن يك إقراف فما أنجب الفحل”

وهذه القصة ما ينبغي أن تصدق لأنها بلا إسناد وقد تكون القصيدة صحيحة ،
ولكن يركب لها بعض المؤرخين قصة فيها ظرافة وطرافة ، فالمرأة ربما مازحت زوجها في أبيات
، أو قالت عند الغضب كلاماً فتلقاه عنها بعض أهل بيتها أو جيرانها ، فجاء الخبر لبعض
الرواة فزاد عليه أكذوبة ليجعله أظرف

وقد نسب الراغب الأصفهاني هذه الأبيات لهند بن النعمان وذكر أنها قالتها
في زوجها ( روح بن الزنباع ) في محاضرات الأدباء ، وكذلك نسبها أبو عبيد البكري في
التنبيه على أوهام القالي لهند بنت النعمان

بل يكفيك أن ابن قتيبة في أدب الكاتب نسب الأبيات لهند بن النعمان في زوجها
روح ، والجاحظ الكذاب وحده ادعى أنها قائلتها هي هند بنت أسماء ! ( ولا أدري من هذه
) في كتابه المحاسن والأضداد، مع أنه في كتاب البغال نسب الأبيات لحميدة بن النعمان
أخت هند مع روح بن الزنباع !

وأما هند بنت المهلب التي نسب إليها العريفي ما نسب فقال ابن عساكر في
تاريخ دمشق (70/ 191) : أنبأنا أبو الحسن بن العلاف وأخبرني أبو المعمر عنه وأخبرنا
أبو القاسم بن السمرقندي أنا أبو علي بن أبي جعفر وابن العلاف قالا أنا أبو القاسم
بن بشران أنا أحمد بن إبراهيم نا الخرائطي نا يعقوب بن إسحاق القلوسي نا أبو عاصم النبيل
نا حماد بن زيد عن أيوب السختياني قال ما رأيت امرأة أعقل من هند بنت المهلب.

وهذا إسناد قوي ، ألا فليتق الله هذا الرجل في نساء المسلمين يزوج من شاء
ويطلق ويعبث بالتاريخ !

فإن قيل : لعله قرأها في كتاب وسردها

فيقال : إذا كان كل ما قرأ في كتاب ذهب يتكلم فيه فما الفرق بينه وبين
العوام ؟

وإنني لأستغرب من هؤلاء الناس فعلاً يتركون الأخبار والآثار الصحيحة، بل
والضعيفة ضعفاً محتملاً ، ويذهبون يتقفرون البواطيل ، وقد جمعت آثار الصحابة الصحيحة
في الزهد والرقائق والأدب ، فكان مجموع أخبار ثلاثة عشر صحابياً فقط ، وهم العشرة المبشرون
وابن مسعود وابن عمر وابن عباس أكثر من ألف أثر صحيح ، واجتمع عندي عن الحسن البصري
أكثر من 400 أثر صحيح

فكيف لو تكلمنا عن كل الصحابة والتابعين ، فضلاً عن اتباع التابعين ومن
جاء العلماء والعباد على مدى أربعة عشر قرناً

فأين هم من هذا يتركونه ويتقفرون البواطيل ، ولا أطالبهم أن يذكروا ما
صح فقط بل أطالبهم أن يتركوا البواطيل ، وأطالبهم أيضاً بأن يحرصوا على تعليم الناس
العقيدة الصحيحة ، فإنهم على انتشارهم وشهرتهم لو حرصوا على العقيدة لحصل بذلك نفع
عظيم ، وتعليم العقيدة يقدم على غيره من العلم فضلاً عن تلك الحكايات والأسمار التي
ألهوا بها العامة والله المستعان

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم