فقد نسب ابن عبد البر معاوية بن أبي سفيان إلى رد السنن بالرأي في التمهيد وبعض الناس ينقل كلامه ولا يتنبه إلى ما فيه ، والواقع أن الصحابي الجليل مظلوم وأن ما عارض السنن بالرأي بل عرضت له شبهة كانت قد وقعت إلى من هو أفقه منه وهو عبد الله بن عباس
قال ابن ماجه في سننه 18- حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ , حَدَّثَنِي بُرْدُ بْنُ سِنَانٍ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ قَبِيصَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ؛ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ الأَنْصَارِيَّ النَّقِيبَ ، صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ , غَزَا مَعَ مُعَاوِيَةَ أَرْضَ الرُّومِ ، فَنَظَرَ إِلَى النَّاسِ وَهُمْ يَتَبَايَعُونَ كِسَرَ الذَّهَبِ بِالدَّنَانِيرِ ، وَكِسَرَ الْفِضَّةِ بِالدَّرَاهِمِ ، فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّكُمْ تَأْكُلُونَ الرِّبَا ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ : لاَ تَبْتَاعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ ، إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ ، لاَ زِيَادَةَ بَيْنَهُمَا وَلاَ نَظِرَةَ , فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : يَا أَبَا الْوَلِيدِ ، لاَ أُرَى الرِّبَا فِي هَذَا ، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ نَظِرَةٍ ، فَقَالَ عُبَادَةُ : أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ ، وَتُحَدِّثُنِي عَنْ رَأْيِكَ , لَئِنْ أَخْرَجَنِي اللَّهُ سُبْحَانَهُ لاَ أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ لَكَ عَلَيَّ فِيهَا إِمْرَةٌ ، فَلَمَّا قَفَلَ , لَحِقَ بِالْمَدِينَةِ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : مَا أَقْدَمَكَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ ؟ فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ ، وَمَا قَالَ مِنْ مُسَاكَنَتِهِ ، فَقَالَ : ارْجِعْ يَا أَبَا الْوَلِيدِ إِلَى أَرْضِكَ ، فَقَبَحَ اللَّهُ أَرْضًا لَسْتَ فِيهَا وَأَمْثَالُكَ ، وَكَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ : لاَ إِمْرَةَ لَكَ عَلَيْهِ ، وَاحْمِلِ النَّاسَ عَلَى مَا قَالَ ، فَإِنَّهُ هُوَ الأَمْرُ.
أقول : هذا السند منقطع فقبيصة بن ذؤيب القول بأن له رؤية بعيد وفي التهذيب أن روايته عمر مرسلة
وجاء في جامع التحصيل :” وقال الميموني صاحب أحمد قال بعض أصحابنا لم يلق قبيصة تميما يعني الداري”
وعبادة بن الصامت أقدم وفاة من تميم الداري وكلاهما شامي
و قال الدَّارَقُطْنِيّ: لم يسمع من عمرو بن العاص. «السنن» 3 309.
وعمرو وفاته تأخرت عن وفاة عمر وعبادة
فالرواية منقطعة ، وقد رواها مالك في الموطأ من طريق عطاء بن يسار وجعلها حصلت مع أبي الدرداء
وعطاء لم يسمع من عمر ولا أبا الدرداء وهذا الاضطراب في المتن مما يوهن القصة
وأما بالنسبة لمتنها فاعلم أن عبد الله بن عباس ومعه معاوية إن صحت الرواية _ ولا تصح _ كانوا لا يرون ربا الفضل ويقولون ( لا ربا إلا نسيئة ) تمسكاً بحديث هذا ظاهره رواه أسامة بن زيد
قال ابن تيمية في تفسير آيات أشكلت :” وأما ربا الفضل بلا نَسَاء فقد أشكل على السلف والخلف فروي عن ابن عباس وابن مسعود ومعاوية أنه لا ربا إلا في النَّسَاء كما ثبت في الحديث الصحيح عن أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «لا ربا إلا في النسيئة» وبإزاء هؤلاء بعض المتأخرين الذي قال إنه يجري في كل مال وهذا خلاف إجماع السلف ولا معنى فيه يحكى هذا عن أبي طاهر الرياشي.
وقالت طائفة إنه يحرم في الأصناف المنصوصة الستة وهو قول قتادة وداود وأصحابه وابن عقيل قد رجح في آخر عمره في كتابه في الخلاف هذا وضعَّف ما عُللت به الأصناف الستة كلها وقد بَسَط القول عليه وبَيَّن أنه إنما حرم لسدِّ الذريعة فقط كما قال صلى الله عليه وسلم «لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين فإني أخاف عليكم الرَّمَاء» .
فربا النسيئة حرم لما فيه من الفساد والظلم وأما ربا الفضل فإنما حرم لسد الذريعة”
وتكلم ابن تيمية على هذه المسألة في رفع الملام
ومعاوية إن صحت الرواية فله عذره فلعله ظن أن رواية أسامة بن زيد هي آخر الأمرين لأنه أخص بالنبي صلى الله عليه وسلم من عبادة أو أبي الدرداء ، ولأنه أصغر منهما سناً ورواية الأصغر أقرب إلى كونها ناسخة من رواية الشيخ ، ولعل ابن عباس هو الذي أفتى معاوية بذلك لما كان يعتقده ، فالذي وقع تأول منه له نظير في كلام عامة الفقهاء لا معارضة للسنة بالرأي وقول الصحابي له تلك الكلمة إنما قالها له على ما غلب على ظنه وغيرةً على السنة كقول عمر ذاك الذي قاله لحاطب
وعلى العموم ابن عباس قد رجع عن هذا القول بعد بيان أبي سعيد له وإن كان كثير من أصحابه بقوا على فتياه القديمة لعدم علمهم برجوعه ، وكذا معاوية فيما يظهر من الرواية المنقطعة المضطربة أنه فاء إلى قول عمر
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم