براءة عثمان بن عفان من تقريب شاعر نصراني

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال ابن سلام الجمحي في طبقات فحول الشعراء ص76 :” أخبرنا أبو الغراف قال: كان أبو زبيد الطائي من زوار الملوك، ولملوك العجم خاصة، وكان عالما بسيرهم. وكان عثمان بن عفان يقربه على ذلك ويدينه ويدني مجلسه، وكان نصرانيا. فحضر ذات يوم عثمان، وعنده المهاجرون والأنصار، فتذكروا مآثر العرب وأشعارها، فالتفت عثمان إلى أبي زبيد فقال: يا أخ تبع المسيح، أسمعنا بعض قولك، فقد أنبئت أنك تجيد. فأنشده قصيدته التي تقول فيها:

من مبلغ قومي النائين إذ شحطوا … أن الفؤاد إليهم شيق ولع

ووصف فيها الأسد. فقال عثمان: تالله تفتأ تذكر الأسد ما حييت! والله إني لأحسبك جبانا هدانا! فقال: كلا يا أمير المؤمنين، ولكني رأيت منه منظرا وشهدت منه مشهدا لا يبرح ذكره يتجدد في قلبي، ومعذور أنا يا أمير المؤمنين غير ملوم. فقال عثمان: وأني كان ذلك؟ قال: خرجت في صيابة أشراف من أفناء قبائل العرب، ذوي هيئة وشارة حسنة، ترتمي بنا المهارى بأكسائها، ونحن نريد الحارث بن أبي شمر الغساني ملك الشام. فاخروط بنا المسير في حمارة القيظ، حتى إذا عصبت الأفواه، وذبلت الشفاه، وشالت المياه، وأذكت الجوزاء المعزاء، وذاب الصيهد، وصر الجندب، وضاف العصفور الضب في جحره – أو قال في وجاره – قال قائلنا: يا أيها الركب! غوروا بنا ضوج هذا الوادي. وإذا واد قد يديمتنا كثير الدغل، دائم الغلل، شجراؤه مغنة، وأطياره مرنة، فحططنا رواحلنا في أصول دوحات كنهبلات، فأصبنا من فضلات المزاود وأتبعناها الماء البارد” إلى آخر الخبر

أبو الغراف هذا لا يعرف وبينه وبين عثمان مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي .

 فالخبر معضل  منكر , لا يشبه أخبار السلف بل جعل عثمان شبيهاً بعبد الملك بن مروان وهارون الرشيد وغيرهم

وهذا الخبر ما نكارته تلقفه الدكتور عمر بن عبد العزيز قرشي في كتابه سماحة الإسلام للتدليل على سماحة الإسلام !

ومثل هذه التصانيف في هذا العصر تمثل الهزيمة النفسية التي يعانيها العديد من هؤلاء الكتاب حيث يجعل الإسلام في قفص الاتهام وينصب نفسه مدافعاً

وتعتمد هذه المؤلفات على سياق اجتزائي فتراه يورد قصة ( متي استعبدتم الناس ) وقصة درع علي مع اليهودي المكذوبة

ويهمل فعل عمر مع صبيغ ونهيه عن مؤاكلة أهل الكتاب والشروط العمرية مع كل ما فيها من التضييق عليهم ، وما ورد عن عمر من وسمه لأهل الذمة في أعناقهم إذلالاً لهم على كفرهم بالله

وأما أهل هذه الدراسات المنهزمة فتراهم كأنهم يقولون للكفار ابقوا على كفركم من كثرة ما يوردون من حقوق الكفار في الإسلام ! ، وحقوق أهل الذمة

وليس من فقه الدعوة في شيء أن تأتي إلى قوم منحرفين فتأتي إلى معظم فيهم وتثني عليه فساعئتذ يقول في نفسه ( لا تعارض بين كوني على هذه العقيدة وكوني عالماً فاضلاً حتى عند خصمي ) فكأنك تقول ابق على بدعتك

ولهذا نهى السلف عن توقير أهل البدع ، وهذا منعميق فقههم الذي أغفله كثيرون

وكذلك ما ينبغي أن تخاطب الفاسق والمبتدع والكافر بأن لك من الحقوق كذا وكذا وكذا

فإنما يقال حقك إذا صرت عدلاً كذا وكذا وأنت نقصته بفسقك ، وحقك إذا صرت سنياً كذا وكذا وأنت نقصته ببدعتك ، وكذا يقال للكافر

ومن الهزيمة النفسية إيراد عمر بن عبد العزيز قرشي في كتابه قولاً ينسب إلى علي وهو قوله ( إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ أَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا ، وَدِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا )

وهذا القول لا أصل له عن علي وإنما يورده بعض الفقهاء ، الذين هم أنفسهم يخالفون ظاهره فإن أكثر أهل العلم على أن المسلم لا يقتل بالذمي لحديث ( لا يقتل مسلم بكافر ) وعلى هذا إجماع الصحابة

ومثل هذه الأحكام تغيب في مثل هذه الدراسات ، والعلة في ذلك أنها لا توافق هواهم المتأثر بقيم الديمقراطية التي لا تعتبر الكفر جريمة بذاته يستحق المرء العقوبة عليها

وفي هذه الأيام ظهرت عبارة يكثر تردادها وهي ( الإسلام دين السلام ) ، وما رأيت أحداً من السلف أطلقها هذا الإطلاق

والسلام هو اسم الله ولا شك أن الإسلام دين السلام بمعنى السلامة من كل ما يضر في الدنيا والآخرة

وإن أريد بدين السلام ترك حرب من يجب حربه شرعاً فهذا معنى باطل ، وقد أوهمت هذه العبارة هذا المعنى فإنه ينبغي تركها خصوصاً مع وجود أطروحات تدعو إلى إلغاء جهاد الطلب

نعم محاربة الغلو ودعاوي الجهاد على منهج الخوارج لا تعني إلغاء هذا الأصل الشرعي

فالإسلام دين السلام مع أهل السلام ودين الحرب مع أهل الحرب على ما شرع الله عز وجل

وإن مما يؤسف أن كثيراً من الناس صاروا يبنون مذاهبهم على ردود الأفعال فإن غلا غال جفوا هم وإذا جفا جاف غلوا هم ، والعصمة في لزوم الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح مع تنحية الأهواء وحظوظ النفس

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم