قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (4/93) :” وَقَدْ هَوِيَ ابْنَةَ الجُوْدِيِّ، وتغَزَّل فِيْهَا بِقَوْلِهِ:
تَذَكَّرْتُ لَيْلَى وَالسَّمَاوَةُ دُوْنَهَا … فَمَا لابْنَةِ الجُوْدِيِّ ليلى وماليا
وأنَّى تُعَاطِي قَلْبَهُ حَارِثيَّةٌ … تَدَمَّنُ بُصرى أَوْ تَحِلُّ الجَوَابِيَا
وأنَّى تُلاَقِيْهَا بَلَى وَلَعَلَّهَا … إِنِ النَّاسُ حَجُّوا قَابِلاً أَنْ تُوَافِيَا
فَقَالَ عُمَرُ لأَمِيْرِ عَسْكَرِهِ: إِنْ ظَفِرْتَ بِهَذِهِ عَنْوَةً فَادْفَعْهَا إِلَى ابْنِ أَبِي بَكْرٍ, فَظَفِرَ بِهَا، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ, فَأُعْجِبَ بِهَا, وَآثَرَهَا عَلَى نِسَائِهِ حتَّى شَكَوْنَهُ إِلَى عَائِشَةَ, فَقَالَتْ لَهُ: لَقَدْ أَفْرَطْتَ, فَقَالَ: وَاللهِ إِنِّي لأَرْشُفُ مِنْ ثَنَايَاهَا حَبَّ الرُّمَّانِ, فَأَصَابَهَا وَجَعٌ فَسَقَطَتْ أَسْنَانُهَا, فَجَفَاهَا حَتَّى شَكَتْهُ إِلَى عَائِشَةَ, فَكَلَّمَتْهُ, قَالَ: فَجَهَّزَهَا إِلَى أَهْلِهَا, وَكَانَتْ مِنْ بَنَاتِ المُلُوْكِ”
أقول : قد أساء الذهبي بإيراد هذا الخبر أيما إساءة فذكر عن صحابي تشبيباً بامرأة ، ثم ذكره لها أمام أخته بكلام يتنزه نبلاء الرجال عن ذكره أمام الأخوات ، ثم جفوته لهذه المرأة لما ذهب حسنها ، وهذا الخبر لو صح لكان ترك ذكره هو المتعين ، فإن كتب التواريخ تسترعي انتباه العامة وما ينبغي أن نذكر للعامة مثل هذا
وقد أساء عبد المحسن الزامل بإيراده لهذا الخبر في المنتقى الذي انتقاه من سير اعلام النبلاء فما وجد غير هذا لينتقيه !
فكيف إذا علمت أن هذه القصة بهذا اللفظ باطلة
قال ابن شبة في تاريخ المدينة (3/850) : * حدثنا محمد بن يحيى قال، حدثنا عبد العزيز بن عمران، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: استهام عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما بليلى بنت الجودي بن عدي بن عمرو بن أبي شمر حتى قال فيها:
تذكرت ليلى والسماوة بيننا * فما لابنة الجودي ليلى وما ليا وأنى تعاطي قلبه حارثية * فتسكن بصرى أو تحل الجوابيا وأنى تلاقيها بلى ولعلها * إذا الناس حجوا قابلا أن توافيا (3) فقال له عمر رضي الله عنه: مالك وما لها يا عبد الرحمن ؟ فقال والله يا أمير المؤمنين ما رأيتها قط، إلا أني رأيتها ليلة في بيت المقدس في جوار ونساء يتهادين، فإذا عثرت إحداهن قالت يا ابنة الجودي، وإذا حلفت قالت: بابنة الجودي، فكتب عمر رضي الله عنه إلى صاحب النفير الذي هي به: إن فتح عليهم غنموه إياها.
قالت عائشة رضي الله عنها: فكنت أكلمه فيما يصنع بها فيقول: يا أخية (1) دعيني فو الله لكأنما أرشف بأنيابها حب الرمان.
ثم نزل بها وهانت عليه فكنت أكلمه فيما يسئ إليها كما كنت أكلمه في الاحسان إليها، فكان إحسانه أن ردها إلى أهلها.
عبد العزيز بن عمران متروك ضعيف بمرة ، وقد ذكر ابن شبة روايات أخرى مخالفة لهذه الرواية على ضعفها هي أحسن إسناداً على ضعفها
وينبغي للمرء إذا تكلم عن الصحابة أن يحفظ مقامهم ولا تأخذه شهوة الجمع ، وكذلك بعض الأخبار لا فائدة منها للناس كما أورد الذهبي عن بعضهم أنه كان كثير الجماع فلا تقعد معه امرأة ، فمثل هذا إن صح فهو غيبة وإن لم يصح صار بهتاناً وإن صح فلا فائدة فيه وينبغي أن تنزه الكتب عن مثل هذا
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم