براءة الخليل بن أحمد الفراهيدي من تحريف صفة العلو

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فينشر بعض الجهمية هذا

الإمام السلفي الخليل بن أحمد الفراهيدي (100 هـ ـ117هـ) إمام أئمة أهل اللغة والملقب بعبقري اللغة قال رضي الله عنه : (الله عز وجل هو العلي الأعلى المتعالي ذو العلاء والعلو ، فأما العلاء : فالرفعة ، والعلو : العظمة والتجبر . وتقول : علا الشيء علاء. ويقال : علوت وعليت جميعاً ، وكذلك عليَ علاءً في الرفعة والشرف والارتفاع) معجم العين 2 / 245 ء 246 ، اشتقاق أسماء الله ص109 ، تهذيب اللغة 3 / 186. قال عنه الإمام النَّضْر بن شُمَيْل(122هـ ـ203 هـ): ما رأيتُ رجلاً أعلمَ بالسُّنّة بعد ابن عونٍ من الخليل بن أحمد . وقال : ما رأى الرأوون مثل الخليل ولا رأى الخليل مثل نفسه. وقال عنه سفيان بن عيينة (107 هـ ـ 198 هـ) من أحب أن ينظر الى رجل من ذهب والمسك فلينظر الى الخليل بن احمد

يفترون على أئمة الإسلام تحريف العلو بعلو العظمة

والآن لنأتي إلى نص الخليل من كتاب العين والذي لم ينقلوه لأنه فيه إثبات صريح للعلو

قال الخليل في كتاب العين :” والثّنايا العُلْيا، والثّنايا السُّفْلَى. والله تبارَكَ وتعالَى هو العليّ العالي المتعالي ذو العُلَى والمعالي تعالَى عمّا يقولُ الظالمون علوا كبيرا. و (على) : صفة من الصّفات، وللعرب فيه ثلاث لغات: على زيدٍ مال، وعليك مال. ويقال: علاك، أي: عليك. ويقولون: كنت على السّطح، وكنت في أعلَى السّطح. ويقولون: في موضع أعلى عالٍ، وفي موضع أعلى علٍ. قال أبو النجم «6» :

أقبُّ من تحتُ عريضٌ من علِ

وقد ترفعُه العربُ في الغاية فيقولون: من علُ. قال عبد الله بن رَواحة:

شهِدْتُ فلم أكذبْ بأنّ محمّداً … رسول الذي سوّى السماوات من علُ”

وهذا كلام واضح في إثبات العلو فهو وهو يتكلم عن العلو المكاني جاء ببيت عبد الله بن رواحة

فما قصة ذلك الكلام الذي ينقلونه عنه ؟

ذلك الكلام لا وجود له إلا في كتاب اشتقاق الأسماء الحسنى للزجاج وهو جهمي في باب الصفات ولا يؤتمن وهو لم يدرك الخليل وما في كتاب الخليل مقدم على ما ذكره

قال الذهبي في العلو 437 – أنبأني أَحْمد بن أبي الْخَيْر عَن يحيى بن يُونُس أَنبأَنَا أَبُو الْعَزِيز كادش حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن أَنبأَنَا الْمعَافى بن زَكَرِيَّاء حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي الْأَزْهَر حَدثنَا الزبير بن بكار حَدثنِي النَّضر بن شُمَيْل حَدثنِي الْخَلِيل بن أَحْمد قَالَ أتيت أَبَا ربيعَة الْأَعرَابِي وَكَانَ من أعلم من رَأَيْت وَكَانَ على سطح فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ أَشَرنَا إِلَيْهِ بِالسَّلَامِ فَقَالَ اسْتَووا فَلم ندر مَا قَالَ

فَقَالَ لنا شيخ عِنْده يَقُول لكم ارتفعوا

قَالَ الْخَلِيل هَذَا من قَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِي دُخان} يَقُول ارْتَفع

وقال الخليل بن أحمد3 في {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} : “ارتفع إلى السماء4”. رواه (ق21/أ) أبو عمر5 بن عبد البر6 في شرح الموطأ له7

وقد ذكروا الأزهري صاحب تهذيب اللغة موهمين أنه متجهم وكذبوا

وقال في تهذيب اللغة :” وَقَالَ اللَّيْث: الله تبَارك وتَعالى هُوَ الْعلي المتعالي العالي الْأَعْلَى ذُو الْعَلَاء والعُلاَ وَالمَعَالي، تَعَالَى عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ عُلُوّاً كَبِيرا. وَهُوَ الْأَعْلَى سُبْحَانَهُ بِمَعْنى العالي قَالَ: وَتَفْسِير تَعَالَى: جلّ عَن كل ثَنَاء، فَهُوَ أعظم وأجلّ وَأَعْلَى مِمَّا يُثنَى عَلَيْهِ، لَا إلاه إلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ.

قلت: وَتَفْسِير هَذِه الصِّفَات لله يقرب بَعْضهَا من بعض، فالعليّ الشريف فعيل من علا يَعْلُو، وَهُوَ بِمَعْنى العالي، وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ فَوْقه شَيْء. وَيُقَال: هُوَ الَّذِي علا الْخلق فقهرهم بقدرته. وأمّا المتعالي فَهُوَ الَّذِي جَلّ عَن إفْك المفترين، وتنزّه عَن وساوس المتحيّرين. وَقد يكون المتعالي بِمَعْنى العالي. والأعلى هُوَ الله الَّذِي هُوَ أَعلَى من كل عالٍ.”

تأمل قوله ليس فوقه شيء وما فيه من إثبات العلو الصريح

فتعجب من جرأة الجهمية وكيف أنهم يتركون الثابت المتواتر عن السلف وتبشثون بالأكاذيب

وقال الأزهري في تهذيب اللغة :” والسَمِيعُ من صِفَات الله وأسمائه. وَهُوَ الَّذِي وسِعَ سَمْعُهُ كلّ شَيْء؛ كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: {} (المجادلة: 1) وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: {مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ} (الزخرف: 80) قلت: والعَجَب من قوم فسَّروا السَمِيع بِمَعْنى المُسْمِع، فِرَارًا من وصف الله بِأَن لَهُ سَمْعاً. وَقد ذكر الله الْفِعْل فِي غير مَوضِع من كِتَابه. فَهُوَ سَمِيعٌ: ذُو سَمْعٍ بِلَا تكييف وَلَا تَشْبِيه بالسميع من خَلْقه، وَلَا سَمْعُه كسمع خَلْقه، وَنحن نَصِفُهُ بِمَا وصف بِهِ نَفسه بِلَا تَحْدِيد وَلَا تكييف”

وقال أيضاً :” وَيَقُول أحَّدْتُ الله ووحَّدْتُه وَهُوَ الأَحَدُ الوَاحِدُ، وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهُ قَالَ لرجل ذكر الله وَأَوْمَأَ بأصبعَيْه فَقَالَ لَهُ: أَحد أَحدْ، مَعْنَاهُ أَشِرْ بإصبَع وَاحِدٍ وَأما قَول النَّاس توحَّد الله بالأمْرِ وتفرّد فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ صَحِيحا فِي الْعَرَبيَّة فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَن ألْفِظَ بلفْظٍ فِي صفة الله لم يصِفْ بِهِ نَفْسه فِي التَّنْزِيل أَو فِي السّنة وَلم أجد المتوحد وَلَا المتفرد فِي صِفَاته، وَإِنَّمَا تَنْتَهي فِي صِفَات الله إِلَى مَا وصف بِهِ نَفسه، وَلَا تجاوزه إِلَى غَيره لجوازه فِي الْعَرَبيَّة تَعَالَى الله عَن التَّمْثِيل والتشبيه علوّاً كَبِيرا.”

وقال أيضاً :” ويُقَوِّي هَذَا القَوْل قَول الله جلّ وعزّ: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ} (البَقَرَة: 210) فالغمام مَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب، إلاّ أَنا لَا نَدْرِي كَيفَ الْغَمَام الَّذِي يَأْتِي الله جلّ وعزّ يَوْم الْقِيَامَة فِي ظُلَل مِنْهُ فَنحْن نؤمن بِهِ، وَلَا نكيِّف صفته. وَكَذَلِكَ سَائِر صِفَات الله جلّ وعزّ”

وقال الأزهري في تهذيب اللغة وَأَخْبرنِي مُحَمَّد بن إِسْحَاق السعديّ عَن الْعَبَّاس الدُّورِيّ أَنه سَأَلَ أَبَا عبيدٍ عَن تَفْسِيره وَتَفْسِير غَيره من حَدِيث النُّزُول والرؤية فَقَالَ: هَذِه أحاديثُ رَوَاهَا لنا الثِّقاتُ عَن الثّقات حَتَّى رفعوها إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام؛ وَمَا رَأينَا أحدا يفسِّرها، فَنحْن نؤمن بهَا على مَا جَاءَت وَلَا نفسِّرها. أَرَادَ أَنَّهَا تُترك على ظَاهرهَا كَمَا جَاءَت

وتأمل قوله : تترك على ظاهرها وما فيه من المنافاة لطريقة المفوضة والمحرفة وكيف أنه ذكر النزول مع الرؤية

وقال أيضاً معلقاً على أخبار الرؤية :” ورُوِيَ من وَجْهٍ آخر: (لَا تضامُون) بِالتَّخْفِيفِ، وَمَعْنَاهُ: لَا ينالُكُمْ ضَيْمٌ فِي رُؤْيَته، أَي تَرَوْنَهُ حَتَّى تَسْتووا فِي الرُّؤْية، فَلَا يَضِيمُ بَعْضكُم بَعْضًا؛ وَمعنى هَذِه الْأَلْفَاظ وَإِن اخْتلفت مُتَقَارِبَة، وكل مَا رُوِيَ فِيهِ صَحِيح، وَلَا يدْفع لفظ مِنْهَا لفظا، وَهُوَ من صِحاح أَخْبَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وغُرَرها، وَلَا ينكرها إِلَّا مُبْتَدِعٌ صاحبُ هوى.

تنبيه : الرازي الأشعري في كتابه المحصول طعن في كتاب العين للخليل وهذا ينقض شبهتهم من أساسها

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم