براءة الإمام مالك من التحامل على ابن سمعان

في

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال أبو زرعة الدمشقي في تاريخه حدثني أحمد بن صالح قال: قلت لابن وهب: ما كان مالك يقول في ابن سمعان ؟ قال: لا يقبل قول بعضهم في بعض.

قال ابن وهب: قلت لابن سمعان: من عبد الله بن عبد الرحمن الذي رويت عنه ؟ قال: لقيته في البحر.

هذه الكلمة نقلها  ابن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله في باب كلام الأقران بعضهم في بعض الذي يطوى ولا يروى

وليس من الإنصاف جعل كلام مالك في ابن سمعان من كلام الأقران إذ أنه حق وقد تابعه عليه عامة الأئمة

وابن سمعان اسمه عبد الله بن زياد بن سليمان بن سمعان وإليك كلام أهل العلم فيه لتعلم أن مالكاً ما ظلمه ولا تحامل عليه

و قال يحيى بن بكير : قال هشام بن عروة فيه ، و ذاك أنه حدث عنه بأحاديث : والله ما حدثته بها ، و لقد كذب على .

و قال أبو بكر المروذى ، عن أحمد بن حنبل : كان متروك الحديث .

و قال عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه : إنما كان يعرف بالمدينة بالصلاة ،

و لم يكن يعرف بالحديث .

و قال : الشاميون أروى الناس عنه .

و قال فى موضع آخر عن أبيه : سمعت إبراهيم بن سعد يحلف بالله لقد كان ابن سمعان

يكذب .

و قال فى موضع آخر : ذكروا ابن سمعان عند إبراهيم بن سعد ، فقال : والله ما رأيته فى حلقة من حلق الفقه قط . و لقد أخبرنى ابن أخى الزهرى ، و سألته هل رأيته عند عمك ابن شهاب الزهرى ؟ فقال : والله ما رأيته قط .

و قال عباس الدورى ، عن يحيى بن معين : ضعيف الحديث .

و قال معاوية بن صالح ، عن يحيى : ليس حديثه بشىء .

و قال أحمد بن سعد بن أبى مريم ، عن يحيى : ليس بثقة .

و قال عبيد بن محمد الكشورى : سألت أبا مصعب ، عن ابن سمعان ، فقال : كان مرمدا

، و سألت يحيى بن معين عنه ، فقال : كان كذابا .

و قال أبو بكر بن أبى أويس : كنت جالسا عند ابن سمعان ، فوجدته يحدث ، فانتهى

إلى حديث لشهر بن حوشب ، فقال : حدثنى شهر بن جوست ، فقلت : من هذا ؟ فقال : بعض العجم من أهل خراسان قدموا علينا . فقلت : لعلك تريد شهر بن حوشب ؟ فسكت .

فذكرت ذلك لأبى معشر ، فقال : أما سماعى من المشيخة ، فأيام كنت أضرب بالإبرة

فى حانوت أستاذى ، كنت أرش الحانوت و أكنسه فكان يجلس إليه محمد بن كعب ،

و محمد بن قيس ، و سعيد المقبرى ، فسمعت منهم مشافهة ، و أما ابن سمعان فإنما

أخذ كتبه من الداوين و الصحف .

و قال على ابن المدينى ، و عمرو بن على : ضعيف الحديث جدا .

فهذا يدل على أن كلمة مالك فيه حق لا تدفع بحال ، وذكرها في باب كلام الأقران غلط

وقد أورد  ابن عبد البر في هذا الباب قصة منكرة يتهم فيها إبراهيم النخعي الشعبي بأنه لم يسمع من مسروق ، ونكارة القصة بينة لأن الشعبي يروي عن مسروق بنزول فقد أدرك عائشة وابن مسعود ومع ذلك يروي عنهما بواسطة مسروق فلو كان مدعياً السماع من أحد كذباً لادعاه من الصحابة الذين أدركهم

بل إنه أدرك علياً ورآه ومع ذلك يروي عنه بواسطة الحارث الكذاب ، فهذا برهان على أن الشعبي من أبعد الناس عن التدليس فضلاً عما أشنع منه ، ولو كان النخعي متهماً إياه ظلماً بشيء لاتهمه بأمر أظهر من هذا

والمعروف أن الشعبي كان يحب النخعي ويوقره

قال ابن سعد في الطبقات (6/ 284) : قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن علية ومحمد بن عبد الله الأنصاري قالا: حدثنا بن عون قال: أتيت الشعبي بعد موت إبراهيم فقال لي: أكنت فيمن شهد دفن إبراهيم؟ فالتويت عليه فقال: والله ما ترك بعده مثله. قلت: بالكوفة؟ قال: لا بالكوفة ولا بالبصرة ولا بالشام ولا بكذا ولا بكذا.

زاد محمد بن عبد الله: ولا بالحجاز.

قال: أخبرنا محمد بن الفضيل بن غزوان الضبي عن بن أبجر قال: أخبرت الشعبي بموت إبراهيم فقال: احمد الله أما إنه لم يخلف خلفه مثله، قال: وهو ميتا أفقه منه حيا.

قال: أخبرنا جرير بن عبد الحميد الضبي عن مغيرة عن الشعبي قال: إبراهيم ميتا أفقه منه حيا.

وهذه أسانيد قوية

و قال ابن عبد البر فى كتاب جماع بيان العلم ” له لما حكى عن إبراهيم ما قال في الشعبي : أظن الشعبى عوقب بقوله فى الحارث كذاب ، و لم يبن من الحارث كذبه ، و إنما نقم عليه إفراطه فى حب على .

أقول : إنا لله وإنا راجعون أما إن الشعبي قد صدق وبر ونصح والنخعي نفسه يتهم الحارث

قال مسلم في مقدمة صحيحه مسلم بن الحجاج . قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، قال : حدثنا جرير ، عن حمزة الزيات ، قال : سمع مرة الهمدانى من الحارث شيئا ، زاد غيره : فأنكره ، فقال له : اقعد بالباب ، قال : فدخل مرة ، و أخذ سيفه ، قال : و أحس الحارث بالشر فذهب .

و به ، قال : حدثنى حجاج بن الشاعر ، قال : حدثنى أحمد و هو ابن يونس ، قال : حدثنا زائدة ، عن منصور و المغيرة ، عن إبراهيم : أن الحارث اتهم .

و قال أبو معاوية الضرير ، عن محمد بن شيبة الضبى ، عن أبى إسحاق : زعم الحارث الأعور و كان كذابا .

و قال أبو بكر بن أبى خيثمة : قال أبو بكر بن عياش : لم يكن الحارث بأرضاهم كان

غيره أرضى منه ، و كانوا يقولون : إنه صاحب كتب كذاب .

و قال يوسف بن موسى ، عن جرير : كان الحارث الأعور زيف

و قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجانى : سألت على ابن المدينى عن عاصم و الحارث ،

فقال : يا أبا إسحاق ، مثلك يسأل عن ذا ! الحارث كذاب .

و قال أبو بكر بن أبى خيثمة : سمعت أبى يقول : الحارث الأعور كذاب .

و قال أيضا : قيل ليحيى بن معين : الحارث صاحب على ؟ فقال : ضعيف .

فليس الشعبي وحده في هذا الباب، وقد قال الذهبي في السير لما ترجم للحارث (4/152) :” هُوَ العَلاَّمَةُ، الإِمَامُ، أَبُو زُهَيْرٍ الحَارِثُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ كَعْبِ بنِ أَسَدٍ الهَمْدَانِيُّ، الكُوْفِيُّ، صَاحِبُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُوْدٍ.

كَانَ فَقِيْهاً، كَثِيْرَ العِلْمِ، عَلَى لِيْنٍ فِي حَدِيْثِهِ”

وقال أيضاً :” قَدْ كَانَ الحَارِثُ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، وَمِنَ الشِّيْعَةِ الأُوَلِ” ، ورافضي متهم بالكذب هذه الألقاب كبار عليه

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم