براءة الإمام طاووس بن كيسان من تهمة التدليس والدفاع عن حديث الجريدتين

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال البخاري في صحيحه  1361 – حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ  عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَرَّ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا بِنِصْفَيْنِ ثُمَّ غَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا فَقَالَ لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا.

هذا الحديث في الصحيحين  وصححه أئمة الإسلام جميعاً وما انتقده أحده البتة

حتى ظهر رجل غريب أعله بعنعنة طاووس مدعياً أن طاووس مدلس !

وقبل الدخول في الدفاع عن طاووس نذكر شيئاً من فضل طاووس  بن  كيسان زكاه عدة طبقات دون أي خلاف بينهم وفي وثاقته وقبول

فأول طبقة الصحابة  فقد روي عن ابن عباس أنه قال إني لأظن طاووس من أهل الجنة

والطبقة الثانية طبقة التابعين حيث أثنى عليه قرينه والمختص بحديث ابن عباس عمرو بن دينار  حيث قال طاووس أصدقنا لهجة وترى هنا أن مجاهداً وهو قرينه يروي عنه والمرء إذا سلم من أقرانه فقد سلم  و قال سفيان بن عيينة : قلت لعبيد الله بن أبى يزيد ، مع من كنت تدخل على ابن

عباس قال : مع عطاء و أصحابه ، قلت : فطاووس ؟ قال : أيهات ، ذاك كان يدخل مع الخواص .

ثم أثنى عليه واحتج به أئمة أتباع التابعين كمالك وسفيان وغيرهم

ثم من بعدهم من الآخذين عن أتباع التابعين كالشافعي وأحمد وابن مهدي والبخاري ومسلم

فهذا الرجل الذي اتفقت عليه الأئمة على اختلاف مذاهبها ما رماه بالتدليس سوى الكرابيسي

قال  العلائي في طبقات المدلسين :” 30 ـ ع: طاوس بن كيسان أحد الأعلام ذكر حسين الكرابيسي في أثناء كلام له أنه أخذ عن عكرمة كثيراُ من علم ابن عباس وكان يرسله بعد ذلك عنه وهذا يقتضي أن يكون مدلساً ولم أر أحداً وصفه بذلك”

فهنا بين شذوذ الكرابيسي لهذا ابن حجر حين ذكر طاووس في طبقات المدلسين ذكره في الطبقة الأولى وهي طبقة من لم يثبت عنه التدليس

وكيف يخفى هذا على أئمة التابعين وأتباعهم ويظهر فقط للكرابيسي وهو رجل مطعون فيه أصالة

قال ابن رجب في شرح علل الحديث :” وقد تسلط كثير ممن يطعن في أهل الحديث عليهم بذكر شيء من هذه العلل، وكان مقصوده بذلك الطعن في أهل الحديث جملة، والتشكيك فيه أو الطعن في غير حديث أهل الحجاز، كما فعله حسين الكرابيسي في كتابه الذي سماه “بكتاب المدلسين”.

وقد ذكر كتابه هذا للإمام أحمد فذمه ذماً شديداً وكذلك أنكره عليه أبو ثور وغيره من العلماء.

قال المروذي: مضيت إلى الكرابيسي، وهو إذ ذاك مستور يذب عن السنة، ويظهر نصرة أبي عبد الله، فقلت له: إن كتاب المدلسين يريدون أن يعرضوه على أبي عبد الله، فأظهر أنك قد ندمت حتى أخبر أبا عبد الله”

ثم أكمل الحكاية وفيها ذم أحمد له

ولو فرضنا صحة ما ذكر فإن الواسطة معروف وهو عكرمة وهو ثقة فلا يضر  ولا شك أن هذا نادر فطاووس من خاصة ابن عباس أصالة ولا يفوته إلا القليل من علمه

فإن قلت : هل يوجد عواضد لخبر ابن عباس

فيقال : نعم قد ثبت عن بريدة أنه عمل بخبر الجريدة هذا مما يدل على أن له أصلاً

قال ابن سعد في الطبقات 10622 – أَخبَرنا عَفّانُ بن مُسلِم, قالَ: حَدَّثَنا حَماد بن سَلَمَةَ، قالَ: أَخبَرنا عاصِمٌ الأَحوَلُ قالَ: قالَ موَرِّقٌ: أَوصَى بُرَيدَةُ الأَسلَميُّ أَن توضَعَ في قَبرِه جَريدَتانِ، وكانَ ماتَ بِأَدنَى خُراسانَ، فَلَم توجَد إِلاَّ في جَوالِق حَمّارٍ.

وأما عن حكمة وضع الجريدتين فتكلم عدد من الشراح

ومن أحسن ما قيل أن ذلك لأن الجريد يسبح ولأنه فيه حياة فتسبيحه أكمل من تسبيح الجماد فيكون هذا التسبيح بمنزلة استغفار الملائكة ومنهم من رأى هذا خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم

ولكن فعل بريدة وتبويب البخاري موح بالعموم وقد قال به العديد من العلماء أيضاً

ثم إن أبا العالية وهو تابعي جليل مخضرم  أوصى بهذا

قال ابن سعد في الطبقات 10951 – أَخبَرنا عُبيد الله بن مُحَمد بن حَفصٍ التَّيميُّ, قالَ: حَدَّثَنا حَماد بن سَلَمَةَ، عَن عاصِم الأَحوَل؛ أَنَّ أَبا العاليَة أَوصَى إِلَى موَرِّقٍ العِجليِّ، وأَمَرَهُ أَن يَضَعَ في قَبرِه جَريدَتَين, قالَ موَرِّقٌ: وأَوصَى بُرَيدَةُ الأَسلَميُّ أَن توضَعَ في قَبرِه جَريدَتانِ، وماتَ بِأَدنَى خُراسانَ، فَلَم توجَدا إِلاَّ في جَوالِق حَمّارٍ، فَلَمّا وضَعوهُ في قَبرِه, وضَعوهُما في قَبرِه.

ثم لهذا الفعل شاهد من حديث جابر في صحيح مسلم :” قَالَ جَابِرٌ : فَقُمْتُ فَأَخَذْتُ حَجَرًا فَكَسَرْتُهُ وَحَسَرْتُهُ ، فَانْذَلَقَ لِي ، فَأَتَيْتُ الشَّجَرَتَيْنِ فَقَطَعْتُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ أَجُرُّهُمَا حَتَّى قُمْتُ مَقَامَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَرْسَلْتُ غُصْنًا عَنْ يَمِينِي وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِي ، ثُمَّ لَحِقْتُهُ ، فَقُلْتُ : قَدْ فَعَلْتُ ، يَا رَسُولَ اللهِ ، فَعَمَّ ذَاكَ ؟ قَالَ : إِنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ ، فَأَحْبَبْتُ ، بِشَفَاعَتِي ، أَنْ يُرَفَّهَ عَنْهُمَا ، مَا دَامَ الْغُصْنَانِ رَطْبَيْنِ”

هذا
وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم