جاء في شرح لامية شيخ الإسلام للدكتور «عبد الكريم الخضير»:
“سؤال: ما معنى قول الشيخ ابن القاسم في حاشية الدرة المضية على العقيدة السفارينية فيما نقله عن الإمام أحمد، من قال: إن الإمام مخلوق يعني يقصد القرآن ومن قال: إنه غير مخلوق فهو مبتدع
وماذا نقول هل السكوت هو السلامة؟
الجواب: السلامة في اتباع من سلف ما قالوا به قلنا به وما سكتوا عنه سكتنا عنه
والخلاف المذكور عن الإمام البخاري رحمه الله تعالى وهو محمد بن يحيى الذهلي في مسألة اللفظ بالقرآن
والإمام البخاري شنعوا عليه وأوذي بسبب اللفظ وإنه يقول لفظي بالقرآن مخلوق ولا شك أن هذا في الكلام ما أثر عن من سلف
واللفظ يحتمل أن يكون اللفظ الذي هو إخراج الحروف من فم اللافظ بمعنى التكلم الذي بالمصدر، ويحتمل أن يكون المراد به الملفوظ اسم المفعول وهو القرآن فمن قال لفظي للقرآن مخلوق يريد به تلفظه به، وقراءته للقرآن وهي عمل له والله جل وعلا خلقه وخلق عمله من هذا الوجه يمكن حمله على وجه صحيح .
وأما إذا أراد باللفظ الملفوظ: الذي هو القرآن، فهو قول الجهمية ومثل هذه الألفاظ المجملة التي تحتمل أهل العلم يشددون في إنكارها ولذا جاء عنهم من قال لفظي بالقرآن مخلوق فقد كفر
يعني كأنه قد قال القرآن مخلوق لأن هذا اللفظ المجمل يحتمل أن يراد به الملفوظ وهو القرآن.
فالإمام البخاري يقول أفعال العباد مخلوقة وألف في ذلك كتاب الأسماء وخلق أفعال العباد، وعلى كل حال الامتحان الذي حصل للإمام البخاري لا يسلم من شوط حسد لأنه انصرفت أنظار أهل الحديث إليه
وترك المحدثون في البلد الذي دخل عليه لما دخل نيسابور، المقصود أن هذا الكلام المجمل لا يجوز إطلاقه بل لابد من التفصيل فيه، واجتنابه هو الأصل والاقتصار على الوارد هو المتعين” ا.هـ.
أفهم من كلام الدكتور أنه لا يبريء البخاري من هذه التهمة إذ لم يشر ذلك
والحق أنه بريء من قول اللفظة
وعمدة من نسب له القول باللفظ ما روى ابن عساكر في تاريخه (52/ 92) : أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد أنبأنا القاضي أبو المظفر هناد بن إبراهيم النسفي أنبأنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد البخاري حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد ابن حمدان بن غارم الزندي وأبو عمرو أحمد بن عمر المقرئ قالا حدثنا أبو سعيد حاتم بن أحمد بن محمود الكندي قال سمعت مسلم بن الحجاج يقول:
لما قدم محمد بن إسماعيل البخاري نيسابور ما رأيت واليا ولا عالما فعل به أهل نيسابور ما فعلوا بمحمد بن إسماعيل استقبلوه من مرحلتين وثلاث مراحل
وقال محمد بن يحيى الذهلي في مجلسه من اراد أن يستقبل محمد بن إسماعيل غدا فليستقبله فإني استقبله فاستقبله محمد بن يحيى وعامة علماء أهل نيسابور فدخل البلد فنزل دار البخاريين
قال فقال لنا محمد بن يحيى لا تسألوه عن شيء من الكلام فإنه إن أجاب بخلاف ما نحن فيه وقع بيننا وبينه ثم شمت بنا كل حروري وكل رافضي وكل جهمي وكل مرجئ بخراسان
قال فازدحم الناس على محمد بن إسماعيل حتى امتلأ الدار والسطوح قال فلما كان يوم الثاني أو الثالث قام إليه رجل فسأله عن اللفظ بالقرآن
فقال أفعالنا مخلوقة وألفاظنا من أفعالنا قال فوقع بين الناس اختلاف فقال بعضهم قال لفظي بالقرآن مخلوق
وقال بعضهم لم يقل فوقع بينهم اختلاف حتى تواثب بعضهم إلى بعض فاجتمع أهل الدار فاخرجوا الناس من الدار.
وهذا السند فيه نظر ، فحاتم بن أحمد بن محمود الكندي ترجم له الذهبي في وفيات 314 :” حرف الحاء – 151 – حاتم بن أحمد بن محمود بن عفان بن خازم.
أبو سعيد الكندي.
ذكره ابن ماكولا في خازم، بمعجمتين، فقال فيه: الكندي الصيرفي البخاري.
حدث عن: محمد بن يحيى الذهلي، وأحمد بن الأزهر، وأحمد بن حفص بن عبد الله، وأحمد بن يوسف.
وعنه: أبو عمرو أحمد بن محمد المقرئ، ومكي بن إسحاق.
مات في سابع رمضان من السنة”.
فمثله مجهول الحال ، فهل يجوز الاعتماد على مثله في نسبة هذا القول الخطير للإمام البخاري ، وفي سند الخبر هناد بن إبراهيم النسفي، قال الذهبي في الميزان :
” 9254 – هناد بن إبراهيم أبو المظفر النسفى.
روى الكثير بعد الخمسين وأربعمائة إلا أنه راوية للموضوعات والبلايا.
وقد تكلم فيه.
روى عن غنجار في تاريخه، وعن أبى عبد الرحمن السلمي، وأبي عمر الهاشمي، وأبي الحسين بن بشران، والطبقة.
وآخر من حدث عنه القاضي أبو بكر الأنصاري، وأبو البدر الكرخي، لكن أبو البدر لم يكن له أصل مما روى عنه.
مات ببعقوبا على قضائها سنة خمس وستين وأربعمائة”.
وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق (52/92) : أخبرنا أبو القاسم الخضر بن الحسين بن عبدان أنبأنا علي بن محمد المصيصي أنبأنا عبد الله بن أحمد بن الحسن النيسابوري حدثنا أبو العباس أحمد بن الحسن الرازي حدثنا أبو أحمد بن عدي قال ذكر لي جماعة من المشايخ أن محمد بن إسماعيل
لما ورد نيسابور اجتمع الناس عليه وعقد له المجلس حسده من كان في ذلك الوقت من مشايخ نيسابور لما رأى إقبال الناس إليه وأجتماعهم فقال لأصحاب الحديث إن محمد بن إسماعيل يقول اللفظ بالقرآن مخلوق فامتحنوه به في المجلس
فلما حضر الناس مجلس البخاري قام إليه رجل فقال يا أبا عبد الله ما تقول في اللفظ بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق فأعرض عنه البخاري ولم يجبه
فقال الرجل يا أبا عبد الله وأعاد عليه القول فأعرض عنه ولم يجبه ثم قال في الثالثة
فالتفت إليه محمد بن إسماعيل قال القرآن كلام الله غير مخلوق وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة
فشغب الرجل وشغب الناس وتفرقوا عنه وقعد البخاري في منزله.
فهذه الرواية أنسب لمذهب البخاري الوارد في كتابه خلق أفعال العباد ، وتأمل كيف أنه لم يطلق باللفظ لا نفياً ولا إثباتاً ، وإنما تكلم عن القرآن والأفعال فقط!
وقال الخطيب في تاريخه (2/340) : أَخْبَرَنَا أحمد بن محمد بن غالب، قَالَ: أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي، قَالَ: أخبرنا عبد الله بن محمد بن سيار، قَالَ: حَدَّثَنِي محمد بن خشنام، وسمعته يقول: سئل محمد بن إسماعيل، بنيسابور عن اللفظ، فقال: حَدَّثَنِي عبيد الله بن سعيد، يعني أبا قدامة، عن يحيى بن سعيد، قَالَ: أعمال العباد كلها مخلوقة.
فمرقوا عليه، قَالَ: فقالوا له بعد ذلك، ترجع عن هذا القول حتى يعودوا إليك؟
قَالَ: لا أفعل إلا أن تجيئوا بحجة فيما تقولون أقوى من حجتي.
وأعجبني من محمد بن إسماعيل ثباته.
أقول : فهذا الخبر صريح في أن البخاري لم يقل (لفظي بالقرآن مخلوق) اللفظ الموهم الذي ذمه أحمد
وإنما قال (أفعال العباد مخلوقة)، مع تصريحه مراراً وتكراراً بأن القرآن كلام الله غير مخلوق كما في كتابه خلق أفعال العباد ، وسبب قول البخاري هذا أن رأى أن بعضهم لما رأى أحمد ذم من يقول (لفظي بالقرآن مخلوق) ، قالوا (لفظي بالقرآن غير مخلوق) ، فأوهموا أن أفعال العباد غير مخلوقة.
ولهذا حقق شيخ الإسلام أن نسبة قول اللفظية للبخاري فرية فقال كما في مجموع الفتاوى ( 12/ 364): “وَكَذَلِكَ أَيْضًا افْتَرَى بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الْبُخَارِيِّ الْإِمَامِ صَاحِبِ “الصَّحِيحِ” أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ وَجَعَلُوهُ مِنْ “اللَّفْظِيَّةِ” حَتَّى وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ : مِثْلِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذهلي.
وَأَبِي زُرْعَةَ وَأَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرِهِمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَكَانَ فِي الْقَضِيَّةِ أَهْوَاءٌ وَظُنُونٌ حَتَّى صَنَّفَ ” كِتَابَ خَلْقِ الْأَفْعَالِ “
وَذَكَرَ فِيهِ مَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي قدامة عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ أَنَّهُ قَالَ : مَا زِلْت أَسْمَعُ أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ : أَفْعَالُ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ .
وَذَكَرَ فِيهِ مَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ كِتَابِهِ “الصَّحِيحِ ” مِنْ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِصَوْتِ وَيُنَادِي بِصَوْتِ .
وَسَاقَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْآثَارِ مَا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ وَبَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّوْتِ الَّذِي يُنَادِي اللَّهُ بِهِ وَبَيْنَ الصَّوْتِ الَّذِي يُسْمَعُ مِنْ الْعِبَادِ
وَأَنَّ الصَّوْتَ الَّذِي تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهِ لَيْسَ هُوَ الصَّوْتَ الْمَسْمُوعَ مِنْ الْقَارِئِ وَبَيَّنَ دَلَائِلَ ذَلِكَ وَأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ وَأَصْوَاتَهُمْ مَخْلُوقَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى بِفِعْلِهِ وَكَلَامِهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ”.
وفي هذا عبرة لمن يزعم أن البخاري وشيخ الإسلام لهما مذهب في (اللفظ) غير مذهب أحمد ، وينسبون للبخاري أنه قال (لفظ) و (ملفوظ) وهذا كذب
وهذا التحقيق من شيخ الإسلام يبدو أنه من أواخر ما كتب في المسألة.
فإن قلت ما الفرق بين (أفعال العباد مخلوقة) و (لفظي بالقرآن مخلوق)؟
فيقال : قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (6/ 527): “وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد وَنَحْوِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَنْ قَالَ : إنَّ اللَّفْظَ بِالْقُرْآنِ وَالتِّلَاوَةَ مَخْلُوقَةٌ فَهُوَ جهمي
وَمَنْ قَالَ : إنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ ؛ لِأَنَّ ” اللَّفْظَ وَالتِّلَاوَةَ ” يُرَادُ بِهِ الْمَلْفُوظُ الْمَتْلُوُّ .
وَذَلِكَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ فَمَنْ جَعَلَ كَلَامَ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ مَخْلُوقًا فَهُوَ جهمي . وَيُرَادُ بِذَلِكَ ” الْمَصْدَرُ وَصِفَاتُ الْعِبَادِ ” فَمَنْ جَعَلَ ” أَفْعَالَ الْعِبَادِ وَأَصْوَاتَهُمْ غَيْرَ مَخْلُوقَةٍ ” فَهُوَ مُبْتَدِعٌ ضَالٌّ”.
وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (12/ 209):
“وَلَكِنَّ أَهْلَ خُرَاسَانَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ بِأَقْوَالِ أَحْمَد مَا لِأَهْلِ الْعِرَاقِ الَّذِينَ هُمْ أَخَصُّ بِهِ .
وَأَعْظَمُ مَا وَقَعَتْ فِتْنَةُ ” اللَّفْظِ ” بِخُرَاسَانَ وَتَعَصَّبَ فِيهَا عَلَى الْبُخَارِيِّ – مَعَ جَلَالَتِهِ وَإِمَامَتِهِ – وَإِنْ كَانَ الَّذِينَ قَامُوا عَلَيْهِ أَيْضًا أَئِمَّةٌ أَجِلَّاءٌ فَالْبُخَارِيُّ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – مِنْ أَجَلِّ النَّاسِ .
وَإِذَا حَسُنَ قَصْدُهُمْ وَاجْتَهَدَ هُوَ وَهْم أَثَابَهُ اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ عَلَى حُسْنِ الْقَصْدِ وَالِاجْتِهَادِ .
وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ مِنْهُ أَوْ مِنْهُمْ بَعْضُ الْغَلَطِ وَالْخَطَأِ فَاَللَّهُ يَغْفِرُ لَهُمْ كُلِّهِمْ
لَكِنَّ مِنْ الْجُهَّالِ مَنْ لَا يَدْرِي كَيْفَ وَقَعَتْ الْأُمُورُ حَتَّى رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضَ الشُّيُوخِ الَّذِينَ لَهُمْ عِلْمٌ وَدِينٌ يَقُولُ : مَاتَ الْبُخَارِيُّ بِقَرْيَةِ خرتنك فَأَرْسَلَ أَحْمَد إلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ يَأْمُرُهُمْ أَنْ لَا يُصَلُّوا عَلَيْهِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ فِي ” مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ ” وَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْكَذِبِ عَلَى أَحْمَد وَالْبُخَارِيِّ وَكَاذِبُهُ جَاهِلٌ بِحَالِهِمَا .
فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ بَعْدَ مَوْتِ أَحْمَد بخمسة عَشَرَ سَنَةً فَإِنَّ أَحْمَد تُوَفِّي سَنَةَ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَكَانَ أَحْمَد مُكْرِمًا لِلْبُخَارِيِّ مُعَظِّمًا .
وَأَمَّا تَعْظِيمُ الْبُخَارِيِّ وَأَمْثَالِهِ لَأَحْمَدَ فَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ . وَالْبُخَارِيُّ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ فِي ” خَلْقِ الْأَفْعَالِ ” أَنَّ كِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ لَا تَفْهَمُ كَلَامَ أَحْمَد”.
فتأمل أدب شيخ الإسلام مع الذين أنكروا على البخاري حيث قال :” وَإِنْ كَانَ الَّذِينَ قَامُوا عَلَيْهِ أَيْضًا أَئِمَّةٌ أَجِلَّاءٌ”.
وقوله: (وَإِذَا حَسُنَ قَصْدُهُمْ وَاجْتَهَدَ هُوَ وَهْم أَثَابَهُ اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ عَلَى حُسْنِ الْقَصْدِ وَالِاجْتِهَادِ).
وقال البخاري في خلق أفعال العباد (2/119) :” 227- : وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِكَلاَمِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَإِنَّهُ يُعْلَمُ ، وَيُرَدُّ جَهْلُهُ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، فَمَنْ أَبَى بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ ، كَانَ مُعَانِدًا ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} ، وَلِقَوْلِهِ : ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾.
228- قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ : فَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ الْفَرِيقَانِ لِمَذْهَبِ أَحْمَدَ وَيَدَّعِيهِ كُلٌّ لِنَفْسِهِ ، فَلَيْسَ بِثَابِتٍ كَثِيرٌ مِنْ أَخْبَارِهِمْ ، وَرُبَّمَا لَمْ يَفْهَمُوا دِقَّةَ مَذْهَبِهِ.
229- بَلِ الْمَعْرُوفُ عَنْ أَحْمَدَ وَأَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ كَلاَمَ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ، وَمَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ ، وَأَنَّهُمْ كَرِهُوا الْبَحْثَ وَالتَّنْقِيبَ عَنِ الأَشْيَاءِ الْغَامِضَةِ، وَتَجَنَّبُوا أَهْلَ الْكَلاَمِ ، وَالْخَوْضَ وَالتَّنَازُعَ إِلاَّ فِيمَا جَاءَ فِيهِ الْعِلْمُ ، وَبَيَّنَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”
فهنا البخاري ينقل مذهب أحمد ويقره ، فأين الخلاف ؟ ، وأين تصريحه باللفظ بل ينقل عن أحمد أنه كره التنقيب في الأمور الغامضة ولا شك أن (اللفظ منها)
وقال الذهبي في السير (15/ 494) :” مَعَ أَنَّ البُخَارِيَّ – رَحِمَهُ اللهُ – مَا صرَّح بِذَلِكَ، وَلاَ قَالَ: أَلفَاظُنَا بِالقُرْآن مَخْلُوْقَة.
بَلْ قَالَ: أَفعَالُنَا مَخْلوقَة، وَالمقروء الْمَلْفُوظ هُوَ كَلاَمُ الله – تَعَالَى -، وَلَيْسَ بِمَخْلُوْقٍ، فَالسُّكوت عَنْ تَوَسُّع العبارَات أَسلمُ للإِنسَان”.
فهنا الذهبي ينفي عن البخاري صريحاً القول بقول اللفظية وفي ذلك عبرة لمحققي سير أعلام النبلاء الذين يصرون على نسبة هذا القول للبخاري، وقد نسب ابن عبد البر في الانتقاء لأبي ثور القول باللفظ والثابت عن أبي ثور أنه يبدعهم فهذا وهم من ابن عبد البر
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم