براءة أبي ذر من فرية أحمد أمين المصري

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال أحمد أمين في كتابه فجر الإسلام ص110 وهو يتكلم عن ابن سبأ :” وهو الذي حرك أبا ذر لدعوة الاشتراكية “

وقد كان لي مندوحة عن التعليق على هذا الكلام لولا أنه قد ورد في كتاب الشيعة والتشيع عقائد وتاريخ للكاتب المعروف إحسان إلهي ظهير ولم يعلق عليه بشيء

والشيخ إحسان _ يغفر الله له _ له حمية شديدة على الدين ظاهرة من تآليفه على عرج في مواطن معلومة يعلمها من طالع هذه الكتب على أنها مرجع قوي في الرد على الرافضة بل وكل فرقة كتب كالبابية والبهائية والاسماعيلية والبريلوية

وكلام أحمد أمين هذا باطل وقد اعتمد فيه رواية مكذوبة أساء فهمها أيضاً

قال الطبري في تاريخه (4/283) : كَتَبَ إِلَيَّ بِهَا السَّرِيُّ، يَذْكُرُ أَنَّ شُعَيْبًا حَدَّثَهُ عَنْ سَيْف، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ يَزِيدَ الْفَقْعَسِيِّ، قَالَ: لَمَّا وَرَدَ ابْنُ السَّوْدَاءِ الشَّامَ لَقِيَ أَبَا ذَرٍّ، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، أَلا تَعْجَبُ إِلَى مُعَاوِيَةَ، يَقُولُ: الْمَالُ مَالُ اللَّهِ! أَلا إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ لِلَّهِ كأنه يريد ان يحتجنه دُونَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَمْحُوَ اسْمَ الْمُسْلِمِينَ فَأَتَاهُ أَبُو ذَرٍّ، فَقَالَ: مَا يَدْعُوكَ إِلَى أَنْ تُسَمِّيَ مَالَ الْمُسْلِمِينَ مَالَ اللَّهِ! قَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا أَبَا ذَرٍّ، أَلَسْنَا عِبَادَ اللَّهِ، وَالْمَالُ مَالُهُ، وَالْخَلْقُ خَلْقُهُ، وَالأَمْرُ أَمْرُهُ! قَالَ: فَلا تَقُلْهُ، قَالَ: فَإِنِّي لا أَقُولُ: إِنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ، وَلَكِنْ سَأَقُولُ: مَالُ الْمُسْلِمِينَ.

قَالَ: وَأَتَى ابْنُ السَّوْدَاءِ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ أَظُنُّكَ وَاللَّهِ يَهُودِيًّا! فَأَتَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَتَعَلَقَّ بِهِ، فَأَتَى بِهِ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي بَعَثَ عَلَيْكَ أَبَا ذَرٍّ، وَقَامَ أَبُو ذَرٍّ بِالشَّامِ وَجَعَلَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الأَغْنِيَاءِ، وَاسُوا الْفُقَرَاءَ بَشِّرِ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ بمكاو من نار تكوى بها جباهم وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ فَمَا زَالَ حَتَّى وَلِعَ الْفُقَرَاءُ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَأَوْجَبُوهُ عَلَى الأَغْنِيَاءِ، وَحَتَّى شَكَا الأَغْنِيَاءُ مَا يَلْقَوْنَ مِنَ النَّاسِ.

فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عُثْمَانَ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَدْ أَعْضَلَ بِي، وَقَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ كَيْتَ وَكَيْتَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ: أَنَّ الْفِتْنَةَ قَدْ أَخْرَجَتْ خطمها وعينيها، فَلَمْ يَبْقَ إِلا أَنْ تَثِبَ، فَلا تَنْكَأ الْقَرْحَ، وَجَهِّزْ أَبَا ذَرٍّ إِلَيَّ، وَابْعَثْ مَعَهُ دَلِيلا وَزَوِّدْهُ، وَارْفُقْ بِهِ، وَكَفْكَفِ النَّاسَ وَنَفْسَكَ ما استطعت، فإنما تُمْسَكُ مَا اسْتَمْسَكْتَ فَبَعَثَ بِأَبِي ذَرٍّ وَمَعَهُ دَلِيلٌ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَرَأَى الْمَجَالِسَ فِي أَصْلِ سَلْعٍ، قَالَ: بَشِّرْ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِغَارَةٍ شَعْوَاءَ وَحَرْبٍ مِذْكَارٍ.

وَدَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا لأَهْلِ الشَّامِ يَشْكُونَ ذَرَبَكَ! فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: مَالُ اللَّهِ، وَلا يَنْبَغِي لِلأَغْنِيَاءِ أَنْ يَقْتَنُوا مَالا.

فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، عَلَيَّ أَنْ أَقْضِيَ مَا عَلَيَّ، وَآخُذَ مَا عَلَى الرَّعِيَّةِ، وَلا أُجْبِرُهُمْ عَلَى الزُّهْدِ، وَأَنْ أَدْعُوهُمْ إِلَى الاجْتِهَادِ وَالاقْتِصَادِ.

وهذه الرواية على أن متنها لا شيء فيه سوى ما ينسب لأبي ذر في سندها سيف التميمي الكذاب وتلميذه شعيب المتروك

وفيها أن ابن سبأ إنما حاول الإيقاع بين معاوية وأبي ذر في اتهام معاوية بأنه يريد الاستئثار فنزل معاوية لرغبة أبي ذر وسمى المال مال المسلمين

والفرية في كلام أحمد أمين في تسميته ما دعى إليه أبو ذر بالاشتراكية وشتان بينها وبين الاشتراكية

فأبو ذر يرى أن الرجل الغني لا يجوز له أن يكنز الذهب والفضة ولو أدى الزكاة ويرى في المال حقاً سوى الزكاة

ومن خالفه من الصحابة رأى أن ما أدي زكاته فليس بكنز وهذا هو الصواب

وأبو ذر لا يدخل في هذا بقية الأصناف الزكوية كالرزوع والثمار وبهيمة الأنعام

ولا يدخل في هذا من باب أولى الأصناف غير الزكوية كالرقيق والخيل

وإنما يخص بذلك الذهب والفضة في حال كثرتها كثرة عظيمة فأين هذا من الاشتراكية التي تجبر الأغنياء على مقاسمة الفقراء عامة أموالهم وتجبرهم على البقاء تحت سقف معين لا يرقونه أبداً

والاشتراكية في آخر مراحلها تنتهي إلى الشيوعية والإباحية

فكيف يحاكم السلف في القرن الأول لمثل هذه المصطلحات والأفكار الحادثة

ثم إن مذهب أبي ذر لا يوجد حتى في الرواية المكذوبة أن ابن سبأ لقنه له 

ثم بعد كتابتي لما سبق رأيت كلام سوء لإحسان إلهي ظهير يصف فيه أبا ذر بالسذاجة 

قال إحسان في كتابه الشيعة والتشيع ص126 بعد نقله كلامه لابن خلدون :” أولاً : أن أبا ذر رضي الله عنه لشدة ورعه وزهده وسذاجته انطلى عليه أكاذيب عبد الله بن سبأ “

أقول : بل أنت انطلت عليك أكاذيب سيف بن عمر التميمي وتلميذه الدجال وأحمد أمين وقد عقدت فصلاً في الكذابين من أهل التشيع وغيرهم فما انتفعت به تمام الانتفاع 

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم